الغيبة والبهتان

 القاهرة في ٨ من أغسطس سنة ١٩٢٥

رذيلتان فاشيتان في الناس، ترتكزان على أسوأ خلال البشر، وأكثر ما تعتمدان عليه: الجبن، والحقد، والحسد.

رذيلتان إحداهما مثلها مثل الوقح، الذي لا يبالي أن يستر أمام الغير ما به من مظاهر القحة والسماجة، ولا يستحي أن يبرز أمام الأنظار بما يلابسه من عيب ظاهر. والأخرى مثلها مثل اللص الذي يتلمس لنفسه من الظلمات مخبأ يسكن إليه بما سلب، وهناك يلقى غنيمته، ويدور ببصره فيما حوله من الخوف، وتجحظ عيناه من الحذر، وكلما ذكر أنه سارق دقَّ فؤاده فزعًا وجزعًا.

أما الرذيلة الأولى فهي رذيلة الغيبة، وهي أن تقول في الناس من خلفهم ما يؤذيهم ولو كان حقًّا.

وأما الثانية فهي رذيلة البهتان أو الاختلاق، وذلك أن تقول في الناس ما يؤذيهم، وأنت تعلم أنك غير صادق فيما تقول.

•••

للإنسان أن يستمتع بين من يعيش فيهم من الناس بحسن السمعة، وباحترامهم له، وبعطفهم عليه؛ وذلك لأن الإنسان مدني، ومن طبيعة المدنية أن يعايش الإنسان بني جنسه، ويعني بتقديرهم إياه، وصلتهم به، ورعايتهم له.

لكن لهذا الإنسان نزعة الفرد، وحق الفرد، وحرية الفرد، وهو يريد أن ينعم بذلك الحق في مدى واسع، لا يفقد معه حقه المتصل بنتائج مدنيته من عطف، وتقدير، وصلة، ورعاية.

على ذلك يكون من الخير وحسن التوفيق أن يحتفظ الإنسان بحقه الفردي في الحرية، وبحقه المدني في حسن الصلة بالناس.

وعلى ذلك أيضًا لا يكون من الخير في شيء أن تسيء إلى أحد في سمعة حسنة اكتسبها، وليس من الخير في شيء أن تحول عنه شعورًا عامًا تألف لحبه.

وليس من الخير أن تخلق النفرة بينه وبين بيئته، أو تجعل التقاطع بينه وبين عشيرته، وليس من الخير أن تحول بينه وبين إشراق وجوه تلقاه بتحية وابتسام.

إنك إن فعلت كنت مغتابًا، وما كان الله ليرضى عمل المغتابين.

•••

ربَّ مغتاب يلبس مسعاه مسعى الأخيار، وينتحل المعاذير ليتشبه بأهل الحق، فيقول: إني أظهر للناس عيبًا في أحدهم، قد خفي عليهم، وأظهر للناس صورة ما كانوا ليعرفوها على وجهها الصحيح.

ولو أن هذا المغتاب يريد الخير صدقًا لأتخذ الوداد، قبل المخاصمة والعناد. وأخذ بأسباب الإصلاح قبل أن يشهر العداوة والسلاح، ولأسر له النصيحة فيما يرى من العيب قبل أن يفشيه جهرًا وعلانية، فلربما كان في إفشاء العيب رذيلتان: رذيلة الاغتياب، ورذيلة الإفشاء.

•••

أيها الناس، لا تتقولوا جهارًا على فلان إن شذ، أو خرج لتؤذوه، ولا تتقولوا على فلان إنه أساء لتضروه، فإنكم تبوءون بإثم المغتاب إن كان ما تدعون صدقًا، وتبوءون بجريرة المختلق الأثيم إن كان زورًا وبهتانًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤