الجُندي مُطيع
زحفتِ الجماهير الغفيرة غاضبةً تهتف بقوة: لا للفساد … يسقط النظام … اكتسحت الشوارع كالسيل العارم إلى أن وجدوا أمامهم حائطًا منيعًا من الجُند، كالبنيان المرصوص.
وقفتِ الجماهير عند هذا الحائط الذي أخذ يزداد منعةً وصلابة بتدفُّق الجُند إليه، وفي لحظةٍ ما صاح الجندي مطيع: اضربوا الخونة … اضربوا أعداء الوطن، الله أكبر … واستلَّ عصاه وتقدَّم الجُند، يضرب يمينًا وشمالًا، ثم أُطلق على الجماهير الغفيرة القنابل الدخانية والغازية.
اختنق الكثير بالغاز، سقط بعضهم مصابًا ورشَّت العربات بخراطيم المياه الحارة، فتراجعت الجماهير السلمية إلى الخلف، مسرعةً كالجراد المنتشر بعضهم فوق بعض، والجندي مطيع يصيح والزَّبَد يتطاير من شدقيه: الله أكبر على الخونة … الله أكبر، وصار يضرب بعصاه طاخ … طاخ … دوم … حتى تخضَّبت بالدم وكلَّت يداه.
لاحظ مطيع زميله الجندي ثابت، وهو يضرب عصاه في الهواء للتخويف أحيانًا، وأحيانًا على الكتف، حتى لا يصيب أحدًا بأذًى كبير، فصاح مطيع: ماذا تعمل يا ثابت؟ اضرب بقوة، انظر هكذا، طاخ … طاخ … هكذا، على الركبة والرأس … لا ترحم الخونةَ أعداء الوطن، يجب أن نلقِّنهم درسًا، أن نُنزل بهم أشدَّ العقاب، هؤلاء خونة. ثم صاح والشرر يتطاير من عينيه كأنه في معركة حامية الوطيس لا هوادة فيها، يضرب بعصاه شمالًا ويمينًا ويصيح: خذوا، خذوا … يا خونة.
شجَّ رءوسًا كثيرة وكسَّر أرجلًا وأياديَ عديدة. ثم رأى زميلَه «سالم» واقفًا فهتف: لِمَ يا سالم تقف مكتوفَ اليد؟ أتتفرج فقط؟ أأنت معنا أو معهم؟! لماذا لا تضرب بعصاك يا جبان، سأخبرُ القائد أنك كنتَ جبانًا في المعركة، ولن تنال مكافأتك وسترى، لقد دحرنا الأعداء وأنت تتفرج فقط، تحرَّك يا سالم، على الأقل، اسحبْ هؤلاء المصابين من الخونة إلى العربة ولْتخفِهم عن أعين المصوِّرين، ارفعهم بسرعة من الأرض، أسرعْ يا جبان.
حدَّث سالم نفسَه: «الحمد لله، سوف أساعدهم بلطفهم، فهم أبرياء لا يستحقون كلَّ هذا.» وساعد بعضَهم على السير حتى العربة.
فصاح مطيع من بين الجُند وهم في عراك حامي الوطيس مع الجماهير: ماذا تفعل؟ أتأخذك الشفقة بالأعداء؟! لا مكان هنا للرحمة يا ابن أمِّك، من يرحم العُملاء ليس مِنَّا.
قبض مطيع على قدم أحدِ المصابين وسحبه، وقال: هكذا نظِّفِ الشارع يا سالم، هكذا … وظل يجري وهو يسحب أحد المصابين ورمى به في العربة مضرَّجًا بالدم، وهو يتحدَّث: إنكم لا تستحقون الحياة، أيها الخونة سترون أكثرَ من هذا لمن تُكتب له النجاة. ثم هتف: أيها الأبطال، عليكم بالخونة، عليكم بهم، لا ترحموا أحدًا. ثم صاح بصوتٍ عالٍ: «انظروا يا جُند الوطن (وهو يشير بيده إلى هناك) … هناك عربة إسعاف الخونة، الحقوها، اقبضوا عليها بسرعة … هُم كانوا يريدون معالجة الجرحى وإسعافهم قبل التحقيق معهم، لا، لا بدَّ أن ينالوا عقابَهم أولًا.»
تم دحرُ الجماهير وارتدُّوا إلى الخلف، لكنَّ سيلًا عرمرمًا آخرَ تجمَّع، فتدفَّق واكتسح الجند.