زواج مجاني

سترين يا حماتي المنزل الذي أعددته، كم هو جميل ورائع، فقد أثثته وفرشته من أفضل أنواع المفروشات، حتى ترضَي عنه أنت، قبل ابنتك «مُنى». نعم، هو عُش زوجية صغير، لكنَّه سيكبر قليلًا، قليلًا … مع الأيام، فأنتِ تعرفين يا حماتي، منذ أن خَطبت مُنى قبل ثلاث سنوات، وأنا أعمل ليلًا ونهارًا لرضاك لا، لا … أقصد لرضا خطيبتي مُنى. أريدها أن تكون أسعدَ زوجة في العالم، فأنا أحبها كحب قيس لليلى.

قالت حماته يا ابني: نحن نعرف أنك رجل مهذَّب وشريف، تحترم ابنتنا وستحافظ عليها؛ لهذا نحن لم نطلب منك سِوى أن تؤثِّث منزلًا وتفرشه فقط.

– شكرًا، شكرًا … على مساعدتكم لي، وتقدير ظروف الشباب أمثالي الذين لا يقدِرون على تحمُّل نفقات الزواج المكلِّفة والباذخة هذه الأيام. إي والله، عادة جلبناها من الخارج، والله يا حماتي، إنَّه إسراف، إسراف، دون داعٍ لذلك.

اسودَّ وجه حماته وساد الصمت … حتى وصلوا إلى المنزل. وهو يفتح الباب: سترين يا حماتي كم هو منزل جميل، آه يا حماتي كم تعِبت حتى جهَّزته، لا أبٌ يساعدني ولا غيره.

دخلوا جميعًا. تفحَّصت حماته المنزل جيدًا وكأنها ستشتريه، وقالت له: ماذا يا مازن، غرفتان فقط؟! المطبخ متر في متر، أين صالة الضيوف، أين الستائر الجميلة أين … أين …؟ أما يكفي أنني سأعطيك ابنتي الغالية مجانًا، فقط أن تجهِّز بيتًا للسكن، وتجهِّز عروستك. نحن يا بني لا نريد شيئًا لجيوبنا حتى ريااال واحد.

اصفرَّ واحمرَّ وجه مازن، وقطرت دمعتان من قلبه أحرقت أحشاءه. فقال لها: سأحصل على غيره في المستقبل القريب إن شاء الله يا حماتي، هذه لن تكون عقبةً تقف أمام زواجنا.

وافقت حماته على مضض؛ لأنها تدرك أن قطار زواج ابنتها سيفوتها.

أمسى مازن يحلُم أحلامًا جميلة، مُجنِّحًا فوق السحاب … وفي اليوم التالي ذهب إلى بيت حماهُ ومعه بعض أقربائه. طرق الباب فقيل له: أهلًا وسهلًا … بابننا الغالي اﻟ… اﻟ…

تهلَّل وجهه، وحدَّث نفسه: «والله إنهم سيزوجونني كما قيل لي، فهم يحبون ابنتهم.»

– تفضَّل يا ابني تفضَّل أهلًا وسهلًا … أنت في بيتك.

قال في نفسه: «غدًا سوف ألقاكِ يا مُنى، يا سلام على أسرة محترمة، الحمد لله، الحمد لله على هذا النصيب.»

سأل مازن: متى يا عمي العُرس إن شاء الله؟

ردَّ حماهُ: مثل ما تشاء يا بني … ثم أضاف: وأنا عند وعدي كما قُلت لك سابقًا قبل ثلاث سنوات، نحن لا نريد شيئًا لنا، فقط جهِّز ما تحتاجه عروستك، وهذه قائمة بمتطلَّبات العُرس، اقرأها.

أخذ مازن القائمة. قرأ أول سطر فيها، فاندهش. جحظت عيناه قليلًا، احمرَّتا، اسودَّ وجهه، شَعرَ أنه يهوي من فوق السحاب، يغوص في الأرض، أحسَّ بنارٍ تتقد في أحشائه. فهتف برفق: قليلًا من ماء.

بعد أن شرب سأله عمُّه: ماذا جرى لك؟!

قال وهو يمتعض: نار في مَعِدتي يا عمي، أحيانًا تهاجمني حُرقة في مَعِدتي من وقت لآخر.

ثم قال عمُّه: هه … كيف رأيت التكلفة؟

ردَّ مازن: يا عمي زواااجة مجانية كما تفضَّلتم، لكن يا عمي إنها تحتاج إلى ثلاث سنوات أخرى لتنفيذها.

قال حماه: لكن لا أدري يا بني هل ستبقى الأسعار كما هي أم ستزيد؟

– أعرف، أعرف يا عمِّي ستزيد طبعًا، وسأنتظر ثلاث سنوات أخرى أيضًا، ثم أخرى … ثم …

٥ / ٢٠٠٩م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥