طرائف ولطائف

كريم الملك والجارية

قيل: إن كريم الملك كان من أهل الظرف والأدب، فعبر يومًا تحت جوسق بستان فرأى جارية ذات وجه زاهر وكمال باهر، لا يستطيع أحد وصفها، فلما نظر إليها ذهل عقله وطار لُبُّه، فعاد إلى منزله وأرسل إليها هدية نفيسة مع عجوز كانت تخدمه، وكانت الجارية قارئة فكتب إليها رقعة يعرض عليها الزيارة في جوسقها. فلما رأت الرقعة قبلت الهدية، ثم أرسلت إليه مع العجوز عنبرًا على زر ذهب وربطت ذلك في المنديل، وقالت: هذا جواب رقعته. فلما رأى كريم الملك ذلك لم يفهم معناه وتحير في أمره، وكانت له ابنة صغيرة السن فرأته متحيرًا في ذلك فقالت: يا أبت أنا فهمت معناه!

قال: وما هو لله درك؟

فأنشدت تقول:

أهدت لك العنبر في جوفه
زر من التبر خفيُّ اللحام
فالزر والعنبر معناهما
زُرْ هكذا مختفيًا في الظلام

الرشيد وجارية

قيل: إن الرشيد حلف أن لا يدخل على جارية له أيامًا وكان يحبها، فمضت الأيام ولم تسترضه، فقال شعرًا:

صد عني إذ رآني مفتتن
وأطال الصبر لما أن فطن
كان مملوكي فأضحى مالكي
إن هذا من أعاجيب الزمن

ثم أحضر أبا العتاهية وقال له: أجزهما، فقال:

عزة الحب أرته ذلتي
في هواه وله وجه حسن
فلهذا صرت مملوكًا له
ولهذا شاع ما بي وعلن

الرشيد وجارية أيضًا

قال الأصمعي: بينما كنت عند الرشيد إذ دخل علينا رجل ومعه جارية للبيع، فتأملها الرشيد ثم قال: خذ بيد جاريتك فلولا كلف في وجهها لاشتريناها منك، فلما بلغ الستر، قالت: يا أمير المؤمنين، ذرني أنشدك بيتين قد حضراني الساعة، وأنشدت:

ما سلم الظبي على حسنه
كلا ولا البدر الذي يوصف
فالظبي فيه خنس بيِّن
والبدر فيه كلف يعرف

فأعجبته بلاغتها فاشتراها وقرب منزلتها، وكانت أعز وصائفه عنده.

الأصمعي والأعرابي

قال الأصمعي: بينما أنا أتطوَّف في الكعبة إذا برجل على قفاه كارة وهو يطوف، فقلت له: أتطوف وعليك كارة؟ فقال: هذه والدتي التي حملتني في بطنها تسعة أشهر أريد أن أؤدي حقها، فقلت له: ألا أدلك على ما تؤدي به حقها؟ قال لي: وما هو؟ قلت: تُزوِّجها! فقال: يا عدو الله! تستقبلني في أمي بمثل هذا! قال: فرفعت يدها فصفعت قفا ابنها وقالت: لِمَ إذا قيل لك الحق تغضب.

الأصمعي وعاشق

قال الأصمعي: بينما أنا أسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت:

أيا معشر العشاق بالله خبروا
إذا حلَّ عشق بالفتى كيف يصنع

فكتبت تحته:

يُداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضع

ثم عدتُ في اليوم الثاني فوجدت مكتوبًا تحته هذا البيت:

وكيف يُداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يوم قلبه يتقطع

فكتبت تحته:

إذا لم يجد صبرًا لكتمان سره
فليس له شيء سوى الموت ينفع

فعدتُ في اليوم الثالث فوجدت شابًّا ملقى تحت ذلك الحجر ميتًا، ومكتوب تحته هذان البيتان:

سمعنا أطعنا ثم متنا فبلِّغوا
سلامي إلى من كان للوصل يمنع
هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم
وللعاشق المسكين ما يتجرع

الكعب العالي

بين غنج وصبوة واختيال
خطرت غادة بكعب عال
وعلى صدرها الجميل تدلى
عقد جيد منظم باللآلي
وكساها من الحرير رداء
مستحب في عين بعض رجال
تظهر الركبتان منه ويبدو
جسمها الغض مثل صافي الزلال
تارة كالغزال تمشي وطورًا
بازدهاء كظافر في قتال
بخطى تارة قصار وأخرى
واسعات خفيفة وثقال
كل هذا لأن ذا الكعب عال
لم يدعها تسير سير الكمال
بعد حين رأيتها في ارتباك
وحياء وحيرة وانذهال
حجر في الطريق كان كبيرًا
صدم الكعب كعب ذات الدلال
صدمة من مكانه زعزعته
فغدا خفها من الكعب خالي
فانحنت عند ذاك والتقطته
وهي تخفيه عن عيون الرجال
ومشت تسرع الخُطى بحياء
كغراب مقلد للحجال
وتوارت عن العيون سريعًا
وهي لم تدرِ شرقها من شمال
يا نسانا ويا بنات نسانا
حسبكن اتباع طريق الضلال
إن هذي الأزياء هدت قوانا
دعننا منها «يا بنات الحلال»
نملأ الجيب في الصباح ونمسي
ليس فيه من درهم أو ريال
كل يوم زي جديد غريب
متلف للعقول والأموال
لا نرى الحسن في ارتفاع كعاب
إنما الحسن في ارتفاع الخصال
إسكندر البيتجالي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤