حقُّك على جنب

بعد أن افتتح «صلاح» مكتبهُ «الوسيط للعلاقات العامة» علَّق شهادته في خيط يتدلى كمشنقة دائمةٍ «بكالوريوس سياسة واقتصاد» بتقدير مُمتاز، رُخصة البلدية، سِجل تجاري، خبرات سابقة، والأهم من ذلك الشعار البرَّاق «حقُّك على جنب» استحوذ على مساحة كبيرة في المكتب.

جلس حول سماسرته الذين درَّبهم بعناية على شتى أنواع الوسائل المختلفة للوصول إلى الهدف المنشود، أهمُّها كيفية تطبيق الشعار. جلسوا صباحًا شاخصي الأبصار، تُرى مَن سيدخل عليهم هذا اليوم؟

دخل رجل في منتصف العمر مُكفهر الوجه، عليه سِمة الحُزن مشوبًا بالغضب، سألهم: ما نوع الخدمة التي تقدِّمونها؟

قال أحد سماسرة المكتب: نحن نقدِّم …

قاطعه صلاح: يا سيدي، نحن نقدِّم أهم خدمات هذا العصر، وهي الوساطة بين صاحب المصلحة والجانب الآخر، كيفما كانت، نحن مكتب محترم لدينا كل الُّرخص لمكتبنا من الجهات الرسمية.

نظر الرجل إلى الشهادة المشنوقة بخيطٍ صغير والرخص، وهو يستمع لصلاح، وأضاف صلاح: شعارنا الوحيد يا سيدي كما تراه أمامك، أنت قُل ما هي مشكلتك وسنحل عُقدها بأسرع وقت إن شاء الله.

زفر الرجل، وقلَّب يديه وقال: والله لا أظنكم ستقدِرون على ذلك!

– لا تشكَّ في قدرتنا يا سيدي، اقرأ شعارنا، ألا ترى أنه شعار العصر، حتى في أمريكا موجود، به نسحر القلوب، أنت فقط قُل ما هي مشكلتك واعرفْ أمورًا ننجزها لك، وسوف نحل عُقدها وإن رُبِطت بألف عقدة.

قال الرجل: أنا مُقاول في شقِّ الطرق قدَّمت مُناقصة لشق وسفلتة شارع … لكنهم رفضوا عرض مزادي في مصلحة الطُرق، رغم أنه كان أقلَّ عرض سعر قُدِّم لهم، ولديَّ ضمانات أفضل من غيري.

ضحِك صلاح: مشكلتك أمرها سهل، ما دام وصلت إلينا بإذن الله فشعارنا الساحر سوف يحلُّ لك المشكلة.

– لكن متى فتحتم المظاريف؟

أجاب المقاول: قبل ساعتين.

ابتسم صلاح: هه، هه … الوقت قريب جدًّا، لا بدَّ أن نذهب الآن إلى مدير المشروع حالًا. وانطلقا بسرعة.

– لكن دعني أتحدَّث بحرية.

ردَّ المقاول: تحدَّث كما تشاء.

ذهبا وصلاح يتحدَّث: ستعرف يا سيدي كيف سينبطحون لشعارنا هذا … أنت انظرْ فقط، ما دامت يداك كريمتين.

وصلا إلى مدير المشروع، فتقدَّم صلاح وقال: معك صلاح مسئول مكتب الوسيط للخدمات العامة يا مدير.

ردَّ المدير: أي خدمة أقدمها لك؟

همس صلاح: يمكن أن نتحدَّث على انفراد.

خرج مَن كانوا في المكتب. قال صلاح: يا سيدي، جئت بشأن المُناقصة المقدَّمة من المقاول …

– ها، ها، نعم … أعرفه، ماذا بشأنهِ؟

ردَّ صلاح: أنت تعرف أنه رجل لا يعرف سياسة هذا العصر، ولم يستطِع أن يحدِّثك به، وها هو خارج مكتبك على استعداد أن يعطيكم حقَّكم على جنب ٣٥٪ من قيمة المشروع، هه، ماذا ترى؟

فغرَ المدير فاه وأتلع ببصره نحو صلاح: هوَ قال ذلك؟! دعه يدخل.

دخل المقاول، سأله: أمستعد أن تدفع ٣٥٪؟

أجاب المقاول: نعم سيدي، لكن كيف ستلغون اتفاقكم مع المقاول …؟!

أجاب المدير: هذه حَبكتنا، اعتبر نفسك المنفِّذ لهذا المشروع.

خرج صلاح والمقاول يضحكان. قال المقاول: وهو يضحك بصوتٍ عالٍ: مكتبكم هذا … ساحر والله، خاصة شعاره … هه، هه، هه …

بعد عِدة أشهر اشتهر المكتب وصار نارًا على علم، منهم مَن يقصده ليُدخِل ابنه كلية الطب بأقل معدَّل، ومنهم يقصده للحصول على الوظيفة العامة، دون مُنافسة، ومنهم للحصول على معدَّل ممتاز في الثانوية، ومنهم للقبول في الكليات العسكرية أو الحصول على رخصة قيادة شاحنة لسائق ضرير.

ازدحم المكتب بالزبائن، وفتح فروعًا له في كل المُدن، حتى امتدت مكاتبه إلى القرى. تطوَّر المكتب الرئيسي في قلب المدينة، وافتتح قسم العلاقات الدولية لتسهيل مهمات الشركات الأجنبية.

٧ / ٢٠٠٩م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥