الزبَّال

أصرَّ عُمر الفقير، على العمل في حي السعادة، فسأله مسئول النظافة في البلدية: لماذا تصرُّ على العمل في هذا الحي يا عُمر؟!

ردَّ عمر ضاحكًا: يا سيْدي «جاور السئيد تُسئد».

ضحِك المسئول هأ، هأ، هأ: أوَتريد أن تكون غنيًّا مثلهم؟

لم يفصح عمر عن سرِّ إصراره على طلبه، لكنه قال للمسئول: والله يا مدير، أقصد يا سيْدي، لي ابن خال «يأمل» هناك، وأريد أن أكون بجانبه.

تم تعيين عمر الفقير، زبالًا في حي السعادة، ففرِح غاية الفرح؛ فهو يعرف ما تحتويه زبالة الأغنياء.

لم ينسَ عمر الحيَّ الفقير الذي تربَّى فيه، فأغدق عليهم مما كان يزهد فيه حيُّ السعادة من أشياءَ لا تزال صالحة للاستخدام، ومن طعامٍ شهي، حتى سمِنَ الحي كلُّه.

لم يُظهِر عمر نعمته على مديره، مما كان يجده صالحًا للبيع، وظل كتومًا.

وبعد شهر وبالصدفة، وجده المدير في الحديقة — وليتها لم تحدُث — كان عمر يلبس بدلةً أنيقة، حذاء جميلًا، قبَّعة، نظارة رائعة، وفتاة جميلة تجلس بجواره.

اندهش المدير ونادى: يا عمر الفقير، يا عمر، تعال.

لم يُجِب عمر، ثم صاح المدير بصوتٍ عالٍ: يا زبَّال، اقترب، هناك بعض القُمامة، خذها. أيضًا عمر لم يُعِره أيَّ اهتمام، كأنه لم يعرفه.

قام المدير غاضبًا واتجه إلى عمر، وهو جالس بجوارِ فاتنتِه: لماذا لم تُجِب يا عمر؟!

ردَّ عمر: أنا لَستُ عمر.

– بل أنت عمر الزبَّال عندي في البلدية.

– يا أخي أنا لست عمر، «يخلق من الشبه أربعين».

عاد المدير أدراجه، وهو يكاد يجنُّ ويحدِّث نفسه، يلطم كفًّا بكف: «والله إنه عمر، والله إنه عمر الزبَّال … ولو لبس ثوب الأمراء، ومن أين له هذا وهو من الفقراء.»

فكَّر قليلًا ثم تساءل أيكون حيُّ السعادة هو مصدر سعادة؟! هاااا عرفت لماذا قال جاور «السئيد تُسئد …» هَمْ … سأنقله من حي السعادة هذا.

خرج عمر الفقير من الحديقة، مع فاتنتِه، يضحك معها ويقول: هذا الرجل مجنون، يظنني زبَّالًا عنده!

قالت الفتاة: والغريب أنه كان يقسم، إنك عمر الفقير!

فقال لها: كم من أناسٍ يحلفون يا عزيزتي وهم كاذبون.

ظل عمر الزبَّال، يحلُم أن يتزوج بتلك الفتاة، ويفكِّر كيف سيخفي مهنته عنها، وكم طفل سينجبه منها، ويحدِّث نفسه: «سأُعلم أولادي، حتى يحصلوا على شهادة ام جامئة، وسأنتقل من أُشِّي في حي ام فقير وأبني دارًا في حي ام بسطاء.»

ذهب صباحًا إلى مكتب عمله، والمدير منتظر لهُ على أحرِّ من الجمر.

وصل إلى البلدية فوجده المدير. قال له: أهلًا! وصلت يا عمر، أو ستنكر اسمك اليوم أيضًا؟

– أنا «أُمر» ام فقير، ومتى تنكَّرت لاسمي يا سيْدي؟

– أمس أنكرت اسمك في الحديقة، يا عمر الزبَّال.

– لا، لا … فأنا لم أذهب إلى الحديقة في أي وقتٍ مضى؛ فأنا «أُمر ام فقير الزبااااااال، وأنت مديري، يا سيْدي».

صاح المدير وضرب الماسة بقوة طرااااق: لقد تم نقلك يا عمر إلى حي «الجوالحة».

صاح عمر: لا، لا، أرجوك يا سيْدي، لماذا «تُأقبني»، هل أهملت في «أملي»؟!

– لا، لم تهمل، بل لقد أصدرت قراري وانتهى الأمر.

بكى عمر عند قدمي المدير، وقبَّل ركبته، وهو يبكي: لا، لا يا سيْدي، لا تنقلني، لا تحطِّم مستقبلًا بنيته، أرجوك، أرجوك، لن أنكر اسمي مرةً أخرى أبدًا، أبدًا. وظل يُردِّد: «يا فرحة أخذها ام غراب وطار»، وكاد يُجنُّ …

رحمه المدير، وقال بعد أن فكَّر مليًّا: عفوت عنك يا عمر، على أن تظل كتومًا. وذهب المدير معه يعملان سويًّا في حي السعادة.

٥ / ٢٠١٠م

ملحوظة: في لهجة مناطق تهامة يُنطق حرف العين «أ»، والألف واللام في مقدمة الاسم ينطق «ام» مثلًا الجامعة = ام جامئة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥