الموتور
أسرع توفيق إلى السوق واشترى ما يحتاجون لغدائهم. وهو عائد زادت رائحة السمك والحنيذ من جوعه، فكاد يلتهم شيئًا منه. قال في نفسه: لا بدَّ أن أصبر، فأصحابي يعانون الجوعَ مثلي، ولا أريد أن أبدوَ لصًّا، لكن لا بدَّ أن أسرع في الوصول إليهم، ولا سبيل إلى ذلك إلَّا أن أستقلَّ «موتور بايك» فهو أسرع، خاصة والشوارع مزدحمة الآن، فأنا أعرفهم كالصواريخ، ما شاء الله. ثم هتف: موتور، موتور … قف على جنب لو سمحت. ركب ثم قال للسائق: بسرعة لو سمحت، فأنا وأصحابي قد استبدَّ بنا الجوع، لنا شهر كامل نحلُم بهذا الغداء.
انطلق الموتور مسرعًا، اجتاز بعضَ السيارات، ثم إشارة حمراء وتوفيق يقول: ما شاء الله … طائرة بصراحة، أنتم لإسعاف المرء الذي على عجلةٍ من أمره، وأجرتكم أقلُّ من التاكسي الأجرة.
اجتازا مركبةً ثم شاحنة، كادت أن تُطيح بهما أرضًا، صاح توفيق: يا الله يا الله … لا، لا … تريَّث يا أخي، بهذه الطريقة ستوصلنا إلى المستشفى وليس إلى إقامتي.
ردَّ السائق باستياء: كما تُريد، سوف أُهدئ السرعة.
لكن السائق انحرف فجأة نحو اليمين، وكثيرًا ما تحدُث هذه الانحناءات، ليسبق موتورًا آخر. كاد توفيق أن يهويَ إلى الخلف ليسقط أرضًا، لولا تشبُّثه بالسائق، فقال وهو يردُّ أنفاسه: لو كُنت أعرف سواقتك هذه ما ركبت معك، هذه ليست سواقة، هذا سباق في وادٍ، لا تفاجئني بهذه الانحناءات، انتبِه تكرر ذلك وإلَّا ترجَّلت عن موتورك وأستقل موتورًا آخر!
قال السائق: أنتم هكذا دائمًا تخافون، لكن كما تشاء.
ساق ببطء: ها الآن ما رأيك بهذه السرعة؟ هل هي مناسبة؟
– يمكن أن تسرع قليلًا.
أسرع السائق وحاول أن يسبق مركبةً فدفعته نحو مركبة أخرى. ارتبك توفيق وهو يتشبَّث بالسائق، وسقط من يده كيس السمك إلى تحت عجلات مركبة أخرى. صاح توفيق: ضاع السمك، آه، آه … كم كان شهيًّا، لكن الحمد لله على سلامة الأرواح.
صاح السائق: تمسَّك بي جيدًا، أنا لست مسئولًا عن متاعك يا أخي.
ردَّ توفيق: وأنت لا بدَّ أن تنتبه، سواقتك هذه مغامرة.
فجأةً، وكثيرًا ما تحدُث المفاجأة لهم، ضغط السائق على كوابح الموتور بقوة فسقط من يد توفيق الرواني والمُقبِّلات، وتبعثر في الشارع، فضحِك على ما جرى وقال: يهنا لك يا شارع، الحلوى والمقبِّلات، فلا تستسغ إلَّا طعام التُّعساء!
أضاف السائق: ألم أقل لك، تمسِّك بي جيدًا، أنا لست مسئولًا إذا حدث لك شيء بعد ذلك. لماذا تركب موتورًا وأنت لا تستطيع أن تُثبِّت نفسك؟!
نظر توفيق إلى الكيس الأخير وهمس: الحمد لله بقي المهم الحنيذ، يا سلام! ما أطيبَ رائحته! يكفينا الحنيذ هذا.
– يا صاحبي الآن أسرع كما تشاء، فأنا الآن متشبِّث بك جيدًا، فلم يبقَ إلَّا كيس واحد.
عبر الموتور الرصيف إلى الجانب الآخر من الشارع ليختصر المسافة، وساق عكس اتجاه السير وانطلق مُجنِّحًا كالصقر، اجتاز مركبة ثم أخرى ارررر … ارررر … دوم، وإذ به يصدم مؤخرةَ مركبة من الخلف وهي قرب إشارة المرور، فطار توفيق في الهواء، وهو يقبض جيدًا بالحنيذ.