الفصل الثاني والسبعون

ماذا نتعلم؟

يسألني بعض الشبان عن الموضوعات التي يجب أن يدرسها كي يكونوا مثقفين، على اطلاع بالحركات الذهنية، وجوابي على الدوام هو: ادرس ما تحتاج إليه؛ لأن الحاجة تثير الاستطلاع، وتجذب الشوق، وكلاهما ضروري للدراسة، وبكلمة أخرى يجب أن تُعلِّم نفسك ولا تنتظر من أحد أن يعلمك.

ولكني إذا تجرأت وأشرت هنا بما تجب دراسته، فإنما افعل ذلك كنتيجة لاختباراتي الشخصية، وليس للإملاء على أي شاب كي يسير في خطاي، فإن لكل إنسان مصباحه الذي يستضيء به في هذه الدنيا، وهو يخطئ حين يطرحه ويتخذ مصباحًا آخر، وقد يهديه مصباحه إلى الأدب، أو التاريخ، أو العلم، أو الفلسفة، أو أي موضوع آخر يثير استطلاعه وشوقه.

وقد وجدت أنا نفسي أننا لن نستطيع أن نفهم هذه الحضارة القائمة، إلا إذا درسنا علمًا من العلوم المادية، ولست أعني هنا هذه المعارف التي يرشدنا إليها هذا العلم فقط، وإنما أعني منهج هذا العلم أيضًا، ذلك لأن الحضارة القائمة وإن لم تكن علمية الأسس فإنها تسير في خطى العلم وتعتمد عليه، وليست المجتمعات أو الحكومات الحاضرة علمية، ولكنها تنشد النظام العلمي في كل شيء، وسوف تنشده أكثر في المستقبل حين تتخلص من تقاليدها وعاداتها الموروثة.

ولكن إلى جنب العلم يجب أن ندرس الفلسفة، والفرق بين الاثنين أن الأول يبين ماهية الأشياء تحليلًا وتركيبًا، أما الثانية فتبين لنا قيمة هذه الأشياء لنا من حيث إنها تزيدنا فهمًا أو سعادة أو إخاء أو حبًّا.

ويدخل في الفلسفة الأدب والدين؛ لأن كليهما يبحث القيم، ثم الهيئة؛ أي: علم الكواكب والنجوم والسدوم، وهي أقرب العلوم إلى الفلسفة؛ لأنها تبسط لنا آفاق الكون، وتحملنا على أن نسأل أسئلة الأطفال الساذجة: ما الأصل؟ ما المصير؟ ولماذا؟ وكيف؟

العلم كمنهج نفهم به المصانع والطائرات والذرة، والفلسفة كفاية نحاول أن نكون بها إنسانيين، نبحث عن مراسينا في هذه الدنيا ونجدها؛ أي: أن العلم وسيلة والفلسفة غاية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤