البريء
أولادك في ذمتي، زوجتك في … سأرعاهم وأنت في سجنك يا عزيزي سا…سا… المهم تنقذ ابني تامر، فهو ما زال صغيرًا.
قال محمد وهو يفكِّر: يا عبد الجبار إنهم سيضربونني؛ سيقولون إنني هربت بعد الحادث، وأنا لا أقدر على ذلك.
– سأعوِّضك بكل صفعة خمسة آلاف ريال، فاصبر.
وصلا إلى مكتب المرور. قال السائق محمد لمدير المكتب: أنا الذي كنت أسوق السيارة وليس تامر عبد الجبار يا مدير.
اندهش المدير وهو ينظر إلى محمد: لماذا تعترف على نفسك، وهناك مَن يشهد أن تامر عبد الجبار هو الذي كان يسوق السيارة رقم … وهرب، دون حتى أن يسعف الولد المُصاب.
هزَّ محمد رأسه نافيًا: لا، لا … أنا الذي كنت أسوق، أنا صدمت الولد وهربت؛ لأنني كنت خائفًا.
هتف المدير: يا عسكري، خذه إلى السجن، وأطلِقوا سراح تامر عبد الجبار، فالاعتراف سيدُ الأدلة.
دخل محمد غرفةَ التحقيق، وكان المُحقِّق يشكُّ أنه هو الفاعل.
– س: لماذا صدمت وهربت يا كلب؟ وطوَّح يده على مؤخرة رأسه، طراخ …
قال محمد: الحمد الله … خمسة آلاف ريال. الثانية … طراخ …
– عشرة آلاف. زدِ. الثالثة … طراخ …
– خمسة عشر ألفًا … طراخ …
– عشرين، زدْ يا أفندم. حتى وصل تسعين ألف ريال، وهو يقول: الحمد لله زدْ، كُله بثمنه، كُله بثمنه.
قال مساعد المحقِّق مُستغربًا: أكمل المائة يا فندم؟
خرج محمد ومؤخرة رأسه مصبوغة بالحُمرة، لا يكاد يستطيع حمل رأسه. قربَ نحو عبد الجبار وهمس له: لقد صفعتُ عشرين صفعة، أعطِ زوجتي مائة ألف ريال وإلَّا …
– لا تقلق، سوف أعطيها يا محمد.
حضر محمد أولَ جلسة للمحاكمة، سأله القاضي: هل أنت مُعترف بجرمك؟
– نعم يا سيدي، أنا الذي صدمت الولد.
– ولماذا هربت؟
– كنت خائفًا، لكنني سلَّمت نفسي للمرور.
– في أي شارع صدمت تامر؟
أجاب محمد: في، في، في … اقترب نحوه عبد الجبار، فهمس لهُ: قُل في الشارع الفرعي من شارع سُقطرة.
رفع رأسه محمد: نعم سيدي، في الشارع الفرعي من شارع سُقطرة.
قال القاضي: متأكد؟
– نعم سيدي.
قُل لي: ماذا كان يرتدي تامر من ملابس؟
أجاب السائق متحيِّرًا: يرتدي … يرتدي … ماذا، ماذا؟! يهمس لعبد الجبار: ماذا أقول؟
– قُل نسيت.
قال مسرعًا: نعم، نعم يا قاضي، نسيت.
قال القاضي: كيف تنسى مثل هذا؟
– لا … لا، تذكَّرتُ: بدلة المدرسة.
فاجأه القاضي: في أي مكان بالضبط صدمته؟
احتار السائق هامسًا: آه يا عبد الجبار هذه ورطة، ورطة.
همس له عبد الجبار: قل جِوار الرصيف، قُرب عمود الكهرباء.
أجابَ: نعم يا سيدي، كما قال عبد الجبار.
سأل القاضي مُستغربًا: مَن عبد الجبار هذا؟
– والد تامر الذي صد … وصمت، فضحك كلُّ مَن في القاعة.
– س: الذي صدمته كم تعتقد عمره؟
حكَّ مؤخرة رأسه وذقنه: تقريبًا، تقريبًا … لا أستطيع معرفة ذلك يا سيدي.
قال القاضي: لا بدَّ أنك تتذكَّر، وهل هو طويل، قصير، سمين؟
يهمس: آه يا عبد الجبار، لماذا ورَّطتني؟ ماذا أقول؟ ثم ردَّ قائلًا: لم أرَه يا سيدي. ارتجَّت القاعة كلُّها من الضحك.
المطرقة، طرق … طرق … سكوت: كيف هذا؟ أتسوق مُغمض العينين؟!
أجاب وهو مرتبكٌ: لا يا سيدي، كنت أراه، أراه … كان وسط الشارع يلعب يرتدي قميصًا أحمر، لا، لا، أخضر.
فاجأه القاضي: لكنك قُلت سابقًا، كان جوار الرصيف، قرب عمود الكهرباء يرتدي بدلة المدرسة!
– ماذا! أنا قُلت ذلك؟! ووضع كفَّه على فمه وصمت.
قال القاضي لوكيل النيابة: ابحثوا عن الفاعل الحقيقي، فأنا لا أستطيع أن أظلم رجُلًا بريئًا. ورُفعت الجلسة.