خاتمة مقدمة المترجم

في الأشهر الأولى من سنة ١٨٨٢ ساءت حالته الصحية، فساورته نوبات من الدوار والغيبوبة، وتُوفي في ١٩ من أبريل سنة ١٨٨٢، وفي الرابع والعشرين دُفن جثمانه في ديرو «سمنستر» تكريمًا لهذا الرجل، واستجابة للشعور العام، لا في إنجلترا وحدها، بل في جميع العالم المتحضر، وعند تشييعه حمل غطاء نعشه عشرة من جهابذة العلماء، منهم اثنان من الأسرة المالكة، هم: «سير جون لوبوك»، «توماس هنري هكسلي»، «جيمس روسل ليوويل»، «ألفريد روسيل وولاس»، «كائن فرر»، «سير يوس فهوكر»، «سير وليم»، «سبوتزوود»، «إرل دربي»، «دوق أرجيل»، «دوق وسمنستر».

•••

بعد أن تُوفي «داروين» وثُوي في مقره الأخير، مقر العظماء من رجال الأمة الإنجليزية، تألفت لجنة من رجال العلم والأدب وغيرهم؛ لتنظر في إقامة أثر له تخليدًا لذكراه. فلما أُعلن عن ذلك انهالت الاكتتابات من جميع الأنحاء: من أستراليا وبلجيكا وبرازيل ودانمركة وفرنسا وألمانيا وهولندة وإيطاليا ونرويج وبورتغال وروسيا وإسبانيا والسويد وسويسرا والولايات المتحدة ومن جميع المستعمرات البريطانية، ومن العجيب أن هذه الاكتتابات اشترك فيها جميع الطبقات، من ذلك ما جادت به أريحية الناس في السويد؛ إذ بلغت ٢٢٩٦ جنيهًا هبة اشترك فيها جميع الناس، وتراوحت مقاديرها من خمسة جنيهات إلى بنسين اثنين، وانتهى الرأي إلى إقامة تمثال له في المتحف الأهلي للتاريخ الطبيعي.

وفي التاسع من يونيو سنة ١٨٨٥ احتُفل بإزاحة الستار عن التمثال بحضور أمير ويلس بوصفه ممثلًا لأمناء المتحف، وخطب زميله العلامة «توماس هنري هكسلي» رئيس المجمع الملكي خطبة قدم فيها التمثال لسموه، ومما جاء في خطابه:

كذلك أود أن أقدم وافر الشكر لسموك الملكي لتفضلكم بتمثيل الأمناء (في المتحف البريطاني) في هذا اليوم.

بقي عليَّ يا صاحب السمو، وحضرات اللوردين والنبلاء وأمناء المتحف الأهلي للتاريخ الطبيعي، وباسم لجنة تخليد «داروين» أن تتفضلوا بقبول هذا التمثال.

لا أطلب هذا لمجرد تخليد ذكرى، فإن البشر ما داموا عاملين على البحث وراء الحقيقة، فإن اسم «داروين» سوف لا يغشاه النسيان أكثر مما قد يغشى اسم «كوبرنيكوس أو هارفي».

كذلك وعلى التحقيق، لا نطلب منكم وضع التمثال في هذا المكان الأمجد وفي مدخل المتحف الأهلي للتاريخ الطبيعي، شاهدًا على أن مذهب «داروين» قد نال منكم عهد التسليم المطلق به، فإن العلم لا يعترف بمثل هذه الرخص، ذلك بأنه إذا نزع إلى المذهبية، آذن بانتحاره.

كلا، إنما نريد أن تقبلوا هذا التمثال بوصفه رمزًا؛ كي يتذكر رواد هذا المكان من طالبي علم الطبيعة جيلًا بعد جيل، هذا المثل الأمثل، عاملين على تصوير حياتهم على غراره، إذا ما وطَّنوا النفس على استغلال الفرص المتاحة لهم، عن طريق هذا المعهد العظيم المعهود بأمانته إليكم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤