سوق إبليس

هلْ يا محمود سنصل إلى سوق القات الساعة الثانية عشرة ظهرًا تمامًا هذه المرَّة، فقد تأخَّرنا في قطف القات؟

– ما هذا السؤال الغبي يا أحمد! لا بدَّ أن نصل في الوقت المحدَّد، وإلا أنت تعرف النتيجة: «لن يُباع قاتنا، أو نبيع بخسارة فادحة». وأيضًا تعرف زبائنُنا قاتَها قبل قوتِها.

– لكن هذه المرَّة تأخرنا ولم يبقَ معنا من الوقت إلا ساعة لنكون هناك.

– لا، لا تخف، المهم يصل القات إلى سوقه في ميعاده المحدَّد.

مضغ محمود كثيرًا من الأغصان، وركب طيارته «الهيلوكس» وانطلق مسرعًا.

اجتاز عدة مركَبات. فجأةً بدت أمامهما قاطرةٌ في المنحنى الخطِر. قبض أحمد على رأسه بيديه: الله … الله … ضاع القات ضاع، ضاع … غطَّى عينيه بيديه حتى لا يرى النهاية، لا إله إلا الله … لا إله إلا الله، انحرفت المركبة يسارًا وانقلبت مرتين، وعادت واقفةً على إطاراتها في المنحنى الثاني من الطريق.

نظر أحمد إلى القات، فرآه ما زال في مكانه سليمًا، فرُدَّت إليه عافيته. فرِح وهو ينزف الدم من أنفه، وقال: الحمد الله، الحمد لله، القات في مكانه لم يتضرر.

مسح الدم النازف من وجه محمود وهو يقول له: قُم يا بطل، قُم، لم يبقَ من الوقت غير ربع ساعة، وأنت لم تُصَب بأذًى كبير، هو خُدش بسيط في الرأس، والمركبة سنغيِّرها، المهم أن توصلنا إلى السوق في ميعادنا، فعملاؤنا في الانتظار.

ساق محمود المركبة وهو متألم، وأحمد يمسح عنه دمه النازف ويقول: يا محمود، هذه المركبة دامت معي أكثرَ من غيرها، لقد دامت معي ستة أشهر، المهم أن القات لم يتضرَّر، ونحن ما زلنا أحياء، تقريبًا يدي كُسرت وجُرح أنفي، وأنت يبدو فيك تورمٌ كبيرٌ في خدِّك الأيسر، والمركبة لم تَعُد صالحة لنقل القات، ستباع خُردة، لكن يا صديقي الوقت مهم جدًّا عند «المقوِّت». ثم ابتهج وهو ينظر إلى السوق وقال: ها نحن قد وصلنا يا محمود يا بطل، صحيح أننا تأخَّرنا ربع ساعة، لكنهم سوف يعذروننا.

هتف أحدُ زبائنهما وهو يرقُبهما، كمَن يرقُب أعزَّ حبيب، أو كطفل جائع ينتظر ثدي أمِّه: وصلوا، وصلوا … ورَد القات ورَد، ورَد … ظلَّ يردِّد هُتافه حتى وصلت المركَبة أمامهم.

التفَّ عملاؤهما حول المركبة، يردِّدون: الحمد لله، القات ما زال سليمًا، القات ما زال سليمًا. وهتف أحدهم: هلمُّوا يا رجال لنسعفهما، إنهما أبطال، والله أبطال لم يخذلانا، وهذه المرة لم يتضرَّرا كثيرًا مثل المرَّات السابقة. وقال آخر: لا ضيرَ إن أُصيبا فأرباحهما من الذهب الأخضر أفضلُ من الذهب الأصفر والأسود.

– تُرى يا صاحبي لو مَنعتِ الدولة تداول القات وزراعته، وحاولت أن تجتثَّ عروقه؟!

– وهل تقدِر أن تجتثَّ شجرة إبليس هذه؟!

– نعم إذا لم تسمع له، أو إذا بدَّل الله خلقَها بخلق آخر.

٦ / ٢٠٠٩م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥