الفصل السادس والأربعون

كيف نقوي إرادتنا؟

كثيرًا ما يسألني بعض الشبان عن السبيل إلى تقوية الإرادة؛ لأن إرادتهم كما يزعمون ضعيفة، وأن ضعفها يُؤخرهم.

ولكن الواقع أنه ليس هناك إرادة مطلقة؛ لأننا إنما نريد شيئًا معينًا، كأن نطلب الثراء أو الوجاهة أو النجاح في الأدب أو في العلم، أو ننشد السعادة بصورة معينة، أو ننجح في الزراعة أو التجارة … إلخ، وهذه كلها إرادات، وليست إرادة واحدة، وليس هناك إنسان يطلب كل هذه الأشياء معًا، وإنما هو يطلب شيئًا واحدًا منها.

والسبيل إلى تقوية الإرادة في هذا الشيء الواحد هو إيجاد الإيحاء الدائم بالتخيل؛ أي: بأحلام اليقظة، فإننا كلنا وقت الراحة والاسترخاء نتخيل خيالات سارة لذيذة كأنها الأحلام، فإذا كنا نرغب في الثراء مثلًا، ولا نجد الإرادة للعمل والكد لتحقيقه، فإن السبيل لإيجاد هذه الإرادة هو أن نتخيل الثراء بتفاصيله، كأن يضع الشاب نفسه في المركز الذي ينشده ويهواه، ويستسلم للخيالات المحيطة بهذا المركز، وهو، عندما يداوم على هذه الخيالات، يجد يومًا ما أن الإيحاء منها قد استقر وتغلغل في نفسه حتى صار عواطف لها قوة التوجيه للشخصية.

وعندئذ يتجه كل نشاطه إلى هذا الخيال الذي دأب في تخيله فيعمل لتحقيقه؛ لأن الخيال قد أحدث الإيحاء، فالإرادة هي التي توجه الشخصية من حيث لا ندري إلى الأخذ بكل ما يعمل للثراء، وتجنب كل ما يُؤخر هذا الثراء.

هذا هو السبيل إلى إيجاد الإرادة وتقويتها: خيال، ثم إيحاء، ثم إرادة، وهذا المثل الذي ضربناه ليس خير الأمثلة، ولكنه أوضحها؛ لأن الشاب الذكي لا ينشد الثراء فقط، وإنما هو ينشد الصحة، والمكانة الاجتماعية، والثقافة، والسعادة العائلية … إلخ، بل أحيانًا قد يطلب أحدنا إبطال التدخين أو الشراب، أو أية عادة سيئة أخرى، والسبيل هنا أيضًا هو أن يتخيل نفسه سليمًا نظيفًا بعيدًا عن عادة التدخين مثلًا، يجني ثمرة تركها والإقلاع عنها صحة وجمالًا وشبابًا، بل أيضًا ما لا يتوافر له، كي يؤدي به عملًا نافعًا، فإذا تغلغل الخيال في نفسه، كان الإيحاء، ثم الإرادة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤