فلما كانت الليلة ٤٥١

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما وصفت للطبيب العلامات الظاهرة قال لها: أحسنتِ، فما العلامات الباطنة؟ قالت: إن الوقوف على الأمراض بالعلامات الباطنة يُؤخَذ من ستة قوانين: الأول من الأفعال، والثاني مما يُستفرَغ من البدن، والثالث من الوجع، والرابع من الموضع، والخامس من الورم، والسادس من الأعراض. قال: أخبريني بِمَ يصل الأذى إلى الرأس؟ قالت: بإدخال الطعام على الطعام قبل هضم الأول، والشبع على الشبع؛ فهو الذي أفنى الأمم، فمَن أراد البقاء فَلْيباكر بالغداء، ولا يتمسَّ بالعشاء، وليقلَّ من مجامعة النساء، وليخفِّف الردى؛ أيْ لا يُكثِر الفصد ولا الحجامة، وأن يجعل بطنه ثلاثة أثلاث: ثلث للطعام، وثلث للماء، وثلث للنفس؛ لأن مصران بني آدم ثمانية عشر شبرًا، يجب أن يجعل ستة للطعام، وستة للشراب، وستة للنفس، وإذا مشى برفق كان أوفق له، وأجمل لبدنه، وأكمل لقوله تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا (الإسراء: ٣٧). قال: أحسنتِ، فأخبريني ما علامة الصفراء، وماذا يُخاف منها؟ قالت: تُعرَف بصفرة اللون، ومرارة الفم، والجفاف، وضعف الشهوة، وسرعة النبض، ويخاف صاحبها من الحمى المحرقة، والسرسام، والجمرة، واليرقان، والورم، وقروح الأمعاء، وكثرة العطش؛ فهذه علامات الصفراء. قال: أحسنتِ، فأخبريني عن علامات السوداء، وماذا يُخاف على صاحبها إذا غلبَتْ على البدن؟ قالت: إنها تتولد منها الشهوة الكاذبة، وكثرة الوسوسة، والهم والغم، فينبغي حينئذٍ أن تُستفرَغ، وإلا تولَّدَ منها الماليخوليا، والجذام، والسرطان، وأوجاع الطحال، وقروح الأمعاء.

قال: أحسنتِ، فأخبريني إلى كم جزء ينقسم الطب؟ قالت: ينقسم إلى جزأين؛ أحدهما علم تدبير الأبدان المريضة، والآخَر كيفية ردها إلى حال صحتها. قال: فأخبريني عن وقتٍ يكون شرب الأدوية فيه أنفع منه في غيره؟ قالت: إذا جرى الماء في العود، وانعقد الحب في العنقود، وطلع سعد السعود، فقد دخل وقت نَفْع شرب الدواء وطَرْد الداء. قال: فأخبريني عن وقتٍ إذا شرب فيه الإنسان من إناء جديد يكون شرابه أهنأ وأمرأ منه في غيره، وتصعد له رائحة طيبة زكية. قالت: إذا صبر بعد أكل الطعام ساعة، فقد قال الشاعر:

لَا تَشْرَبَنْ مِنْ بَعْدِ أَكْلِكَ عَاجِلًا
فَتَسُوقَ جِسْمَكَ لِلْأَذَى بِزِمَامِ
وَاصْبِرْ قَلِيلًا بَعْدَ أَكْلِكَ سَاعَةً
فَعَسَاكَ تَظْفَرُ يَا أَخِي بِمُرَامِ

قال: فأخبريني عن طعام لا تتسبَّب عنه أسقام. قالت: هو الذي لا يُطعَم إلا بعد الجوع، وإذا طُعم لا تمتلئ منه الضلوع، لقول جالينوس الحكيم: مَن أراد إدخال الطعام فَلْيُبْطِئ، ثم لا يُخْطِئ. ولنختم بقوله عليه الصلاة والسلام: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وأصل كل داء البردة.» يعني التخمة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤