حقوق الأفراد

١٥ من أغسطس سنة ١٩٢٥

لعباد الله من الله حقوق يجب أن تصان. لهم حقوق أساسية هي الأصول لكل ما يتفرع عنها من حقوق، وهي التي يترتب عليها كل ما يطالب به الإنسان من واجب.

لعباد الله من الله حق الحياة، فواجب عليهم صيانتها وعدم العبث بها حتى تستخدم لما جعلت له من واجبات هذا الوجود.

ولعباد الله من الله أن يكونوا أحرارًا في مظاهر عيشهم ومسعاهم، وذلك؛ لأن الذي يريد أن ينعم بهبة الحياة لا يستطيع أن يعمل حسبما تقتضيه شؤونها وظروفها إلا إذا كان حرًا طليقًا، لا يعطله عن أفعاله معطل، ولا تقف عقبة في سبيل شعوره بأنه الفاعل لما يفعل ويريد، وأنه المسئول عمَّا يهم به ويفعله.

ولعباد الله من الله أن يكونوا أحرارًا في إطلاق ملكاتهم المفكرة، تسير في داراتها، كما تسير في الفضاء الواسع، تلك الشموس والأقمار لا تتقيد في سيرها إلا بسبلها الخاصة من أساليب المنطق السليم ومناحي النظر المستقيم. ولتلك الملكات البشرية أن تتوغل ما استطاعت، وما طاب لها التوغل في مسالك المنطق والنظر. وما كان العقل لابن آدم إلا ليتعقل به، ولم تكن له ملكات التفكير إلا لتؤدي وظيفتها من بحث وتفكير.

•••

تلك هي حقوق الإنسان الأولية التي تستلزم واجباته الأولية، فحقّك الذي ترعاه من الحياة يدعو إلى تقديرك للواجب نحو الحياة، وحقّك الذي ترعاه في أن تكون حرًّا في سعيك، يدعو إلى واجبك في تقدير حرية المسعى والعمل. وحقّك في أن تعتقد وأنت حرّ، وأن تفكر بحرية، يقضي بواجبك في تقدير عقائد الغير وحرية الغير في التفكير.

تلك حقوق لا حد لها إلا حقّ الغير فيها، وأن كل تضييع، أو تفريط في تلك الحقوق، أو في بعضها لهو تفريط في إنسانية الإنسان، أو في بعض ما له من معنى هذه الإنسانية.

أشد ما يؤلم امرأ يقدر حقوق الإنسان، ويرعى حقوق الفرد أن يجد من قوانين الجماعات، أو نزعات الحكومات ما يتعارض وتلك الحقوق. فالقانون الذي يطول بحده القاسي فردًا يستخدم حقّه الطبيعي في حرية الرأي، ثمَّ يحُول بينه وبين الحق المدني في العمل والسعي لهو قانون يتنافى وأصول الحقوق الطبيعية. وأن النزعة التي تنزع إليها الجماعات في تضييق ميدان التجاذب، والتآلف، والتسامح، بينها وبين أفرادها؛ لهي نزعة قاسية لا تتفق وتقدم الإنسانية ورقي الأمم، وإن النزعة التي تنزع إليها الحكومات أحيانًا في أن تبيح لنفسها ولأنصارها حرية التصرف والسعي والعمل، ثمَّ تنكرها على خصومها لهي نزعة قاسية هادمة لأقدس الأصول في حقوق الأفراد ومصلحة الجماعات.

فيا أنصار الحق طالبوا بحق الإنسان حين تشعرون بخطر يهدد حق الإنسان. ويا أشياع الحرية أنشدوا الحرية ما شعرتم، إن الحرية الصالحة الصحيحة في خطر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤