تَكامُلُ١ العربية بوجوهها المختلفة أو اكتهالها

(١) توضيح

المراد ﺑ «تكامل اللغة أو اكتهالها»: تقلب أحرف تركيبها، وإفادة معنى جديد في كل تغيُّر منها، وسهولة الاشتقاق من ذلك القَلْب مع استساغته، فيكون مع هذا القلب الجديد معنى جديد واشتقاق جديد في جميع الأوجه، وقد يكون قلب ولا يكون سائغًا فلا يشتق منه شيء؛ لأن ذوق العربي لا يستسيغُهُ ويأبى أن يبقيه على لسانهِ لغرابتهِ أو لشناعتهِ، فينبذهُ عنه نبْذًا قصيًّا لا نَدَم فيهِ ولا سَدَمَ.

مثال ذلك قولك: «مدح»٢ فتشتق منهُ: مدَّحهُ، وتمدَّحهُ، وامتدحهُ، والْمَدْح، والمديح، والأُمدُوحة، والممدَّح.

فإذا قلبتهُ قلت: «حمد»، ومنهُ: حَمِدهُ، وحَمَّدَ الله، وأَحمد الرجلُ، وتحمَّد بهِ، والْحَمَاد، والْحُمَادى، والْحمادِيُّ، والْحَمْد، والْحَمْدَة، وحَمَدَة النار، وَالْحُمدَة، والْحَمَّاد، والحمود، والحامد، والمحمود، والحميد، والأحمد، والْمَحْمَدة، والْمَحْمِدة، والمحمَّد، والْمَحْمود، إلى آخر ما هناك.

وإذا قلبته للمرة الثالثة نهض بين يديك «حدم» ومنه احتدمتِ النار، وتحدَّم عليه غيظًا، واحتدم، والْحِدَامُ، والْحَدْم، والْحَدَمُ، والْحَدَمَة، والْحَدِمَة، والْمُحْتَدِم.

وإذا قلبتهُ رابعةً، انتصب بين يديك «الدحم»، فقلتَ: دحمهُ دحمًا، والداحُوم وهو قليل الاشتقاق.

وإذا قلبتهُ خامسةً مَثُلَ نُصْبَ عَيْنَيْك «دمح»، وهو قليل المشتقات لِنبْوَتِهِ، فتقول: دَمَّحَ تَدْميحًا، والدَّمَحْمَحُ، وهو المستدير الململم.

وأمَّا «محد»، فلا يُعرف لهُ كلام؛ لما فيه من الْجَفَاوة والغِلظة وقُبْح التركيب.

وتكامُلُ المواد العربية تكون في أغلب الأحيان على هذهِ الصُّوَرِ العجيبة من التقلُّب والتغيُّر.

وكثيرًا ما تشابه التراكيب العربية التراكيبَ اللاتينية، أو اليونانية، ويُرَاعى فيها بعض الأحيان القلب المكاني، هذه كلمة «الشرف»، ويُقَال فيها: «السرف»، فأول معانيها العلو والتفوق؛ إذ ما «الشرف» على الحقيقة إلا علو أدبي أو معنوي، فهي تنظر إلى اللاتينية SUPER أي فَوْق أو SUPERUS أي عالٍ، أو قائم في العلوِّ أو مشرف، ومنها عندهم SUPERI أي أهل عِلِّيِّين أو الْعُلوِيون، أو آلهة السماء، أو بعبارة مألوفة «الشرفاء»؛ لإشرافهم من فوق السماء على أهل الأرض.
فأنت ترى من هذا أن أحرف اللاتينية ثلاثة في الأصل، هي SPR أي «س ف ر»، وبالقَلب المكاني «س ر ف»، ومنها يشتق «السَّرَفُ» أو «الشَّرَفُ»؛ إِذْ لم يكن فرق عند قدماء القبائل بين المهملة والمعجمة؛ لأنَّ إحداهما كانت لغة قوم، والثانية لغة قوم آخرين.

ومن الكلمة اللاتينية تتركب عشرات من الكلم، وكلها تفيد العُلُو والسُّمُوُّ والشرف والإشراف، وكذلك نرى في لغتنا، «فالسَّرَف» بالسين المهملة على ما في كتبنا:

«السَّرَفُ» ضد القَصْد، والإِغفال، والخطأ، ومن الخمر ضَرَاوتُها، والشرف، ومنهُ الحديث: «لا ينتهبُ الرجلُ نُهبةً ذاتَ سَرَفٍ وهو مؤْمِنٌ.» أي ذاتَ شَرَفٍ وقَدْرٍ كبير، ورُوي بالشين والمعنى واحد.

و«سَرَفَتِ» الأُمُّ ولدها: أفسدتهُ بسَرَف اللبن.

و«السروف»: الشديد العظيم، ومنه السروف، وهو من أرواح السماء من زمرة الملائكة، والكلمة مشتركة في العبرية وسائر اللغى السامية، وقد اختلف الحُذاق في معناها، إلا أن للمعنى السامي مكانتهُ العليا، فلا تَنِفِي تآويلهم المتباينة معنى التركيب الأصلي، ويقال في «سَرُوف»: «إسرافِيل» و«إسْرَافِين» باللام وبالنون، والسروف ينطق بها النصارى واليهود، وأما إسرافيل وإسرافِين فينطق بها المسلمون على ما هو مشهور.

ويقال: ذهب الماء «سَرَفًا» محركةً؛ أي فاض من نَوَاحيهِ.

و«الإِسْرَاف»: التبذير، أو ما أُنْفِقَ في غير طاعةٍ.

واشتق الْفَيْروزآباديُّ «سِيراف»، وهي من مدن فارس من هذهِ المادة، ونحن لا نوافقهُ، وهذا قولهُ: سِيراف كشيراز: بلدة بفارس، أعظمُ فُرْضةٍ لهم، كان بناؤهم بالسَّاج بتأنُّقٍ «زائدٍ»، فهذا أشهر ما عُرف من مادة «سرف»، وذكرهُ أرباب كُتُب مُتُون اللغة.

وأما مادة «شرف» فأغزر اشتقاقًا من سرف، من ذلك:

«الشَّرَفُ» بالتحريك وهو: الْعُلُو، والمكان العالي، والْمَجْد. أو لا يكون إلا بالآباءِ، أو عُلُوُّ النسَبِ، ومن البعير سَنَامُهُ، والإِشْفَاءُ على خَطَرٍ من خيرٍ أو شرٍّ، وجبلٌ قُرْبَ جبلِ شُرَيْفٍ، وشُرَيْفٌ أعلى جبلٍ ببلاد العرب، وهناك عدة مواضع سُمِّيت بشرفٍ، لعلوها على ما جاورها.

و«شَرُفَ» ككرُم فهو شريف اليوم، وشارف عن قليل؛ أي سيصير شريفًا، والجمع: شُرَفاء وأشْراف وشَرَفٌ، محركةً.

ومنها: الشارف، والشارفة، والشَّرْفاء، والشُّرُف، والشوارف، ومنكب أشرف، وأذن شَرْفاء، وشُرْفة القصر، وشرفة المال، وشُرُفات الفَرَس، وناقة شُرَافية، والشُّرَافِي من الثياب، وأشراف الإنسان، والشرياف، ومشارف الأرض، وأشرفَ المربا، وشرَّفه، وشارفه، وتشرَّف، واستشرفه حقَّه، إلى غيرها، وكلها تدل على أن المادة من صميم العربية ومن مُصَاصِها، ولكل ذلك مقابلات في لغة الرومان.

وأما اليونان: فيقابل مادة «سرف» أو «شرف» ΰπεο, ΰπέο “HYPER”، ومعناها معنى اللاتينية المتقدم ذكرها بلا فرق، ويتركب منها عشرات بل مئات من الألفاظ.
وهي بالهندية الفصحى UPARI، وبالزَّنْدِيَّة UPARI، وبالفارسية القديمة «أُوبَارِي»، ومثل هذه الكلم أو ما يجانسها يُرَى في سائر الألسنة السكسونية؛ مما يدل على اتفاق غريب في جميع اللغات، وهي كلها لا تبتدئ بالسين إلا ما كان في العربية أو في اللاتينية أو ما تفرع منهما، فهذه ملاحظة دقيقة يجدر بالباحث أن يحتفظ بها؛ أي إن اللاتينية والْمُضَرية تبتدئان كَلِمَتها بالسين، وبالعربية بالسين أو بالشين أيضًا، ولو كان للرومان شين معجمة لجاروا سلفنا باتخاذهم الحرفين المتماثلين، وأما سائر اللغات فتبتدئها بحرف عليل من هذين الحرفين Y أو U وما تفرع من الأرلندية هو بالفاء أي F.
وقد قلنا مرارًا إن الكلم اليونانية أو اللاتينية المبتدئة بحرف من أحرف العلة عندهم تنظر إلى مثلها في العربية، ويكون الحرف الأول وفي لغتنا حرف حلقي في أغلب الأحيان؛ أي الهمزة، أو الهاء، أو الحاء، أو الخاء، أو العين، أو الغين؛ إذ لا وجود لهذه الحلقيات في لغتهم، وإن وجدت في سابق العهد بنوع مبهم في اليونانية، ثم سقطت مع توالي الدهور، فإذا عرفنا هذه الحقيقة اللغوية اتضح لنا أن ما يقابل اليونانية HYPER، هو «عفر» وبالقلب «عرف»، والحق يقال إننا إذا أنعمنا النظر في مشتقات هاتين المادتين نرى فيهما ما يفيد العلو والارتفاع.
من ذلك مشتقات ما ورد في «عفر»: العَفْر بالفتح: ظاهر التراب (أي وجه الأرض، أو ما كان على وجه الأرض)، ومنه قولهم: كلام لا عَفْرَ فيه؛ أي لا عويص فيه، فكأن معناه بَيِّن على وجههِ أو ظاهرهِ، وقالوا: العَفَر بالتحريك، ظاهر التراب، ووجه الأرض، ويطلق من باب التوسع على التراب نفسه، والعفر أيضًا: السُّهَام وهو شيء دقيق كأدق ما يكون من خيط الإبريسم يطير في الهواء لا سيما في أيام الحر، ويُسَمَّى أيضًا بمخاط الشيطان، والفرنسيون يُسَمُّونه بما معناهُ «خيط العذراء FIL DE LA VIERGE».

و«العَفْرَى» من الديك: ريش عنقه، ومن الإنسان شعر القفا، ومن الدابة: شعر الناصية، والشعرات النابتة في وسط رأس الإنسان.

و«العِفِرُّ» الخبيث المنكر الذي يفوق سواه بكماله وضبطه لنفسه، وقُوَّته، والنافذ في الأمر المبالغ فيه مع دهاء، كل هذا مأخوذ من معنى العلو والتفوق، ومثل هذا المعنى أو يكاد ترى في العِفِرِّي، والعِفِرِّين، والعفَرْفَرَة، والعفَرْنَى، والعَفَرْناة، والعُفَرْنِيَة، والعِفْرِيَة، والعِفْرِيت.

و«العفِير»: لحم يُجَفَّف على الرمل في الشمس.

و«العَفِيرَة» ما يُدَحْرِجُهُ الجُعل على الأرض.

و«الأعْفَر» من الظِّبَاءِ: ما يَعْلُو بياضهُ حمرةٌ.

و«اليَعْفُور»: ظبيٌ بلوْنِ التراب (أي وجه الأرض أو ما علاها)، أو عامٌّ، وتُضَمُّ الياء، والْخِشْفُ، هذا معظم ما يقال في هذه المادة.

وإذا قلبنا «العفر» قلبًا مكانيًّا، وقلنا «العرف»، نشأ عندنا ما يأتي:

«العُرْف»: موج البحر، وهو ما «تعالى» وارتفع من مائه عند هبوب الرياح، و«العُرف» أيضًا شعر عنق الفرس؛ أي الشعر النابت على محدب رقبته، و«العرف» أيضًا لحمة مستطيلة في أعلى رأس الديك، و«العرف» أيضًا: الرمل والمكان «المرتفعان»، و«العرف» من الرملة: «ظهرها» الْمُشْرِف.

و«العرفاء»: الضبع؛ لكثرة الشَّعْرِ الذي يعلو رقبتها، وناقة «عَرْفاء» أي سَنامها صار لها كالعُرُف أو صار على عنقها مثل العرف.

و«العروفة» و«العريف» العالم بالشيء، والتاء في الأول للمبالغة كأن العالم بالشيء يشرف «عليه»، ويعلو سائر الناس بوقوفه «على» موطن أو مقام «أعلى» من أمكنة الخلق عامةً و«العريف»: رئيس القوم.

و«الأعراف جمع عُرف» وهو على ما في القاموس: سور بين الجنة والنار، ومن الرياح أعاليها، وفي اللسان: «وجبل أعرف، له كالعرف، وعرف الأرض: ما ارتفع منها، والجمع أعراف، وأعراف الرياح والسحاب: أوائلها وأعاليها، واحدها عُرْف، وحَزْن أعرف: مرتفع، والأعراف: الْحَرْثُ٣ الذي يكون على الْفُلْجَان٤ والْقَوَائِد.»٥ ا.ﻫ.

هذا هو اكتهال العربية، فهل من قائل إن في سائر اللغات مثله؟ اللهم لا؛ فإن هذه المحاسن والبدائع لا تُرَى إلا في لغة إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، ولا عجب بعد هذا إذا رأينا اتصالها بأخواتها أو بنسيباتها؛ لأنها مفتاح كل مُغْلَقٍ مُبْهَمٍ.

وإنك لترى مثل هذه القربى بين هذه اللغة واللغى اليافثية، في كل لفظ تراه فيها؛ أي ذلك اللفظ المركب من هجاء أو هجاءين، وربما لا يتضح معنى الأعجمية إلا بالالتجاء إلى هذه اللسان الحية، وعندي من هذا القبيل ألفاظ جمة، ولو دونتها لملأت مجلدات من هذا الحجم والقدر، وأنا أذكر هنا شاهدًا واحدًا ليكون مثالًا لما أريد أن أثبته.

هذه اليونانية: ϊχοιον “IKRION” معناها الخشبة، أو عود طويل مستعرض، أو ذاهب في العرض، وعود الشراع أو الدقل، ثم أطلقوه على بِنايةٍ من خشب، وَالْمِنَصَّة والأرض المفروشة بالخشب وَالْمُتَلَمِّظَة، وَالسَّلُوقِيَّة في السَّفِينَة، والمقاعد في المسارح، وقد اختلف فقهاؤهم في اللغة على أصل الكلمة الذي أخرج لهم هذه المعاني مِمَّا ذكرناهُ ومما لم نذكرهُ، فإن الأستاذ بوازاق طعن في كل ما ذُكِرَ لهُ من تلك الأصول، وأما أ. بابي فلم يجزم بأصل، ولم يعِنَّ على بال الجميع ما ورد في العربية.
فعندنا أن «إقريون»، إذا جرَّدناها من زوائدها: الياء والنون أي IN يبقى بيدنا «قريو» الذي يوافقهُ في لساننا «قرِي»، أو «قرِيَّة»، في التأنيث، والقرِيَّة، على ما في القاموس، «كغنيَّة: العَصَا، وأعْوَادٌ فيها فرَضٌ يُجْعَلُ فيها رأس عُود البيت، وعودُ الشراع الذي في عُرْضهِ من أعلاه، أو في أعلى الْهوْدَج.» قلنا وهذه كلها اسمها أيضًا في اليونانية «إقريون»، فهي مشتقة من القَرْي أو القرَى وهو الجمع، فإنهُ لا يخفى وجودهُ في جميع هذه المعاني التي عددناها، فهذا هو فضل هذه اللغة، ونحن لا نريد أن نطلق العنان في هذه الحلبة، لكي لا نُحْرِج الصدور، ونثير الْبَرَم في النفوس.

(٢) المشابهة هي غير الاشتقاق، وقد تدعو إلى الاشتباه مرةً، وإلى التجانس مرة أخرى

مما أوقع كثيرين في مهاوي الأضاليل، وساق جماعاتٍ من مشاهير العلماء إلى وهاد الأوهام، المشابهة بين ألفاظ وألفاظ، فإن أصابوها قالوا: هذه من تلك، وما هناك على الحقيقة إِلَّا شُبهاتٌ وظواهر كاذبة، وقد قال ابن جِنِّي في هذا الموضوع ما هذا صورتهُ: «ليس سَلْمَانُ من سَلْمَى، كسكْرَان من سَكْرَى، ألا ترى أن فَعْلَانَ الذي يقابلهُ فَعْلَى؛ إنما بابهُ الصفة، كَغَضْبَانَ، وغَضْبَى، وعطشان وعطشى؛ وليس سلمان وسلمى بِصِفَتَيْن ولا نكرتَيْنِ؛ وإنما سلمان من سلمى كقحطان من قحطى، ولَيْلَان من ليلى، غير أنهما من لفظ واحدٍ، فتلاقيا في عُرْض اللغة من غير قصد ولا إيثار لتقاوُدهِما، ألا ترى أنك لا تقول: هذا رجل سلمان، ولا هذهِ امرأة سلمى، كما تقول: هذا رجلٌ سكران، وهذه امرأة سكرى؛ وهذا رجل غضبان، وهذه امرأة غضبى؛ وكذلك لو جاء في الْعَلَمِ لَيْلَان، لكان من لَيْلَى كسَلمان من سلمى.» ا.ﻫ .كلامهُ.

وأحسن دليل على أن التشابه في الظاهر لا يدل على الاشتقاق أن السلف أدخل في كلامه شيئًا من كلام الأعاجم وصاغوه صيغة واحدةً مع أن الأصول في كلام الأجانب مختلفة عن أصولنا، مثال ذلك:

«التُّرْتور» قال المجد الفيروزآبادي: «التُّرْتور: الْجِلواز وطائر.» ا.ﻫ. فإذا كان بمعنى الجلواز فهو من اللاتينية TORTOR, ORIS المأخوذ من TORTARE، وهذا من TORQUERE؛ أي أدار على نفسه، وأمال ولوى، وألوى وأحنى، وعذَّب، فيكون معنى التُّرْتور للجلواز: المعذِّب في أصل معناه الموضوع له في أول الأمر، وقد صَحَّفَهُ اللغويون بصور تختلف بين ثرثور (بثاءين مثلثتين، وزان عُصْفور الشهير) وتؤرور (بمثناة فوقية فهمزة)، ويؤْرُور (بمثناة تحتية فهمزة)، والأُترور، ولعل هناك غيرها ونحن نجهلها، والمادة اللاتينية التي أخذت منها «التُّرْتور» يقابلها عندنا: «طَرَقَ يَطرُق طَرْقًا» أي ضرب، أو بمطرقةٍ أو صك، وكل ذلك يوافق ما في الْعَجَميَّة، ويقابلها في اليونانية τοέπω.
وأما «التُّرْتور» بالمعنى الثاني أي بمعنى «طائر»، فأول عيب هذا التعريف أنهم لم يُحلُّوا لنا هذا الطائرِ، ولا قدرهُ، ولا شكلهُ، ولا جنسهُ، فيصعب على الباحث أن يعرف حقيقتهُ لولا وقوفهُ على لفظته الأعجمية وهي TURTUR ومعناها: «الصُّلصُل»، ونظنُّ أن كلًّا من «تُرْتُور» و«صُلْصُل» مأخوذ من حكاية صوت هذا الطائر المحبوب من الجميع، فبعضهم خُيِّلَ إليهم أنه يقول: «تُرْتُور» وآخرون أنه يقول: «صُلْصُل»، كما أن العراقيين يتوهمون أنهُ يقول: «كُوْ كُوْوْوْوْوْكُو»، والحقيقة أن لكل جنس من أجناس هذه الصلاصل حكاية صوت تختلف عن حكاية الجنس الآخر، أو الضرب الآخر، واسمه بالفرنسية TOURTERELLE، وبالإنجليزية TURTLE-DOVE، وبالألمانية TURTELTAUBE، وبالأرمنية TATRAK.

ومن الغريب أن اللسان مع ضخامته لم يذكر «الترتور»، بل «الصلصل» فقط.

ومن هذا القبيل «البال»، ولها معانٍ عدة؛ منها: «الخاطر، والحوت العظيم، والْمَر الذي يُعْتمَل به في أرض الزَّرْع، وبهاءٍ «أي البالة»، القارورة، والجراب، ووعاءُ الطيب.» ا.ﻫ. عن القاموس.

«فالبال» بمعنى الخاطر عربي صِرْف.

و«البال» بمعنى الحوت العظيم، ينظر إلى BALAENA اللاتينية أو φάλαινα الهلَّنيَّة.
و«البال» بمعنى الْمَرِّ، قديم في اللغة الفارسية، ولعلها من لغة بابلية قديمة.٦ وهي باللاتينية PALA، وقد ذكر لها اللغوي الألماني أ. والدي A. WALDE أصولًا غريبة، فلتُراجع عند الاحتياج إليها.
وأما «البالة» بهاءٍ في الآخر، بمعنى القارورة فتنظر إلى الإغريقية φιάλη، وقد نقلها الرومان إلى PHIALA، ويقال فيها أيضًا بالإغريقية: φιέλη. قال بوازاق العلَّامة البلجكي إن معناها الأول كان القِدْر، وبَرْنِيَّة الموتى، ثم نُقِلَ بعد العهد الهوْمَرِي إلى معنى القارورة.
و«البالة» بمعنى الْجِرَاب تنظر إلى اليونانية πήοα، ومنها الرومية PERA. قال بوازاق: الأصل المجهول، قلنا البال بمعنى الجراب ووعاء الطيب تنظر إلى الفارسية «بِيلَهْ» بباءٍ مثلثة تحتية مكسورة، يليها ياءٌ مثناة تحتية ساكنة فلام مفتوحة، فهاءٌ ساكنة.

فلا جرم أن في لغتنا مئاتٍ من الحروف لا تكون فيها المشابهة مأخوذة من الاشتقاق، بل من أصل آخر، وأحسن دليل بين أيدينا «الأضداد»، فإنك ترى المشابهة والمجانسة بين اللفظين، لكن المعنى قد يختلف، فيكون بضد ما يُرى في الظاهر.

وقد يقع عكس هذا الأمر؛ أي قد يقع بعض الاختلاف في الصورة الظاهرة، إلا أن في المعاني تقاربًا وتدانيًا وتلامسًا وتماسكًا، وذلك لتجانس يُرى في الحروف.

(٣) التشابه والتجانس في اللفظ والمعنى

قد قلنا إن المشابهة بين الألفاظ ربما باعدت المعاني بعضها عن بعضٍ، حتى غدا الواحد ضِدًّا للآخر؛ لكن قد تقع المشابهة في اللفظ والمعنى لتجانس الحروف بعضها لبعضٍ، وقد انتبه الأقدمون لذلك وذكروها في تآليفهم وأسفارهم، قال السيد الزبيدي في شرحه لمادة «ف ل ح»: «الفَلْح الشَّقُّ والقَطْع. قال شيخنا: الفلح وما يشاركهُ كالفَلْق، والفَلْد، والفَلْذِ، ونحو ذلك، يدل على الشق والفتح، كما في الكشاف، وصرح به الراغب وغيره، وهو بناء على ما عليه قدماء أهل اللغة من أن المشاركة في أكثر الحروف اشتقاق يدور عليه معنى المادة، فيتحد أصل معناها ويتغاير في بعض الوجوه، كما هو صنيع صاحب التهذيب والعين وغيرها.» ا.ﻫ.

ومن قبيل التشابه بين اللفظ والمعنى قولهم: الْمُحُّ، بضم الميم وشد الحاءِ المهملة، وهو الخالص من كل شيءٍ، ويقرب منه لفظًا بزيادة طفيفة قولهم: مَحْت «وَتُقلب فيقال» حَتْم «وَتُبدل الميم باءً فيقال:» بَحْت، ومَحْت، إذا فُخِّم: قيل: مَحْض، ويُزاد على بحت حرفان فيقال: بِحْرِيت، ثم يُزاد فيهِ حرف ويُقْلب فيقال: حَنْبَرِيت، وتُقلب ميم محت لامًا، فيقال: لَحْت أو تُقلب نونًا فيقال: نَحْت، ويقع قلب وإبدال في لَحْت فيقال: حَتِد، ولم يخرج في كل هذا عن معنى الخالص. زِدْ على ذلك تَحَمَّتَ لونهُ أي صار خالصًا.

ويقال في مح: مص، ومنه الْمُصَاص الذي هو خالص كل شيءٍ، ومثله: الْمُصَامِص، ويقال في الْمُصَاص: المضاض أيضًا أي بالضاد.

ويقارب «مص» مخرجًا «نص» ومنه: الناصح والناصع والناطع والماطع والناعج، وكلها بمعنى الخالص، مع بعض تخصيصاتٍ وُضِعت بعد التعميم بأزمان متطاولة.

ويقال في مح: قُحٌّ وكُحٌّ.

ويُعكَس «مص» فيصير «صم»، ومنه: الصميم والصِّهْمِيم وكلها بمعنى الخالص.

ومن الغريب أن الخالص نفسهُ يقابلهُ عند اليونان مبنًى ومعنًى: χάλις, ιχος “KHALIS, IKOS”، ويريدون به الْخَمر الخالِص؛ لكنهم لا يعلمون من أين جاءَتهم أصول هذه الكلمة، أفنظلمهم إن قلنا إنها عربية مَحْضة، قال بوازاق: «ومثله في اللغة المقدونية “KALITHOS” χάλιΰος، لكن بوجود ΰTH في هذه اللغة المقدونية صعوبة.»

قلنا إننا لا نجد صعوبة؛ لأن الحرف اليوناني المذكور يقابلهُ في لغتنا الطاء أو الثاء، وكلتا اللغتين معروفة في لساننا، فإن كانت تقابل الطاء فقد جاء عندنا: أملصت الناقة وأملطت: إذا ألقت ولدها ولم يشعر. واعتاصت رحمها واعتاطت: إذا لم تحمل أعوامًا، ويقال: صرفهُ أو طرفهُ عن كذا بمعنى واحد.

أما إذا كان الحرف اليوناني يقابل الثاء المثلثة عندنا، ففي لغتنا أيضًا أمثلةٌ، من ذلك: الثُّبْرة بالضم، كالصُّبْرة، وَالْحِصحِص، بالكسر، كَالْكِثْكِث للتراب، وسير حَصْحَاص، كَسَيْر حَثْحَاث؛ أي سريع، إلى نظائرها، فبعد هذا لا نرى فرقًا بين الكلمتين العربيتين والكلمتين اليونانيتين؛ إذ المعنى واحد.

وألفاظ «الخالص» لا تنتهي فيما ذكرناهُ من المترادفات، فَثَمَّ غيرها، وهي كثيرة، كقولهم: صَرْح، وصريح، وصُرَاح، وصَرْد، وصِرْف، وصافٍ، ومثل صريح قريح بالمعنى نفسهِ.

ويستعمل اللاتين كُمْ CUM، ومعناها «مع» للدلالة على ما يدل «الْجَمع»، وما «كم CUM» إلا معكوس «مك» المقابل لأداتنا «مع»، وذلك أنْ ليس للغربيين الحرف «عين»، فيحارون في نقلهِ إلى لغتهم، وقد نقلوهُ هنا إلى الكاف، فقالوا كم CUM وهذا النقل، نقل العين إلى الكاف، كان العرب يفعلونه أيضًا إذا ما استثقلوا الحرف الحلقي المذكور، فقد قالوا: اعْلَنْدى البعير واكلندى أي غَلُظَ، وعَبَلهُ وكَبَلهُ أي حَبسَهُ، وَالأَعْمه وَالأَكْمَه، وباع الشيءَ كباكهُ، إلى ما يضارعها وهي كثيرة أيضًا.
وإذا علمت أن CUM هي مثل «مع»، جاءَك سَيْل من الألفاظ مركب منها في اللاتينية، وكذلك في العربيةِ؛ لأنَّ «كم» الرومية تشبه «جم» العربية، فحينئذٍ ترى كلمًا تتدفق عليك وهي مركبة من «جم»، وكلمًا أُخر تتدفق عليكَ، وهي مركبة من «مع»، فتدهش مما ترى من جماعات تلك الألفاظ التي تفيض عليك من كل حدب وصوب.

(٤) أمثلة ما يبتدئ بالجيم والميم للدلالة على الجمع

وأول كل شيء مادة «ج م م» كلها، ففي مشتقاتها الكثيرة العدد ما يكفي الباحث الإمعان في الطلب؛ إذ فيها وحدها مَجْزَأة.

ويقاربها كثرة، بل ربما زادت عليها بكثير، ما ورد في مادة «جمع»، ودونها «جمل» في عدد فروعها وشعبها؛ لكنها جمة العدد وَفْرتهُ أيضًا، ومن المواد العجيبة الفروع مادة «جمد» و«جَمَر» و«جمس».

وهناك الزيادة على الثلاثي زيادة تشبه الأصلية، غير الزيادات الاشتقاقية المعهودة، بل زيادات معنوية، من رباعية، وخماسية، مثل الْجَمْهَرة، وَالْجُمْهور، وَالْجُمْعُور، وَالْجَمْعد، وَالْجُمُثُورة، وَالْجُمْجُمة، وَالْجُمْعُلَة، إلى غيرها، وهي لا تُحصى كثرةً، وقد تُقلب «جم» فتصير «مج»، وينشأ منها ألفاظ عدة؛ منها: مجدَتِ الإبل تمجُدُ مَجْدًا ومُجُودًا: وقعت في مرعًى كثيرٍ، أو نالت من الْخَلَى قريبًا من الشبَع، ومَجَّد تمجيدًا وأمْجدهُ إِمجادًا: عظَّمَهُ وأثنى عليهِ، ونسبهُ إلى الْمَجْد، ومَجِرَتِ الشاة مَجَرًا: عظم ولدها في بطنها فهي مُمْجِرٌ، ومثل مجِرت: أَمْجَرت، ومَجَعَ فلانٌ مَجْعًا: أكل التمر اليابس باللبن معًا، أو: أكل التمر وشرِب عليهِ اللبن، ومَجَلت يدهُ تمجُلُ مَجْلًا ومُجُولًا، ومَجِلت تمجل مَجْلًا: نفِطتْ من العمل، فمرِنت، والحافر نكبتهُ الحجارة، فبرئَ وصلُب، أو الْمَجْل: أن يكون بين الجلد واللحم ماءٌ من كثرة العمل، أو الْمَجْلَة: قشرة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل.

وَمَجَن الشيء يمجُنُ مُجُونًا: صلُب وغلُظ.

أمثلة ما يَبْتدئ بالجيم والعين للدلالة على الجمع أيضًا:

يجوز لك أن تنظر إلى «الجمع» نظرتين، فإما أن تعتبر الحرفين الأولين من «الجمع» أصليين ثم زيدت عليهما العين، وإما أن تعتبر الجيم في الأول زائدة والحرفين التاليين أصليين، فيكون بين يديك «جم» في الأول، و«مع» في الثاني، وكلاهما يفيد الجمع.

وأمثلة ما جاء في أولهِ «مع» قليل؛ لأنَّ الناس تستثقل العين في الكلام، ولهذا نزعها الغربيون من كلامهم نزعًا باتًّا لا عودة إليها، ومع ذلك فعندنا ألفاظ تبتدئ بالحرفين المذكورين كقولهم:
  • مَعَثَ الشيءَ يَمْعَثُهُ مَعْثًا: دلكهُ، ولا يكون إلا بجمع أجزائِهِ تحت اليد.

  • مَعَجَ يَمْعَجُ مَعْجًا: أسرع في السير ويكون بجمع قواه.

  • مَعَد الشيءَ يَمْعَدهُ مَعْدًا: اختلسهُ، والجمع فيه ظاهر.

  • مَعِزَ الشيءُ يَمْعَزُ مَعْزًا: صلب فهو مَعِزٌ وماعِز، والرجل كثرت معزاهُ.

  • مَعَسَ الشيءَ: يَمْعَسُهُ مَعْسًا: دلكهُ دلكًا شديدًا.

  • مَعَشَ الشيءَ: يَمْعَشُهُ مَعْشًا: دلكهُ دلكًا رفيقًا.

  • مَعِصَ الرجُلُ يَمْعَصُ مَعَصًا: كان به مَعَصٌ، والْمَعَصُ: التواءٌ في عصب الرَّجُلِ، كأنهُ يقصُرُ عصبهُ فتتعوَّج قدمهُ، ثم يُسَوِّيهِ بيدهِ، أو خاص بالرِّجْل، ووجع في العصب من كثرة المشي.

  • معَك الشيءَ في التراب يمعَكُه مَعْكًا: دلكهُ به، أو يُستعمل في غير التراب، وإبل مَعْكَى: كثيرة، والْمَعْكَاة: الإبل الغلاظ السمان.

  • معكوكاء، يقال: وقعوا في مَعْكوكاء، ويضم؛ أي في عبار وجلبةٍ وشرٍّ، ومَعكُوكة الماءِ: كثرتهُ.

  • مَعَلَ الشيءَ يمعلُهُ مَعْلًا: اختطفهُ واختلسهُ، وفلان: أسرع في سيرهِ.

  • الْمَعَلَّط: الرجل الشديد.

  • مَعْمَعَ فلان: أكثر من قول «مَعْ»، ومَعْمَع القَوْم: قاتلوا شديدًا. والمعامع الحروب، والفِتن، والعظائِم، وميل بعض الناسِ على بعض، وتظالمهم، وتحزُّبهم أحزابًا لوقوع العصبية. قال في النهاية: ومنه الحديث: «لا تهلك أمتي، حتى يكون بينهم التمايُلُ، والتمايز، وَالْمَعَامِعُ»، وهي شدة الحرب، والجد في القتال. وَالْمَعْمَع: المرأة التي أمرها مُجْمَعٌ، لا تعطي أَحَدًا من مالها شيئًا.

مَعَنَ الفرس مَعْنًا: تباعد في عدوهِ، ومَعِنَ النبت يَمْعَنُ مَعْنًا: روِي وبلغ.

وهذه الأمثلة كافية للدلالة على أن مُركَّبات «مع» تفيد معنى الاجتماع، وكفى بها دليلًا.

وقد تُقلب «مع» فتصير «عم» فيتولد منها ألفاظ جمة؛ من ذلك:

عَمتَ الصوف يعمِتهُ عَمْتًا: لفَّهُ مستديرًا ليجعل في اليدِ فَيُغْزَل.

عَمَجَ الرجل يعمِج عَمْجًا: أسرع في السير وسبح في الماءِ.

عَمَدَ السَّقْفَ يعمِدهُ عَمْدًا: أقامهُ بِعمادٍ ودعمهُ، وهو عَمِدُ الثرى: كثير المعروف.

عَمَرَ المنزلُ بأهلهِ يعمُرُ عَمرًا: كان مسكونًا بهم، والمكانَ أهلهُ: سكنوهُ وأقاموا بهِ، وعَمَرَ فلان الدار: بناها، وعَمَرَ الرجُلُ، يعمُرُ ويعْمِر عَمْرًا وعُمْرًا وعَمَارَةً بقي زمانًا طويلًا، وعَمَرَ الله مَنْزِل فلان عِمارةً: جعلهُ آهلًا، وعمر المالُ عَمَارة: صار عامرًا؛ أي كثيرًا وافرًا، وهذهِ المادة واسعة الآفاق، منبسطة الميادين، وأغلب ما في معانيها وفروعها: الجمع، والكثرة، والوفرة، وما ضاهاها.

عَمِس يومُنا: يَعْمسُ، وعَمُسَ يَعْمُسُ عَمْسًا وعَمَسًا وعُمُوسًا وعَمَاسةً: اشتد واسود وأظْلَمَ، وعامس فلان فلانًا: ساتره ولم يجاهره بالعداوة.

عَمْعَمَ الرجل: كثر جَيْشهُ بعد قلةٍ.

عَمِل الرجل يَعْمَلُ عملًا: مَهَنَ، وصَنَعَ، وفَعَلَ، وفي الكليات لأبي البقاءِ: العمل يعم أفعال القلوب والجوارح، و«عَمِلَ»، لما كان مع امتداد زمان، نحو: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ، و«فَعَلَ» بخلافِهِ، نحو: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، والْعَمَلُ لا يُقال إلا فيما كان عن فكرٍ ورويَّةٍ، ولهذا قُرِن بالعلم، حتى قال بعض الأدباءِ: قُلب لفظ «العمل» عن لفظِ «العِلم»؛ تنبيهًا على أنه من مقتضاهُ. والتركيب واسع الْمَدَى والفضاء.

عَمْلَسَ في السير عَمْلَسة: أسرع.

قَرَبٌ عِمْلِيص: شديد مُتْعِب.

الْعَمَلَّط، بفتح العين والميم، وتشديد اللام المفتوحة، وَالْعُمَّلِط بالضم، وتشديد الميم المفتوحة، وكسر اللام: الشديد القوي على السفر.

عمَّ: هذه المادة واسعة كثيرة الشعب والمشتقات وكلها تدل على الجمع، فقد قالوا: عمَّ الشيءُ يعُمُّ عُمُومًا: شمل الجماعة، فهو عامٌّ، وكذا المطرُ الأرضَ أي شملها، وعمَّ القوم بالعطية: شملهم، وعُمَّ رأسُهُ عَمًّا، على صيغة المجهول، لُفَّتْ عليهِ العمامة، إلى آخر ما هناك، ولا حاجة لنا للتبسُّط في هذا التركيب أكثر من هذا.
  • والعمْهج وَالْعُمَاهِج: الممتلئ لحمًا وشحمًا، والأخضر الملتف من النبات، والْعُمْهُوج: الممتلئ لحمًا وشحمًا.

  • الْعَمَيْدَر: الغلام الناعم البدن الكثير المال.

  • الْعَمَيْثَل من كل شيء: البطيء لعظمهِ وترهُّلهِ، والضخم الشديد العريض، والْعَمَيْثَلَة: الناقة الجسِيمَةُ.

١  أنكر بعض المتحذلقين وجود «تكامل». نعم، إنه غير موجود في كتب أو دواوين اللغة، ثم ماذا؟ هل عدم وروده في تلك المعاجم دليل على عدم وجوده في اللغة؟ كلا؛ لأن القياس لا يمنعه ولأن السماع يؤيده، قال المعري:
وقد سارَ ذِكْرِي في البلادِ، فَمَنْ لهم
بإخفاءِ شمسٍ ضوءُها «يتكامَلُ»
وفي لسان العرب في مادة «ذرو»: «ذرْوٌ من قول؛ أي طرف منهُ، ولم «يتكامل».» ا.ﻫ.
٢  «مَدَح» لا نظير له عند الروم، إنما عندهم «لدح»، وسقوط الحاء معروف عندهم، فلم يبقَ في لسانهم منها إلا LAUDA “RE”.
٣  كذا في الأصل، والذي في التهذيب: الحرف بفاءٍ في الآخر؛ أي الطرف المحدد من الفلجان وأعلاها.
٤  الفلجان هكذا ورد بِنُون في الآخر والصواب هنا: الفلجات بالتحريك وبتاء في الآخر أي المزارع. وإن كان للفلجان هنا بعض الوجه.
٥  القوائد جمع قائد وهو كل مستطيل من أرض أو جبل على وجه الأرض.
٦  إن وجود كلمة في لغة لا يدل على أنها من تلك اللغة؛ إنما تكون منها إذا كان في أصولها ما يوجه للفظ معنى ويؤيده اشتقاقًا، وليس في مادة «ب ا ل» أو «ب ي ل» أو «ب و ل» معنى للرفع، أو الجمع، أو الحفر، أو القلب، أو نحوها؛ ولهذا عُدت دخيلة في الفصحى، وكذلك يقال على «المر» بفتح الميم وشد الراء، فليس في مادته ما يوجه سبب وصفه ولا علة اشتقاقه، فليحفظ؛ لأن هذه الملاحظة دقيقة النظر عظيمة الخطر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤