أبٌ ديمقراطي
– انظري حذائي يا ماما، هل سيشتري لي أبي حذاءً جديدًا آخر الشهر، أم سيقول مثل كُل مرَّة؟
– لا يا «دُعاء»، أكَّد لي أنه سوف يشتري لك عندما يستلم الراتب.
– وأنا يا ماما! انظري بدلة المدرسة، قد صارت كثوب الشحاذ، لا أستطيع أن ألبسها للمدرسة.
– وأنتَ أيضًا يا سليم سيشتري لك البدلة. اليوم أبوكم سيستلم الراتب، اليوم عيد يا أولادي، ربنا يحفظكم.
قالت دُعاء فرِحة: هه … يا ماما سيشتري «لحمة» اليوم؟!
تحدَّث سليم لأخته: هكذا يقول كل مرَّة، آخر الشهر سأشتري لحمة، ثم يشتري فرخة.
حضر الأب الساعة الثانية ظهرًا، وفاجأته دُعاء: تسلَّمت الراتب يا بابا؟
– نعم يا طفلتي العزيزة، نعم (ووجهه مُتهللٌ).
بعد أن تناولوا وجبة الغداء، نادى الأب الزوجةَ والأولاد: احضروا جميعًا حوالي هُنا: كما تعرفون يا أولادي أنا رجل ديمقراطي، دائمًا أستشيركم في مُتطلبات البيت، وأنتِ يا امرأة اقتربي، أنتِ وزيرتي، ومُستشارتي في هذا المجال، أنتِ وزيرة الاقتصاد في هذا البيت.
ضحِكت سليمة: وزيرة! كيف هذا؟ وأنت صاحب الحل والعَقد، وكل شيء في يدك ومَن في يده المال هو السيد في هذا البلد!
هتف الأب: أعطوني ورقةً وقلمًا يا أولادي. يا زوجتي، هذا الراتب أمامكم. سنبدأ بالأهم فالأهم بما يحتاجه البيت. هذه ٥٠٠٠ ريال قيمة كيس دقيق.
قاطعته سليمة: من أول شيءٍ تكذب يا حازم، فالكيس سعره ٣٠٠٠ ريال.
– هُم، هُم … الذين يكذبون علينا يا حبيبتي يقولون الارتفاع هذا دوليًّا، قبل سنتين، كان سعره ٢٠٠٠، وقبل سنة ٣٠٠٠، والآن صار ٥٠٠٠ ريال، والراتب لم يَزد يا روحي.
حكَّ ذقنه وقال: هذه قيمة زبادي ٤٥٠٠، طماطم ٣٢٠٠، هذا إذا كان سعره سيبقى كما هو الآن، ولن يضاهي سعر التفاح الأمريكي.
نظر نحو أولاده وقال: الزبادي والطماطم يا أولادي مُهم جدًّا هذه الأيام، ومُغذٍّ لأسر الموظفين، العمال، والفقراء، فلولاهما لعانى الكثيرُ من الجوع.
ألستُ أنا مُحقًّا يا وزيرتي؟ حتى إنَّ مزْجَهم، لا يحتاج إلى جهد كبير، ولا غاز، فقط قليل من مسحوق الطماطم مع قليل زبادي. إنها أسرع طريقة لتحضير وجبة طعام في العالم. وهذه ٤٠٠٠ ريال قيمة سُكر.
قاطعته سلمى: الشهر الماضي يا سليم استكفينا بألفي ريال!
– يا روحي، الدولار ازداد سعره خمسة في المائة، والأسعار ارتفعت خمسين في المائة.
سألتهُ دُعاء: والحذاء يا بابا؟
– اصبري يا بنتي الغالية «بعدين، بعدين». وهذه ٢٥٠٠ كهرباء، و٢٠٠٠ فاتورة المياه، إن شاء الله ما تزداد تكلفتهما بجرعة خفية.
قاطعته دُعاء: والحذاء يا بابا قد هي مُمزَّقة.
– دعي أمَّك تخيطها.
– قد خاطتها أمي ثلاث مرات.
– وبدلة المدرسة يا أبي؟
– أعرف يا ابني أعرف، لكن أولًا ما نسدُّ باب الجوع. ألا ترون يا أولادي هذا؟
قالوا: نعم، يا بابا.
– يا أولادي، أنا أبٌ ديمقراطي، أستشيركم في كل شيء. الآن يا زوجتي وزِّعي ما تبقى من الراتب أنتِ وأولادك كما تريدون، فلا بدَّ أن تسود الديمقراطية في هذا البيت.
قام يطفئ همومه بدخان سيجارة، اختطفها من أحد زملائه.
صاح الأولاد: الحذاء أولًا.
– لا، لا، البدلة أولًا، الحذاء … البدلة …
صاح الأب: ألم أعلمكم الديمقراطية يا أولاد؟! تحدَّثوا واحدًا واحدًا … ولا تكونوا مثل مجلس نوابنا.
قالت سلمى للأولاد: اصبروا «بعدين، بعدين». (فقالا لها: هكذا أنتِ مثل بابا.) ثم أضافت: هذا المبلغ قيمة أسطوانة غاز، هذا حق صابون، بصل، بطاط، توابل، فرختين … لم يبقَ يا حازم لشراء زيت للطبخ، كيف أطبخ … بالماء فقط؟!
– نعم بالماء؛ فهو أفضل من الزيوت.
قاطعتها دعاء: والحذاء يا ماما؟
– في العيد يا بنتي، في العيد.
أضافت الزوجة قائلة: آه يا عزيزي، نسينا حقَّ الإيجار! كيف سنعمل؟!
– لا تخافي، سنقول للمؤجِّر: عصرنا الراتب في الخلاط وشربناه خلال يومين، وسندفعه مع إيجار الشهر المُقبل، أظنه سيرقُّ لحالنا ولن يطردنا، لكنه سيرفع الإيجار علينا، كما يرفع التجار أسعارهم، نعم سيشتمني قليلًا، لكن لا يهم السلخ بعد الذبح.