اتفاق أصول العربية مع اللغات اليافثية

اتفاق أصول الساميات أمْرٌ لا يجهلهُ صبيان الكتاتيب، ولهذا لم نتعرض له، إنما الاختلاف بل أعظم الاختلاف هو في اتفاق الساميَّات واليافثيَّات، أهو واقع أم لا؟

فأغلب فقهاء اللغات على أنْ لا نَسَبَ بينهما البتة، وهذا رأي أغلب المتعصبين لقوميتهم تعصبًا أعمى؛ إذ لا يريدون أن يكون أدنى صلةٍ بين بني سام وبني يافث، وبعضهم يرى أن هناك بعض الصلة، وهذا رأي بعض العلماء الساميين الذين أتقنوا العِبْرِيَّة، ودرسوا اللُّغَى اليافثية، والألمانية، والإنجليزية، والروسية، فوجدوا مُشابهاتٍ بينها وبين اليافثيات، فذكروا أن هناك ألفاظًا أُخذت من الساميات، ولا سيما من العبرية، وأشهر مَنْ ذهب إلى هذا الرأي «مُوس أرنولت» أي: MUSS-ARNOLT. On Semitic Words in Greek and Latin. Transactions of the American Philological Association. VOL. XX. III. 1892.

والظاهر من اسم هذا المحقق أي موس أرنولت، أنه يهودي، أو من أصل يهودي؛ لأن «موس» مقطوع من «موسى»، وما بقي من اسمه هو كالرداء يلقيه على نفسه ليخفي أصله.

والثاني هو «لاوي» LEWY وهو يهودي صِرْف بلا نزاع، واسم كتابه: DIE Semitischen Fremdworter in Griechischen. Berlin 1895.

على أننا نصرح للجميع أننا لم نستفِدْ من هذين الكتابين ولا من غيرهما؛ لأننا لا نفهم كلمةً من الألمانية.

ثانيًا: لعدم جود هذين التأليفين بين يدينا.

ثالثًا: أننا عرفناهما من معجم إميل بوازاق اللغوي البلجكي أي: EMILE BOISACQ. Dic. Etymologique de la Langue Grecque. 2e EDIT. PARIS. 1923.

الاشتراك اللغوي واضح في مئاتٍ من الألفاظ مما يدل على أن الحقيقة لا تُنكر، ولا سيما إذا أخذ الباحث بمبدئنا وهو: أن كل كلمة مركبة من هجاء واحدٍ أو هجاءين، لا بد من أن يكون لها مقابل في اليافثيات، وهو المبدأ الذي جاهرنا به، وأنكره علينا مجانًا وبلا أدنى تدبُّر، مَنْ يدعي الوقوف على اللغات الغربية والعربية، ولعلَّ ذلك الوقوف هو «على الرأس لا على الرِّجلين»، ونحن نذكر الآن بعض الشواهد:

(١) الْعُصْفور

هو اسم لكل طائر صغير الجثة يكثر الصفير، وقد قال بعضهم: إنهُ سُمِّي كذلك لأنه لما أُدْخِل الجنَّة «عصا» الله و«فرَّ» (راجع تاج العروس في طفيشل). على أن اشتقاقهُ من «الصفير» واضح لا يحتاج إلى دليل، وصُغِّر على وزن «فُعلول» فقيل: «أُصفور» أي «عُصفور».

ووزن «فُعلول» أو «أُفْعُول» معروف في العربية وإن لم يصرحوا به في مهارقهم. من ذلك: «الْحُتْرُوش»: للصغير الجسم، و«الزُّغْلول»: للخفيف من الرجال والطفل، و«الْمُلْمُول»: للميل الصغير الذي يكتحل به، و«الأُمْلُول»: لدويبة صغيرة تكون في الرمل تشبه العظاءة، إلى نظائرها.

والعصفور بالإرمية «صَفْرا» ويضيفونه إلى كثير من الألفاظ فيكون عندهم ما معناه: القبَّرة، والْبُلْبُل أو الهزار، والسَّمَرْمَر، وعصفور الغاب، إلى آخر ما عندهم.

وللإنجليز كلمة تقرب من كلمتنا وهي: SPARROW «وتلفظ سبَارَو» أي الْعُصْفور. قال وَبَسْتَر: هو بالإنجليزية القديمة SPARWE، وبالإنجليزية السكسونية SPEARWA. قال: وأصلها يتصل بالجرمنية العالية القديمة SPARO، وبالجرمنية SPERLING، وبالإسْلَنْدِيَّة SPORR، والهولندية SPURRE, SPURV، والأسوجية SPARF، والقوطية SPARWA، ومن المحتمل أن يكون الأصل مأخوذًا من معنى المرتعش والمرتعد، وأنه يتصل بالإنجليزية SPURN، ومعناها: نفح أي ضرب برجله.
على أن الأصل الذي أشرنا إليه هو أقرب إلى طبيعة العصفور، وهو باللاتينية PASSER، وبالفرنسية PASSEREAU، وباليونانية (STROUTHOS) στονΰός «أي صتروثس»، وبين الأصل اليوناني «ستر»، أو «صتر»، أو «صفر»، العربيات مجانسة لا تخفى على السامع، فإن بعض الأعراب كانوا ينطقون بالتاء المثناة فاء، وبالعكس كالنبيت والنفيت، ومنهم مَنْ كان يجعل الثاء المثلثة فاء، وبالعكس، فيقولون: الحثالة والحفالة، وثلغ رأسه وفلغه، واللِّثَام واللِّفام.

فترى من هذه المقابلة ما يدهش كل متدبرٍ، ومن ذلك:

(٢) التُّرْعة

الترعة: الباب (اللغويون جميعًا)، وهو بالإرمية «تَرْعَا»، بمعناه، وهو مشتق عندهم من «ترَع»؛ أي شقَّ ونقب وفتح، وهو بالصابئية أو المنْدَائِيَّة «ترْأا»؛ لأن أرباب هذه اللغة يسقطون منها الحرف الحلقي، وهو بالعبرية «ترع»، وبالفارسية «دَرْ»، ومنها اللفظة التركية المركبة من الفارسية والعربية «دَرْ سَعادَتْ» أي «باب السعادة»، وهم يريدون بها «إسْتَانْبُول»، أو «الْقُسْطَنْطِينِيَّة»، وبالإنجليزية DOOR، قال وبستر: وبالإنجليزية القديمة القديمة DORE, DURE، وبالإنجليزية السكسونية DURU، والأصل يتصل بالسكسونية القديمة DURA, DUR، والهولندية DEUR، والجرمنية العالية القديمة TURI، والباب الكبير TOR، والجرمنية THOR, THUR، والإِسْلنْدِيَّة DYRR، والدنيمركية DOR، والأسوجية DORR، والقوطية DAUR، واللثوانية DURVS، والروسية DVERE، واللاتينية FORES، واليونانية THURA، والهندية الفصحى DUR, DVARA، فهل بعد هذا مَنْ يشك في أن اللغات تتلاقى في بعض الألفاظ كما يتلاقى الأصدقاء بعضهم مع بعض؟

(٣) الْعِد

العد، بالكسر: الماء الجاري الذي له مادة لا تنقطع كماء العين (القاموس)، وهو باللاتينية UNDA بإقحام نون أي N بين العين والدال، ومثل هذا كانت تفعل العرب، فإنهم كانوا يقولون: «الْحَنْظ» في «الحظ»١ إلى أمثالها وهي لا تُعد، على أن اليونان أسقطوها من كلامهم وعوَّضوا عنها براء في الآخر فقالوا: ΰδωο, ΰδαιος (hydor, hydatos) وتلفظ «عِدُر» وفي الإضافة يحذفون منها الراء، فيقولون: عِدَاتُس، مما يدل على أن الراء عاريَّة فيها، وقد كان للناطقين بالضاد مثل زيادة هذه الراء في الآخر، فقالوا: بَحْثر الشيءَ في بحثهُ، وفجَّر الشيءَ في فجَّهُ، والْبَتْر في البت وهو القَطْع، إلى نظائِرِهَا.
و«العِد» بالهندية الفصحى «عُدَان» أي udan، وبالإضافة ah – udn، والأصل udan، وهذه اللفظة يجانسها عندنا العَدَان: كسحاب، وهو ساحل البحر وحافة النهر، وhydor اليونانية نُقلت إلى water الإنجليزية، ومَنْ أراد أن يرى أخواتها في اللغات السكسونية فليراجع هذه اللفظة، فإنه يرى لغاتها المختلفة في «وبستر»، كما فعلنا في «الترعة» و«العصفور»، فبهذه المعارضة يظهر في لغتنا من الفضل العظيم والأصل الحقيقي؛ لأنه مبني على هجاءٍ واحد لا غير على ما تقدَّم القول، وقد أسلفنا الكلام أن أقدم كلمة في اللغات أقربها إلى الهجاء الواحد، وهذا ما يتحقق هنا كل التحقق.
ونزيد على ما تقدم أن الكلمة اليونانية hydor تبتدئ بحرف عليه علامة تدل على أن ذلك الحرف يقابله في الألسنة السامية حرفٌ حلقيٌّ كالهمزة أو الهاء، أو الحاء، أو العين أو الخاء، ولما كانت كلمتهم تلك تعني «العِد» الماء الجاري، وأيضًا البحر، قالت العرب في هذا المعنى الأخير «خُضَارة» بالضم وفي الآخر هاء وبلا «أل»؛ لأنه علم للبحر، واللفظ يكاد يكون واحدًا في العربية لولا أن للعرب الخاء والضاد، فمَنْ لا يعجب من هذه المجانسة العجيبة؟

ويقرب من «خُضارة» علَمًا للبحر: «الْخِضْرِم» والأصل واحد، إلا أنه أُرْدِف بالميم، وهم كثيرًا ما يزيدونها مبالغةً لما يقصد منهُ، قال في القاموس: «الْخِضْرِم، كزبرِج، البئر الكثيرة الماءِ، والبحر الغطَمطَم.»

وَيُشْبِه «الْخِضْرِم»: الْغُذَارِم وهو الماء الكثير.

ولليونان كلمة تقارب الأصل hydor وهو HYDRA, AS، ويريدون بها ضربًا من الحيَّات يأوي إلى الماء.
وقد اشتهر بهذا الاسم HYDRA LERNAIA، وهو حيَّة كان لها أسبعة أرْؤُس، وكان كلما قطع منها رأس نبت في مكانه رأسان، ولهم مثل مأخوذ من هذا اللفظ، معناهُ: «قَطَعَ هُدْرَة» يضربونه لِمَنْ يُقَارع مَصَاعب لا تنتهي.

وكان الأقدمون من مُعَربي صدر الإسلام ترجموا هذه الكلمة «بالشجاع». قال في القاموس: «الشجاع كغراب وكتاب: الحية، أو الذَّكَر منها، أو ضرب منها صغير والجمع شجعان، بالكسر والضم.» ا.ﻫ.

وعدم تثبتهم من حقيقة هذه الحية ناشئ من وجودها في الماء، على أن في لغتنا كلمة تضاهي أصول «هُدْرَا» وهي «العُدَار»، ونسب إليها صاحب القاموس رواية مصحفة الأحرف، أصلها هو هذا على ما نرى: «دابَّة تلكع الناس (أي تنكزهم) باليمن، وَلِنَسْغَتِهَا (أي لسعتها) دود.» والمثل العربي مبني على هذا التصحيف الوارد منذ أقدم الأزمنة، وليعذرنا القراء عن إيراده وإنما نسبوها إلى اليمن؛ لأن هذه الربوع عندهم بلاد العجائب، فلقد نسبوا إليها «النَّسْنَاس»، «والفَقنَّس»، أو «القوقيس»، إلى غير ذلك من الغرائب وشواذ الخلْق وشُذَّاذ الخلق.

ومن الأصول العربية الشبيهة باليونانية hydor «العَدْر». قال المجد: «العَدْر: المطر الشديد الكثير، ويُضَمُّ: عَدِر المكان كفرِحَ، واعتدَر: كثر ماؤهُ … والعَدَّار: الملَّاح … وعنْدَر المطرُ فهو مُعنْدِر: اشتدَّ، واعتدر المكان: ابتلَّ من المطر.» ا.ﻫ. وكل ذلك موافق لما في الأصل اليوناني.

على أننا نلاحظ شيئًا وهو قولهم العدَّار هو الْمَلَّاح، فكما أن «الْمَلَّاح» منسوب إلى الْبَحْر «الْمِلْح». «والْبَحَّار» إلى الْبَحْر، وَجب أن يكون هناك لفظ مُمَات هو «الْعَدْر» بمعنى البحر، حتى يؤخذ منهُ الْعَدَّار للْبَحَّار، وإلا لما جاز أن يقال العدَّار: الملَّاح.

ومما يضارع العَدْر الْمِضْرِس، فليس فيه سوى تفخيم الدال وزيادة السين في الآخر، وهو من الأمور المألوفة عندهم. «والْعَضْرَسُ: كجعفر: … الْبَرْد، والماء البارد العذب، والثَّلْج، والْوَرَقُ يُصْبِح عليهِ النَّدَى، أو اللازقةُ بالحجارةِ الناقعةِ في الماء، وعُشْب أشْهَب الْخُضْرَةِ يحتمِل الندى شديدًا، ويُكسر كالْعُضَارِس، بالضم في الكلِّ وجمعهُ بالفتح.» ا.ﻫ. ففي هذا كله معنى الماء، وهو أصل معنى اليونانية أيضًا مع فروعها المختلفة، فلا جرم أن الأصل واحد، وأن يحاول بعضهم إنكارهُ على غير جَدْوَى.

وهناك مشابهات أخر لألفاظ لا تحصى، وكلها تتصل بهذا الأصل أي «العِد»، وقد حلَّت به الغِبَرُ لُغَى القبائل، كالوادي والودْي.

والعَذِب «كحذِر» وهو الْمُطَحْلَب من الماءِ.

والعِذْي: للزرْع الذي لا يسقيه إلا المطر.

وَوَذَعَ الماء: سال، والواذِع: الْمَعِين؛ وكل ماءٍ جرى على صفاةٍ.

وَوَدَفَ الشَّحْمُ، وغَيْرُهُ يَدِفُ وَدْفًا: سال يسيل سيلًا.

وَوَدَكَ الشيءُ: بَلَّهُ وَنَقَعَهُ.

وَوَذَفَ الشحم كوَدَفَ، بالمهملة والمعجمة على السواء.

واهْدَوْدَرَ المطرُ اهديدارًا: انصبَّ وانْهَمَرَ.

وَوَدَنَ الشيءَ يَدِنُهُ، وَدْنًا، وودانًا، فهو مَوْدُون، وودين أي منقوع، فاتَّدَن، إلى غير هَذهِ الْمجَانسات والمشابهات والمقاربات، وكلها ناشئة من أصلٍ واحدٍ، هو «العِد» الذي وُضِعَ على أبسط وجْهٍ أمكن أن ينطِقَ به المتكلِّمون، وما بقي ففروع وفروق اختلفت باختلاف القبائل، أو باختلاف الناس الذين جاورهم بنو مُضَر.

(٤) الأَباءَة

الأباءَة: الأجمة من القصب، والجمع: أباءٌ (اللسان في أبأَ) وقال في «أبى»: الأَباءَة: البْرِديَّة، وقيل: الأجمة، وقيل: هي من الحلفاءِ خاصةً. قال ابن جِنِّي: «كان أبو بكر يشتق الأباءَة من أبَيْت، وذلك لأن الأجمة تمتنع وتأبى على سالِكِها، فأصلها عندهُ أَبَايَةٌ، ثم عُمل فيها ما عُمل في عَبَاية وصَلَاية وعَظَاية، حتى صِرْن عباءَة وصلاءَة وعظاءَة، في قول مَنْ همز، وَمَنْ لم يهمز أخرجهنَّ على أصولهنَّ، وهو القياس القوي. قال أبو الحسن: وكما قيل لها: أجَمَة، من قولهم: أَجِمَ الطعام: كرِههُ، والأباءُ بالفتح والمد: الْقَصَب، ويقال: هو أَجَمَةٌ الْحَلْفاءِ والقصب خاصة …» ا.ﻫ.

فأصل التركيب «أَبَا» لا غير، فضعَّفها الإرميون فقالوا: «أبُّوبَا» ويريدون بها الأنبوب؛ أي ما بين عقدة وعقدة من القصبة، أو كل مجوَّف مُدَوَّرٍ، ثم توسعوا في الكلمة والمعنى فقالوا: «أَبُّوْبتَا» أي الأنبوبة والقصبة.

على أن المعنى الأصلي للأَباءِ، هو الْبَرْدِي، كما صرَّح به اللغويون الأقدمون، يثبت ذلك اللفظ اليوناني وهو: πάπΰοος “PAPYRUS”، فإنه يعني الْبَرْدِي الذي كان يُكتب عليه، وهم لا يدرون أصل الكلمة، ولا أول مَنْ استعملها، ويصعب أن يُعرف ذلك، بيد أن الهجاء الأول من PAPYRUS تضعيف للثاني، فالأصل «بَرْ أي PYR»، وهذا ينظر إلى أول هجاء «البردي» العربية أيضًا والمعنى واحد.

وإذا بحثت في اللغة عن هذا الهجاء أو هذا الأصل الأول «بر»، أو «فر» تراه يدل على الرقة والدقة والخفة؛ فقد قالوا في مركبات «بر»: بَرَى العود والقلم والقدح وغيرها: يبرِيهِ بَرْيًا: نَحَتَهُ، وابتراهُ كبراهُ.

وبَرَاهُ السفر يَبرِيهِ بَرْيًا: هَزَلهُ (عن اللحياني في اللسان).

والْبُرَة: حَلْقة من فضَّةٍ أو صُفرٍ تُجعل في أنف الناقة إذا كانت «دقيقة» معطوفة الطرَفينِ (اللسان).

والْبَرَى أيضًا: التراب ولا سيما الدقيق منهُ، ومنهُ في الدعاءِ على الإنسان: «بفيهِ الْبَرَى.» كما يقال: «بفيهِ التُّرَاب».

وقال في القاموس في «ب ور»: «الْبُورِيُّ، وَالْبُورِيَّة، وَالْبُورِيَاءُ، والبارِيُّ، وَالْبَارِيَاءُ، والبارِيَّة: الحصير الْمَنْسُوج.» ا.ﻫ. وقالوا: إنها من الفارسية وهو غير بعيد، وقد اتصل العرب بالفرس فربما أخذوها منهم، لكنهم لم يتصلوا مباشرة بغيرهم، ليقال إنهم اقتبسوها من غير الفرس، والذين يزعمون يجهلون سُنَن اقتباس الألفاظ، والمشهور في العراق أن البواري تُتخذ من القصب، والقصب يكثر في وادي الرافدين (راجع ما كتبناهُ في لغة العرب في ٧ : ٣٣٤ و٣٣٥، وفي ٦ : ٧٨٢ و٩ : ٢٢٥ إلى مواطن أُخر).

والفارسية «بوري» من أصل عربي محض هو «برع»، أو «يرع»، أو «ورع»، ومنها الْيَرَاعة للقصبة؛ ولأن البواري تُتخذ من القصب على ما أسلفنا القول، ولما لم يكن للفُرس وَمَنْ كان من أصلٍ يافثي حرف العين عوَّضوا عنهُ بحرف عليل كما هو مألوفُ عادتهم.

وأما مركبات «فر» فمعروفة أيضًا للدلالة على الدقة والصغر والخفة، كما رأيناه في «بر»، فقد قال الْبُصَراء في الأصول العربية: إنَّ الفُرار: ولد النعجة، والماعزةِ، والبقرةِ الوحشيةِ، أو هي الْخِرفَان والْحُمْلان، وكذلك الْفَرير والْفَرور، والْفُرْفور والْفُرفُر والْفَرافِر، ولو أردنا السير في هذا الوادي المتشعب الأطراف لأرهقنا القارِئ عُسْرًا على غير طائل ولا جَدْوى.

وتتبع هذه الأصول العربية ومعارضتها بالأصول اليافثية أمر متسع الأكناف، ولا يمكن تحقيقه إلا بمئاتٍ من الصفحات، إن لم يكن بالألوف، ولهذا نعدل عنه لمعالجة بحث آخر.

١  قال ابن منظور في مادة «حظظ» من ديوانه ما هذا إعادة نصه: «من العرب مَنْ يقول: «حَنْظٌ» وليس ذلك بمقصود؛ إنما هو غُنَّةٌ تَلْحَقُهم في الْمُشَدَّد، بدليل أن هؤلاء إذا جمعوا قالوا: حظوظ، قال الأزهري: وناسٌ من أهل حِمص يقولون: «حنظ» فإذا جمعوا رجعوا إلى الحظوظ، وتلك النون عندهم غُنَّةٌ، ولكنهم يجعلونها أصلية؛ وإنما يجري هذا اللفظ على ألسنتهم في المشدَّد، نحو الرز، يقولون: «رُنْز» ونحو «أتْرُجَّة» يقولون: «أتْرُنْجَة».» ا.ﻫ. كلام الأزهري وابن مكرم.
قال الأب أنستاس ماري الكرملي: ونحن لاحظناه في غير المشدد أيضًا كقولهم: العنسل في العسل، وهي الناقة السريعة. والجُنْضَم في الجِضَم وهو الضخم الجنبين والوسط. وقالوا: القِنْطار وهو طَرَاءٌ لعود البخور، قال ابن دُرَيْد في جمهرتهِ: «فِنْعال من القُطْر: طرَاء لِعُود البخور … والقُطْر هو عود البخور، والعَرَنْدل كالعَرْدَل وهو الصُّلب الشديد.» ونقف عند هذا الحد إشفاقًا على القارئ؛ لكي لا يَحْرَجَ صدره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤