الحَمَل
توفِّيت الجَدَّة «حسناء»، وكان نجمها الحَمَل. حضرَ الكثير من الناس العزاءَ، الذي غالبًا ما يُقام ليلًا في الريف. بقيَ الكبار في الدار لإقامة الأذكار الدينية والموالد الصوفية، ونحن الأولاد الصغار نحرس قبرها ليلًا من الحَمَل حتى الصباح، خلال ثلاثة أيام.
حضر إلينا أحد أبناء الجَدة حسناء ونحن بجوار القبر، يستطلع نوبتنا. سأله أحدنا: يا عم حدِّثنا عن الحَمَل.
ردَّ: إنه مسخٌ يشبه الإنسان، له أربع أذرع، اثنتان في صدره واثنتان في ظهره يحمل بهما الموتى.
فُغرت أفواه الأولاد: وااااااه.
هتف: لا تخافوا يا أولاد، إنه لا يؤذي الأحياء أبدًا، أبدًا، هو فقط يسرق الموتى من قبورهم، ويأخذهم مُسرعًا إلى ثكنته، التي لا يعرفها أحد، وله وسائل عِدة للوصول إلى غرضه، أحيانًا يا أولاد يدخل من ثقب صغير إلى القبر، ويُخرِج الجُثة عبرها، ويتقمص صورًا عدة كقط أو كلب أو ثعلب … فانتبهوا يا أولاد إذا ما أُحدِثَ ثقب في القبر، أو مرَّ حولكم طيرٌ أو حيوان، أو رَجلٌ غير معروف.
أُسرج النور حول القبر لنراقب أدقَّ التفاصيل حول القبر، واصطففنا حول القبر، كسلسلة مُتماسكة وكصف جندٍ مرصوص، لا تخترقه اللصوص، ومن كان يغلبه النُّعاس يُقرع بالعصا على الرأس.
في الليلة الأولى لم يمرَّ أمامنا شيء إلا بعض الخفافيش التي كانت تطير فوق رءوسنا، حدَّثنا بعضنا: «ها هو اللعين … قد أتى هو وأولاده بصور الخفافيش.» وازدادت يقظتنا أكثر.
في الليلة الثانية عند العشاء تمامًا مرَّ بجوارنا قطٌّ أسود، فأمطرناه بالحجارة حتى اختفى من أمامنا، ورجعنا أدراجنا خائفين من رجوعه بصورةٍ أخرى، ثم مرَّ عند الغسق كلبٌ فرشقناه بالأحجار وفرَّ بعيدًا وهو يئنُّ من الألم.
في بداية الليلة الثالثة والأخيرة، فتَّش أبناء الجَدة حسناء عن وجود أي ثقب في القبر، فلم يجدوا شيئًا. وفي جُنح الليل البهيم مرَّ رجُل بجوار المقبرة يحمل متاعه، فرشقناه أولًا بالحجار: خذ أيها الحَمَل خذ … يا أولاد مزيدًا من الحجار بسرعة، بسرعة قبل أن يتحول إلى شكلٍ آخر أو يهرب كما هرب أمس، أو يطير في السماء. أمطرناه بالحجارة، ولم نسمع توسُّلاته.
سقط الرجل أرضًا مغشيًّا عليه وسال دمه، ثم ضربناه بالعصي. كان أحدنا يتساءل: أين اليدان اللتان في الظهر، أين، أين …؟ قيل له: اضرب يا صاحب، إنه يخفيهما حتى لا يُعْرَف.
علا صياحنا: قتلنا الحَمَل، قتلنا الحَمَل … ومنَّا مَن ذهب إلى بيت أولاد الجَدة حسناء يصيح: قتلنا الحَمَل …
اندهش الجميع، وسأل أحدهم عن شكله؟! فقلنا: شكله شكل إنسان، احضروا سريعًا لتنظروا إليه.
أسرَعوا جميعًا لينظروا جُثَّة الحَمَل قبل أن يتحوَّل أو يختفي. فقال أحدهم: والله إنكم رجال يا أولاد، لله دركم، لم يعملها أحدٌ من قبل، وأثنَوا علينا واقتربوا منه وهم خائفون، رأوا بجواره متاعًا، فتَّشوه فوجدوا فيه، هدايا، خضراوات، فواكه، حلوى.
قال أحدهم: يا ناس، الحَمَل لا يحمل هذه الأشياء، بل يحمل الموتى فقط.
اقتربوا من الرجل قليلًا … تقدَّم أشجعهم ومسح وجهه المُلطَّخ بالدم، فعرفه وصاح علينا: إنه «مُكرد» من القرية المجاورة يا أشقياء!
أفاق الرجل من سكرته وهو يئنُّ آه، آه … والكبار يتأسفون له كثيرًا، فقال لهم: لصوصٌ وتتأسفون؟! أين متاعي أيها اللصوص؟ تحسَّس متاعه فوجده على ما يرام، ثم قال لهم: لِمَ ضربتموني؟! قال له أحدنا: لقد اعتقدنا أنك الحَمَل يا عم، أتيت لتسرق الجَدة حسناء من قبرها!
فضحِك الرجل ضحكةً طويلة مصحوبة بالألم، وغاب عن وعيه مرةً أخرى.
ملحوظة: يُعتقد في بعض الأرياف أن الحَمَل هو ذلك المخلوق الأسطوري الذي ينبش القبور ويأكل الموتى.