عُشُّ الجنون
هؤلاء الطُغاة، الأوغاد، يتآمرون عليَّ ليدوسوني تحت أقدامهم العَفنة، المُتسخة بقذارتهم وبوحل دناءتهم.
أمَا يكفيهم أنهم حرموني من مصدر عيشي؟! حتى يفسدوا عليَّ زوجتي، أمَّ أولادي، كيف تسنَّى لهم ذلك؟ آه، آه … تُرى كيف أقنعوها وأصبحت تسمع لهم؟! تساعدهم، تعمل جاسوسة لهم، آه، آه، ما ألعنَ هؤلاء القوم … إذا أرادوا أن يكسروا المرء، يفسِدون عليه زوجته، يجنِّدونها ضدَّه؛ هؤلاء الكلاب يعرفون أنني حذِر في كلامي خارج البيت، لكنني في بيتي أتكلم بحرية، أشتم، ألعن … أقول ما أشاء.
يا الله … حتى في البيت يودُّون كتمَ أنفاسي، يريدونني أن أكون في سجن دائم، فسلَّطوا زوجتي عدسةً تراقبني. ألا لعنة الله على مَن يستخدم النساء جواسيسَ على أزواجهن.
هؤلاء القوم جبابرة، إيهٍ … جبابرة. لم يستطيعوا أن ينالوا مني في الميدان، إلَّا بعد أن أتوني من الداخل. حتى أموالي في البنوك، أخذوها مني، بواسطة هذه اللعينة، بنت الحرام … علَّموها كيف تدسُّ لي أوراق الشيكات، كي أوقِّعها لهم عند اللحظة التي أنسى فيها نفسي. آه، آه … منها مزَّقتني هذه النَّمِرة من الداخل إربًا إربًا!
لا أدري لماذا لا أستطيع أن أفكَّ قيودها عني منها؟! أظنها تستعين بالسَّحرة؛ نعم، هذا هو ما تعمله هذه الساحرة، أصبحَت أيضًا تسمع إلى السَّحرة، لم يبقَ لها إلَّا أن تتآمر مع الشياطين ضدي، يا سلام … شياطين وسَحَرة يرقصون في منزلي؟!
لكن سأبدأ بمراقبتها، كما تراقبني هي — الحمد لله أخيرًا اهتديت لهذه الفكرة — سأراقب أولًا تحركاتها في البيت وأقرأ عيونها؛ فالعيون تكشف المستور، وسأرسم الخُطط لذلك.
بدأ عُمر المراقبة، ولم تسفر عن شيء. فدمدم في نفسه: هذه المرأة، مُدرَّبة، ذكيَّة، ولا بدَّ أن أستجوبها بنفسي.
– س: لقد اكتشفتُ أيتها الخائنة أنك تخونينني، وجاسوسة لأعدائي منذ فترة، ألا تخجلين من هذه الخيانة؟! يجب أن تعلمي أن الإنكار لا يُجدي معي، أعطيني الإجابة الآن، بنعم أم لاااا.
صمتت الزوجة دون إجابة. ثم همست: «ليس على المجنون حرج، ولا بدَّ أن أبقى لأولادي.»
صاح غاضبًا: أريد جوابًا في الحال.
ردَّت خائفة: ليس لديَّ جواب لأوهامك.
فصال وجال في الغرفة قائلًا: هَمْ … إنها مُذنبة خائنة.
س: كم أعطيتِهم من أموالي يا …؟
قالت: ومتى كان لك أموال، ونحن في فقر مُدقع؟!
فصاح نحوها وهمَّ بصفعها: نعم، لأنكِ استنزفتِ أموالي لهم، يا فاجرة …
ظلَّت هذه التحقيقات تُكرَّر يوميًّا، غالبًا بعد تناول أوراق القات اللعين الذي يزيد من جنونه وأوهامه، ويُبطِل مفعول الأدوية المدسوسة خفيةً في طعامه وشرابه.
فكَّر الزوج في العنف للحصول على الإجابة التي تشفي غليله.
اقترب منها يومًا في المساء، وهو غاضب، يزبد ويربد كأنه مارد من جان، ثم طوَّح يده على خدِّها طرخ، طرخ … وقال لها: أريد اعترافًا في الحال منك وإلا أرسلتك إلى الجحيم، إنني أراك تغازلينهم من جوار ستائر نوافذي يا فاجرة، ألا لعنة الله على مَن تخون نصفها الآخر.
تدخَّل الأولاد لفكِّ شِباك جنونه من حول الأم، وأنقذوها، وعادت إلى بيت أبيها حيثما ترعرعت.
نام الزوج بعد ذلك بيومين كاملين ثم قام بعد سُباته، وسأل عنها، قيل له: لقد عادت إلى بيت أبيها ولن تعود، فأطلق ضحكةً عالية ها ها ها، هه هه … وأخيرًا طردتُها، طردتُها …