سدوم

مغناك ملتهبٌ وكأسك مترعهْ
فاسقي أباك الخمر واضطجعي معهْ
لم تُبق في شفتيك لذاتُ الدما
ما تذكرين به حليب المرضعهْ
قومي ادْخلي يا بنت لوط على الخنى
وازني فإن أباك مهد مضجعهْ
إنْ ترجعي دمك الشهي لنبعه
كم جدول في الأرض راجع منبعهْ!
لا تعْبئي بعقاب ربك إنه
جرثومة من نارك المتدفعهْ
في صدرك المحموم كبريت إذا
لعبت به الشهوات فجر أضلعهْ
في صدرك الدامي مناجم للخنى
أورثتها نار الذراري المزمعه
فبكل صقع من ضلوعك قسمة
خلعٌ على لهب الشباب موزعهْ

•••

إيه سدوم بُعِثت من خلل اللظى
حمراء في شهواتك المتشرعه
في كل جيل من لهيبك سنَّة
سكرى محطمة عليه مخلَّعهْ
عقبت بيَ الذكرى إليك فأشعلتْ
قلبي وأجفاني رؤاك الموجعهْ
شاهدت من خلل اللهيب حدائقًا
كانت نواضر في الفصول الأربعهْ
نشقت من الفردوس عبقة سحره
ومن السماء طيوبها المتضوعهْ
خضراء طاهرة الغراس كأنها
بصفاء عدن لا تزال مبرقعهْ
وكأن من تكفير آدمَ نفحة
فيها ومن صلوات حواءٍ دعهْ
ورأيتُ غدرانًا مراضع تربة
بأجنَّة الزهر الندي مرصعهْ
ومراوح الفجر الجميل على الذرى
يلقى عليها كل طير مخدعهْ
ورأيت حورًا في شفوف زنابقٍ
بيضاء من لبن الجنان مشبَّعهْ
نفخ الصبا بنهودها فتكورت
وتبسمت عن وردة مترفعهْ

•••

ماذا فعلت، سدومُ، أين جواذبٌ
كانت على تلك الخدور مجمعهْ؟
فيم استحال لبانك النامي إلى
خمر بكاسات الفجور مشعشعهْ
ذوبْت خمرك لا ليصبح طاهرًا
لكن ليستهوي النفوس فتجرعهْ
وجعلت غرغرة الأفاعي كأسه
ليذوق منها كل قلب مصرعهْ

•••

سكرت بك الدنيا سدوم فكلها
زمرٌ على طرق الحياة متعتعهْ
وأثرت حنجرة الفجور فأطلقت
حممًا على نغم الجحيم موقَّعهْ
أغنيَّة حمراء أنشدها الخنى
مزقًا على أوتارك المتقطعهْ

•••

أسدوم هذا العصر لن تتحجبي
فبوجه أمك ما برحت مقنَّعهْ
كانت منكرة كوجهك عندما
هبت عليها من جهنم زوبعهْ
قذفتك صحراء الزنى بحضارة
ثكلى مشوهة الوجوه مفجعهْ
بؤر مسترة الفساد بخدعة
نكراء بالخز الشهي مرقعهْ

•••

أسليلة الفحشاء نارك في دمي
فتضرمي ما شئت أنْ تتضرمِي
أنا لست أخشى من جهنم جذوة
ما دام جسمي، يا سدوم، جهنمِي
طوفتِ بي ميتًا بأروقة اللظى
فحملتُ تابوتي وسرت بمأتمِي
وعصبتِ بالشبق المجمَّر جبهتي
فرفعتها في عصريَ المتهكمِ
علمتني لغة النبوءة عندما
فجرت ألغام السموم بمنجمِي
مهلًا كلانا يا سدوم مسلح
فلظاك في جسمي وثأرك في فمِي
سيرتِ قلبي في المهازل شاعرًا
وذررت مسحوق العظات بمرقمِي
فكأن غضبة أنبيائك عندما
أُحرقت عاشت في اللظى المتكلمِ
أَبغيَّ هذا العصر خمرك فاغرفي
واسقي ذراريَّ الورى واستسلمِي
وبمضجع الغرباء نامي حقبة
ثم اعدلي عنه لآخر وارتمِي
وتمرغي ما شئت في حمأ البلى
حتى يجف بك الرضاع وتهرمِي
حتى تضاجعك الأفاعي في الدجى
ويصير حسنك مخدعًا للأرقمِ
حتى يفور الدود منك وينثني
يمتص جيفة عرضك المتهضمِ
حتى يدب الموت فيك وتمَّحي
ذرية المهد الأثيم المجرمِ
١٩٣١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤