الفصل الثالث

التناحر على البقاء

صلة التناحر على البقاء بالانتخاب الطبيعي – إطلاق الاصطلاح إطلاقًا مجازيًّا أوسع معنى من ظاهره – زيادة الأفراد بنسبة هندسية – الحيوانات والنباتات المرجنة١ يزداد عددها سريعًا – طبيعة المؤثرات التي تحول دون الزيادة – قيام التنافس – مؤثرات المناخ – الوقاية من عدد الأفراد – الصلات التي تربط بعض الحيوانات والنباتات ببعض واختلاطها في مجالي الطبيعة – التناحر على البقاء بين أفراد أو ضروب كل نوع بعينه هو أشد ضروب التناحر قسوة، ويغلب أن تشتد وطأته بين أنواع الجنس الواحد – الصلات التي تربط الكائن العضوي بغيره هي أشد الصلات خطرًا.

***

(١) صلة التناحر على البقاء بالانتخاب الطبيعي

قبل أن أثبت شيئًا في موضوع هذا الفصل، ينبغي ذكر ملاحظات أولية؛ لأظهر الصلة بين التناحر على البقاء والانتخاب الطبيعي. ولا مشاحة في أني لم أعرف أن ما أثبتناه في الفصل السابق لدى الكلام في حدوث شيء من التحول الفردي في الكائنات العضوية بتأثير الطبيعة، كان موضعًا للجدال على إطلاق القول، كما أنه ليس بذي بال أن تُسمى طائفة من الصور المبهمة أنواعًا أو ضروبًا أو نويعات؛ إذ في حيز أية مرتبة من هذه المراتب تقع النباتات البريطانية المبهمة، وهي تبلغ مائتين أو ثلاثمائة صورة، ما دمنا نسلم بوجود ضروب صحيحة أيًّا كانت. على أن إثبات قابلية التحول الفردي (التحولية الفردية)، والاقتناع بوجود نزر يسير من الضروب ذوات الصفات المعينة، إن كانا من الضرورات الأولية التي تقوم عليها أسس البحث في المؤثرات الطبيعية التي تكتنف العضويات، فكلا الأمرين لا يساعدنا على تدبر أصل الأنواع وحدوثها في الطبيعة إلا قليلًا، وإلا فليظهِر لنا المنكرون كيف بلغ هذا التناسب الجميل حد الإبداع والكمال؟ ذلك التناسب الذي نشاهده في شطر من النظام العضوي للشطر الآخر، أو في ظروف الحياة وحالاتها، أو في كائن عضوي لآخر من صنفه، ناهيك بما نراه من التكيفات المشتركة الرائعة الواضحة في «ثقاب الخشب» و«عشب الدبق»، وأقل وضوحًا في الطفيليات الدنيا٢ التي تعلق بشعر ذي أربع أو ريش طائر، أو في تركيب «الخنفساء» التي تغوص في الماء، أو الحب المريش الذي تعبث به خطرات النسيم، ولقد نلحظ هذه التكيفات الجميلة في كل أجزاء العالم العضوي.

ولقد يتساءل المتسائلون: كيف أن الضروب التي أطلقت عليها اسم «الأنواع المبدئية» قد تحولت على مر الزمان أنواعًا راقية مميزة بخِصِّياتها، في حين أن ما يقع بينها من التباين، في أغلب الحالات وعلى أخص الاعتبارات، أبين أثرًا مما يقع بين ضروب نوع معين، وكيف تجمعت الأنواع التي نسميها «أجناسًا مميزة» في حين أن بعضها يباين بعضًا أكثر مما تتباين أنواع الجنس الواحد، وطوعًا لهذا التناحر تنزع التحولات نحو العمل على الاحتفاظ بهذه الأفراد، ثم تمضي متوارثة في أنسالها مهما تكن هذه التحولات تافهة، ومهما يكن من أمر السبب المباشر لحدوثها، متى كانت مفيدة لأفراد نوع ما بصورة من الصور، من حيث علاقاتها الكثيرة المعقدة، بغيرها من الكائنات العضوية، وبحالات الحياة المحيطة بها، كذلك يكون لنسلها فرصة أنسب للبقاء؛ لأن ما يعيش من أفراد النوع، الذي وُلد دوريًّا نزر يسير. ولقد أطلقت اصطلاح «الانتخاب الطبيعي» على هذه السُّنة — سُنة تثبيت كل تحول مهما يكن تافهًا متى كان ذا فائدة — مشيرًا بذلك إلى علاقته بقدرة الإنسان في الانتخاب على أن الاصطلاح الذي أطلقه مستر «هربرت سبنسر» — وهو «بقاء الأصلح» — إن كان أكثر ضبطًا لتبيان ذلك المعنى من وجوه شتى، فهو مطابق له على بعض الاعتبارات. ولقد رأينا فيما سبق أنه من المستطاع أن يحصل الإنسان على نتائج من التحول ذات بال، وأن يجعل الكائنات العضوية ملائمة لاستيفاء مطالبه بما يستجمعه فيها من التحولات المفيدة التي تبدعها الطبيعة في صفات العضويات. أما الانتخاب الطبيعي كما سنرى بعدُ، فقوة غالبة دائبة التأثير في الأحياء، وأنها أعلى كعبًا بما لا يُقاس عليه من قدرة الإنسان، فإن آثار الطبيعة لا يطاولها فن الإنسان بحال من الأحوال.

وسأسهب الآن في شرح «سُنة التناحر على البقاء»، كما أني سأنيلها فيما بعد قسطها الأوفر من الإفاضة والتبيان، فلقد أظهر «ديكاندول» و«لايل» ومن ناحية فلسفية محضة، أن الكائنات العضوية مسوقة إلى تنافس شديد، ولم يتجشم بحث هذا الموضوع في عالم النبات أحد، فكان أقوى من مستر «و. هربرت» أسقف منشستر، بديهة أو أغزر مادة؛ ذلك لسعة اطلاعه على دقائق علم زراعة الأشجار، والتناحر على البقاء، إن كان من الهين أن نظهر بالكلم حقيقة ما يُعنى به على وجه الإطلاق دون التخصيص، فإن من المستصعب أن نعي في الذهن نتائجه الجُلَّى كما خبرت ذلك. فإذا لم نرقب الطبيعة ونظام الكائنات العضوية فيها، وما يتبع ذلك من الحقائق المتعلقة بالاستيطان، والندرة، والوفرة، والانقراض، والتحول، وإذا لم نعها وننزلها من أفئدتنا مكانًا عليًّا، استغلق علينا الأمر واستعجمت علينا أوجه النظر، وأخطأنا في الفهم خطأ كليًّا، فإننا إذ نبصر وجه الطبيعة باسمًا، نوقن بأن مواد الغذاء وفيرة بل فوق الحاجة، ومن ثم نغفل عن أن الطيور التي تغرد حولنا عبثًا تعيش على الحشرات أو الحب، فهي تفنى في معالم الحياة، ويغيب عن أذهاننا مقدار ما يفنى من هذه الطيور أو بيضها أو أفراخها، تقتلها طيور أخرى أو حيوانات مفترسة، كما أننا لا نلاحظ أن وفرة مواد الغذاء في زمن ما، لا تدوم وفيرة في فصول كل سنة من السنين في مستقبل الأيام.

(٢) إطلاق الاصطلاح إطلاقًا مجازيًّا أوسع معنى من ظاهره

وقبل أن أطلق اصطلاح «التناحر على البقاء» إطلاقًا مجازيًّا عامًّا، يتعين أن أبدأ القول بديباجة تساعد على فهم ما نود الإفاضة فيه، كاعتماد كائن على آخر في الوجود، وما يتعلق بحياة الأفراد الطبيعية، مشفعًا ذلك بالبحث فيما هو أكثر من ذلك شأنًا وأخطر مكانة، من الفوز في الأنسال.

إن وجود حيوانين من فصيلة السباع في مجاعة، يختلف جد الاختلاف عن حالة نبات في صحراء مقفرة، فإن الأولين إن كان تناحرهما على البقاء محتومًا، إلا أنهما سوف يجدان طعامًا يقومان به حياتهما، على العكس من الثاني فإنه يجالد الجفاف. ولا خفاء في أن النبات في مثل هذه الحال يعتمد في سبيل البقاء على الرطوبة، وثمة نبات ثمر ألف بذرة كل عام ينضج منها بذرة واحدة في المتوسط، أفليست الحقيقة أن هذا النبات يتناحر في سبيل البقاء، منافسًا غيره من نوعه، أو أنواع أخرى، مما يكسو وجه الأرض؟ فإذا نظرنا في عشب الدبق مثلًا، ووجدنا أنه يعتمد في الغالب على شجر التفاح وبعض أشجار أخرى، ثم أمعنا النظر وأطلنا البحث والاستبصار، حق علينا أن نقول — ويكون قولنا أقرب لمناهج الصواب — إن هذا العشب يجالد هذه الشجيرات التي يعتمد عليها؛ إذ إن نماء عدد كبير منه على شجرة بعينها لا يلبث أن يذيلها، ويميتها، وعند ذلك يصح القول بأن عشب الدبق بعضه يتناحر مع بعض، إذا نما كثير منه على فرع واحد من شجرة بعينها، وإذا كانت حياة هذا العشب وانتشاره في مختلف الأقاليم مقصورة على ما تنثر الطيور من بذره، كانت الطيور عدته الوحيدة في ذلك، وحينئذٍ يصح القول على سبيل المجاز، بأنه يتناحر مع أشجار أخرى من ذوات الثمار؛ إذ تنثر الطيور بذوره في أنحاء مختلفة لتتغذى بها، وعلى هذه الحالات المشتبكة الحلقات، المترابطة الصلات، أطلق اصطلاح «التناحر على البقاء» إطلاقًا مجازيًّا صرفًا؛ لدلالته عليها وملاءمته لها.

(٣) زيادة الأفراد بنسبة هندسية: الحيوانات والنباتات المؤلفة يزداد عددها سريعًا

إن التناحر على البقاء نتيجة محتومة لما في طبيعة العضويات من قابلية الازدياد والتكاثر. وكل كائن في الوجود، إن أنتج في حياته عددًا وافرًا من البيض أو البذور، فلا بد من أن ينتابه الهلاك في بعض أدوار حياته، أو في غضون بعض الفصول أو السنين اتفاقًا، وإلا فإن عدد أفراده يتكاثر بنسبة هندسية لا يتصورها الوهم، حتى لقد نقصر أية بقعة من البقاع دون أن تعضد نتاجه، وسنن الحياة تقضي بأن يربو عدد الأفراد الناتجة على العاجز منها على البقاء؛ لذلك يتعين أن تجري على الكائنات سُنة التناحر على البقاء، أفراد النوع الواحد بعضها إزاء بعض وأفراد الأنواع الخاصة، وحالات الحياة الطبيعية التي تحوط الأفراد، شرع في حكم هذه السُّنة؛ إذ لا يتسنى في مثل تلك الحال أن تزيد كمية مواد الغذاء بطرق عملية، وليس ثمة قيد ناتج عن باعث اضطراري يمنع التزاوج وإخلاف النسل، فإذا أمعن بعض الأنواع في التزايد بنسبة كبيرة أو قليلة، فإن كل الأنواع لا يتيسر لها أن تمضي خاضعة للنسبة ذاتها، وإلا ضاق عليها العالم بما وسع فضاؤه، تلك هي القاعدة التي عزاها «ملتاس» إلى عالمي الحيوان والنبات وثبتها عليهما تثبيتًا.

هناك سُنة لم أعثر في كل المباحث الطبيعية على ما يناقضها، تقضي تلك السُّنة بأن الكائنات العضوية قاطبة تزيد زيادة طبيعية بنسبة رياضية كبيرة، حتى إنه إذا لم تعجل بنسلها أسباب الفناء لملأ وجه الأرض بتولداته زوج واحد منها في زمن يسير، فإن الإنسان وهو من الكائنات البطيئة التوالد يتضاعف عدده في عشرين سنة، وبهذه النسبة القياسية، وفي أقل من ألف سنة يضيق العالم بنسله، قال لينيس:٣ «إن نباتًا حوليًّا يثمر في العام بذرتين، على أنه لا يوجد نبات قليل الإنتاج إلى هذا الحد، وإن البذرتين تنتجان في العام الذي يليه أربع بذرات، تصبح مجموع نبتاته المخلفة من النبتة الأولى، مليون شجرة في عشرين سنة.» والفيل، وهو من أبطأ الحيوانات تناسلًا، لا يقل عدد الحي من نسل زوج منه عن تسعة عشر مليونًا خلال أربعين أو خمسين وسبعمائة عام. ولقد نال مني الجهد في التوصل إلى معرفة متوسط الحد الأدنى لزيادته الطبيعية على وجه التقريب، فوجدت أنه يبتدئ في التناسل غالبًا وهو في آخر العقد الثالث، ويتناسل إلى العقد التاسع، فينتج خلال هذه المدة ستة صغار في المتوسط.
إن لدينا من المشاهدات الثابتة ما هو أصلح من الاعتماد على الاعتبارات النظرية، من ذلك ما صح عن ازدياد كثير من الحيوانات والنباتات زيادة عظيمة في حالتها الطبيعية؛ إذ توافقها الظروف البيئية المحيطة بها في خلال فصلين أو ثلاثة فصول متتابعة، وأعجب من هذا ما يُشاهد في كثير من صنوف حيواناتنا الأهلية التي استُوحشت في بقاع شتى. على أن ما يرويه الكثيرون اليوم عن تكاثر الماشية والخيل، على بطء توالدها في جنوبي أمريكا وأستراليا، إذا لم تكن قد ثبتت صحته ثبوتًا يزيل كل ما يحوطه من أسباب الشك، لكان القول به من قبيل المفارقات. وشأن النبات في ذلك شأن الحيوان؛ إذ من المستطاع أن أورد كثيرًا من الأمثال لنباتات دخيلة أصبحت أكثر النباتات انتشارًا في الجزر التي أُدخلت فيها خلال زمان قصير لا يربو على عشرة أعوام، وكثير من النباتات الأوروبية، مثل القردون٤ وشوكة الجمال٥ الدخيلة في أقاليم «اللابلاتا» بأمريكا الجنوبية، قد أصبحت من أكثر النباتات انتشارًا في هذه الأقاليم المتسعة، وتكسو من مسطحاتها مساحات كبيرة أزيد مما تكسوه أنواع النباتات الأخرى كافة، ومن النباتات التي تعم الآن أراضي الهند من رأس «كومورين»٦ إلى جبال «الهملايا»٧ ما استُحضر من أمريكا عند أول استكشافها، كما أخبرني بذلك دكتور «فالكونار». وفي هذه الحالات وما يماثلها، مما لا يقع تحت حصر، لا يختلف اثنان في أن قدرة التوالد والنماء في هذه الحيوانات والنباتات قد ازدادت فجأة، بدرجة محسوسة ودفعة واحدة. ومما لا مرية فيه، أن ظروف الحياة كانت موافقة لها موافقة تامة، فضعفت أسباب الفناء فعلًا وتأثيرًا في كبارها وصغارها؛ ولذا تكون نسبة ازديادها العددية لا تقضي بالعجب، بل على الضد من ذلك، تعلل لنا سبب تكاثرها ووفرة انتشارها في موطنها الجديد.

إن كل النباتات التي تصل حد البلوغ في حالتها الطبيعية، تنتج بذورًا في كل عام، وقلَّ أن يوجد من أنواع الحيوان ما لا يلد زوجًا كل حول، ومن ثَم لا يداخلنا خلجة من الريب في أن أجناس الحيوان والنبات كافة، تُساق إلى الازدياد بنسبة هندسية، بيد أن كلًّا منها يُعد لنفسه البيئة، ويهيئ الظروف المناسبة التي يتيسر له فيها أن يحتفظ بكيانه كيفما كانت الحال. وهذا التكاثر الهندسي يجب أن يقف الفناء تياره في دور خاص من العمر. ويغلب على ظني أن وفرة ما نعلمه من طبائع الحيوانات المؤلفة قد يسوقنا إلى الزلل؛ فإننا إذ نبصر أن تأثير الفناء فيها قليل، لا نذكر أن الألوف تُقتل منها بالذبح كل حول، عدا ما تفنيه منها مؤثرات طبيعية أخرى، وأن ما تهلكه هذه المؤثرات لا يقل عما يُستهلك منها بالذبح عدًّا.

إن الفرق الأوحد بين العضويات التي تثمر ألوف البذور أو البيض كل عام، وبين الحيوانات القليلة الإنتاج، أن الثانية تحتاج إلى زمان أطول قليلًا عما تحتاجه الأولى لعمارة إقليم برمته مهما كان اتساعه، بحيث تكون الظروف المحيطة بها موافقة لحاجات حياتها، وإليك بعض الأمثلة لتبيان ذلك. فالطائر المسمى الكندر٨ (كاسر العظم) يضع زوجًا من البيض، والنعام يضع عشرين بيضة، ورغم هذا نجد أن الكندر أكثرهما عددًا في إقليم بعينه، و«نَورِس فلمر»٩ لا يضع إلا بيضة واحدة، ومع ذلك فمن المحقق أنه أكثر الطيور في العالم عددًا. وبعض أنواع الذباب تضع مئات من البيض، على العكس من الغوَّابة؛ أي «ذبابة الخيل»١٠ فإنها تضع بيضة واحدة، مما يثبت أن الفرق العددي في النسل لا يحدد الكمية التي يمكن أن تبقى من كلا النوعين؛ ولذا كانت الكثرة في عدد البيض مفيدة بعض الشيء للأنواع التي تعتمد على كمية من الغذاء تختلف قلة وكثرة حسب تغاير الحالات؛ إذ إن ذلك يهيئ لها سبيل التكاثر والازدياد. والحقيقة الواقعة أن الفائدة من كثرة عدد البيض أو البذور، مقصورة على الموازنة بين عدد المولود من الأفراد ونسبة ما تفنيه منها مؤثرات الفناء التي تنتابها في دور من أدوار حياتها، وهذا الدور هو ابتداء فجر الحياة غالبًا، كما يثبت من أغلبية الحالات المشاهدة، فإذا تهيأ لحيوان أن يحفظ بيضه أو فراخه بحال ما، فإن متوسط عدده يبقى على نسبة واحدة، ولو أن نسله يكون قليلًا. أما إذا فسد كثير من البيض أو فني عدد كبير من صغار النسل، وجب أن يكثر نتاج النوع، وإلا فالانقراض مصيره. وإذا فُرض أن نوعًا من الشجر يثمر بذرة واحدة كل ألف سنة في المتوسط، فذلك كافٍ لحفظ عدد محدود من نوعه، بحيث يكون توالده في بقعة ملائمة لطبيعته، وأن البذرة التي يثمرها لا تنالها يد الفساد بحال، وعلى ذلك يكون متوسط عدد أفراد حيوان أو نبات ما، مرهونًا، وبطريق غير مباشر، بعدد بيضه أو بذره الذي ينتجه.

إن نظرة واحدة في النظام الطبيعي تقضي بأن نجعل الاعتبارات السابقة في أذهاننا، وألا نغفل عن أن كل كائن حي يُساق للزيادة إلى حد بعيد، وأن كل فرد من أفراده لا يتسنى له البقاء إلا بعد تناحر شديد ينتابه في بعض أدوار حياته، وأن الفناء ينزل بكبار الأفراد وصغارها في غضون كل جيل، أو خلال فترات الزمان المتتالية، فإذا خفت تلك المؤثرات التي تحول دون تزايد العضويات أو قلَّت أسباب الفناء الذي ينزل بها، فإن عدد الأنواع يزداد دفعة واحدة إلى أبعد الغايات.

(٤) طبيعة المؤثرات التي تحول دون التكاثر – قيام التنافس – مؤثرات المناخ – الوقاية من عدد الأفراد

إن الأسباب التي تصد ذلك المؤثر الطبيعي الذي يسوق أي نوع من الأنواع إلى الزيادة العددية، منهم في غالب الأمر. انظر إلى أشد الأنواع قوة، تجد أنها بالرغم من تكاثرها تُساق إلى التضاعف العددي تضاعفًا مطردًا، غير أننا لا نعرف ضابطًا لطبيعة تلك المؤثرات التي تصد سير نمائها الطبيعي، ولم تهيئ لنا الظروف أن نكتنهها في مثال واحد من المثل التي نشاهدها، ولا ينبغي أن يُعاب علينا جهلنا هذه المسألة، حتى فيما يتعلق ببني الإنسان، ولو أن معرفتنا بأحوالهم لا تُقاس بها معرفتنا بأي كائن آخر في الوجود، ولقد بحث هذه المسألة كثير من الكتاب بحثًا ممتعًا، وآمل أن أنيلها في كتاب آخر حقها من البحث، ولا سيما ما يتعلق منها بالحيوانات الوحشية في جنوب أمريكا، وسأورد الآن ملاحظات قليلة تعطي القارئ فكرة من النقاط الهامة.

من البين أن البيض أو الصغار من نتاج الحيوان هي التي تشتد عليها وطأة المؤثرات، غير أن هذه القاعدة لا تصدق في بعض الظروف، فإن الذي يفسد من بادرات النبات لا يحصيه عد، غير أنه استبان لي من بعض المشاهد، أن أشد ما يكون تأثر البادرات، في أرض قد تكاثفت بما تأصل فيها من الأنواع الأخرى، وكثيرًا ما تفني أعداء مختلفة طبائعها، العدد الأوفر من البوادر، فقد استفلحت قطعة من الأرض لا تربو على ثلاث أقدام طولًا واثنتين عرضًا، وجهزتها بالحرث والنقاء بحيث لا ينافس ما ينبت فيها أي منافس آخر، ثم تعهدت ما نبت فيها من أعشابنا الأهلية، فوجدت أن متوسط ما أفنته الدويبات الزاحفة والحشرات على الأخص، لا يقل عن ٢٩٥ من ٣٥٧ بادرة، على أننا إذا تركنا النباتات العشبية تعاود نماءها بعد حصادها، أو بعد أن ترعاها ذوات الأربع — والتأثير واحد في كلتا الحالتين — لوجدنا أن الأكثر قوة يمحو بالتدريج ما كان أقل منه قوة وأضعف جلدًا، ولو كان بالغًا حد نمائه الطبيعي، والدليل على ذلك أن تسعة أنواع من عشرين نوعًا، قد فنيت في بقعة من الأرض لا تربو مساحتها على ثلاث أقدام عرضًا وأربع طولًا، اجتُثت منها الأعشاب النامية فيها حتى تهيأت الأسباب لنماء البقية الباقية منها نماء طبيعيًّا.

إن كمية الغذاء التي يحصل عليها كل نوع من الأنواع هي التي تحدد مبلغ ما يمكن أن ينتهي إليه كل منها في الزيادة العددية، ويحتمل ألا يكون مجرد حصول النوع على كمية خاصة من الغذاء، السبب الذي يحدد مقدار عدده دائمًا، بل يحدد عدده ذهابه فريسة غيره من الكائنات، فازدياد نسل الحجل١١ والقطا١٢ والأرانب الوحشية في أية بقعة من البقاع المترامية الأطراف، يحتمل أن يكون راجعًا إلى فناء الديدان والحشرات، ذلك أمر لا يخالجنا فيه إلا بعض ريب، يحتمل ألا يصدق فيها نظرنا. وعلى ذلك، إذا لم يُقتل حيوان من حيوانات الصيد في بريطانيا العظمى مدى العشرين عامًا المقبلة، وإذا لم تفشُ أسباب الفناء في الديدان والحشرات في الوقت ذاته، فالغالب أن عددها يقل عما هو عليه الآن، ولو أن مئات الألوف تُقتل منها كل عام في الوقت الحاضر. ومن جهة أخرى، فإنه قلما يهلك شيء من أفراد بعض الأنواع في ظروف خاصة، كما هي الحال في بلاد الهند، فإن النمر قلما يجرؤ على مهاجمة صغار الفيلة، ما دامت في رعاية أمهاتها.

إن لمؤثرات المناخ لأثرًا كبيرًا في وضع حد لمتوسط العدد الذي يجوز أن ينتهي إليه عدد أفراد النوع، فاختلاف فصول السَّنة الدورية التي تكون مصحوبة ببرد شديد أو جفاف عام، لمن أبلغ تلك المؤثرات، ولقد قدرت ما فني من الطير في مقاطعتنا (مقاطعة داون) بإنكلترا خلال شتاء عامي ١٨٥٤، ١٨٥٥ بأربعة أخماسها، مستدلًّا على ذلك بكثرة ما شاهدت من أعشاشها في فصل الربيع، ونسبة هذا الفناء مريعة، إذا وعينا أن فناء عشرة في المائة من النوع الإنساني، بتأثير بعض العلل الوبائية أو النزلات الوافدة، نسبة بعيدة عن القياس، وإنه ليخيل إلينا أن تأثير المناخ مستقل استقلالًا تامًّا عن سُنة التناحر على البقاء. غير أنه بمقدار ما يكون تأثير المناخ في إقلال مواد الغذاء، تكون شدة التناحر على الحياة. أفراد الأنواع المعينة، أو الأنواع الخاصة التي تعيش على طعام واحد، شرعًا في حكم تلك السُّنة، فإذا برد الطقس فتأثيره المباشر لا يلحق سوى الأفراد الضعيفة التركيب الواهية البنية، أو الأفراد التي لم تحصل على غذاء كافٍ خلال فصل الشتاء مثلًا؛ لأن هذه المؤثرات بالطبع تكون أكثر تأثيرًا فيها مما هي في بقية الأفراد. وإذا سافرنا من الجنوب إلى الشمال، أو انتقلنا من إقليم رطب إلى آخر جاف، فإننا نلاحظ أن بعض الأنواع يقل شيئًا فشيئًا حتى تفقد آثاره، وإذا كان اختلاف المناخ في مثل هذه الحالات محسوسًا، عزونا هذه الظواهر بكلياتها إلى تأثيره المباشر، وهذا خطأ محض؛ لأننا نغفل أو نتغافل عن أن كل نوع من الأنواع يعاني دائمًا قسوة ما ينزل به من الفناء الدائم خلال دور من أدوار حياته، حتى في البقاع التي يكثر فيها انتشاره، يجالده فيها أعداء مختلفة صنوفها، يحاولون الاستيطان بأرضه أو الاغتذاء بما فيها من الأرزاق، فإذا ساعد هؤلاء «المستعمرين» تغاير في الطقس يوافق طبائعهم بعض الشيء، فإنهم يزدادون في العدد، وإذا كانت كل بقعة من البقاع مشحونة بادئ ذي بدء بما تأصل فيها من الأنواع، فلا مندوحة من أن تضمحل فيها، أو تتلاشى منها بعض الأنواع ويبقى البعض الآخر، فإذا اقتبلنا الجنوب ولاحظنا أن نوعًا ما آخذ في التناقص، نتحقق أن السبب مقصور على أن الحالات الطبيعية توافق غيره من الأنواع، بيد أنها تلحق به الضرر. وهذه وإن كانت الحال إذا اقتبلنا الشمال، غير أنها أقل درجة منها في الحال الأولى؛ لأن عدد الأنواع قاطبة يقل إذا اتجهنا شمالًا، وكذلك عدد منافسيها وأعدائها. فإذا ضربنا في الأرض مقتبلين الشمال، أو ارتقينا ذروة جبل شامخ، نجد أن الصور العضوية التي قصرت دون النماء بمؤثرات المناخ المباشرة، أكثر مما هي إذا ضربنا إلى الجنوب أو انحدرنا من ذروة حالق، فإذا بلغنا الأقاليم القطبية أو وصلنا إلى قسم الجبال المثلوجة، أو ضربنا في جوف الصحارى العارية، أصبح التناحر على البقاء مقصورًا على مجالدة العناصر الطبيعية.

أما القول بأن المناخ يؤثر في بقعة بعينها تأثيرًا غير مباشر أو يساعد أنواعًا دخيلة على البقاء، فبين في كثرة عدد النباتات المستثمرة في حدائقنا، وفي قدرتها على تحمل مؤثراته، كما أنه في حكم المستحيل أن ترجع هذه النباتات إلى حالة وحشية صرفة؛ وذلك لقصورها على التناحر إزاء النباتات البرية، وعدم مقدرتها على مقاومة أسباب الفناء والتلف الذي تحدثه الحيوانات الأهلية فيها.

إن انتشار الأوبئة والنزلات الوافدة، لأُولى النتائج التي تنجم عن نسبة ازدياد عدد نوع من الأنواع في بقعة معينة من الأرض ازديادًا كبيرًا، كما يُشاهد كثيرًا في حيوانات الصيد في بلادنا. ذلك هو المثل الأول للمؤثرات التي تقف نماء الأنواع وتؤثر فيها مستقلة عن سُنة التناحر على البقاء. وقد تكون تلك الأوبئة والنزلات الوافدة ناشئة من وجود ضرب من الديدان الحلمية التي يعرض لها أن تتكاثر، ولا يبعد أن ترجع أسبابها إلى سهولة انتشار هذه الدويبات في قطعان الحيوانات المتزاحمة، وهذا ضرب من التناحر على البقاء بين الكائنات الطفيلية وفرائسها.

وإذا نظرنا نظرة تأمل، أيقنا بأن أدعى الضرورات لبقاء نوع بعينه، تنحصر في تفوقه على منافسيه، بأن تزداد نسبة عدده على نسبة عددهم، الأمر الذي به نستطيع أن نزيد محصول الذرة وبذور الشلجم وغيرها مما يُنتج في حقولنا؛ لأن كمية البذور الناتجة منها تربو كثيرًا على عدد الطيور التي تقتات بها، كما أن الطيور لا يتيسر أن تزداد في العدد بنسبة توافر مواد الغذاء؛ لما يتولاها من الوهن وقلة التوالد خلال فصل الشتاء، وإن زادت هذه المواد على حاجتها في أي فصل من الفصول الأخرى. وكل مَن تجشم مئونة البحث في ذلك، يوقن بأنه من المستبعد استنبات القمح أو غيره من النباتات التي تماثله في حديقة ما، فقد خسرت في مثل هذه الحال كل حبة بذرتها، فحاجة كل نوع بعينه إلى إنتاج عدد كبير من النسل ليحفظ بذلك كيانه، حقيقة تكشف لنا عن بعض ما يلابسها من الحقائق الطبيعية العامة، مثل تكاثر نبات نادر الوجود تكاثرًا غير عادي في البقاع التي يستنوخ فيها، وإيلاف بعض النباتات وكيفية إيلافها، ووفرة عدد الأفراد، وفي مثل هذه الحالات وما يماثلها، ينبغي أن نتحقق أن نباتًا ما لا يبقى إلا حيثما توافقه حالات الحياة المحيطة به، حيث تؤدي تلك الحالات إلى بقاء كثير من أفراده بعضها مؤتلف ببعض، حتى ينجو النوع من الانقراض. وليس من الواجب أن أطيل القول في ذلك، وإن كان من ألزم الواجبات أن نعي أن للمؤثرات البينة التي تنجم عن خصب الأنواع لدى تهاجنها، وأن للمؤثرات السوأى التي تحدث من التزاوج لجولة واسعة فيما ينجم من تأثير هذه الحالات عامتها.

(٥) الصلات المعقدة التي تربط الحيوانات والنباتات في تناحرها على البقاء

تظهِر لنا كثير من المشاهدات طبيعة المؤثرات التي تعطل نماء الأنواع وما يشمل ذلك من صلات الكائنات العضوية التي تتناحر على البقاء في نفس الإقليم، ومما هو خليق بالذكر مثال واحد، وهو وإن بدا بسيطًا فقد سرني، ففي استافورد١٣ بإنكلترا حيث توافرت شروط البحث والتنقيب عن حال من صلات الكائنات العضوية في هذه المقاطعة قفر مجدب مترامي الأطراف لم تمسه يد الإنسان، استُغلت منه بضع مئات من الأفدنة التي تشابه طبيعة تركيبها عناصر ذلك القفر الأصلية منذ خمسة وعشرين عامًا، وزُرعت تنوبًا. فكانت النتيجة أن النباتات الأهلية القليلة التي كانت متأصلة في البقعة المستغلة تغايرت تغايرًا محسوسًا أكثر مما تتغاير نباتات قطعتين من الأرض، تباين إحداهما الأخرى في طبيعة عناصرها مباينة تامة، ولم ينحصر هذا التغاير في عدد نباتات هذه البقعة النسبي لا غير، بل إن اثني عشر نوعًا من النباتات عدا أنواع الحشائش قد نمت في هذه المزارع، مع أنها لم تكن لتنمو في هذا القفر من قبل، ناهيك بما نزل بالحشرات من المؤثرات العامة، وقد بلغ الغاية القصوى. فستة أنواع من الطيور آكلة الحشرات قد تكاثرت في هذه المزرعة حتى أصبحت من الأنواع الشائعة فيها، ولم يكن لها فيها وجود من قبل، ذلك عدا ما كان يأهل به القفر من هذه الطيور، وهي نوعان أو ثلاثة على الأقل، ومن ثم تستبين لنا طبيعة تلك المؤثرات وشدة فعلها لدى إدخال نوع خاص من الشجر في أرض خلو منه، وليتها وقفت عند ذلك الحد، بل إن الأشجار قد تكاثفت فيها حتى أصبح من المتعذر على الماشية ولوجها. تلك هي التغيرات التي طرأت على تلك البقعة، وتلك مؤثرات استنبات نوع خاص من النبات، أما المؤثرات التي تنجم عن وجود عنصر من العناصر وتحديد مقدارها، فقد شاهدت لها مثالًا آخر بالقرب من «فارنهام»١٤ بإقليم «ساري»١٥ بإنكلترا؛ حيث يوجد من هذه القفار بقاع متسعة يتخللها قليل من أدغال هذا التنوب، نامية على قمم بعض التلال المتناثرة هنا وهناك، ففي خلال العشرة الأعوام الماضية سيجت مساحات، وقد أخذ هذا الشجر يكثف فيها حتى ليتعذر أن تعضد الأرض جميع ما ينبت فيها، ولشد ما عجبت من كثرتها ووفرة انتشارها، وذهبت بي الأفكار كل مذهب إذ علمت أن هذا الشجر لم يبذر ولم تغرسه يد إنسان، فبحثت تركيب مئات من الأفدنة التي لم ينبت فيها هذا الشجر، فلم أجد فيها شجرة واحدة من هذا التنوب، اللهم إلا بعض الشجيرات القديمة النامية في رءوس بعض التلال. غير أني بعد متابعة البحث، وجدت أن عددًا من بادرات التنوب وشجيراته الصغيرة مخلوط بالحشائش الأصلية في هذا المرج تعهدت الماشية بالرعي، ولقد أحصيت منها اثنتين وثلاثين شجرة في بقعة لا تزيد على ياردة مربعة، ولا تبعد بضع مئات من الأذرع عن بعض تلك الأدغال، وشاهدت في بعضها ستًّا وعشرين حلقة من الحلقات السنوية، دليلًا على أنها جاهدت عبثًا خلال أعوام عديدة لتسود على نباتات السهل الأصلية. ولا غرابة في تكاثف الشجر بهذا القفر بتلك السرعة الفائقة منذ نبتت فيه هذه الشجيرات القوية الوافرة النماء، رغم أنه لم يدُر بخَلَد إنسان أنه سيصبح يومًا من الأيام مرعى عظيمًا يغدق على الدواب أقواتها وأرزاقها؛ لجدبه وقحولته وفرط اتساعه.
ولا مرية في أن أنواع الماشية لها الأثر المطلق في بقاء هذا التنوب، بيد أننا نرى في بقاع أخرى من الأرض أن الحشرات لها عين هذه القوة، ونفس تلك السلطة، في بقاء الماشية. ولنا في «باراجواي» بجنوبي أمريكا مثال علمي فيه كل الغرابة، ففي هذه البلاد لم يستوحش فيها شيء من أنواع الماشية أو الخيل أو الكلاب، بيد أن كثيرًا من هذه الأنواع قد استوحشت في مقاطعات الشمال والجنوب، ولقد أظهر «أزارا» و«رينجار» أن ذلك ناشئ عن تكاثر نوع معين من الذباب في هذه البلاد، من صفاته أن يضع بيضه في سرار صغار هذه الحيوانات لدى أول ميلادها. فتزايد هذا النوع من الذباب وتكاثره حسبما نشاهد الآن، ينبغي أن يعطل نماءه سبب من الأسباب، ويغلب أن تكون هذه الأسباب مقصورة على تكاثر بعض الحشرات الزاحفة، فإذا فرضنا أن عدد أنواع الطير آكل الحشرات قد تناقص في مقاطعة «باراجواي»١٦ وزادت الحشرات الزاحفة في نسبتها العددية، كان ذلك سببًا في إقلال هذا الذباب الفتاك، وإذ ذاك تستوحش أنواع من الماشية والخيل، فيؤثر ذلك في زروع تلك البلاد (قياسًا على ما لاحظته في كثير من بقاع أمريكا الجنوبية). وتربيب الزروع يؤثر تأثيرًا بينًا في هذه الحشرات، وهذا بالإضافة إلى ما شاهدناه في مقاطعة «استافورد» في أنواع الطيور الحشرية (آكلة الحشرات).

وهكذا نستبين كيف تتعقد الحلقات بعضها في إثر بعض. وليست هذه حال الصلات العضوية من حقارة الشأن في الحالة الطبيعية دائمًا، فإن استمرار التناحر وتتابع المواقع إحداها وراء الأخرى، يتبعه عادة نجاح متغاير الماهية، غير أننا نرى في هذه الحالات عامة، أن القوى الطبيعية متوازنة توازنًا تامًّا، حتى إنه ليُخيل إلينا خطأ أن مظاهر الطبيعة غير متغايرة على تتالي الأجيال ومر الدهور، في حين أن أقل ظرف من الظروف تأثيرًا، يكون سببًا في انتصار كائن عضوي على آخر في الوجود، ومهما يكن من الأمر، فإن جهلنا وخبطنا في مهاوي الظنون والفروض، ليقذفان بنا إلى التطوح في لجج الحيرة والعجب، إذا خبرنا أن كائنًا عضويًّا قد انقرض من وجه الأرض، وإذ كنا لا نعرف السبب أخذنا نتلمسه، فزعمنا من قبل أن تتابع الفيضانات الطوفانية سيفني عالم الحياة، ثم عقبنا على ذلك بأقوال صورها لنا الوهم، عزونا إليها السبب في بقاء صور الأحياء في هذا الوجود.

أما الحيوانات والنباتات المتجافية الصلة في نظام الطبيعة، فسأورد لها مثالًا آخر؛ حتى يتبين لنا ارتباط بعضها في نسيج مشتبك الحلقات؛ ولذا يجدر بي أن أذكر أن «اللوبيل الوضيء»١٧ وهو نبات نقيل (أي دخيل حيث يوجد في أمريكا) لا يقربه شيء من أنواع الحشرات فلا ينتج بذرًا البتة، كما هو مشاهد في حدائقنا كافة، ويئول ذلك إلى صفاته الطبيعية، أما نباتاتنا «السحلبية»١٨ فإنها تعتمد اعتمادًا كليًّا على الحشرات، في نقل حبوب لقاحها وبالتالي في إخصابها، ولقد تحققت، بعد طول التجربة، أن وجود النحل الطنان ضروري لإخصاب «زهرة البانسي»؛١٩ لأن أنواع النحل الأخرى لا ترتاد أزهاره، كما أن تعود النحل على ارتياد بعض صنوف البرسيم ضروري لإخصابها، فإن عشرين نورة من نورات البرسيم الهولندي،٢٠ قد أثمرت ٢٢٩٠ بذرة، بيد أن عشرين رأسًا أخرى تعذر على النحل ارتيادها، لم تنتج بذرة واحدة، ومائة رأس من رءوس البرسيم الأحمر قد أنتجت بارتياد النحل ٢٢٧٠ بذرة، ومثل هذا العدد عينه لم ينتج بذرة واحدة لامتناع النحل عنه، وإنا لنجد لدى التحقيق أن أنواع النحل الطنان هي التي تعودت ارتياد البرسيم الأحمر وحدها، وأن غيرها من أنواع النحل لم تتوصل إلى كيفية امتصاص رحيقه.

ولقد أشار البعض إلى أن البعوض يستطيع أن يُعد البرسيم للخصب، غير أن كونها تقدر على ذلك في نوع البرسيم الأحمر، أمر تخالجني فيه الريب؛ ذلك لأن ثقلها غير كافٍ للضغط على بتلات الزهرة في هذا النبات. ومن ثَم نُساق إلى القول بأنه مما يغلب حدوثه أن جنس النحل الطنان إذا انقرض أو قلَّ عدده إلى حد الندرة في إنكلترا، فإن البانسي والبرسيم الأحمر، تضحى قليلة العدد، إن لم تنقرض انقراضًا تامًّا. ونرى من جهة أخرى أن عدد النحل الطنان في أي إقليم، يتوقف غالبًا على عدد أفراد «فأر الغيط» فيه، فإن هذا الفأر يحدث بخلياته وبيوتها ضررًا بالغًا.

قال كولونيل «نيومان»، وهو من الذين درسوا طبائع النحل الطنان: «إن ما يهلك في إنكلترا منه يربو على ثلثي عدده.» وعدد أفراد فأر الغيط متوقف على عدد أفراد «السنور» في كثير من الاعتبارات، كما يعرف ذلك كل إنسان. وقال «نيومان»: «ولقد تبين لي أن بيوت أنواع النحل الكبير تكثر حول القرى والضياع الصغيرة، وذلك راجع إلى كثرة عدد السنانير حيث تفنى كثيرًا من فأر الغيط.» فمن المحقق أن كثرة وجود حيوان سنوري في مقاطعة بعينها ضروري في تعيين حد لتكاثر زهور خاصة؛ بسبب ما يقع من التأثير على فأر الغيط، وما يتبع ذلك من تزايد النحل.

فإذا نظرنا نظرة عامة في كل نوع من الأنواع، رجح لدينا أن مختلف المؤثرات المعطلة التي تؤثر فيها خلال أدوار مختلفة من العمر، أو خلال فصل من الفصول المتباينة، أو سَنة من السنين، قد أحدثت فيها تأثيرًا معينًا، من هذه المؤثرات، ما له القوة الغالبة والأثر الأول بصفة عامة، غير أن النتيجة التي يشترك في إحداثها مختلف هذه المؤثرات عامة هي وضع حد لمتوسط عدد الأفراد أو بقاء نوع معين.

ونستطيع أن نثبت بالبراهين الحسية، أن أشد المؤثرات التي تقف النماء اختلافًا وأكثرها تباينًا، تتشابه نتائجها التي تطرأ على النوع الواحد في بقاع مختلفة، ولقد نعزو إلى المصادفة وتأثيرها عادة، تكاثف النباتات والأعشاب التي تكسو بعض الشواطئ وتحديد عددها النسبي، على أن هذا محض ادعاء لا تؤيده القرائن ولا الأدلة القاطعة؛ إذ كلنا يعرف أنه عندما تُقطع أشجار بعض الغابات في أمريكا، ينشأ من ذلك نماء بعض الزروع. وشُوهد أخيرًا في خرائب بعض الغابات الهندية القديمة في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة — ولا بد من أن تكون أشجارها قد استُؤصلت من قبل — أنها تشارك غيرها من الغابات البكر المجاورة من حيث الصفة والجمال والنسبة النوعية، وكم من مناحرة اشتد أوارها بين صنوف النباتات المختلفة خلال قرون متطاولة، وكم تناثرت بذورها بالألوف في بقاع متفرقة! وكم من حرب استعرت بين حشرة وحشرة، أو بين الحشرات والحلازين وغيرها من الحيوان والطير والمفترسات، فهي مسوقة بطبيعتها إلى التكاثر، مغتذية بعضها ببعض أو بالشجيرات النامية، أو البذور أو البادرات أو غيرها مما يكون قد اكتسى به وجه الأرض من قبل، فعاقت نماء ما يستجد من الأشجار الأخرى. خذ قبضة من الريش واقذف بها في الهواء، فإنها تهبط إلى الأرض ثانية، خضوعًا لسنن طبيعية محدودة ماهياتها، غير أن السُّنن التي تخضع لها كل ريشة في هبوطها إلى الأرض لتستبين لنا جلية ظاهرة، على غموضها، عند مقارنتها بسنن الفعل والانفعال التي تقع على الحيوانات والنباتات العديدة غير المتناهية، التي حددت عدد الأشجار التي تعمر خرائب تلك الغابات الهندية القديمة نسبتها إلى غيرها خلال قرون عدة.

إن اعتماد كائن عضوي على آخر كاعتماد حيوان طفيلي على فريسته مثلًا، يقع عادة بين الكائنات المتجافية الصلة في النظام التصنيفي الطبيعي؛ ولذا نقول قولًا حقًّا: إن الكائنات العضوية تتناحر على البقاء كما يتناحر الجراد وما يغتذي بالحشائش من ذوات الأربع، وإن كان هذا التناحر لا يبلغ منتهى شدته في أغلب الاعتبارات، إلا بين أفراد النوع الواحد، فهي على تكاثرها تكاثرًا مطردًا، تقطن بقعة محدودة حيث تتصل بينها حلقات الانتفاع، وتحتاج إلى غذاء واحد، وكلها يقع تحت تأثيرات خطر بعينه. والتناحر بين ضروب النوع الواحد لا يقل عن ذلك شدة وعنفًا، وما أسرع ما يقف هذا التناحر عند حد معين، كما استبان لنا في بعض الحالات، فإننا إذا زرعنا خليطًا من ضروب الحنطة في حقل، وأخذنا الناتج من حبوب هذا الخليط بعد حصاده، وأعدنا زراعته تارة أخرى، وكررنا هذه التجربة عدة أجيال متوالية، فلا شك في أن يتغلب ضرب منها على بقية الضروب، بما في طبيعته من قوة الإثمار، أو موافقة عناصر الأرض له، أو طبيعة المناخ، وما نتيجة ذلك إلا انقراض بقية الضروب وتفرده بالبقاء، فإذا أردت أن تحفظ أصلًا مختلطًا من ضروب البازلاء مثلًا، مختلفة الألوان، وجب أن يُزرع ويُحصد كل منها قائمًا بذاته، ثم تُخلط حبوبها حينئذٍ بنسبة ملائمة، وإلا فإن عدد بعض الضروب يتناقص شيئًا فشيئًا حتى ينقرض من الوجود، وكذلك الحال في ضروب الأغنام، فقد ثبت أخيرًا أن بعض ضروبها الجبلية تفني ضروبًا غيرها من نوعها، إذا تناحرت على البقاء وإياها، وبذلك لا يتسنى تعايشها في بقعة واحدة.

ولقد فحصت عن ذلك في ضروب مختلفة من الدود الطبي حفظت معًا، فلم تتخلف النتيجة عما تقدم، ومما يداخلني فيه الريب، إمكان حفظ النسب الأصلية التي تكون لضروب نباتاتنا وحيواناتنا الأهلية المتكافئة في قواها وعاداتها وتركيب بنيتها عند اختلاط بعضها ببعض (مع امتناعها عن التهاجن) فترة لا تقل عن ستة أجيال مثلًا، ووجودها بحيث يتسنى لها أن تتناحر كما تتناحر في حالتها الطبيعية المطلقة، مضافًا إلى ذلك عدم الاحتياط في الاحتفاظ ببذورها أو صغارها بنسبة ملائمة لحالتها الطبيعية.

(٦) التناحر على البقاء بين أفراد كل نوع بعينه، هو أشد ضروب التناحر قسوة، ويغلب أن تشتد وطأته بين أنواع الجنس الواحد – الصلات التي تربط الكائن العضوي بغيره هي أشد الصلات خطرًا

لما كانت أنواع الجنس الواحد تشترك عادة في الصفات والعادات، والنظام الطبيعي والصورة والتراكيب الآلية — ولو أن ذلك لا يطرد دائمًا — كان التناحر بينها، إذا ما قامت بينها المنافسة، أشد مما هو بين أنواع الأجناس المتميزة، ولنا في الولايات المتحدة بأمريكا مثال حسن يؤيد هذه الحقيقة، حيث ازداد حديثًا عدد طير الخطاف٢١ وعم انتشاره، فكانت النتيجة أنه أثَّر في أنواع أخرى، فأخذت في التناقص، كما أن ازدياد عدد نوع «دج الدبق»٢٢ في بعض جهات من إيقوسيا كان سببًا في تناقص عدد «الدج المغرِّد». وكم طرأ على أسماعنا حينًا بعد حين أن نوعًا من الفأر قد احتل مركز غيره في الوجود في أقاليم مختلفة متغايرة المناخ، وكذا الحال في روسيا، فقد تغلب نوع الصرصور الآسيوي الصغير٢٣ على بقية أنواع جنسه، وفي أستراليا أخذ النحل الصغير، وهي من الأنواع المعدومة الإبر، في الانقراض والزوال عندما أُدخلت إلى هذه البلاد أنواع نحل الخلايا،٢٤ ومما يُعرف عن نبات «الشارلوك»؛٢٥ أي الخردل، وهو من النباتات التي يكثر وجودها في الحقول، أن بعض أنواعه يتفوق بدرجة عظيمة على بقية أنواع جنسه في كل الحالات. واطراد هذه القاعدة عام في كل الاعتبارات، فإننا لا نكاد نعرف السبب الحقيقي في شدة التناحر وقسوته بين الصور المتحدة الصفات، التي تشغل على وجه التقريب رتبة عضوية متكافئة من رتب النظام الطبيعي، ولا يمكننا غالبًا أن نحدد الأسباب التي بها يتغلب نوع من الأنواع على غيره في معمعة الحياة العظمى.٢٦
ويظهر مما تقدم نتيجة من أكبر النتائج الطبيعية شأنًا نستخلصها من الاعتبارات السابقة هي: أن تكوين البنية والتركيب الآلي في الكائنات العضوية كافة قد تصل أو تخضع في تحولها لصفات أجناس العضويات الأخرى التي يعرض أن تتناحر وإياها على البقاء؛ ابتغاء الغذاء أو السكنى في بقاع ما، أو التي تتخذها فرائس لها، فتجدُّ في الهرب منها والبعد عنها، وإن استبهم علينا سبب ذلك غالبًا، وذلك بيِّن في تركيب أسنان النمر ومخالبه، وتركيب أرجل بعض الطفيليات التي تعلق بشعر النمر في بعض الأحيان، على أن الإنسان لا يسعه أن يعزو الصلات المتشابكة بمجرد النظر، لغير تأثير عناصر الهواء أو الماء عند مشاهدته قدم خنفساء الماء، وتسطحها وجمال تكوينها، أو حب الهندبا٢٧ البري المريش. ومما لا ريبة فيه أن فائدة هذا النبات من وجود الزغب في ثمره بالصفة التي نراها، قد حصل من تكاثف الأرض التي أهلت به، بكثير من أنواع نباتات أخرى ليست من نوعه، فأصبح احتياج هذا النبات لهذه الصفة من مقومات حياته، حتى ينشر الهواء ثمره، ويحمله إلى أرض أخرى خلو من أنواع النبات. أما خنفساء الماء فإن تركيب أقدامها مفيد حتى يعينها على الغوص في الماء؛ لتتسع أمامها سبل التناحر مع بعض حشرات المنطقة الحارة، أو التمكن من صيد فرائسها، أو ليتسنى لها على الأقل الفرار من مفترسيها.

إن ادخار العناصر الغذائية في بذور كثير من النباتات، لتظهر بادئ ذي بدء وكأن ليس لها علاقة بأية نباتات أخرى. على أن ما نشاهده من قوة الشجيرات الصغيرة التي تنتجها حبوب الحمص والفول مثلًا عند زراعتها في أرض، تكاثفت فيها أنواع حشائش بالغة حد النماء، لتسوقنا إلى الاعتقاد بأن الفائدة التي تنتجها هذه العناصر، تنحصر في أنها تعضد بادراتها الصغيرة عند تناحرها مع غيرها من النباتات القوية النامية حولها.

انظر إلى نبات ما يأهل المنطقة المركزية من موطنه الذي تأصَّل فيه، واكشف لي عن السبب الذي يؤثر فيه فلا يتضاعف أو يبلغ ثلاثة أضعاف عدده! ولا مرية في أن هذا النبات يتحمل تأثير مقدار محدود من الحرارة أو البرودة أو الجفاف أو الرطوبة، ومن المستطاع أن ينتشر في مواطن أخرى تزداد فيها مؤثرات تلك العوامل تزايدًا عرضيًّا. ولقد يتبين لنا في مثل هذه الحالات إذا أردنا — وذلك على سبيل الفرض والاحتمال — أن نهيئ لهذا النبات أسباب الزيادة والنماء، أن نعد له من الصفات ما يتفوق به على منافسيه، ونهيئ له من الصفات ما يمتاز به على الحيوانات التي تتغذى به. ومن المحقق أنه إذا طرأ على نباتنا هذا تغاير تركيبي حال وجوده في موطنه الذي ينتشر فيه، لكان هذا التغاير من الظروف التي تفيده في حال حياته، ولا نخطئ إذا اعتقدنا أن السبب المباشر في هلاك بعض النباتات التي تتعدى الحد الأقصى لما يمكن أن تبلغ إليه من الانتشار في بقاع من الأرض، راجع إلى تأثير الطقس، فإذا ألقينا عصا الترحال في الطرف الأقصى من المعمور كأقاليم المناطق المتجمدة أو جوف الصحارى القاحلة، حيث ينتهي عند حدودها انتشار الأنواع الحية عادة، خُيل إلينا أن التناحر قد تقف تأثيراته في الكائنات، والأمر على عكس ذلك، فإن هذه الأقاليم إما أن تكون ذات برد قارس أو قيظ محرق، فيقع التناحر بين بعض أنواع معينة أو غير معينة، ليفوز بعضها بالبقاء في البقاع الأكثر دفئًا أو الأشد اعتدالًا.

ومن ثم نرى أنه إذا وجد حيوان أو نبات ما في إقليم من الأقاليم بين أعداء لم يألفها، تتغير حالات حياته العامة تغيرًا تامًّا، ولو كانت طبيعة المناخ إذ ذاك لا تختلف عنها في موطنه الأصلي شيئًا، فإذا زاد متوسط عدد أفراده، نوقن دائمًا بأن صفاته الطبيعية قد تغايرت حتى أصبحت مباينة لصفاته التي كان معروفًا بها لدينا في موطنه الأصلي، ويكون قد حدث فيه من الخِصِّيات ما تغلب به على صنوف أخرى من أعدائه.

على ذلك، ينبغي لنا أن نعي دائمًا أن لكل نوع من الأنواع خِصِّية يتفوق بها على غيره من الكائنات، ولو على سبيل الترجيح، وغالبًا ما نعجز في كل الحالات عن معرفة الصراط السوي الذي يجب أن نسلكه في هذه السبيل، مما يجعلنا نعتقد اعتقادًا ثابتًا أننا نجهل الجهل كله سُنن تبادل الصلات بين الكائنات العضوية عامة، ويكاد يكون هذا الاعتقاد من الضرورات، ولو أن التسليم به من المعضلات، وكل ما نستطيع الأخذ به هو: أن نعي دائمًا أن الكائنات العضوية كافة، مهما كانت صفاتها وطبائعها، مسوقة إلى التكاثر بنسبة هندسية ذات نظام خاص، وأن كلًّا منها لا بد من أن يتناحر للبقاء مع غيره، وأن ينزل به الهلاك في بعض أدوار حياته الطبيعية، أو خلال الفصول أو الأجيال أو الفترات الزمانية المتتالية.

فإذا نظرنا في سُنن التناحر على البقاء، نظرَ المتأمل، فلا نلبث أن نوقن بأن هذه الحروب الطبيعية غير متناهية، أو هي غير قابلة للانتهاء، وأنه ليس هناك من خطر على الأنواع من جراء ما يعتورها من الهلاك، وأنه لا يبقى حيًّا منها أو يتضاعف عدده إلا الأنواع التي تهيئ لها قوتها، أو كمال بنيتها الطبيعي، سبيل الاحتفاظ بكيانها.

١  المرجنة: المؤلفة.
٢  الطفيليات Parasites، أو الأحياء المتطفلة. والطفيلي كل ما عاش على غيره، وهي كثيرة، منها ديدان الأمعاء، ومنها ما يعيش على البشرة، وكلها من اللافقاريات إذا كانت في الحيوان، وأكثرها من الشعاعيات Radiolaria أو المفصليات Articulata منها ما هو مجهز بخراطيم أو ممصات، ومنها ما فكاكه السفلى قوية نامية، ومنها ما فكاكه العليا مجهزة بعظام مستدقة، ومنها ما يتطفل على الإنسان، ومنها ما يتطفل على الطير. أما النباتات الطفيلية فهي التي تعيش على غيرها، وتغتذي إما بأنسجة النبات الحي، وإما على بقايا الأشجار بعد اجتنائها، وتستمد غذاءها من الهواء إذا عز عليها أن تجد ما تغتذي به من البقايا النباتية، وهي كثيرة العدد مختلفة الصور، منها ما يعيش على الجذور، ومنها ما ينبت في الأرض حتى إذا ما اتصلت بنباتات أخرى علقت بها وتطفلت عليها، ومنها نباتات زهرية أوراقها خضر.
٣  كارل فون لينيه، وعُرف باسم «لينيس» Luinaeus: (١٧٠٧–١٧٧٨م) عالم مواليدي من إسكانديناوة، درس النبات وعكف عليه، وتبحَّر في علم وظائف الأعضاء. صنَّف عالم النبات بحسب الأعضاء التناسلية في طبقاته، ثم صار مديرًا لحديقة النبات، ورحل عدة رحلات قضاها في البحوث النباتية، وكان على رسوخ قدمه في علم النبات ذا عقل فلسفي فياض، وأشهر كتبه «طبقات النبات» طُبع سنة ١٧٥٣.
٤  القردون Cardoon واصطلاحًا: Cyanara carduuculus: نبات حولي من الفصيلة المركبة: Compositae من جنس الخرشوف Artichove، أهلي في جنوبي أوروبا وشمال أفريقيا، وهو كثير الشبه بالخرشوف العادي إلا أن نبتاته أكبر حجمًا، بيد أن كيزان الزهر فيه أصغر. وزُرع منذ زمان طويل، وبخاصة في القارة الأوروبية؛ إذ تُتخذ بعض أجزائه مشهيات أو يُؤكل مسلوقًا في أثناء الشتاء، وذكره دكتور أحمد عيسى في معجم النبات، وذكر له أكثر من عشرة أسماء مختلفة، ففضلت تعريب الاسم عن اليونانية.
٥  Tall Heistle.
٦  رأس كومورين في جنوبي بلاد الهند يشبه جزيرة هندوستان.
٧  جبال هملايا أو «منازل الجليد» أخذًا من الاسم في السنسكريتية: «هيما»؛ أي جليد، و«ألايا»؛ أي منازل أو مواطن. تقع في أواسط آسيا، وهي عدة سلاسل متقاربة، وتحد بلاد الهند شمالًا، والتبت غربًا، أعلى قمة بها «إيفرست» (٢٩٠٠٢ من الأقدام) مشهورة بما فيها من صنوف النباتات النادرة، وهي كعبة المشتغلين بدراسة نبات المناطق الحارة.
٨  الكندر Condor واصطلاحًا: Sarcorhamphus gryphus وسمَّاه بعضهم «كاسر العظم»، ويُعرف في أمريكا باسم «نسر الأنديز». وهو أعظم الطيور الكواسر جثة على ما يقول البعض، ويعيش في رءوس الجبال الشامخة، وقد تكون مرابيه على ١٥٠٠٠ قدم فوق سطح البحر، ولكنه كثيرًا ما يرتاد السهول طلبًا للغذاء، ثم يعود إلى مجاثمه تلك ولا يأوي إلى غيرها، وقد يرتفع في طيرانه حتى يبلغ ستة أميال فوق الأرض، له عرف غضروفي ورقبة ملساء.
٩  نورس فلمر Fulmar Petrel في الفصيلة النورسية: Laridae، وإليها يُنسب كثير من الطيور البحرية.
١٠  الغوابة: ذبابة الغاب أو ذبابة الخيل، وقد تُسمى ذبابة العنكبوت خطأ، وفي الاصطلاح: Hippobosca equine من الحشرات المزجناحية؛ أي المزدوجة الأجنحة: Diptera، تعيش بامتصاص دم ذوات الأربع وبخاصة البقر والكلاب، ولا تضع إلا بيضة واحدة، ولا تضعها إلا من بعد أن يقارب الجنين كمال التكون وهي في جوفها، فتكون جرمًا مسود اللون من حوله غشاء صلب لامع في الضوء، وأما ذبابة العنكبوت فقريبة النسب منها.
١١  الحجل Partridge من الفصيلة الدجاجية Gallin aceous، والحجل الرمادي واسمه العلمي، Perdix cinera، أكثر طيور الصيد انتشارًا في الجزر البريطانية، ويكثر أيضًا في بقاع القارة الأوروبية حيث يوافقه المناخ في إسكانديناوة إلى البحر المتوسط، ويوجد أيضًا في شمال أفريقيا وغربي آسيا. وتختلف أنواعه حجمًا، وأعظمه ما سكن الأقاليم الخصبة والوديان، وأصغره ما عاش في القفار والأراضي المرتفعة، والأنثى أقل حجمًا من الذكر. ومنه الحجل الجبلي لونه قاتم، ويغتذي بالحبوب والحشرات ويساوقها، ويحضن على الأرض حيث تكون أعشاشه في الأماكن الكثيرة الحشائش، ويضع من ١٢ إلى ٢٠ بيضة، ولا يطير إلا مسافات قريبة.
١٢  القطا Grouse من الفصيلة الدجاجية، والقطا والسمان من قبيلة واحدة، فما يُطلق عليه اسم القطا أرجله مريشة، وما يُطلق عليه اسم السمان فلا ريش على أرجله. ومن أنواع القطا الأرقط أو الكندي والقطا الترابي.
١٣  مقاطعة استافورد Staffordshire كونتية من كونتيات إنجلترا.
١٤  فارنهام Farnham: بلدة بمقاطعة ساري بإنجلترا.
١٥  إقليم ساري Surry: بإنجلترا، ويُسمى مملكة الجنوب.
١٦  باراجواي Paraguay: جمهورية بأمريكا الجنوبية.
١٧  اللوبيل الوضيء: واسمه العلمي Lobelia julgons واللوبيل: أُخذا من اسم فلمنكي اسمه «ماتياس دي لوبيل» M. de lobel والوضيء من الصفة المعينة للنوع، ومعناها وضيء أو لماع. وهو من الفصيلة «اللوبيلية» Lobeliaceae وفي خِصِّياتها اختلف صور التويج اختلافًا كبيرًا في أنواعها التي تبلغ ٤٠٠ نوع أو تزيد. وهي من أهليات المناطق الحارة، حيث تنمو في الأحراش في أمريكا وشمالي الهند، وهي أعشاب أو شجيرات، ولبعض أنواعها خِصِّيات سامة، لا سيما ما ينبت منها في الجمهورية الفضية وبيرو وفي جنوبي أمريكا، واللوبيل المائي ينمو في البحيرات على أعماق مختلفة من سطح الماء فيكسوها جمالًا ونضرة.
١٨  النباتات السحلبية Orchid a ceous قبيلة في النباتات الحويصلية؛ أي التي تتكاثر بالانقسام الحويصلي أي الخلوي، وهي عديدة الأنواع، عُرف منها ٣٠٠٠ نوع، وهي منتشرة في كل بقاع الأرض، اللهم إلا حيث يشتد البرد، وكثير منها يعيش بقايا على الأشجار المجتثة فهي طفيلية إلى حد ما.
١٩  زهرة البانسي: راجع تعليق [زهرة الثالوث] في الفصل الأول.
٢٠  البرسيم الهولندي Tsifobuid sepens واصطلاحًا البرسيم اليانع، أو البرسيم الأبيض؛ أي ذو الرءوس البيض، على العكس من البرسيم المرجي T. pratense والبرسيم كثير الأنواع ويذيع في المناطق المعتدلة وأوروبا.
٢١  الخطاف Hirundo في الاصطلاح، واسمه العادي Swallow طير من الجوائم Inceessores من الطيور الحشرية؛ أي التي تغتذي بالحشرات، وهي ذات قدرة كبيرة على الطيران، فوهاء قصيرة المنقار، والجناحان طويلان مستديران عند نهايتهما، والريشتان الجانبيتان في ذيله طويلتان، فتُريان كذلك عند الطيران، كثيرة الأنواع، واسعة الذيوع. وأنواع المناطق الباردة يتهاجر في أثناء الشتاء إلى المناطق المعتدلة. وهذه الطيور قسمان: الطويلة الجناح Swift.s والقصيرة الجناح Swallow.
٢٢  دج الدبق wissel Thrush: طير أوروبي، واسمه في الاصطلاح الحيواني Tardus Viscivorus يقتات بثمار الدبق. انظر: Hristletoe، (تعليق ٥ في المقدمة).
٢٣  الصرصور الصغير Cockroach: من الحشرات المسجناحية؛ أي المستقيمة الأجنحة، جسمها مسطوح والرأس مغشى بخزفة، والفروق بين الذكر والأنثى كثيرة تظهر في تركيب الأجنحة وحجم الجسم.
٢٤  نحل الخلايا Huie bee. وفي الاصطلاح نحل الملء Apis mellifieca: من الحشرات ذوات العادات الاجتماعية، وهو من الحشرات الغشجناحية؛ أي الغشائية الأجنحة.
٢٥  الخردل البري Charlock واسمه العلمي: الخردل الحقلي Sinapis avveusis من الصليبيات Gercijere.
٢٦  يشتد التنافس بين أفراد النوع الواحد لاتفاق الاحتياجات من نفس المطالب في نفس الوقت. (المراجع)
٢٧  الهندبا Dsndelion: من الفصيلة المركبة Compositae.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤