الفصل السابع عشر
وتقرأ في هذه الجريدة الشعبية بعد ثلاثة أيام: «دَعُوا القيصريةَ الألمانية والقيصريةَ الفرنسية تتنازعان الأمورَ هما والرأسمالية، وليس لنا — نحن الصعاليكَ — ما نعمله في الحرب!» وفي الغد يَصدُر منشور معاكس لذلك، ويدورُ حديثُ الشعب حول «ملكيَّة ليبكنخت»، وإن كان هذا قد صوَّت ضدَّ القروض.
ويُبدي كارل ماركس سِعةَ بصرٍ أوروبية فيكتب إلى إنجِلس من اليوم الأول: «إن ترتيل نشيد المارسلياز هو جدٌّ في هزلٍ كجميع الإمبراطورية الثانية، ولا فائدةَ لبروسية من القِرْديَّات القائلة إن يسوعَ هو ملاذي ومرتجاي والتي تُعدُّ مارسيلياز الألمان فيتغنَّى بها وِلْهِلْم الأول وبسمارك عن يمينه ووزيرُ الشرطة ستيبر عن شماله، ويظهر أنَّ الألمانيَّ الفلسطينيَّ سعيدٌ بأن له من الحظِّ في الوقت الحاضر ما يُطلِق به العِنان لعبوديته الفطرية، ومَن ذا الذي كان يظنُّ إمكانَ اتفاق مثل ذلك التعبيرِ النظريِّ لحربٍ قومية في ألمانية بعد سنة ١٨٤٨ باثنتين وعشرين سنة؟» ولكن تَحَاوُر المُبعَدَين لا يزال بلا صدًى.
وكانت عواطفُ أوروبة مع فرنسة خوفًا من بروسية، ويرى بسمارك أن يُوجِّه الرأيَ العامَّ الإنكليزيَّ حيث يُريد فيُرسل إلى جريدة «التايمس» صورةً عن مشروعِ معاهدةٍ سلَّمه بِنيدِيتِّي إليه في أثناء مسألة اللوكسنبرغ، فيَنُصُّ على رضا نابليون بالوحدة الألمانية إذا ما أُطلقتْ يدُه في ضمِّ بلجيكة، ويُسأل بِنيدِيتِّي رسميًّا، فيقول إن الفكرة هي لبسمارك وإن بسمارك هو الذي أملى تلك الوثيقة، ويُجيب بسمارك عن ذلك بأنه بحَث في الأمر مع نابليون مرارًا وبأنه إذا لم يَنشر الوثيقة في الساعة الحاضرة فإن الإمبراطور يقترح — لا ريب — إجابتَه إلى رغائبه على حساب بلجيكة وذلك بعد إتمام استعدادِه الحربيِّ، وذلك تجاه أوروبة العَزلاء، وذلك مع الاستناد إلى مليون جنديٍّ؛ أي وفقَ ما اقترح بسمارك نفسُه قبل إطلاق العيار الناريِّ الأول في سنة ١٨٦٦.
ومن الصحيح ما ذكره بِنيدِيتِّي، وإذا ما صدَّقتْه أوروبة دَلَّ ذلك على عِلمِ الناس بما يُتِمُّ بسمارك عملَه به من الدهاء، ويكتب إنجِلس قولَه: «وللأمر حسنةٌ واحدة، وهي تنظيفُ الثياب القذِرة علنًا، ولا بدَّ من خاتمة للمكايد بين بسمارك وبونابارت.»
أُوسْبُرْن، ٣٠ من يوليو سنة ١٨٧١، نهارٌ رائع، غداءٌ في الخيمة، اجتماعٌ بفريتز الجميل وحديثٌ حول الحرب، هو حسنٌ، هو أنيسٌ، هو طيِّبٌ، هو يمقت بسمارك مقتًا شديدًا، هو يقول إن بسمارك نشيطٌ ذكيٌّ، ولكن مع خُبث وخُلوٍّ من كلِّ مبدأٍ، هو يقول إن بسمارك صاحبُ السلطان والإمبراطورُ الحقيقيُّ، هو يقول إن بسمارك غيرُ محبَّب لأبيه «وِلْهِلْم» مع عجز أبيه عن عمل شيءٍ ضدَّه، ويرى فريتز أن المعاهدة التي نشرها بسمارك على أنها من اقتراح بِنيدِيتِّي هي من صُنْع بسمارك ونابليون معًا، ويَشعر فريتز بأنهم يعيشون على بُركان فلا يُدهِشه أن يحاول بسمارك شَهْر الحرب على إنكلترة ذات يوم!
فهذا هو شكرُ وارثِ عرش آل هُوهِنْزُلِّرن للرجل الذي كسَب له تاجًا إمبراطوريًّا تشرئبُّ إليه الأعناق!
والناس — كما حدث في سنة ١٨٦٦ — قائلون لسياسة بسمارك ما سوَّغت المدافع — التي لم يُصوِّبها بعدُ — سَيرَه، ويمكن ذلك الضابط الذي خاطب بسمارك مساء معركة كُونِيغْراتز أن يُكرِّرَ بعد المعركة الأولى قولَه: «إنك من العباقرة ما دام الفوز قد كُتِب للهجوم الأول، فلو عبَر العدوُّ نهر الرَّين لغدوتَ أكبر المجرمين!»
فبِمثل ذلك العبوس يبدأُ بسمارك سياستَهُ ضدَّ الجمهورية الفرنسية القادمة مُبصرًا قُرْبَ إعلانِها، وهو لا ينفكُّ يُبدي غلظةً في أثناء أشهُر المفاوضات الستة المُقبِلة، ويتَّخذ بسمارك سياسةً قاسية، وينتحل بسمارك سياسةَ الفاتح، ويَحِيدُ بسمارك عن السياسة التي اتَّبعها في نِقُولْسبُرْغ، وقد ذكر بسمارك أحدَ الأسباب التي يتمسك بها وهو عدمُ ثبات حكومات باريس، وسيأتي دَور الأخرى، وتَحفِزه هذه السياسة إلى ضمِّ اللورين، ولهذه السياسة نتائجُ لا تُحصى.
وفي اليوم الثاني من شهر سبتمبر يستدعيه نابليون باكرًا، فيجتمعُ به على الطريق في عَرَبة مُحاطًا بضبَّاط راكبين خيلًا، «وكان مُسدَّسي على زُنَّاري، فلما وجدتُني وحيدًا أمامه وأمام ستة ضباط ألقيتُ نظرة على سلاحي ذلك غيرَ قاصدٍ على ما يحتمل، ومن المحتمل أن وضعتُ يدي عليه بغريزتي، ومن المحتمل أن أَبصر الإمبراطورُ ذلك لِما رأيتُ من اغبراره مع الاصفرار»، ويتجلى اجتماعُ الرجلَين وأخلاقُهما في تلك الساعة كما لو كان الأمر في رواية؛ فالغالبُ يجد نفسه من فَوره تجاه عدوِّه، وإن شئت فقُل رجلًا تجاه ستة فيَقبِض بحركة طبيعية على مسدَّسه الذي يحمله للضرورة، والمغلوب يلاحظ وهو في عربته تلك الحركةَ فيصفرُّ وجهُه، وكلَا الرجلين يعرِف أنه لن يُطلَق عيارٌ ناريٌّ هنالك، وكلا الرجلين يتأثَّر بغريزته كأنه يتوقع إطلاقَ عيارٍ ناريٍّ في كلِّ دقيقة.
وإذا عدوتَ هذه المقدمة وجدتَ اجتماع الرجلين في كوخٍ حقيرٍ على جانب الطريق غيرَ ذي بالٍ. والفروسيُّ المتحرِّز بسمارك قال عن ذلك — بعد زمن — إنه «حديث رقصٍ موسيقيٍّ»، وبسمارك في ذلك الاجتماع وافق الإمبراطورَ، ولكن بعد الأوان، على أنَّ كليهما كان راغبًا عن الحرب، والمُبغض الأكبر بسمارك لم يحاول شهوةَ انتقام في تلك الساعة كما كان يصنع في أحوالٍ أخرى، ولم يكن المخاطَب، ولم يكن غرامون هو الذي يشكو ضعفَه ضارعًا، بل نابليون الذي وصفَه بسمارك منذ ثلاث عشرة سنة بأنه رجلٌ لا وزنَ له مع طيبة، ولم يَكره بسمارك نابليون قطُّ، وبسمارك وإن خشيَ الإمبراطورَ أحيانًا كان يسعى في اكتسابه على الدوام، وبسمارك يمكنه الآن أن ينظر إلى خصمه المقهور نابليون كما ينظر الرجل إلى امرأةٍ تمنَّاها طويلَ زمنٍ فنالَها في نهاية الأمر فصار لا يَمُنُّ عليها بسوى الشفقة.
وإذا نظرتَ إلى جوهر الأمر أبصرتَ أنَّ هذا الإمبراطور الأسيرَ مصدرُ زَعْجٍ لبسمارك، وبسمارك هو الذي قال في المساء بعد المعركة وبعد استسلام نابليون بما عُرِف عنه من وميضٍ ذهنيٍّ: «والآن يجب علينا أن ننتظر طويلَ زمنٍ ليتمَّ الصلح.» وبسمارك يخشى حتى ما تصير إليه الأمور من نصيحة بالسير على غِرار ما حدث بعد معركة كُونِيغْرَاتْز، ومن نصيحة باجتناب أيِّ تقدُّم عسكريٍّ آخر، ومن نصيحة بالبقاء في القسم الذي احتُلَّ من فرنسة حتى الآن! وذلك لأنه قُضِيَ على جيشِ العدوِّ، أو لأن هذا الجيش قد استسلم، أو لأنه حُوصرَ حصارًا تامًّا؛ وذلك لأنه لا بدَّ من انقسام الأمة الفرنسية إلى أحزاب فتُذعِنُ عن ضَعْف، ولو عَمِل بسمارك بتلك الآراء في ذلك اليوم كما صنَع قبل أربعةِ أعوام لكان هذا تتويجًا لسياسته في نِقُولْسبُرْغ، ولكنه إذا كان قد وجَد مصاعبَ في حمل الملك والقوَّاد على العدول عن دخول فِيَنَّة كان من المتعذر أن يُقنِع هؤلاء بالابتعاد عن باريس في هذه المرة، وكان أركان الحرب على حذرٍ تجاه مثلِ تلك الحماقات المدنية! وكان ذلك المدنيُّ يعرف أنَّ رَفْعَه إلى مرتبة جنرالٍ منذ أيام كُونِيغْرَاتْز لا قيمة له، وفيما كان بسمارك يدخل القِطارَ الذي يُسافر فيه إلى الجبهة سَمِعَ بوديلسكي يقول في الحُجيرة المجاورة: «أخذْنا حِذْرَنا في هذه المرة، فلن يستطيعَ بسمارك أن يدخل بيننا!»
والذي يدفع بسمارك — قبل كلِّ شيءٍ — هو الرأيُّ العامُّ الألمانيُّ الذي كان يخشى دخول فِيَنَّة بعد معركة كُونِيغْرَاتْز أكثر من رغبته في ذلك، فصارت الصحافةُ الألمانيةُ تطالب الآن بضمِّ الألزاس «ضمانًا تِجاه هجومٍ يقوم به أعداؤنا التقليديُّون في المستقبل».
وفضلًا عن ذلك بدأ بسمارك بيانَه بالكلمة الآتية، وذلك حينما وَطِئتْ قَدَمَا الملك وِلْهِلْم أرضَ فرنسة في منتصف شهر أغسطس: «بما أن الإمبراطور نابليون هجَم بحرًا وبرًّا على أرض الأُمَّة الألمانية التي كانت ترغب — والتي لا تزال راغبةً — في العيش بسلامٍ مع الشعب الفرنسيِّ …» وفضلًا عن ذلك أصدر فردريك شارل أمرًا يوميًّا جاء فيه: «لم يُسأل الشعبُ الفرنسيُّ عن رغبته في شَهر حرب طاحنة على جاره، فلا داعيَ إلى الحقد.»
وفضلًا عن ذلك أسألُ: ماذا تكون النتيجة إذا ما كُتِب النصر لبروسية على فرنسة؟ ولنفترض أن الألزاس غدَتْ قبضتنا، فيجب علينا إذ ذاك أن نُحافظ على فتحنا بأن تكون لنا حاميةٌ دائمة في ستراسبُرغ، وهذا وضعٌ متعذِّرٌ؛ وذلك لِما يتفق لفرنسة من حلفاءَ في نهاية الأمر، ولِما يكون لنا بهذا من سوء حالٍ حينئذٍ.
ولدينا قولٌ آخرُ لكارل ماركس وهو «تكون هُدنةٌ بدلًا من السِّلم!» وبسمارك قد أبصرَ الحربَ آتية لا ريبَ فيها، وكان يَسُرُّ بسمارك أن يرى هذا؛ وذلك لأن الربح الذي كان يطمعُ فيه من الحرب هو بناءُ الرَّيخ، وما كانت أفكار بسمارك ورغائبه لتُوجَّهَ ضدَّ جار لأنه جارٌ مُتبرِّم، وكاد الفرنسيُّ ينسى في خمس وخمسين سنةً الغزوَ الألمانيَّ الأخير، وأعصابُ فرنسة لم تضطربْ في السنوات الأربع الأخيرة إلا لتوَسُّع بروسية، ولا تَجِد في أية مذكرة من مذكرات بسمارك ولا في أية خُطبة من خُطَبه ولا في أية رسالة من رسائله ولا في أيِّ حديثٍ من أحاديثه الخاصة كلمةَ العدوِّ التقليديِّ، أجلْ إنه لا يحبُّ الفرنسيين، ولكن مَن هو الذي يُحبُّ؟ والآن — بغتةً — وخلافًا لبياناته الأخيرة يجد بسمارك أن من غايات الحرب سلامةَ الرَّيخ التي هي وليدة هذه الحرب، ومن ثَم تُبصِر تبدُّلًا تامًّا في المبادئ الأساسية لسياسته العالمية، فقد تَحوَّل بسمارك الباني إلى بسمارك الفاتح.
يعني ذلك إقامةَ سلسلةٍ من الدول المحايدة من البحر البلطيِّ إلى جبال الألب، فيؤدي هذا إلى تعذُّر هجومنا على فرنسة برًّا … إن من عادتنا أن نحترمَ المعاهداتِ والمحايدات (بخٍ بخٍ!) … ولفرنسة الوقايةُ من ناحيتنا إذن، وذلك على حين ليس لنا من الوقاية البحرية شيءٌ ما دام أُسطولُنا أضعفَ من أسطول فرنسة.
وهذا سببٌ ثانويٌّ، والسبب الرئيسُ هو أنَّ بلجيكة وسويسرة ترغبان في البقاء دولتَين مستقلَّتَين محايدتَين مع أن الألزاس واللورين لا تُريدان ذلك.
وعداوةُ السكان كانت أولَ حائل دون تحقيق ذلك الرأي، وكان يوجد مليونٌ ونصفُ مليونٍ من الألمان لهم ما للألماني من المزايا، فكانوا يعيشون بين أبناء أُمَّةٍ لها مزايا أخرى غير تلك، فكان لهم بذلك مقامٌ مرموق، وإن من خُلُق الألمانيِّ أن تكون له أفضليةٌ على أقربِ جارٍ إليه، وكان يوجد خلفَ أهل الألزاس واللورين باريس مع سنائها وفرنسة مع عظمتها ووحدتها، فإذا ما واجهوا أبناءَ جِلدتهم من الألمان قالوا إن باريس لنا! وجودُ هذا النفور أمرٌ لا ريب فيه، وعلينا أن نتغلَّبَ عليه صابرين، ولدينا، نحن الألمانَ الآخرين، وسائلُ كثيرةٌ، والحُكم من دأبنا على العموم، وحكمُنا يكون قليلَ الحكمة في بعض الأحيان، ولكنه يكون مع الزمن أكثرَ إنسانيةً وأدعى إلى الخير من حُكم أولياء الأمر بفرنسة (ضحك) … ولكن لا ينبغي لنا أن نتمدَّحَ فنقولَ إننا سنصِل إلى تلك الغاية بسرعة فنرى المشاعرَ الألمانية في الألزاس تحوَّلت فصارت كما في تُورِنْجيَة.
ومن خلال جميعِ تلك العوامل المعقولة الصائبة تُبصِر اكتراثَ القطب السياسيِّ ولو جَرُؤَ هذا القطبُ السياسيُّ بعد صلحٍ ظافرٍ أن يقول لبني قومه عند الكلام عن أسلاب الحرب: إنه لا معدلَ عن أخذِها لأقام دليلًا آخرَ على أنه لم يحتفظ بها بلا طولِ رويَّة وإنعام نظر، ولِمَ أخذها؟ صَرَّحَ بسمارك بعد سنوات كثيرة لممثلي ولايتَي الألزاس واللورين بأنه ضمَّهُما على الرغم منه وعملًا بضغط القُوَّاد العسكريين.
تجدُ الأسباب الأولى في مزاجِ الجيش وقوَّاده؛ فالحقُّ أن معاركَ كبيرةً وخسائرَ عظيمةً كانت هنالك، وكان العدوُّ سيِّئَ الاستعداد، فلا يستطيعُ الدفاعَ عن حصونه طويلَ زمنٍ، وكان الأمراء والجنرالات سُكارى النصر، فأضِفْ إلى ذلك كلِّه مقتَ بسمارك لجيرانه المتكبِّرين الذين لا يحتملون قيامَ دولة قوية عبرَ الرَّين مساويةٍ لدولتهم، وهذا إلى العاملِ الألمانيِّ القوميِّ القائم على شعور بسمارك بأن ألمانية مُعرَّضةٌ لخطَر هجومٍ فرنسيٍّ جائرٍ، وكان ملكُ ورْتِنبرغ قد بيَّن لبسمارك — ذات مرةٍ — أنَّ ضعْف البلاد من تلك الناحية ممَّا يَعُوق اتجاهَ جنوب ألمانية نحو الوحدة، وبسمارك قد عرَض الأمرَ على الرَّيشتاغ بقوله: «إن الطرف الذي تدخُل به زاويةُ الألزاس في ألمانية بالقرب من فيسِنْبرغ يَفصِل بالحقيقة جنوبَ ألمانية من شمالها بأكثرَ مما يوجبه خطُّ نهر المِين السياسيِّ.» بيدَ أن هذه الملاحظةَ الواقعية تنطبق على الألزاس وحدها، وهي لا تنطبق إلا على قسمٍ من هذه الولاية.
وبسمارك — فضلًا عن ذلك — سخِر من الأقاويل الوحديَّة الألمانيَّة التي زُعِم أنها أَلهبَت الحماسةَ خلف خطِّ القتال، فقال: «إن الحصون هي التي نحتاج إليها؛ فالفكرةُ القائلةُ بألمانيَّة الألزاس هي من اختراع الأساتذة.» وكان بسمارك يعلم أن وضْع الأمير الناخب الأكبر تِجاه لويس الرابع عشر هو السببُ الرئيس في ضياع الألزاس، وأنه ليس لآل هُوهِنْزُلِّرن أدنَى ادِّعاء ممكن بهذه الولاية، وقد اعترف بسماركُ بما في ضمِّ اللورين من خطَر، فقال في اليوم السادس من سبتمبر: «لا أُريد ضمَّ اللورين، ولكن الجنرالات يَرون أنَّ مِيتْز ضروريةٌ وأنها تعدِل قوة ١٢٠٠٠٠ جنديٍّ.» ولم يَلبث بسمارك أن أفضى إلى دِبلُميٍّ إنكليزيٍّ بقوله: «لا نطمع في الألزاس ولا في اللورين، ويمكن فرنسة أن تحتفظ بهما على أن يتعذَّر عليها اتخاذُهما نقطتَي ارتكاز في حرب تقوم بها ضدَّنا، وإنما نحتاج إلى ستراسبُرغ وميتز.»
ولكن أهمَّ سببٍ حفز بسمارك إلى ذلك الضمِّ البادي الخطر هو فكرةُ الرَّيخ التي كانت في دور التكوين، ويلوح لبسمارك أنَّ قلوبَ الناس القاسية تَلين وتصير مرنةً ﺑ «غضبة عامة»، ثمَّ إن هنالك عهدًا بين الحلفاء الألمان بأن تكون تلك الولاية مشتركةً بينهم، فرأى بسمارك أن زواج شمال ألمانية بجنوبها يبدو جليًّا لهما بتعاونهما على تربية هذا المولود الجديد.
وفي يوم سيدان قال أمينُ سرِّ بسمارك دِلبروك كلمتَه: «من أرض الرَّيخ (ولايتي الألزاس واللورين) يَلِد الرَّيخُ (الإمبراطورية الألمانية).»