مدينة الظمأ

يسكن سامي في حيٍّ فقيرٍ من مدينة الظمأ، هذه المدينة لا تتدفق إليها المياه إلا يومًا في الشهر وسمِّي هذا اليوم «عيد الماء».

في هذا اليوم تهلُّ الأفراح والزغاريد ويكثر الصخب، ويمتزج الليل والنهار.

نفدتْ مياه منزل سامي قبل يوم عيد الماء، فقال غاضبًا لزوجته: كم قُلت لك يا فاطمة ألَّا تضخي الماء إلى خزَّان السطح، فلو سمعتِ كلامي لمَا نضبت مياهنا من الخزَّان.

حلفت له فاطمة، وقالت: أقسم لك أنني لم أستعمل المضخَّة إلا مرةً واحدة يا سامي في الشهر؛ فنحن ننزع الماء بالدلو من الخزان الأرضي دئمًا.

– لا، لا … أنت تكذبين، فقد وجدت صنبور الماء في الحمَّام يوم أمس يَقطر ماءً، من أين له هذا إن لم تضخي الماء إلى السطح؟

لم تستطِع فاطمة أن تنكر، فقالت كمَن ارتكب حماقةً كبرى: كان لدينا غسيل ثياب فسامحني.

صاح سامي بغضب: ماذا، ماذا … أتغسلين الثياب في غير يوم عيد الماء وأنا لا أدري. لا، لا، لن أسامحك على تبديد المياه أبدًا، فهو حياتنا، كيف نعيش ومشروع المياه لن يضخَّ الماء لنا إلا بعد شهر، وليس لدينا قيمة «وايت الماء»، الله لا يرحمك، الله لا يرحمك، يا مبذِّرة المياه. (ثم صمت قليلًا وقال): لا بدَّ أن أعاقبك على هذا التبديد.

ردَّت بُحزنٍ: الذنب ليس ذنبي، هُم السبب في هذا منذ عشرين سنة، ونحن نعاني شُحَّ المياه وهم يتلذذون بمعاناتنا.

– يا امرأة لا تتحدثي في السياسة، وإلا لن يضخوا لنا الماء هذا الشهر.

– اطلبْ من جيراننا وسنقضيهم يوم عيد الماء.

– هُم يشكُون من نفس المشكلة أيضًا.

– إذن الحل أن تجلب الماء أنت وأولادك من المسجد المجاور.

– يا امرأة لن يسمحوا لنا، كذلك هو يعاني شُحَّ المياه، وقريبًا سيكون جواره تلٌّ صغير من التراب الطاهر للتيمُم … ههههه.

– ومسجد الرحمن؟

– لا، لن نذهب إلى هناك، فهو بعيدٌ عنا.

أخذ سامي وعاءه (دبة سِعة عشرين لترًا)، ثم ذهب إلى جاره ناجي وسأله: يا صديقي ناجي، أرجو منك عشرين لترًا من الماء فقط دَينًا إلى يوم عيد الماء.

– لا تحزن يا صديقي سوف أعطيك نصف ما عندي.

فرِح سامي ثم قال: فُرِجَت وكنت أظنها لا تفرجُ.

ورجع وهو يحدِّث نفسه: سألقن الأم وعيالها درسًا، سأنزِع صنابير المياه من المطبخ والحمَّام، ولن نستخدم الماء إلا بالإناء فقط، ووداعًا يا صنابير المياه وداعًا … آه، آه لماذا لم أنزعها منذ زمن بعيد لماذا؟ أمَّا الاختلاء بفاطمة فسيكون يوم عيد الماء، أو حين تدرُّ السماء. ثم ابتسم وقال: هؤلاء الناس شياطين، إي والله شياطين، وجدوا أفضل طريقة لتحديد النسل، ونحن شعب مُسلم نغتسل بعد خلوتنا بنسائنا.

وجلس قليلًا وهو يفكِّر وسأعمل … و… فانقلبت دبة الماء فجأة، وساح الماء على الأرض.

٤ / ٢٠٠٩م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥