الرسالة الثامنة عشرة

وكتبت حضرتها رسالة مختصة بأعمال الدجالين، ودرجت في العدد ٢٤٠ من جريدة النيل بتاريخ ٦ ربيع الآخر سنة ١٣١٠. وها هي: قالت الجريدة المذكورة: وردت إلينا هذه الرسالة من حضرة الكاتبة الفاضلة زينب فواز فأدرجناها بنصها:

مصائب الدجالين على المجتمع الإنساني

لا تعجبوا من هذا العنوان؛ لأنه بِناءً على ما ذكرتموه في أحد أعداد نيلكم المبارك من أنكم تريدون من كل شخص اطلع على شيء من أفعال الدجالين، أو حصل له ضرر بالذات أو بالواسطة فليخابركم، وها أنا إجابةً لما طلبتم أخبركم بما رأيته وسمعته من هذا القبيل، وهو أنني سمعت عن إحدى السيدات — وهي صديقة لي — أنها مريضة، فتوجَّهتُ لعيادتها على حسب العادة، فوجدتها طريحة الفراش شاحبة اللون منحطة القوى، فسألتها عن حالتها فأخبرتني أنها منذ ثمانية أشهر كان حصل لها مرض خفيف لا يستحق الذكر، فلما رأتها والدتها بهذه الحالة ألزمتها الشفقة الوالدية أن تأخذ أثرها، وهو منديل أو شيء فيه أثر العرق يسمونه «الأتر»، وتوجَّهت به إلى أحد الدجالين، فلما رآها وتأمل فيه قال لها: إن صاحبة هذا الأثر معمول لها سحر، وأنها لا تُشفى إلا إذا أزيل عنها السحر، وسيزيد عليها المرض إن لم تتدارك هذا الأمر. وبما أن الشفقة الوالدية لا تقدر قالت له: يا سيدي الشيخ، أرجوك أن تعمل لها شيئًا يزيل هذا السحر، وتشفي ابنتي، ولك مني ما تريد، وانكبَّت على يديه تقبلهما، فلما رأى الأستاذ منها ذلك أخذه الطمع، وطلب منها خمسة جنيهات، وقال: إن الأمر صعب يلزم له سهر بالليل ومراقبة الأفلاك، وأنا أكارمك بهذا المقدار من النقود، فأعطته بكل ممنونية «اثنين جنيه»، وأبقى الباقيَ لبعد ما تُشفى ابنتها الشفاء الذي ما بعده مرض، وطلب منها أن تأتيَه بطبق نحاس أحمر جديد بدون بياض، فأحضرته بكل فرج وانشراح، فكتب عليه وأمرها أن تضعه فوق السطح بعد أن تملأه خلًّا فيبيت في الندا إلى الصباح، وبعد ذلك تشرب من ذلك الخل مقدار فنجال، وتغتسل بالباقي، وحينئذٍ يبطل السحر، وتُشفى البنت. ولا يخفى على كل ذي فكر ثاقب أن صدأ النحاس هو سم قاتل، وبالأخص إذا وُضع عليه الخل؛ فإنه يُخرجه من معدنه إخراجًا كافيًا لأنْ يُقتل به الإنسان، والحاصل أن أوامر الشيخ لا تُرد، والتماس البركة منه أوجب تلك الوالدة أن تُسرع لإتمام العمل، وقد حصل وفعلت ما أمرها به، وجاءت بالدواء الشافي لبنتها، وملأت لها فنجالًا من ذلك الخل الذي لونه كلون الحبر مما امتزج به من صدأ النحاس، ثم قالت لها: اشربي يا بنتي بالشفا إن شاء الله. قالت البنت: لَمَّا أخذته من يد والدتي وأدنيته من فمي، لم أقدر على شربه سوى أني أخذت منه بقدر ما يؤخذ من فنجال القهوة لا غير، وحينما استقر في جوفي وجدت كأن السم قد سرى في جميع أعضائي، وشعرت بألم شديد في صدري وأمعائي من ذلك، وأنا على هذا الحال؛ أخف يومًا وعشرة مريضة، فما بالك لو كنت شربت الفنجال كله، فما كنتِ ترينَنِي الآن في هذه الدنيا، وكانت والدتي جنت ما كسبته يداها ونالت نتيجة سعيها؛ فهذه فوائد الطب الروحاني الذي عمَّت منافعه جميع الأنحاء الشرقية.

وفي أثناء ذلك بلغني أيضًا — ونحن في ذلك المجلس — ما هو أدهى وأمر، وهو ما أخبرتني به إحدى السيدات اللواتي كن في ذلك المحل؛ هو أنها كانت منذ ثلاث سنوات في وجه قبلي بمدينة قنا، وقد رأت ذلك رؤية العين، وهو أن أحد العُمَد في قنا مستعد لاستقبال الضيوف في منزله، فدخل عليه أحد الدجالين، وحينما استقر في المحل جعل يشم كأنه يشم رائحة شيء، فسأله صاحب المنزل عن السبب الذي أوجب له ذلك، فأخبره قائلًا: إني أشم هنا رائحة كنز، وأشار إلى محل خرب في جانب الدوار، وهو حاصل قديم، فلما سمع الرجل ذلك داخله الطمع، وقال: كيف يكون إخراجه؟ فقال: أنا أخرجه، ولكن يلزم لنا مصاريف، ويلزم لنا جارية سوداء صفتها ما هو كذا وكذا. ووصف له جارية كان رآها في منزل الرجل، وقا: هي التي يظهر على وجهها الكنز، قال ويلزم لنا شيء من الغوازي الذهب؛ لأنه كله غوازٍ وبنادقة، وهو لا يخرج إلا على شيء من جنسه، ويلزم لنا البخور، وهو تفاح الجان «وهو الكزبرة على اصطلاح أئمة الروحانيين»، ولا يوجد إلا في مصر، وثمنه غالٍ يلزم قدر ثلاثة جنيهات. فأحضر الرجل — بكل انشراحٍ — كل ما طلب، وأحضر الأربعين قطعة من الذهب الغوازي ومن البنادقة ما لا أعلم له عددًا، ودخل هو والجارية إلى ذلك الحاصل، وأحضر برميلًا فارغًا، وأمر الجارية أن تجلس تحت البرميل، وقَلَبه فوقها، وعلَّمها اسمًا تتلوه، وأمرها أن لا ترفع عنها البرميل إلا إذا رُفع لوحده، وأراها أنه وضع الذهب فوق البرميل، وأخرج الرجلَ من المكان بعد أمر بأن يأتوه بالطعام من طاقة صغيرة، ولا يفتحوا عليه الباب إلا بعد أسبوع من الزمان فامتثلوا أمره، وعملوا له المرتب من الطعام فأحضروه له أول يوم فأخذه من داخل، وفي اليوم الثاني أحضروه على حسب العادة فلم يأخذ طعامًا ولا غيره، فظنوا أنه داخل الكنز، فانتظروا أربعة أيام فلم يأخذ طعامًا، فكسروا الباب ودخلوا فوجدوا الجارية ميتة، وحضرة الأستاذ أخذته الشياطين على أجنحة اللعنة، وليس له أثر ولا خبر.

فهذه أعمال تلك الطائفة الفظيعة التي هي أشد من الوحوش الضارية على العالم الإنساني، هي التي تُرعب القلوب، وتقشعر لذكرها الجلود، ويتفتت من فظاعة أفعالها الحجر الجلمود، ولكنها ليست ظاهرة إلا لمن انبلج أمامه شيء من نور الحقيقة، وأما البقايا منهم تراهم كل يوم يقع منهم في شَرَك هؤلاء الوحوش خلق كثير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤