أوزان العربية وصيغها

نريد بأوزان العربية أو موازينها أبوابَ الأفعال من ثلاثية ومزيدٍ فيها، ونريد بصيغها: أوزان الأسماء، من مشتقة وغير مشتقة، وميَّزنا بين اللفظين والمعنيين، أمنًا لِلَّبْس، وإلا فلا فرق بينهما، ولهذا لم نقيد نفسنا بهما كل التقييد، بل تساهلنا فيهما أحيانًا.

فأما أوزان العربية فمن أبدع ما ورد فيها، وهي من الغنى بحيث يجد فيها الباحث ما يَجْزأهُ عن النحت والتركيب وتكثير الألفاظ والشروح، حتى إنك لا تجد ما يضارعها في سائر الألسنة، ولو كانت سامية الأصل، نعم، إنك ترى في العبرية والإرمية شيئًا يشبه هذه الأوزان، لكنك لا تجدها كلها، بل بعضًا منها، وهي دون العربية عددًا، فالعربية سبقت أخواتها كلهنَّ، وَبَزَّتْهنَّ بَزًّا! ولكل وزن من تلك الأوزان مزية خاصة به؛ وربما اجتمعت فيه عدة مزايا، وربما أيضًا اشتركت مزايا هذا الوزن مع مزايا الوزن الآخر.

خُذْ مثلًا الوزن «فاعَلَ» ففيهِ من المزايا ما يدهشك:
  • (١)

    فتأتي «فاعَلْتُ للمشاركة» تقول: شاركتُهُ، وقاتلتهُ، ودارستهُ، وقاومتهُ، وجاورتهُ، وقاولتهُ.

  • (٢)

    وتأتي فَاعَلْتُ بمعنى فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ. تقول: قاتلهم الله؛ أي قتلهم الله، وعافاك الله أي أعْفَاك، وعاقبتُ فلانًا، وداينتُ الرجُلَ أي أدنتُهُ، وشارفتُ بمعنى أشرفتُ، وباعدتهُ بمعنى أبعدتهُ، وجاوزتهُ بمعنى جُزتُهُ، وعالَيْتُ رَحْلي على الناقة أي أعليتُهُ.

  • (٣)

    وتأتي فاعلت من واحدٍ بغير معنى المشاركة، ولا بمعنى فَعَلْتُ ولا أفعلت، كقولك: سافرتُ، وظاهرتُ، وناولتُ، وضاعفتُ، وسابقتهُ، وحاربتهُ، فلم يسابقني ولم يحاربني.

  • (٤)

    «وتأتي فاعلتُ بمعنى فَعَّلْتُ بلا فرق» كقولك: ضَاعَفْتُ بمعنى ضعَّفت، وباعدتُ وبَعَّدتُ، وناعَمْتُ ونعَّمتُ، ويقال: امرأة مُناعِمة ومُنَعَّمة، وربما وَردتْ فاعلت بمعنى فَعَّلت في أصل ولا ترى فيه فَعَّلْتُ. تقول: فلان ضَاءَلَ شخصَهُ أي صَغَّرَهُ ولا تقول: ضَأَّلهُ.

  • (٥)

    «وتأتي فاعلتُ للْمُبَاراة والمغالبة» تقول: شاعرتُهُ مشاعرةً فشعرتُهُ؛ أي غالبتهُ في الشِّعر، فكنت أشعر منهُ. وتقول: فاضلني فلان فَفَضَلْتُهُ أي باراني في الفضل، فكنتُ أفضل منهُ، ومثلهُ: جاودني فجُدْتُهُ، وعَازَّني فَعززتُهُ أي غالبني فغلبتُهُ، وضم العين في مثل هذا مُطرد في المضارع وليس في كل شيءٍ يقال: فاعلني ففعلته، بل فيما يقبل المغالبة (راجع ما قالهُ صاحب اللسان في مادة «عزز»).

  • (٦)

    «وتأتي فاعل بمعنى تفاعل» ومنهُ قول اللغويين ضاءَل شَخْصَهُ وتَضَاءَل أي صَغَّرهُ.

    والتوسُّع في هذا البحث وَأَشْباههِ خاصٌّ بكُتُب الصرف، فارجع إليها إن شئت.

    وأما الصيغ العربية فهي أوسع ميدانًا من الأوزان، ولا نظن أنَّ في العالم لغةً تعدَّدت فيها الصيغ كما تعدَّدت في لغتنا، ففي لغات الغرب مثلًا، ولا سيما الحديثة منها، ترى صيغًا للتصغير والتكبير، للتحبيب والتحقير، للتقريب وللتبعيد، للتجديد والتعتيق، إلى أشباه هذهِ الْفِكَر، ونظن أن أغلبها صِيغت على أمثلة لغة عدنان، أما أن هناك صيغًا خاصةً، ولكلِّ صيغة مزيةً خاصة بها دون غيرها، فهذا لا يُرى إلا في هذهِ اللسان البديعة.

    فعندنا صِيَغٌ تمتاز بمعانٍ خاصة، هذا عدا الصيغ التي قرَّرها النحاة في تصانيفهم، فهناك: فُعَال، وفِعال، وفَعَال.

    فُعَالة، وفِعَالة، وفَعَالة.

    فُعَّال، وفِعَّال، وفَعَّال.

    فُعَّالة، وفِعَّالة، وفَعَّالة.

    فُعْلَة، وفِعْلَة، وفَعْلة.

    فُعُلٌّ، وفِعِلٌّ، وفَعَلٌّ.

    فُعْلَان، وفِعْلان، وفَعْلَان، وفَعَلَان.

    فَعَلْعَل، وفَعَلْعَلَان، إلى غيرها وهي كثيرة، ونحن نذكر هنا بعض الشواهد للإلمام فقط، والإشارة الخفيفة إلى ما هناك من دقائق المعنى.

    فالفرق مثلًا بين العَلَاقة (بالفتح)، والعِلَاقة (بالكسر) هو على ما قال في الكليات: «العِلَاقة بالكسر، هي علاقة السَّوْط والقَوْس ونحوهما، وبالفتح: عَلَاقة الْمُحِب والخصومة ونحوهما. فالمفتوح يُسْتعمل في الأمور الذِّهْنِيَّة، والمكسور في الأمور الخارجية، والعَلَاقة أيضًا هي اتصال ما بين المعنى الحقيقي والمجازي، وذلك معتبر بِحَسَب قوَّة الاتصال، ويُتصوَّر ذلك الاتصال من وجوهٍ خمسةٍ: الاشتراك في شكلٍ – والاشتراك في صفةٍ – وكون المستعمل فيهِ، أعني المعنى المجازي، ع«باب العين مع الباءلى الصفة التي يكون اللفظ حقيقةً فيها – وكون المستعمل فيهِ أصلًا غالبًا إلى الصفة التي هي المعنى الحقيقي – والمجاورة.»

    «فالأولان يُسَمَّيانِ مستعارًا، وما عداهما مجازًا مُرْسَلًا، ووجه المجاورة يَعُمُّ الأمور المذكورة، قال صاحب الأحكام بعدما عَدَّ الوجوه الخمسة، وجميع جهات التجوُّز، وإن تعدَّدت، غير خارجة عَمَّا ذكرناهُ.» ا.ﻫ.

    قال صاحب هذا الكتاب: الفِعالة، بالكسر، تدل في أغلب الأحيان على الصناعة كَالْحِرَاثة، والزِّراعة، والْمِساحة، والنِّجارة، والْحِدادة، والْخِراطة، والْحِمالة، والتِّجارة، والسِّقاية، إلى نظائرها.

    وتدل أيضًا على الآلة، والأداة، فكأنها تأنيث الفِعال الدال بنفسهِ على الآلة أو ما يشبهها، كالْحِزام، والنِّطاق، والْبِسَاط، واللباس، والْمِقاط، والشِّكال، والرِّباط، والْعِقَال، ونحوها.

    وأما نظائر الفِعَالة فكالإِداوَة، وَالْحِداجَة، وَالْخِزانة، وَالرِّحالة، وَالْجِبارَة، وَالضِّبارة، وَالْعِضَادة، وَالْكِنانة، وَالْقِلادَة، وَالْحِمالة، وَالرِّفادة (الْخِرْقة يُرْفد بها الجرح وغيره)، والسِّقاية (للإِناءِ الذي يُسقى بهِ)، إلى آخر ما ذكروهُ من هذا القبيل، بَيْدَ أن الأمْثلة الواردة بالهاءِ أقلُّ بكثير من الْمُثُلِ الخالية منها، على أن ما ذكرناهُ كافٍ لإِثباتِ ما نقول، وإن لم يذهب إليه إلى هذا اليوم أحد من النحاة أو اللغويين إلا أن الحقيقة لا تخفى على المتدبِّر.

    فَعَلْعَل

    من الصفات الدالة على أن صاحبها يمتاز بكثرة ما يتصف به ما جاءَ منها على فَعَلْعَل كَغَطَمْطم، وَعَنَطْنط، وَغَشَمْشَم، وَعَرمْرَمُ، وَعَفَرْفَرَة، وَدَمَحْمَح، وَهَجَفْجَف، وَحَوَرْور، وعركرك، وَعَنَشْنَش، وَحَوَلْوَل، وَشَمَقْمَق، وَعَقَنْقَل، وَصَمَحْمَح، وَعَصَبْصَب، وَسَمَعْمَع، وهي مركبة أو منحوتة من تكرار الوصف الثلاثي فقولهم: رجل عَنَطْنط كقولهم رجل عَنِط عَنِط، لكِنْ عَنِطٌ لم يسمع بهِ، فاجتزءوا بقولهم: عَنَطْنَط أي عظيم الطول، أو بَيِّن الطول، ولا سيما بَيِّن طول العنق، ويُراد بفعَلْعَل المبالغة في الوصف، عظيمًا كان ذاك الوصف أم صغيرًا، فإن كان عظيمًا فهو أعظم ما يكون من جنسهِ، وإن كان صغيرًا فهو أصغر ما يكون من جنسهِ، ويمتاز مع ذلك بشيءٍ خاصٍّ يبلغ بهِ النهاية.

    فقولك: رجل سَمَعْمَع، تريد به رجلًا «صغير الرأس والجثة داهية غاية ما يكون» (التهذيب)، وقول القاموس: «الصغير الرأس أو اللحية والداهية.» غير صحيح، وفي اللسان: «الصغير الرأس والجثة الداهية.» صحيح، موافق لما في التهذيب، والأزهريُّ أعظمُ حجةٍ في اللغةِ، يتضاءل بجانبهِ سائر أرباب المعاجم، وقد غلِط أيضًا كل مَنْ نقل عن القاموس كالمعلم بطرس البستاني في محيط المحيط، والشرتوني في أقرب الموارد، والشيخ عبد الله البستاني في البستان؛١ فقد نقل جميعهم عبارة القاموس فقالوا: السَّمَعْمَعُ: الصغير الرأس، أو اللحية، والداهية، على أن «البستان» مسخها، فأساء في التعبير كل الإساءة فقال: «السَّمَعْمَع: الذئب الخفيف السريع، والصغير اللحية، والداهية» (كذا).

    وقال ابن بري: شاهدهُ قول الشاعر:

    كأَنَّ فيهِ وَرَلًا سَمَعْمَعا

    وقيل: هو الخفيف اللَّحْم، السريعَ الْعَمَل، الخبيثُ، اللَّبِقُ، طالَ أو قَصُرَ، وقيل: هو الْمُنْكَمِش الماضي، وهو فَعَلْعَلٌ (راجع أمالي الشيخ ابن بري في ترجمة سمع في نحو آخرها).

    وقد اختلف العلماء في تعليل هذا الوزن؛ فمنهم مَنْ جعل أصله الأحرف الثلاثة الأولى، ثم كُسِعت بحرفين في عجُزها، من جنس الحرفين الأخيرين من صدر الكلمة، وهذا رأي الليث، صاحب كتاب العين، فقد قال في تركيب «ع ن ط» في كلامهِ على الْعَنَطْنَط: «اشتقاقهُ من عنط، ولكنهُ أُردِفَ بحرفَيْن في عَجُزِهِ.»

    وذهب الفرَّاء إلى أنهُ مشتق من الفعل، فقد قال في عَصَبصب: «هو مشتق من قولك: عَصَبْتُ الشيءَ: إذا شددتَهُ.» قال الأزهري: وليس ذلك بمعروفٍ؛ إنما هو مأخوذ من قولك: عَصَبَ القومَ أمرٌ يَعْصِبُهُم عَصْبًا: إذا ضَمَّهُم، واشتدَّ عليهم (راجع التهذيب في عصب).

    على أن الأزهري نفسهُ ذهب مذهبًا آخر في مادة أخرى تشبه اشتقاقها هذا الاشتقاق، فقال في التكملة: «بحر غَطَمْطَمٌ وغُطَامِطٌ: كثير الماءِ، كثير الالتطام، إذا تلاطمت أمواجُهُ، والْغَطْمَطَة: الْتطام الأمواج، وجمعُهُ غطَامِطُ، وغَطَامِطُهُ كَثِيرَةٌ: أصوات أمْوَاجهِ إذا تلاطمت، وذلك أنك تسمع نَغْمَةً شِبْهَ غَطْ، ونغمةً شِبْه مَطْ، ولم يبلغ أن يكون بَيِّنًا فصيحًا كذلك، غير أنهُ أشبَهُ بهِ منهُ بغَيْرِهِ، فلو ضَاعَفْتَ واحدةً من النَّغْمَتَيْن، قلتَ: «غَطْغَط»، أو قلتَ: «مَطْمَط»، لم يكن في ذلك دليلٌ على حكاية الصوتين؛ فلما أَلَّفْتَ بَيْنَهُما، فقُلتَ: غَطْمَط، استوعب المعنى، فصار بمعنى المضاعف، فَتَمَّ وحسُنَ.» ا.ﻫ. كلام أبي منصور.

    وذهب ثعلب إلى نحو ما ذهب إليهِ ابن مُظَفَّر، فقد جاء في اللسان في «صمح» ما هذا نصُّهُ: «قال ثعلب: رأس صَمَحْمَحٌ أي أصلعُ، غليظٌ، شديدٌ، وهو فَعَلْعَل، كرَّر فيهِ الْعَيْن واللام.»

    وهناك رأي آخر هو رأي ابن جِنِّي؛ فقد قال في «صمحمح»: «الحاء الأولى من صَمَحْمَح زائدة، وذلك أنها فاصلة بين الْعَيْنَيْن، والْعَيْنان متى اجتمعتا في كلمة واحدةٍ، مفصولًا بينهما، فلا يكون الحرف الفاصل بَيْنَهمَا إلا زائدًا نحو عَثَوْثَلٍ، وعَقَنْقَلٍ، وسُلَالمٍ، وحَفَيْفَدٍ،٢ وقد ثَبتَ أن العين الأولى هي الزائدة، فثبتَ إذن أن الميمَ والحاء الأُولَيَيْنِ في صَمَحْمَح هما الزائدتان، والميم والحاء الأخيرتين هما الأصليتان، فاعرف ذلك.» ا.ﻫ.

    فيتضح من هذا أن حُذَّاق الصناعة اختلفوا في اشتقاق هذا الوزن، والرأي الأصح عندنا أنه منحوت من نعتين متجانسين وضعًا واشتقاقًا؛ وإنما فعلوا ذلك تبليغًا في الوصف وإشارة إلى أصل الاشتقاق.

    وإذا مُدَّ فَعَلْعَل، فقيل: فَعَلْعَال، اختلفت فيهِ الآراء اختلافًا جديدًا، فمنهم مَنْ جعله فَعَلعالًا بالتحريك، ومنهم مَنْ قال: الْفِعِلْعَال بالكسر هو الفصيح، ومنهم مَنْ لم يُبْدِ رأيًّا في تفضيل وزن على وزن، كأنه يُجِيز الاثنين، أو يُغَلِّب السماع على القياس، وهو الرأي الراجح عندنا، المقبول، المعقول.

    قال أبو منصور في تهذيبه: السِّرِطْرَاطُ، بالكسر، لغة جيدة لها نظائر مثل: جِلِبْلَاب،٣ وسِجِلَّاط،٤ وأما سَرَطْرَاط (بالتحريك) فلا أعرف له نظيرًا.٥ فقيل للفالوذج: «سِرِطْرَاط، فكُرِّرَت فيهِ الراء والطاء تبليغًا في وصفهِ واستلذاذًا لآكلهِ إياهُ، إذا سرطهُ وأساغهُ في حلقهِ … والسِّرِطْرَاط فِعِلْعَال من السرط الذي هو البلع.» ا.ﻫ.

    وأما ورود فَعَلعال بالتحريك فغير مجهول؛ فقد ذكر أرباب اللغة من لغات الشِّقِرَّاق: الشِّرِقْرَاق، بالكسر، والشَّرَقْرَاق، بالتحريك، ولم يُقَبِّحوا هذهِ اللغة. على أن كسر الأولَييْنِ أكثر ورودًا، فقد قالوا مثلًا: شِنِقْناق، وهي بكسرتين، وهو رئيس الجن والداهية.

    ولم يذكر له لغة التحريك.

    بيد أنهُ يعترض على هذا أن وزن شِنقِناق فِنِعلال، لا فِعِلْعَال، ونظائر فِنِعْلال ومقلوبهُ فِعِنْلال معروفة كسِنِقْطَار وسِقِنْطَار.

    ويقارب هذه الأوزان «فِعِلَّال» كسِجِلَّاط وسِقِلَّاط وسِنِمَّار.٦

    وكذلك فِنْعِلَال، كسِنْجِلَاط. ذكره القاموس ولسان العرب في «سجلط».

    وقد أطلنا الكلام على هذه الأوزان الغريبة؛ لأن أغلب النحاة لم يذكروها، والذين ذكروها أقلُّوا الكلام عليها، إما لنُدْرتها، وإما لغرابتها، وإما لما فيها من العراقيل في البناء والصيغة، والصيغ في لغتنا تعد بالمئات.

هوامش

(١) إني أحذِّر كل باحث من الاعتماد على «البستان»؛ فإن صاحبه حاول مرارًا أن يخفي نقلهُ من الكتب التي كانت بين يدَيْه، فلوى المعاني ليًّا، وأفسد التعبير عنها بأشنع صورة، وكفى الباحث أن يعارض بين مادة من مواد «البستان» بما يقابلها في القاموس، أو لسان العرب؛ لتنكشف له المخازي والفظائع والشنائع، وأحسن عمل يأتيه طابعو المعجم المذكور أن يجمعوا نسخه ويُحرقوها إحراقًا لا يُبقي من رمادها أثرًا في الأرض كلها.
(٢) هكذا هو في الأصل، ولا وجود لحفيفد في المعاجم العربية التي بأيدينا، ولعل الصواب هو حَفَدْفد، وهو الْمُدَوَّن في المعاجم، على أن سياق الكلام يوجب أن يكون حَفَيْدَد بياءٍ مثناةٍ بعد الفاء؛ لأن ابن جني ذكر أربعة شواهد: في الأول منها يرى الحرف الثالث واوًا، وفي الثاني حرفًا صحيحًا، وفي الثالث ألفًا، فيجب أن يكون الحرف الثالث من الشاهد الرابع ياءً؛ ولهذا تكون روايته بالياء صحيحة، وعدم وجودها في المعاجم، لا ينفي وجودها في كلام العرب، لا سيما أن ابن جني هو من الحجج الثقات الأثبات، إذن حفيدد صحيح بمعنى حَفَدْفد.
(٣) في اللسان المطبوع في بولاق في مادة «س ر ط»، جِلِبلاب بجيم مكسورة في الأول، والصواب ما ذكرناه؛ إذ لا وجود لهذه الكلمة، ولا شك في أن الغلط واقع من الناشر لكثرة سمعهِ «الجلابية» و«الْجُلَّاب» و«الجلباب»، وعدم سماعهِ الْحِلِبلاب، بالحاء المهملة المكسورة.
(٤) هذا كلام غريب ينطق به إمام أئمة لغويي العرب أبو منصور الأزهري، فسرطراط وحلبلاب وزنهما فِعِلعَال، وسِجِلَّاط وزنهُ فِعِلَّال، فأين ذا من ذاك؟ ومع ذلك إننا لا ننقل إلا ما يُرى في التهذيب وهو كذلك في اللسان، فسبحان مَنْ لا يسهو.
(٥) وهذا أغرب ما نطق به الأزهري مع أنك تراه يذكر في معجمه الشَّرَقْرَاق نقلًا عن «العين»، فقال في «شرق» في نحو آخر المادة: «الليث: الشقِرَّاق والشَّرَقْرَاق لغتان: طائر يكون في أرض الحرم، في منابت النخيل كقَدْر الْهُدْهُد مرقَّط بحمرة وخضرة وبياض وسواد.» فكيف نسي هذا؟
(٦) أصل سِنِمَّار بمعنى القمر، «سِنْ مَاه» وكلاهما بمعنى القمر، الأول إرَمِي، والثاني فارسي، ثم مُزِجَا وقلبت الهاء راءً على لغةٍ لبعضهم. ومثل هذا المزج لم يكن مجهولًا عندهم، فقد قالوا «القباطاق» (راجع المغرب للمطرزي)، والأصل: «القبا: الطاق» أي إن القباء هو الطاق. والقباء فارسية والطاق عربية من أصل رومي، وقالوا: شقائق النعمان، وشقائق عربية والنُّعْمان «أو أنُعْمان» يونانية، بمعنى الشقائق للزهرة الحمراء المعروفة، وهناك غير ما ذكرناه من هذه الكلم، فبهذه الأمثال الثلاثة مجزأة؛ إذ هي من باب الذِّكْرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤