الفصل الرابع عشر

«إذا ما هدَّدْت بالاستقالة أخذَ مولاي الشائبُ يُجهِش١ بالبكاء ويَنشِج٢ ويقول: وأنت الآن تريد أن تتركني؟ فماذا أصنع بعد ذلك.» فعلى هذا الوجه يصف بسمارك صلتَه بالملك في حديثٍ له مع كارل شورز الغريب عنه تمامًا، ولا ريب في أن له غايةً من وراء ذلك؛ فهو يريد أن يُبيِّن للولايات المتحدة ضرورتَه وأن يُذيع أمرَه فيها، وهو يَبلغ هذا الهدف مُضحِّيًا بكرامة وَلِيِّ أمره، ويقول بسمارك لوزير سكسونية، ويريد نشْرَ الوزير لقوله هذا في بلده: «ترى ثقافة مولاي ناقصةً مع شعوره العظيم بالواجب؛ وذلك لأن أباه لم يُعْنَ بغير تربية أخيه الأكبر تربيةً كافية، وفي هذا سرُّ ما نُبصره من عدم وجود رأيٍ خاصٍّ به ومن اتِّباعه للآراء التي تتجاذبُه من مختلف الجهات.» وفي ذلك الدور يكون لبِنِّيغْسِن صلاتٌ كثيرة به، فيقول في كتاب إلى خِلٍّ٣ له إن بسمارك يزدري جميعَ الوزراء ماعدا رون، «وإن كلَّ واحد من الملك وبسمارك يُبغض الآخر أكثر من أن يُحِبَّه، وإذا نظرت إلى علاقاته بوارث العرش وجدتَها فاترةً إلى الغاية.»
ويَلوحُ أن تعبير «البُغض» غيرُ صحيح؛ فبسمارك قد تعوَّدَ الملك، وبسمارك عانى كبيرَ عُسرٍ في جعل الملك يتعوَّده، وبسمارك يكون — بما تَمَّ له من فوزٍ على الملك — قد روَّض صاحبَ السلطان الوحيد الذي يحتمل وجودَه فوقه، وبسمارك وإن بدا الحِصانَ الحاملَ للفارس الملكيِّ في بدء الأمر غدا اليوم الفارسَ، ويتكلم بسمارك عن حربِ الأسابيع السبعة من سنة ١٨٦٦ فيقول: «لقد هَمزتُ٤ في ذلك الحين بشدَّة لأحمل الجواد الأصيل القديم على الوثوب والمجازفة.» والطريقُ التي يسلكها عندما يُبصر جِماح الملك هي ما يُبديه من الرِّوائية في طلب الإذن له في الاستقالة، وذلك كما فعل في أوائل سنة ١٨٦٩ حين انتزع إقالةَ أُوزْدُوم الذي ساوره شكٌّ في أنه سيَخلُفُه ما أَبصَر من صلة الملك الوثيقة به كأحد البنَّائين الأحرار:

«وإن الحافز الوحيد هو نقص قواي وصحَّتي نقصًا لا أُنجِز معه ما تَطلُبه جلالتُكم من الخِدَم، وإن مجموع الواجبات الملقاة على عاتقي مما لا يُمكن إتمامُه إلا ببذل جميع نشاطي، وبضمان جلالتكم تهوينَ ما يُلازمني من شدَّة في اختيار زملائي، وبمنحي كاملَ ثقتكم، وبما يؤدي إليه هذا من حرية السَّير.» ومما يزيد عزْمَه تثبُّطًا «هو أن جلالتكم بما عليه من أريحيَّة مجيدة تجاه كلِّ واحدٍ من خدَمَها وتجاه مقتضيات الخِدَم تؤثِّر تأثيرًا ضارًّا ببواعثِ ذلك الذي يحتمل نتائجَ أعمال الآخرين الناقصة، وما عليَّ أن أحتمله من كفاحٍ في حياتي الرسمية فقد أورثني زوالَ الحُظوة لدى الأكابر وجعلني موضعَ نفور عند ذوي النفوذ، ولي أن أطمعَ في عفو جلالتكم تجاه هذا الضعف الذي هو نتيجة حُبِّي لشخص جلالتكم والذي قد يكون نتيجةَ اعتلال، ولا أشعرُ بأنني أعيشُ طويلًا، وأخشى أن أصير إلى ما صار إليه الملك الراحل، وليس لي معذرةٌ لدى جلالتكم في إدارة الشئون الرسمية مع ضَعْف صحتي».

ذلك الكتابُ من الغُرَر، ويروي بسمارك نفسُه أنه ظلَّ مُضرِبًا بعضَ الإضراب عن العمل عدَّة أيام قبل أن يُرسلَ ذلك الكتاب، وفي الكتاب تعدادٌ لمآثم الملك، وفي الكتاب يذكر بسمارك أن الملك وِلْهِلْم يُفضِّل عليه لأسباب شخصية أُناسًا كانوا يتدخَّلُون في أعماله فيُعرِّضونه لبُغض الناس، وهكذا يخسر قُواه البدنية والذهنية، وهكذا يتدرَّجُ إلى الجنون كالملك الراحل، ولا يشفيه مما هو عليه غيرُ أمر واحد، غيرُ حرية السير.

ويَفزَع الملك، «وكيف تظنُّ أنني أُسَلِّم بما تَطلب طرفة عين؟ إن هناءتي في أن أعيش معك وأن نكون متفاهمَين دومًا! وكيف تكون مُكتئبًا بهذا المقدار فيدفعك اختلافٌ صغيرٌ في الرأي إلى اتخاذ هذه الخطوة التي لا مُبرِّر لها؟ إن اسمك في تاريخ بروسية أعلى من اسم أيِّ قطبٍ سياسيٍّ بروسيٍّ كان، وكيف أدَعُ سياسيًّا مثلك يترك خدمتي؟ كلَّا، إن في الهدوء والرجاء ما يُذلِّل كلَّ صعوبة، صديقك المخلص: وِلْهِلْم.» وتُكرَّر كلمةُ صديق ثلاث مرات، ويُضحَّى بأُوزْدُوم، ويمكنُ قياسُ قوة مشاعر الملك عند تسريح أخيه من البنَّائين الأحرار، أُوزْدُوم، بإظهاره الفَرقَ بين دَخْل أُوزْدُوم الرسميِّ وما يُنفقه من ماله الخاص، وبلَغ حزُّ ذلك في نفْس الملك ما قال معه في كتاب ثانٍ: «ولي ثقة بأنك لا تراني أجعل أصابعي في أُذُنيَّ تجاه أصوات أولئك الذين يتوجَّهون إليَّ في الأوقات الخطيرة مطمئنين.» ولما بلغ من الحال ما طلب معه الإذن له في ترْك منصبه الملكي بحجة التعب أيضًا كما طلب بسمارك كتب بسمارك على الهامش قولَه: «كلَّا! ولكن مع الاطمئنان — بسلامة نيَّة — إلى ما لا يستطيع الإنسانُ أن يراه بنفسه بين ثلاثين مليونًا، ومع اعتقاد ما يؤكِّده الوزيرُ رسميًّا!» ويُوقِّع الملكُ مع جملته الجميلة للمرة الأولى: «الشاكر لكم إلى الأبد: الملك ولهلم.»

ويصبح الوضع مقبولًا مع ولي العهد، ويُلطِّف النصر حدَّة كلَا الرجلين، ويستطيع أمينُ سرِّ فردريك دُنكِر وهو من الأحرار أن يضع مشروع دستور، وإن لم يقبل بسمارك هذا المشروع، وينطلق الأحرار الوطنيون إلى المناصب الوزارية، غيرَ أن الأميرة فيكتورية وهي أكثر من زوجها حماسةً وغطرسةً اغتنمتْ ذات يوم فرصةَ حديثٍ حول مائدة عشاء، فهاجمت الوزير «مع مؤانسة ومناكدة» قائلةً له: «من الواضح يا كونت بسمارك أنك بلغت من الطموح ما تطمع به أن تكون ملكًا أو رئيسَ جمهورية!»

ويجيب بسمارك عن هذا التنكيت قائلًا بجدٍّ تامٍّ: «لا أكون جُمهوريًّا صالحًا، ومن تقاليد آلي أن أحتاج إلى عاهل من أجل سعادتي الدنيوية، ولكنني أحمدُ الله على أنني لا أُضطرُّ دومًا إلى العيش على طبَق كالملك، ومن المحتمل ألَّا تَعُمَّ قناعتي الشخصية، ومما لا أفترضه أن يفنى الملكيُّون وإن هلَك الملوك، وقد يكون الجيل المقبل جمهوريًّا عند عدم وجود ملِك.»

ويشتمل ذلك القولُ على ثلاثة أفكار، ولكلِّ واحد منها طعنةٌ كالسهم، والطعنةُ الأخيرة مميتةٌ؛ وذلك لأنه ألمع بها إلى عطَل زوج الأميرة من الصفات الخاصة بالمَلِك.

وإذا كان عددُ مثلِ تلك السهام التي تنمُّ على عبقرية ذلك الدِّبْلُمِيِّ الموهوب يزداد مع الوقت؛ فلأنَّ كلَّ واحدٍ يُقيِّد كتابةً ما يقوله بسمارك له بعد الآن. وكان كارل شُورْز ثوريًّا في سنة ١٨٤٨ فهاجر إلى الولايات المتحدة، فعاد إلى برلين بعد عشرين عامًا جنرالًا أمريكيًّا مملوءًا تحامُلًا شخصيًّا على ذلك الشريف، ويَدْهَم بسمارك ذلك الجنرالَ الذي لا تَلِينُ له قناةٌ، ويجتمعان، ويقول الجنرال عن بسمارك: «تُبصِر حيويةَ نُطْق، وتُبصِر لطائفَ وأماليحَ،٥ وتُبصِر ضحكًا يَسْري مسرَّةً حينًا ويَسْري استهزاءً حينًا آخر، وتُبصِر انتقالًا مفاجئًا من مزاجٍ بهيج إلى شعور عميق، وتُبصِر مرحًا في روايته أقاصيصَه، وتُبصِر إيقاعًا منيعًا، وتُبصِر وراء ذلك كلِّه شخصيةً قوية.» ويُدعَى شورز إلى تناوُل العَشاء في الغد، وكان الضيوفُ الآخرون من قدماء المحامين المُتعِبين، ويطلب منه أن يبقى عندما انصرفوا، والآن يبدو بسمارك ودودًا فيسأله عن أمريكة بحرارة.
وحالةُ بسمارك الصحيةُ هي من حِيَله الدِّبْلُمِيَّة، وهو إذا ما أراد انتحالَ الضعف وعدمَ النفوذ وعدمَ الاكتراث قال إنه عليلٌ، وقد قال في عرضٍ عسكريٍّ فسَمِع قولَه نحوُ عشرين شخصًا من الحضور: «ساءت صحتي سواء داعيًا إلى الشفقة، فصرتُ غيرَ قادر على الأكل والشرب والضحك والتدخين والعمل، وأفلستْ أعصابي، ولم يبقَ لي دماغ خلف هذا الجبين، ولم يبقَ لي وراء هذه الجبهة غيرُ كَومة من الهُلام.»٦ وبسمارك إذا رافق الملكيين مثَّل دور الناصح المستقيم، ومع ذلك أن قال لأحد أساتذة الحقوق الدستورية إن آل هُوهِنْزلِّرن إذا ما وجَّهوا قُواهم ضدَّ الأشرار العُنُدِ «انحاز آلي إلى فَرْع الشرفاء الذي يقاتل بجانبهم على ضفَّة نهر الإلْبة اليُسرى حملًا لأشراف ضفة نهر الإلبة اليُمنى على الطاعة.» وإن كان هذا هو عكسَ الصحيح.
وإذا ما أتاه رجلٌ سياسيٌّ من ستوتغارت انتحل وضْعَ الديمقراطيِّ وتكلم حول المائدة عن نِعَم الخدمة العسكرية الإلزامية؛ وذلك «لأنني كنتُ ابنَ والدتي المُدلَّع،٧ وقد كان من الخير العميم عليَّ أن أُلزَم في الحين بعد الحين بحمل بُندُقية على كتفي وبالنوم على التِّبْن، ولا تعرِفون مقدار أثر ذلك في الفلَّاح الذي يمكنُه أن يقول: هنالك كان الشريف بجانبي وقت التمرين، وذلك أمرٌ طيِّبٌ لأبدان الضباط أيضًا؛ وذلك لأنه إذا وُجِدَ بين الجنود العاديين مثقَّفون أَمعَن الضبَّاط في ملاحظة أنفسهم بحكم الضرورة.» وبسمارك أراد أمام ذلك الورْتِنبرغيِّ أن يَطليَ الخدمة العسكرية بصبغة شعبية وإن لم يكن ولدًا مُدلَّعًا في الحقيقة، وإن لم يَنَمْ على التبن إلا عند تلهِّيه بالصيد في الحقيقة، وإن كان يكره التمرين العسكري في الحقيقة.

وقال رون في تلك الأيام: «هو يعتقدُ إمكانَ اكتسابه كلَّ شخصٍ وتسييره بأسلوبه الدِّبْلُمِيِّ وذكائه النادر، وهو محافظٌ مع المحافظين وحُرٌّ مع الأحرار، وهو يستخفُّ بجميع مَن يُحيطون به أو يسير مع الظنون بما يُفزعني، وهو يودُّ — بأيِّ ثمن — أن يكون كلَّ شيءٍ لدى كلِّ إنسانٍ في الحال والمستقبل؛ وذلك لأنه يشعر بأن البناء الذي أخَذ يشيده سينهار بين ضحك العالم وازدرائه عندما يستردُّ يدَه، وليس هذا بعيدًا من الصحة، ولكن أتُبرِّر الغايةُ الواسطةَ؟ وهل تُقدَّسُ الوسيلة؟» فهذا هو الذي يسأله صديقُ بسمارك الحميمُ رون، وهذا هو الذي يسأله الرجل الحديديُّ رون الذي يَعُدُّ الواجبَ إلَهًا، ويرتعش رون أمام تلك الروح التي استدعاها.

وبينما ترى بسمارك مع تغايُرِه الشخصيِّ يُقدِّر أثرَ كلِّ كلمة ينطق بها — ولو بين الأخدان — تجدُه غيرَ مُبالٍ بالصيت، وقد ظلَّ بسمارك على هذا الوجه مدى حياته، وهو لا يُبالي بالصيت لاحتقاره إياه، وهو يَحسُب تأثيرَ كلماته لقيمة هذا التأثير في سياسته، وهو لعَطَله من البُطل يجدُ من المكروه «أن يُحدَّق إليَّ في كلِّ محطة كما لو كنتُ يابانيًّا.» أو أن ينظر إليه كلُّ شخص إذا ما كان في فُولْكِسغارْتن بفِيَنَّة «كما لو كنتُ فرسَ ماء جديدًا مُعدًّا لحديقة الحيوانات.» وهو يرى الألقاب والأوسمة مثيرةً للسخرية، وهو يحذِف في الرسائل الرسمية بعضَ العبارات المزوَّقة المعهودة ليبدوَ على حقيقته.

وهو يُدعى ذات يوم مع وزيرَين إلى الاجتماع بالملك فيسأل الحاجب عند وصوله: «ألم يحضُر المضحكان بعدُ؟» وهو يرى في حفلات البلاط الراقصة ما يُسلِّيه إذا ما رقص عند بَدْئها، بيد أن الملك لم يتمالكْ أن يمنع الأميرات من الرقص معه «لعذْل الناس إيَّايَ على اختياري رجلًا خفيفًا لرئاسة مجلس الوزراء.» ولم ينفكَّ شريط نسرِه الأحمر يَمْلَص ذات حين فيأذن لموظف بالبلاط في شَدِّه، وفيما كان يُعاني مَضَض الصبر على ذلك أشار إلى أمير بإصبعه قائلًا: «إن الأوسمة تظلُّ حيث هي لدى هؤلاء الأمراء، فأظنُّ أنهم وُلدوا ذوي جلود مرصَّعة بالمحاجم،٨ أي بالممسكات لمثل تلك الأدوات.»

وتَنشر صحيفة «كلاديراداتش» له صورة هزلية كصائد، وينصحه هُوهِنْلُوهِه بعدم الاكتراث، فيقول له غاضبًا: «لا أُبالي بحملتهم على سياستي، وهذا لا يُثير سوى تبسُّمي، ولكن لا هَزْلَ حول الصيد؛ فالصيدُ أمرٌ جدِّيٌّ!» وعلى ما كان من اتصاف زوجه بالقناعة لم يسمح لها بتمثيل دور ربَّة المنزل الريفية المقتصدة في بلد الماء المعدنيِّ بادنَ على الأقل، ويميل بسمارك إلى السُّخر من مظاهر الحياة الرسمية، وإذا ما ذهب بسمارك إلى البرلمان أو إلى بيته، وهو الذي لا تجده في غيرهما إلا نادرًا، تراه مع ذلك مُبديًا هدوءَ المولود أريستوقراطيًّا، ولا يُرِي بسمارك أفعالَه العصبية لسوى خُلصائه، لسوى أقربائه في الغالب، لسوى أُمناء سرِّه في بعض الأحيان، حتى يَرْوُوها للأعقاب.

ونال بسمارك كبيرَ شهرة في أوروبة بأسرها، ويلقِّبُه الدِّبْلُمِيُّون في برلين بالساحر العظيم أو بساراسْتُرو، ويملأُ اسمُه الرسائلَ والمذكِّرات في العواصم الأجنبية، ويقول ميريمه دومًا إن هذا الشيء أو ذلك الشيء سيكون «ما لم يُقرِّر السيد بسمارك عكس الأمر»، ويُجيد زُولَا وصْفَه ضيفًا في قصر التِّويلْري، فيقول: «يجاوز ساكَّارد القاعةَ منتصرًا متأبِّطًا ذراعَ خليلته جومون التي يقاسمه الإمبراطور إيَّاها ويَتبعه زوجُها فيُغرِق الكونت بسمارك في الضحك، مع بعض الضيوف، هُنَيهةً طويلَ النِّجاد٩ رياضيًّا ساخرًا ناظرًا إلى مرور الثلاثة مستطلعًا.»
واشتهر بسمارك في ذلك الحين بواقعيته أكثر مما في المستقبل، وعُدَّ بسمارك في ذلك الحين مُتحلِّلًا فحارَ الخبراءُ من اختلاط حريته بحيلته، وقال بنِّيغسِن: «إنه خادعَ الفرنسيين في مسألة اللُّوكسَنْبُرْغ خداعًا عجيبًا، أجَل إن الدِّبْلُمِيَّة من أكثر أمور الدنيا كَذِبًا، ولكنها إذا ما استُعِين بها لمصلحة ألمانية فبُذِل كثيرُ خداع وعظيمُ نشاطٍ في هذا المضمار كما صنَع بسمارك لم يَسَعِ الإنسان إلا أن يقضيَ منها العجب.» ومن غير وصفٍ له بالبَطَل كان دبلميُّو العصر يتناقلون كلماتِه مشافهةً وكتابةً، ومن ذلك ما رواه بوست١٠ وهو: «قال بسمارك لغاستِن: لم نُفكِّر طرفة عين في ضمِّ النمسة الألمانية إلى الريخ، وأقربُ من ذلك تفكيرُنا في أمر هولندة، وتمضي بضعةُ أشهُر فيَذكر لي سفيرُ هولندة الذي غادر برلين إلى لندن أن بسمارك صرَّح له مُوَكِّدًا بأن أحدًا لا يتطلَّع إلى هولندة، وأن التفكيرَ في أمر النمسة التي هي ولاية ألمانية أقربُ من ذلك!»

والحقُّ أن بسمارك لم يُرِد هذه ولا تلك، وإنما كان يَهدفُ إلى جَعْل جيرانِه وخصومه قلقين مذعورين، وما كان غيرَ هذا حالُه أيام دراسته، ومن المحتمل أن أتى بتَينك الملاحظتَين ليتناقلَهما الأجانب، ولم يكن ليُباليَ بمَن هو حاضر، ولم يكن ليمتنعَ عن صبِّ أشدِّ ما عنده من القَدْح، وكان يَطيب له نعتُ خصومه باللؤم، وكان حين أُنْسه يقول عن هذا أو ذلك «إنه أَبْلَه!» وكانت هذه الحريات التي يُبيحها لنفسه في تلك الأمور نتيجةً ضرورية لزهوه ولكُرهه لغيره وسببًا لسروره، وقد يكون شعورُه بأنه يستطيع أن يقول ما يروقه عن كلِّ إنسان — وعن الملك أيضًا — أحسنَ ساعات حياته.

وغوستاف فريتاغ — مع خصومته — نرى رأيَه الآتي جديرًا بالذكر، وإليكه: «حقًّا لا يكون بسمارك يسيرًا إلا بين الليل والضُّحا، وتبدو بين الروائية وحبِّ الجمال طبقةٌ ثقافية ضيِّقةٌ للرحَّالة الهويِّ، للشريف في مظهره الظريف، ويلوح بسمارك لي أنه متعوِّقٌ مُتخلِّفٌ عن العصر النباتيِّ، وعندي أن أبرزَ صفاته هو عدم المراعاة ومحاولة كلِّ شيءٍ بنفسه، وكما يرى مع بواكير نشاطٍ حيويٍّ غَضٍّ جريءٍ؛ ولذا لا يكون هذا الرجل مؤسِّسَ مذهب؛ ولذا ليست عيوبُه عيوبَ زماننا على الخصوص، ولن يتخلَّى الملكُ الحاليُّ عنه ما لم يُرِد بسمارك ذلك، ولا نفعَ من خداع الوادِع، ولا طائلَ في التجهُّم أمام العزمِ الخفيِّ، وقد عرَف ذلك الرجلُ المتردِّدُ الجامح العسيرُ المعشَر كيف يتأبَّط مجدَ بروسية وعظمتَها ويتسنَّم متن المعالي بفضل إقدامه ورصانة صفاته، فصار كلُّ مَن يؤذيه مؤذيًا للدولة».

وبذلك الشذوذ يظهر بسمارك للعالم إذن، وعلى ما كان من تسليم الكثيرين بعلوِّ خِلاله التي ألمَعَ إليها فريتاغ، وعلى ما كان من نَفْع هذه الخصائل للبلد؛ تجده — إجمالًا — في ذلك الدور الذي أتى بعد إحدى منازعاته الحزبية العظيمة كما تقدَّم واحدةً منها، غيرَ مُحبَّب لجميع الأحزاب ولجميع طبقات المجتمع، ولا سيَّما حزبُه وطبقته، ولم يكن لمظاهره العامة — أي لخُطَبه التي تتمثَّله الأمةُ بها وحدها — غيرُ ذلك الأثر، وبسمارك يجرؤ على القول أمام الرَّيشتاغ الجديد: «لو عدلتُ عن مقاومة معارضتكم على وجهٍ ما لذهبتم إلى عدم اكتراثي للأمر، فأرى أن تُسَرُّوا لعدم سلوكي مثلَ هذه السبيل.» (حركة)، وبسمارك يقول عندما حُرِّض على قبول بادِنَ عضوًا في جامعة دول شمال ألمانية: «لا تذهبوا إلى ما هو أبعد من حدودكم أيها السادة، وارضَوا الآن أن تتمتعوا بما نلتموه، ولا تطمعوا فيما لم تنالوه، وقد أكون مُخطئًا وقد تكونون مخطئين، وإنما الذي أستطيع قولَه لكم هو أنني لا أوافقكم على رأيكم، فسأسير وفقَ رأيي في الأمر.»

ومَن يعاملْ ممثلي الشعب على هذا الوجه يَعده زملاؤُه مستبدًّا، وبسمارك بعد أن صار يَعُدُّ جامعة دول ألمانية الشمالية من صُنْعه الخاص أخذ ينتحل لنفسه حقَّ السلطان عليها وعلى بروسية معًا، وفي تلك الأيام صار خُلصاؤُه يتذمَّرون، فقيل: «غدتْ طريق أوتو (بسمارك) الاستبدادية لا تُطاق بعد اعتزال رون (الموقت)، وهي قد بلغت من الحرج ما صار معه لا يحتمل أدنى معارضة.» ويقول رون في كتابٍ أرسله إلى بسمارك بعد اعتزاله الموقت ذلك: «يبدو بسمارك في الجلسات ذا حيوية لا مثيل لها، ويحتكر بسمارك الكلام فيها تقريبًا فيعتقد مخطئًا أنه يستطيع بنشاطه الذهنيِّ أن يتغلَّبَ على جميع مصاعب الوضْع، وأنتسب إلى المعارضين المحافظين سياسيًّا؛ لأنني لا أرضى أن أُغمضَ عينيَّ وأن أُساقَ ضدَّ إرادتي، والله يعلم إلى أين، ولكن بسمارك يُهمِل أكثرَ أصحابه صدقًا وأشدَّهم إخلاصًا، وهو لا يتأخر عن معاملتهم بغِلظة.» ويقول سكرتيرُ الدولة المساعدُ تِيَلِه: «الرئيس عنيدٌ كما هي عادته، والرئيس يُبرطم١١ على الدوام، ويتدخَّل الرئيس في الدقائق تارةً من غير أن يعرف الوثائق معرفةً كافية، ويرفض الرئيس — تارةً — أن يتدخل في الأمور المهمة، ولا ضير، فإذا ما عادت إليه صحَّتُه أمكنَنا أن نسأَله بلا حياء: ما هي قيمة أوروبة؟»

ويخشى الجميعُ ذلك الطاغيةَ، فلا يجرؤُ أحدٌ أن يتخذ أقلَّ قرار، فيُغضبه ذلك، ومن الريف تكتب حَنَّة إلى كودل قولَها فيُخيَّل إلينا أننا نسمع به صوتَ زوجها: «لا تَعرِف درجة حَنقِ بسمارك من خجل أولئك السادة الطِّفليِّ في برلين لما يَرَون من عجزهم عن تحمُّل أيَّة مسئوليةٍ كانت، فيُرسلون كلَّ أمرٍ تافه إليه هنا حتى يوافقَ عليه أو يتخذَ قرارًا حوله، وتعرف رُبَّان دولتنا العظيم جيدًا، وتَعرف ماذا يُضجره وماذا يُكدِّره.» وإذا غاب بسمارك فلم يَسِر كلُّ أمر كما يروم كتب يقول: «إن مما يؤسفُني ألَّا يكونَ لحثِّي في القسم الثاني غيرُ أثَر يسير، ويلوح لي مع ذلك أنني لا أُزعِج هؤلاء السادة إلا نادرًا، فحَمْلُ رجلٍ مريض على الرجوع إلى مثل ذلك الأمر ثلاثَ مرات هو من المُخزيات في الحقيقة.»

وفيما يتحوَّل بسمارك إلى مغنٍّ وإلى نَجْم تَصمُت الجَوقَة حوله، ولا أحدَ يميل إلى الاشتراك مع هذا الذي هو أقوى الألمان وأدعاهم إلى الالتفات، وتَنْحسر ألمانية الذهنية حتى قبل قيام الإمبراطورية الألمانية الحديثة عن غير قصدٍ وبلا برنامج وبدون نيَّة للمعارضة، ولا تَجد في الرسائل ولا في الأحاديث ذِكرًا لأُناسٍ من ذوي القرائح بين ضيوف بسمارك، وإذا كنتَ ترى وضْعَ بعض الوثائق تحت تصرف تريتْشاك، وإذا كنتَ تَسمع ذكرًا لرواية سبِيلْهاغِن الجديدة، وإذا كنتَ تعلم شُكرَه لفريتز روتِر كُتُبَه فإن القائمة أُقفِلت لسنواتٍ، ويزور الرقيب الأريب إكارت بيتَ بسمارك للمرة الأولى فلا يجد فيه سوى أشراف لا يُكلِّمون بسمارك بسوى ضمير المفرد المخاطب، وإن كانوا في الغالب يناهضونه في الخارج، وهنالك يسأل إكارت: «وماذا يمكن أن يكون المجتمع الخالص المعتاد لهذا الألمانيِّ العظيم ما دام زعماءُ الفكر في الأمة يظَلُّون غرباء عن ذلك المنزل أو لا يدخلونه إلا نادرًا؟»

واليهود هم الذين كان بسمارك يُشير إلى أحاديثهم مسرورًا في تلك الأيام، ويقول بسمارك عن لاسَّال إنه من ألمع الناس وإن كان لا يعاف محادثتَه إلى ساعة متأخرة من الليل، ويتخذ بسمارك من بِليشْرُودِر نجيًّا يمكنه الدخولُ عليه بلا قَيد، ويُوَكِّله بسمارك وكالة كاملة لإدارة أمواله وأملاكه، ويُرفع بِليشْرُودِر إلى مرتبة الأشراف الوراثيَّة وَفقَ توصية بسمارك، ويعتمد بسمارك على الدكتور كوهين صديقًا وطبيبًا ولا تُقطَع الصِّلاتُ بينهما إلا بموت هذا الطبيب، وهكذا يثقُ بسمارك باليهود في شئون صحته وأمور ثروته، وبسمارك يقول: «إن لي مسرَّةً بمعاشرة سِيمْسون، وهو ذو ذكاءٍ خالص، ولي متعةٌ بزيارته لي خلافًا لمعظمِ ضيوفي، وهو محبٌّ للوطن، وهو إناءٌ نبيلٌ صُبَّتْ فيه أصفَى العواطف.» ولا تجد حُكمًا كهذا في جميع ما خطَّه يَراع بسمارك، وبسمارك منذ عشرين عامًا حينما كان سكرتيرًا لبرلمان إرفورت، قد جعل من سيمسون هذا أُضحوكة، وبسمارك قد قال: «يُفضِّل والدي أن يذهب إلى قبره إذا ما أبصرني كاتبًا عند أستاذ يهوديٍّ.» وكان سيمسون قد نعَت بسمارك بالبهلوان في أثناء نزاع، فلم يَنْسَ بسمارك جميعَ هذا قطُّ، ويمضي زمن فيَضْفِر بسمارك أكاليلَ المدح لديسرائيلي، ولا يسعنا هنا سوى السؤال: ولِمَ جعَل بِليشْرُودِر بدلًا من هانسمَن، وجعل كوهين بدلًا من فريريشز، وجعَل لاسَّال بدلًا من لِيبْكنِخْت، وجعل سيمسون بدلًا من ريشتر، وجعَل ديسرائيلي بدلًا من ساليسبري؟

وفي ذلك الدور يترك بسمارك مبدأ اللاسامية مع جميع أفكار شبابه الرجعية، وبسمارك حتى في أوثق نجاواه لم يَصدُر عنه أدنى ملاحظة ضدَّ اليهود، ولا نكاد نَشكُّ في زوال أوهامه الوراثية حول ذلك زوالًا تامًّا كما يوجبه العقلُ، وبسمارك بعد خُطبته التي ألقاها منذ عشرين سنة ضدَّ قبول اليهود في المناصب الحكومية هو الذي أتمَّ قانون تحرير اليهود قائلًا: «إن الحكومة لا يمكنُ أن تُحابيَ في مثل هذه المسائل ما دام لا يوجد دينٌ للدولة في بروسية.» وبسمارك هو الذي أطْرَى اليهود في الرَّيشتاغ بسبب «استعدادهم الخاصِّ وإدراكهم الرئيس في أمور الدولة»، وبسمارك هو الذي مدَح فضائلَهم المنزلية؛ كاحترام الأبوين والإخلاص الزوجيِّ وحبِّ الخير، وبسمارك هو الذي حضَّ على تَزاوُج الأشراف واليهود مشيرًا إلى أُسَر لينار وستيروم وكوسيروف وما إليها من الأُسَر التي أسفرتْ مصاهرتُها لليهود عن «مولد أناس أَلِبَّاء لُطفاء، وأحسنُ من ذلك اقتران حِصانٍ نصرانيٍّ من أصلٍ ألمانيٍّ بحِجر١٢ من أصلٍ يهوديٍّ، فتداوُل الأيدي للمال أمرٌ ضروريٌّ، ولا يوجد عِرقٌ رديءٌ، ولا أعرف ماذا أنصح به أولادي ذات يوم في هذه المسألة»، وبسمارك يُلخِّص في شيبته قيمةَ اليهود الاجتماعية والحيوية في الكلمة الجامعة الآتية، وهي: «إن اختلاط الدمِ اليهوديِّ بمختلف العروق الألمانية يؤدِّي إلى بريق لا يُستهان به.»
والواقع أن بسمارك فاترٌ تجاه جميع الناس، نصارى كانوا أو يهودَ، وزراءَ كانوا أو رؤساء أحزاب، أمراءَ من بلاده كانوا أو أمراء من الأجانب، والواقعُ أن بسمارك لم يحمِل ودًّا لغير رون من بين رُفقائه القدماء، ومن المؤثِّر، ومن المضحك أيضًا، أن يَمسك كلٌّ من هذين الصديقين بطَوق١٣ الآخر في سنة ١٨٦٩ حملًا له على الخدمة عند ميله إلى الخروج منها، وينظُر رون بعين الجدِّ — وعن سلامة طويَّة — إلى ما ذكرناه آنفًا من محاولة بسمارك أن يستقيل، فيقول في كتاب يرسلُه إليه: «ما فَتِئْتُ — منذ تركتكَ أمس — يا صديقي الكريم، أُفكِّر في أمرك وفي قرارك، فلم أذُق طعم الراحة، دعْ في كتابك منفذًا عند وَضْعه، لتعلمْ أنَّ في الكتاب الذي أخذتَه من الملك أمسِ طابعَ صِدْق، ولا يَغِبْ عنك أن كلَّ شيءٍ لا يَنمُّ على الحق فيه هو نُحاسٌ من حياء زائف لا يُراد الاعتراف به، وأن وضْع الذي يَكتب يمنعه من الإقرار بعمله الخاطئ فلا يرجع عنه، وليس من الرأي أن تَحرق سفنَك، ولا ينبغي لك أن تصنع ذلك، فإذا فعلتَ ذلك خَسِرتَ صِيتَك في البلاد وضحكت أوروبة، وسيقول الناس إنك استقلت لأنك قطَعْت الأمل من القدرة على إنجاز عملك، ولا أرى أن أُؤكِّد ذلك، وذلك مع توقيع صديقك الثابت المُخلص …»
fig56
بسمارك في سنة ١٨٧٧.

يا لَنُبل ما يجد رون من معذرة للملك من غير دفاعٍ عنه! يا لَلبراعة التي كُتبتْ بها تلك الكلمات وشُعِر بها! يا لَصحَّة ما تشتمل عليه تلك الجُمَل من بصرٍ تاريخيٍّ! يا لَتأثير تحفُّظ رون! وتمضي بضعةُ أشهر فيُزعَج رون بمعارضة بسمارك في أمرٍ بحريٍّ فيُريد الاستقالةَ بجدٍّ تامٍّ ومن غير رأيٍ خفيٍّ، فيكتب بسمارك إليه من فارزين قائلًا: «لم أكن لِأُفكر في غير كنيبهوف عندما مددتُ يدي إليك مصافحًا ثابتًا قائمًا على العهد في شهر سبتمبر سنة ١٨٦٢، ولا يجوز لنا أن نختلف اختلافًا جدِّيًّا في مسألة بحرية بعد سبع سنوات مجيدة قضيناها في الجهاد معًا، يجب عليك أن تقرأ شعار اليوم الرابع عشر من شهر أغسطس مع تفسيرٍ دنيويٍّ له، ويلوح لي — قبل كلِّ شيءٍ — أنَّ تلك المسألة ليستْ من الأهمية ما تُسوِّغ به أمام الله والوطن توديعَك الملكَ البالغ من العمر ثلاثًا وسبعين سنةً، وإعراضَك عن رفقائك، وأنا منهم، باستقالتك.»

وفي هذا الكتاب حُسِبَ تأثير كلِّ كلمة في شعور المرسَل إليه بالواجب وفي تقواه، وفي هذا الكتاب الصادر عن أثرة على الطريقة البسماركية تُلقَى المسئولية على عاتق ذلك الذي كدَّر صفوه ذات يوم فيودُّ اليوم أن يُبديَه جائرًا عليه باستقالته.

ويمضي يومان فيُمسك القلم ذلك الذي يتكلم عن أهمية الواجب وضبط النفس بتقوى، ذلك الذي كتب كأنه قَسٌّ، ويجلس حول المائدة ذاتها ويُرسِل إلى رون قولَه الناريَّ: «لا ينبغي لأحدٍ أن يطلب مني أن أُضحِّيَ بصحتي وبحياتي وبسُمعتي الشريفة وبإصابة نظري سيرًا وراء الهوى، ولم أنَمْ منذ ستٍّ وثلاثين ساعة، وقد قِئتُ مِرَّةً١٤ في الليل كله، وكان رأسي يشتعل كالنار مع لفِّه بضماد بارد، وكان هذا يكفي لانخلاع عقلي! غُضَّ الطرف عن هياجي الكثير، ولكن الكتاب مُذيَّل بإمضائكم، ولا أراني معتقدًا أنكم سبرتم غَوْر الأمر بأسْرِه، وإذا كان لا بُدَّ من تدهوُرِ العَرَبة التي تَحمِلنا حُقَّ لي أن أجعل الناس يعرفون براءتي من شائبةِ الاشتراك في الجريمة، وقد يكون كلُّ واحدٍ منَّا من حرارة المزاج ما لا يستطيع معه أن يُجذِّف القارب بأطولَ مما صنع، وعلى المرء أن يكون ذا قلب وشعور قُدَّا من رَقٍّ جافٍّ حتى يقدر على احتمال ذلك.» وماذا حدث؟ وهل دبَّر الملكُ حِلفًا خارجيًّا بعد أن باحث الوزراء ببرلين في شأنه؟ أو هل أنبأ بنيَّته فِعل ذلك؟ وهل حُلَّ الرَّيشتاغ، وهل استُردَّ مشروع لبسمارك؟ وهل عُزِل وزير؟

حدَث أن أوصى بسمارك بتعيين أحد موظفي البريد بهانوفر مديرًا عامًّا للبريد فرفض مجلس الوزراء ذلك لسببٍ مضحك!

١  أجهش بالبكاء: تهيَّأَ له.
٢  نشج الباكي: غصَّ بالبكاء من غير انتحاب.
٣  الخِلُّ: الصديق الودود.
٤  همز: نخس.
٥  الأماليح: جمع الأملوحة، وهي الكلام الحسن المستملح.
٦  الهُلام: مرق من الدهن المصفَّى.
٧  المدلَّع: المتربي في العز والنعمة، والاسم (الدلاعة)، وهو من كلام المولدين، ولعل أصله من المدلل وهو المرفَّه.
٨  المحاجم، جمع المحجم، وهو شيء كالكأس يُفرغ من الهواء ويوضَع على الجلد فيُحدث فيه تهيُّجًا ويجذب الدم أو المادة بقوة.
٩  طويل النجاد: كناية عن أنه طويل القامة.
١٠  بوست: كان رئيسًا لوزارة سكسونية، ثم أصبح مستشارًا للإمبراطورية النمسوية المجرية (١٨٠٩–١٨٨٦).
١١  برطم: انتفخ غضبًا واغتاظ.
١٢  الحِجر: الأنثى من الخيل.
١٣  الطوق: العنق.
١٤  المِرَّة: خلط من أخلاط البدن وهو الصفراء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤