الفصل الخامس والعشرون

ذَنْبٌ بالتداعي

guilt by association

يقع المرء في هذه المغالطة حين يذهب إلى أن رأيًا ما هو باطلٌ بالضرورة بالنظر إلى معتنقيه، أو أن دعوى معينة هي كاذبةٌ لا لشيءٍ إلا لأن أناسًا يبغَضُهم يقبلونها ويأخذون بها، فيعمد إلى رفض الدعوى؛ لأنَّها «مرتبطةٌ» في ذهنه بما لا يحب.

تستمد هذه المغالطةُ سطوتها من ميلٍ فطري لدى البشر جميعًا؛ فالإنسان لا يحب أن يُقرن بمن لا يحب، لكأنما الحق أو الباطل ينتقل ﺑ «التداعي» association من أصحابِ الشيء إلى الشيء، أو من أنصار الرأي إلى الرأي.

يتخذ هذا الاستدلالُ الصورةَ التالية:

من الثابت أن أناسًا (أنظمة، جماعات، …) يبغضهم الشخص «س» يقبلون الدعوى «ص»؛

إذن «ص» كاذبة.

غنيٌّ عن البيان أن هذا استدلالٌ خاطئٌ فاحش الخطأ: إن نفور المرء من أن يُقرن بمن يبغضهم هو أمرٌ سيكولوجي لا دخل له بصدق القضايا، ولا يُبرِّر رفض أي دعوى، إن سَفِلَة الناس يعتقدون (شأنهم شأن عليتهم) بكروية الأرض فهل ينال ذلك من هذه الحقيقة؟! أو هل ينبغي أن يسُوءنا الاقتران بهم حين نعتقد في هذا الأمر اعتقادَهم؟!

كانت المكارثيةُ ذات يوم صيغةً خاصةً من مغالطة «ذنبٌ بالتداعي»:١ إذ كان الشخص، أو المنظمة أو الرأي، يُقرن على نحوٍ ما بالشيوعية، وكان الاقتران يُعقد من خلال فكرةٍ مشتركة، من ذلك أن دعاة الحقوق المدنية، مثل مارتن لوثر كنج، كانوا يُتهمون بالشيوعية، بالنظر إلى أن الشيوعيين يؤيدون، هم أيضًا، الحقوق المدنية، ولتبيان هذا الخطأ نُعيد صياغة هذه الحجة في القياس التالي:
جميع الشيوعيين من دعاة الحقوق المدنية،
مارتن لوثر كنج من دعاة الحقوق المدنية؛
إذن مارتن لوثر كنج شيوعي.

وهو قياسٌ خاطئٌ صوريًّا، وكثير من الأمثلة الأخرى لمغالطة «ذنب بالتداعي» تقع في نفس الخطأ.

أمثلة أخرى

  • (١)
    كان النازيون دعاةً ﻟ «اليوجينيا» (تحسين النسل) eugenics؛

    إذن لا بُدَّ من أن يكون تحسين النسل شرًّا مستطيرًا.

  • (٢)
    كان هتلر نباتيًّا vegetarian؛

    إذن النباتية إثمٌ ينبغي اجتنابه.

  • (٣)

    كيف تؤيد ملكية الدولة للصناعات الحيوية؟ ألا تعلم أن ستالين أيضًا كان يفعل ذلك؟

  • (٤)

    كيف تضيف الثوم إلى الثريد (الفَتَّة)؟ ألا تعلم أن اليهود أيضًا يفعلون ذلك؟

  • (٥)

    لن أُصَوِّت أبدًا للدكتور حسان لعِمادة الكلية، أعرف أنه أجدرُ المرشحين وأكثرهم كفاءةً ونزاهة، ولكني أعرف أيضًا أن الخنزيرين سلمان ومؤنس يؤيِّدانه ويُصوِّتان له.

١  عرضنا في فصل «الاحتكام إلى الجهل» ad ignoratiam للمغالطة الرئيسية التي كان يرتكبها السيناتور جوزيف مكارثي، وهي «نقل عبء البينة» أو تأسيس الادعاء على عدم وجود أدلة تُكذِّب الادعاء!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤