الفصل الرابع عشر
«وإن الحافز الوحيد هو نقص قواي وصحَّتي نقصًا لا أُنجِز معه ما تَطلُبه جلالتُكم من الخِدَم، وإن مجموع الواجبات الملقاة على عاتقي مما لا يُمكن إتمامُه إلا ببذل جميع نشاطي، وبضمان جلالتكم تهوينَ ما يُلازمني من شدَّة في اختيار زملائي، وبمنحي كاملَ ثقتكم، وبما يؤدي إليه هذا من حرية السَّير.» ومما يزيد عزْمَه تثبُّطًا «هو أن جلالتكم بما عليه من أريحيَّة مجيدة تجاه كلِّ واحدٍ من خدَمَها وتجاه مقتضيات الخِدَم تؤثِّر تأثيرًا ضارًّا ببواعثِ ذلك الذي يحتمل نتائجَ أعمال الآخرين الناقصة، وما عليَّ أن أحتمله من كفاحٍ في حياتي الرسمية فقد أورثني زوالَ الحُظوة لدى الأكابر وجعلني موضعَ نفور عند ذوي النفوذ، ولي أن أطمعَ في عفو جلالتكم تجاه هذا الضعف الذي هو نتيجة حُبِّي لشخص جلالتكم والذي قد يكون نتيجةَ اعتلال، ولا أشعرُ بأنني أعيشُ طويلًا، وأخشى أن أصير إلى ما صار إليه الملك الراحل، وليس لي معذرةٌ لدى جلالتكم في إدارة الشئون الرسمية مع ضَعْف صحتي».
ذلك الكتابُ من الغُرَر، ويروي بسمارك نفسُه أنه ظلَّ مُضرِبًا بعضَ الإضراب عن العمل عدَّة أيام قبل أن يُرسلَ ذلك الكتاب، وفي الكتاب تعدادٌ لمآثم الملك، وفي الكتاب يذكر بسمارك أن الملك وِلْهِلْم يُفضِّل عليه لأسباب شخصية أُناسًا كانوا يتدخَّلُون في أعماله فيُعرِّضونه لبُغض الناس، وهكذا يخسر قُواه البدنية والذهنية، وهكذا يتدرَّجُ إلى الجنون كالملك الراحل، ولا يشفيه مما هو عليه غيرُ أمر واحد، غيرُ حرية السير.
ويَفزَع الملك، «وكيف تظنُّ أنني أُسَلِّم بما تَطلب طرفة عين؟ إن هناءتي في أن أعيش معك وأن نكون متفاهمَين دومًا! وكيف تكون مُكتئبًا بهذا المقدار فيدفعك اختلافٌ صغيرٌ في الرأي إلى اتخاذ هذه الخطوة التي لا مُبرِّر لها؟ إن اسمك في تاريخ بروسية أعلى من اسم أيِّ قطبٍ سياسيٍّ بروسيٍّ كان، وكيف أدَعُ سياسيًّا مثلك يترك خدمتي؟ كلَّا، إن في الهدوء والرجاء ما يُذلِّل كلَّ صعوبة، صديقك المخلص: وِلْهِلْم.» وتُكرَّر كلمةُ صديق ثلاث مرات، ويُضحَّى بأُوزْدُوم، ويمكنُ قياسُ قوة مشاعر الملك عند تسريح أخيه من البنَّائين الأحرار، أُوزْدُوم، بإظهاره الفَرقَ بين دَخْل أُوزْدُوم الرسميِّ وما يُنفقه من ماله الخاص، وبلَغ حزُّ ذلك في نفْس الملك ما قال معه في كتاب ثانٍ: «ولي ثقة بأنك لا تراني أجعل أصابعي في أُذُنيَّ تجاه أصوات أولئك الذين يتوجَّهون إليَّ في الأوقات الخطيرة مطمئنين.» ولما بلغ من الحال ما طلب معه الإذن له في ترْك منصبه الملكي بحجة التعب أيضًا كما طلب بسمارك كتب بسمارك على الهامش قولَه: «كلَّا! ولكن مع الاطمئنان — بسلامة نيَّة — إلى ما لا يستطيع الإنسانُ أن يراه بنفسه بين ثلاثين مليونًا، ومع اعتقاد ما يؤكِّده الوزيرُ رسميًّا!» ويُوقِّع الملكُ مع جملته الجميلة للمرة الأولى: «الشاكر لكم إلى الأبد: الملك ولهلم.»
ويصبح الوضع مقبولًا مع ولي العهد، ويُلطِّف النصر حدَّة كلَا الرجلين، ويستطيع أمينُ سرِّ فردريك دُنكِر وهو من الأحرار أن يضع مشروع دستور، وإن لم يقبل بسمارك هذا المشروع، وينطلق الأحرار الوطنيون إلى المناصب الوزارية، غيرَ أن الأميرة فيكتورية وهي أكثر من زوجها حماسةً وغطرسةً اغتنمتْ ذات يوم فرصةَ حديثٍ حول مائدة عشاء، فهاجمت الوزير «مع مؤانسة ومناكدة» قائلةً له: «من الواضح يا كونت بسمارك أنك بلغت من الطموح ما تطمع به أن تكون ملكًا أو رئيسَ جمهورية!»
ويجيب بسمارك عن هذا التنكيت قائلًا بجدٍّ تامٍّ: «لا أكون جُمهوريًّا صالحًا، ومن تقاليد آلي أن أحتاج إلى عاهل من أجل سعادتي الدنيوية، ولكنني أحمدُ الله على أنني لا أُضطرُّ دومًا إلى العيش على طبَق كالملك، ومن المحتمل ألَّا تَعُمَّ قناعتي الشخصية، ومما لا أفترضه أن يفنى الملكيُّون وإن هلَك الملوك، وقد يكون الجيل المقبل جمهوريًّا عند عدم وجود ملِك.»
ويشتمل ذلك القولُ على ثلاثة أفكار، ولكلِّ واحد منها طعنةٌ كالسهم، والطعنةُ الأخيرة مميتةٌ؛ وذلك لأنه ألمع بها إلى عطَل زوج الأميرة من الصفات الخاصة بالمَلِك.
وقال رون في تلك الأيام: «هو يعتقدُ إمكانَ اكتسابه كلَّ شخصٍ وتسييره بأسلوبه الدِّبْلُمِيِّ وذكائه النادر، وهو محافظٌ مع المحافظين وحُرٌّ مع الأحرار، وهو يستخفُّ بجميع مَن يُحيطون به أو يسير مع الظنون بما يُفزعني، وهو يودُّ — بأيِّ ثمن — أن يكون كلَّ شيءٍ لدى كلِّ إنسانٍ في الحال والمستقبل؛ وذلك لأنه يشعر بأن البناء الذي أخَذ يشيده سينهار بين ضحك العالم وازدرائه عندما يستردُّ يدَه، وليس هذا بعيدًا من الصحة، ولكن أتُبرِّر الغايةُ الواسطةَ؟ وهل تُقدَّسُ الوسيلة؟» فهذا هو الذي يسأله صديقُ بسمارك الحميمُ رون، وهذا هو الذي يسأله الرجل الحديديُّ رون الذي يَعُدُّ الواجبَ إلَهًا، ويرتعش رون أمام تلك الروح التي استدعاها.
وبينما ترى بسمارك مع تغايُرِه الشخصيِّ يُقدِّر أثرَ كلِّ كلمة ينطق بها — ولو بين الأخدان — تجدُه غيرَ مُبالٍ بالصيت، وقد ظلَّ بسمارك على هذا الوجه مدى حياته، وهو لا يُبالي بالصيت لاحتقاره إياه، وهو يَحسُب تأثيرَ كلماته لقيمة هذا التأثير في سياسته، وهو لعَطَله من البُطل يجدُ من المكروه «أن يُحدَّق إليَّ في كلِّ محطة كما لو كنتُ يابانيًّا.» أو أن ينظر إليه كلُّ شخص إذا ما كان في فُولْكِسغارْتن بفِيَنَّة «كما لو كنتُ فرسَ ماء جديدًا مُعدًّا لحديقة الحيوانات.» وهو يرى الألقاب والأوسمة مثيرةً للسخرية، وهو يحذِف في الرسائل الرسمية بعضَ العبارات المزوَّقة المعهودة ليبدوَ على حقيقته.
وتَنشر صحيفة «كلاديراداتش» له صورة هزلية كصائد، وينصحه هُوهِنْلُوهِه بعدم الاكتراث، فيقول له غاضبًا: «لا أُبالي بحملتهم على سياستي، وهذا لا يُثير سوى تبسُّمي، ولكن لا هَزْلَ حول الصيد؛ فالصيدُ أمرٌ جدِّيٌّ!» وعلى ما كان من اتصاف زوجه بالقناعة لم يسمح لها بتمثيل دور ربَّة المنزل الريفية المقتصدة في بلد الماء المعدنيِّ بادنَ على الأقل، ويميل بسمارك إلى السُّخر من مظاهر الحياة الرسمية، وإذا ما ذهب بسمارك إلى البرلمان أو إلى بيته، وهو الذي لا تجده في غيرهما إلا نادرًا، تراه مع ذلك مُبديًا هدوءَ المولود أريستوقراطيًّا، ولا يُرِي بسمارك أفعالَه العصبية لسوى خُلصائه، لسوى أقربائه في الغالب، لسوى أُمناء سرِّه في بعض الأحيان، حتى يَرْوُوها للأعقاب.
والحقُّ أن بسمارك لم يُرِد هذه ولا تلك، وإنما كان يَهدفُ إلى جَعْل جيرانِه وخصومه قلقين مذعورين، وما كان غيرَ هذا حالُه أيام دراسته، ومن المحتمل أن أتى بتَينك الملاحظتَين ليتناقلَهما الأجانب، ولم يكن ليُباليَ بمَن هو حاضر، ولم يكن ليمتنعَ عن صبِّ أشدِّ ما عنده من القَدْح، وكان يَطيب له نعتُ خصومه باللؤم، وكان حين أُنْسه يقول عن هذا أو ذلك «إنه أَبْلَه!» وكانت هذه الحريات التي يُبيحها لنفسه في تلك الأمور نتيجةً ضرورية لزهوه ولكُرهه لغيره وسببًا لسروره، وقد يكون شعورُه بأنه يستطيع أن يقول ما يروقه عن كلِّ إنسان — وعن الملك أيضًا — أحسنَ ساعات حياته.
وغوستاف فريتاغ — مع خصومته — نرى رأيَه الآتي جديرًا بالذكر، وإليكه: «حقًّا لا يكون بسمارك يسيرًا إلا بين الليل والضُّحا، وتبدو بين الروائية وحبِّ الجمال طبقةٌ ثقافية ضيِّقةٌ للرحَّالة الهويِّ، للشريف في مظهره الظريف، ويلوح بسمارك لي أنه متعوِّقٌ مُتخلِّفٌ عن العصر النباتيِّ، وعندي أن أبرزَ صفاته هو عدم المراعاة ومحاولة كلِّ شيءٍ بنفسه، وكما يرى مع بواكير نشاطٍ حيويٍّ غَضٍّ جريءٍ؛ ولذا لا يكون هذا الرجل مؤسِّسَ مذهب؛ ولذا ليست عيوبُه عيوبَ زماننا على الخصوص، ولن يتخلَّى الملكُ الحاليُّ عنه ما لم يُرِد بسمارك ذلك، ولا نفعَ من خداع الوادِع، ولا طائلَ في التجهُّم أمام العزمِ الخفيِّ، وقد عرَف ذلك الرجلُ المتردِّدُ الجامح العسيرُ المعشَر كيف يتأبَّط مجدَ بروسية وعظمتَها ويتسنَّم متن المعالي بفضل إقدامه ورصانة صفاته، فصار كلُّ مَن يؤذيه مؤذيًا للدولة».
وبذلك الشذوذ يظهر بسمارك للعالم إذن، وعلى ما كان من تسليم الكثيرين بعلوِّ خِلاله التي ألمَعَ إليها فريتاغ، وعلى ما كان من نَفْع هذه الخصائل للبلد؛ تجده — إجمالًا — في ذلك الدور الذي أتى بعد إحدى منازعاته الحزبية العظيمة كما تقدَّم واحدةً منها، غيرَ مُحبَّب لجميع الأحزاب ولجميع طبقات المجتمع، ولا سيَّما حزبُه وطبقته، ولم يكن لمظاهره العامة — أي لخُطَبه التي تتمثَّله الأمةُ بها وحدها — غيرُ ذلك الأثر، وبسمارك يجرؤ على القول أمام الرَّيشتاغ الجديد: «لو عدلتُ عن مقاومة معارضتكم على وجهٍ ما لذهبتم إلى عدم اكتراثي للأمر، فأرى أن تُسَرُّوا لعدم سلوكي مثلَ هذه السبيل.» (حركة)، وبسمارك يقول عندما حُرِّض على قبول بادِنَ عضوًا في جامعة دول شمال ألمانية: «لا تذهبوا إلى ما هو أبعد من حدودكم أيها السادة، وارضَوا الآن أن تتمتعوا بما نلتموه، ولا تطمعوا فيما لم تنالوه، وقد أكون مُخطئًا وقد تكونون مخطئين، وإنما الذي أستطيع قولَه لكم هو أنني لا أوافقكم على رأيكم، فسأسير وفقَ رأيي في الأمر.»
ويخشى الجميعُ ذلك الطاغيةَ، فلا يجرؤُ أحدٌ أن يتخذ أقلَّ قرار، فيُغضبه ذلك، ومن الريف تكتب حَنَّة إلى كودل قولَها فيُخيَّل إلينا أننا نسمع به صوتَ زوجها: «لا تَعرِف درجة حَنقِ بسمارك من خجل أولئك السادة الطِّفليِّ في برلين لما يَرَون من عجزهم عن تحمُّل أيَّة مسئوليةٍ كانت، فيُرسلون كلَّ أمرٍ تافه إليه هنا حتى يوافقَ عليه أو يتخذَ قرارًا حوله، وتعرف رُبَّان دولتنا العظيم جيدًا، وتَعرف ماذا يُضجره وماذا يُكدِّره.» وإذا غاب بسمارك فلم يَسِر كلُّ أمر كما يروم كتب يقول: «إن مما يؤسفُني ألَّا يكونَ لحثِّي في القسم الثاني غيرُ أثَر يسير، ويلوح لي مع ذلك أنني لا أُزعِج هؤلاء السادة إلا نادرًا، فحَمْلُ رجلٍ مريض على الرجوع إلى مثل ذلك الأمر ثلاثَ مرات هو من المُخزيات في الحقيقة.»
وفيما يتحوَّل بسمارك إلى مغنٍّ وإلى نَجْم تَصمُت الجَوقَة حوله، ولا أحدَ يميل إلى الاشتراك مع هذا الذي هو أقوى الألمان وأدعاهم إلى الالتفات، وتَنْحسر ألمانية الذهنية حتى قبل قيام الإمبراطورية الألمانية الحديثة عن غير قصدٍ وبلا برنامج وبدون نيَّة للمعارضة، ولا تَجد في الرسائل ولا في الأحاديث ذِكرًا لأُناسٍ من ذوي القرائح بين ضيوف بسمارك، وإذا كنتَ ترى وضْعَ بعض الوثائق تحت تصرف تريتْشاك، وإذا كنتَ تَسمع ذكرًا لرواية سبِيلْهاغِن الجديدة، وإذا كنتَ تعلم شُكرَه لفريتز روتِر كُتُبَه فإن القائمة أُقفِلت لسنواتٍ، ويزور الرقيب الأريب إكارت بيتَ بسمارك للمرة الأولى فلا يجد فيه سوى أشراف لا يُكلِّمون بسمارك بسوى ضمير المفرد المخاطب، وإن كانوا في الغالب يناهضونه في الخارج، وهنالك يسأل إكارت: «وماذا يمكن أن يكون المجتمع الخالص المعتاد لهذا الألمانيِّ العظيم ما دام زعماءُ الفكر في الأمة يظَلُّون غرباء عن ذلك المنزل أو لا يدخلونه إلا نادرًا؟»
واليهود هم الذين كان بسمارك يُشير إلى أحاديثهم مسرورًا في تلك الأيام، ويقول بسمارك عن لاسَّال إنه من ألمع الناس وإن كان لا يعاف محادثتَه إلى ساعة متأخرة من الليل، ويتخذ بسمارك من بِليشْرُودِر نجيًّا يمكنه الدخولُ عليه بلا قَيد، ويُوَكِّله بسمارك وكالة كاملة لإدارة أمواله وأملاكه، ويُرفع بِليشْرُودِر إلى مرتبة الأشراف الوراثيَّة وَفقَ توصية بسمارك، ويعتمد بسمارك على الدكتور كوهين صديقًا وطبيبًا ولا تُقطَع الصِّلاتُ بينهما إلا بموت هذا الطبيب، وهكذا يثقُ بسمارك باليهود في شئون صحته وأمور ثروته، وبسمارك يقول: «إن لي مسرَّةً بمعاشرة سِيمْسون، وهو ذو ذكاءٍ خالص، ولي متعةٌ بزيارته لي خلافًا لمعظمِ ضيوفي، وهو محبٌّ للوطن، وهو إناءٌ نبيلٌ صُبَّتْ فيه أصفَى العواطف.» ولا تجد حُكمًا كهذا في جميع ما خطَّه يَراع بسمارك، وبسمارك منذ عشرين عامًا حينما كان سكرتيرًا لبرلمان إرفورت، قد جعل من سيمسون هذا أُضحوكة، وبسمارك قد قال: «يُفضِّل والدي أن يذهب إلى قبره إذا ما أبصرني كاتبًا عند أستاذ يهوديٍّ.» وكان سيمسون قد نعَت بسمارك بالبهلوان في أثناء نزاع، فلم يَنْسَ بسمارك جميعَ هذا قطُّ، ويمضي زمن فيَضْفِر بسمارك أكاليلَ المدح لديسرائيلي، ولا يسعنا هنا سوى السؤال: ولِمَ جعَل بِليشْرُودِر بدلًا من هانسمَن، وجعل كوهين بدلًا من فريريشز، وجعَل لاسَّال بدلًا من لِيبْكنِخْت، وجعل سيمسون بدلًا من ريشتر، وجعَل ديسرائيلي بدلًا من ساليسبري؟

يا لَنُبل ما يجد رون من معذرة للملك من غير دفاعٍ عنه! يا لَلبراعة التي كُتبتْ بها تلك الكلمات وشُعِر بها! يا لَصحَّة ما تشتمل عليه تلك الجُمَل من بصرٍ تاريخيٍّ! يا لَتأثير تحفُّظ رون! وتمضي بضعةُ أشهر فيُزعَج رون بمعارضة بسمارك في أمرٍ بحريٍّ فيُريد الاستقالةَ بجدٍّ تامٍّ ومن غير رأيٍ خفيٍّ، فيكتب بسمارك إليه من فارزين قائلًا: «لم أكن لِأُفكر في غير كنيبهوف عندما مددتُ يدي إليك مصافحًا ثابتًا قائمًا على العهد في شهر سبتمبر سنة ١٨٦٢، ولا يجوز لنا أن نختلف اختلافًا جدِّيًّا في مسألة بحرية بعد سبع سنوات مجيدة قضيناها في الجهاد معًا، يجب عليك أن تقرأ شعار اليوم الرابع عشر من شهر أغسطس مع تفسيرٍ دنيويٍّ له، ويلوح لي — قبل كلِّ شيءٍ — أنَّ تلك المسألة ليستْ من الأهمية ما تُسوِّغ به أمام الله والوطن توديعَك الملكَ البالغ من العمر ثلاثًا وسبعين سنةً، وإعراضَك عن رفقائك، وأنا منهم، باستقالتك.»
وفي هذا الكتاب حُسِبَ تأثير كلِّ كلمة في شعور المرسَل إليه بالواجب وفي تقواه، وفي هذا الكتاب الصادر عن أثرة على الطريقة البسماركية تُلقَى المسئولية على عاتق ذلك الذي كدَّر صفوه ذات يوم فيودُّ اليوم أن يُبديَه جائرًا عليه باستقالته.
حدَث أن أوصى بسمارك بتعيين أحد موظفي البريد بهانوفر مديرًا عامًّا للبريد فرفض مجلس الوزراء ذلك لسببٍ مضحك!