الفصل السادس عشر

السؤال المشحون (المركَّب)

loaded question (complex question)

سأل ألكسينس من إليس أحد الفلاسفة على سبيل السفسطة: «هل أقلعتَ عن ضرب أبيك؟» فما كان جواب الفيلسوف إلا أن قال: «لم أكن أضربه ولم أُقلِع!»

لا تُسلِّم بالأسئلة … حلِّل السؤال قبل أن تُجيب عليه.

جون سيرل

درسُ الفلسفة هو كيف تسأل لا كيف تُجيب.

***

السؤال المشحون أو المركَّب هو تكنيك يعمد إلى دس «فروض مسبقة» presuppositions غير مبرَّرة وغير داخلة في التزامات الخصم، داخل سؤال واحد، بحيث إنَّ أي جواب مباشر يعطيه المجِيب يوقعه في الاعتراف بهذه الفروض، والمثال التقليدي على المغالطة.

«هل توقَّفت عن ضرب زوجتك؟»

فأيًّا ما كان الجواب، نعم أو لا، فإن المجيب يعترف بالفرض المسبق وهو أنه كان في وقتٍ ما يضرب زوجته، حين يكون هذا الفرض المسبق كاذبًا أو غير مبرهن عليه يكون هذا مثالًا لمغالطة السؤال المركب أو الملغوم، إنه شَرَكٌ أو أحبولة؛ لأنه يُضيِّق على المُجيب نطاق الخيارات إلى صنف واحد من الإجابة المباشرة، أو عدد ضئيل من احتمالات الجواب المباشر من شأنها جميعًا أن تزعزع موقفَه في الحوار.

انظر أيضًا إلى هذا السؤال المفخخ:

«متى أقلعت عن تعاطي المخدرات؟»

إنه مَصوغٌ بحيث يتضمن داخله عبارتين أخريين لم تتم البرهنة عليهما، ويسلِّم بهاتين القضيتين تسليمًا دون دليل؛ أي أنه ينطوي على «مصادرة على المطلوب» petitio principii؛ لأنه يفترض مسبقًا أجوبةً محددة عن أسئلةٍ سابقة غير مصرح بها، مثل هذا السؤال لا يمكن الرد عليه ببساطة بالإيجاب أو بالامتناع، إنه ليس سؤالًا بسيطًا بل يتركب من عدة أسئلة معبأة معًا في سؤال واحد:
  • (١)

    هل كنت تتعاطى المخدرات فيما مضى؟

  • (٢)

    وإذا كنتَ قد تعاطيتَ المخدرات فهل توقفتَ عن التعاطي؟

  • (٣)

    وإذا كنت قد توقفت عن التعاطي فمتى كان ذلك؟

لا بأس باستخدام هذه الخدعة لإظهار الحقيقة في بعض المواقف،١ فقد دأب المحققون على أن يستخدموا هذا التكنيك لإيقاع المتهم في الاعتراف، يسأل المحقق مثلًا: «أين أخفيتَ جسم الجريمة؟» «أين خبأتَ المالَ الذي سرقتَه؟» «ما الذي دفعَكَ إلى تزوير هذه الوثيقة؟»

والرد الذكي عندما يواجَه المرءُ بهذا السؤال الملغوم هو أن يُحلل مكوناته إلى أجزاء، ثم يُجيب عن السؤال المضمر الأول أو يناقشه أو يفنده، عندئذٍ يتبدد السؤال الصريح من تلقاء نفسه.

وقد يشتمل السؤال الواحد على عبارتين متَّصلتين بحرف عطف، كما لو كانتا مرتبطتين أو كانت إحداهما تستلزم الأخرى بالضرورة، بحيث يُتوقَّع من المُجيب أن يقبلهما معًا أو يرفضهما معًا، بينما إحداهما في حقيقة الأمر مقبولةٌ لديه والأخرى مرفوضة منه!

أمثلة

  • (١)

    هل تؤيد خفض الضرائب وزيادةَ رفاهية الشعب؟

  • (٢)

    هل أنت مع حرية المواطن وحقِّه في استخراج ترخيصٍ بحمل أسلحة؟

  • (٣)

    هل تؤيد حريةَ السوق وترك الرخاء يعم كل أرجاء العالم؟

  • (٤)

    هل تؤيد المادة ٧٦ التي تنص على حرية النشر وعلى حرية إبداء الرأي، وتحكم بالسجن لمدة لا تزيد عن السنتين على مَن ينشر قولًا يؤدي إلى البلبلة ويوقع الفُرقة بين شرائح المواطنين؟

  • (٥)

    هل تؤيد زيادة مصروفات التعليم العام ورفع نوعيته ومستواه؟

  • (٦)

    هل تريد أن تدرسَ الموسيقى وتضيعَ وقتك؟

  • (٧)

    أنت تركت العمل وأوعزت إلى زملائك بالإضراب، حدث هذا أم لا؟

من البين أن السؤال هنا يتضمن عدة أمور ويطلب الرد بجواب واحد! والصورة المنطقية لهذا السؤال هي:

هل تريد (تعتقد/توافق/فعلت …) «أ» و«ب» (و«ج» و«د» …)؟

بينما يمكن للسؤال أن ينقسم إلى:

هل تريد «أ»؟ هل تريد «ب»؟ … إلخ.

فإن كان «أ» و«ب» مرتبطين حقًّا فلا مغالطة هناك، أما إذا كان بالإمكان الإجابة عن كل سؤال بجوابٍ مختلف فإننا نكون بصدد مغالطة منطقية هي «السؤال المركب» complex question.

•••

يؤكد الفيلسوف الأمريكي المعاصر جون سيرل John R. Searle، بصفة خاصة، على ضرورة أن نحلل السؤال الفلسفي تحليلًا دقيقًا قبل محاولة الإجابة عليه، وأن نتجنب المضي في عرض وجهة النظر الفلسفية قبل الوقوف على عناصر السؤال وحدوده وما ينطوي عليه من افتراضات؛ الأمر الذي يؤدي إلى غموض في الفهم وخطأ في الاستدلال، فضلًا عن أنه لا يؤدي إلى أيِّ تقدم في حل المشكلات الفلسفية.٢ وفي هذا المعنى يقول سيرل في كتابه «الوعي واللغة»: «والطريقة التي أحاول أن أبدأ بها هي أن أحلِّل السؤال أولًا، وبالفعل هذا هو الدرس العظيم الذي تُعلِّمنا إياه الفلسفة اللغوية في القرن العشرين: لا تُسَلِّم بالأسئلة، حَلِّل السؤالَ قبل أن تُجيب عليه، إنني أحاول أن أستهل عملي بتحليل السؤال لإدراك ما إذا كان يرتكز على افتراض عقلي خاطئ، أو ما إذا كان يُشبه المشكلة موضع البحث بفئة غير ملائمة من النماذج (الخطأ المقولي)، أو ما إذا كانت المصطلحات المستخدمة في السؤال غامضة نسقيًّا، وأجد بطريقة أو بأخرى أن المشكلات الفلسفية تتطلب على نحوٍ مميز تفكيكًا وإعادة بناء قبل أن تعرف طريقها إلى الحل.»٣
١  يستخدم الممارسون السيكولوجيون أحيانًا هذا التكنيك لاختراق جدار التَّحَفظ والإنكار من جانب المريض، وهو استخدام غير مأمون؛ لأنه قد يفتح ثغرة لتدفق الإيحاءات والاستيهامات و«النبوءات المحقِّقة لذاتها».
٢  د. صلاح إسماعيل: فلسفة العقل، دراسة في فلسفة جون سيرل، دار قباء الحديثة، القاهرة، ٢٠٠٧، ص٥١.
٣  المرجع السابق، الصفحة نفسها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤