الرسالة السادسة والثلاثون

الأفراح الرياضية
وكتبت حضرتها رسالة تشرح فيها زفاف شريفة هانم كريمة المرحوم حسن باشا راسم، على سعادة محمود باشا رياض نجل دولتلو الوزير الخطير مصطفى باشا رياض، ومن ذلك وصف جهاز العروس، وقد درجت العدد الثالث والرابع والخامس من مجلة الفتاة الصادرين بتاريخ ١٤ رجب و١٢ شعبان و٢٤ رمضان من سنة ١٣١٠، وها هي كما جاءت في الجريدة:

حضرة الأديبة الفاضلة مديرة جريدة الفتاة الغراء

قيامًا بالواجبات، وبما وعدتم به من إرسال تفاصيل الأفراح الرياضية، هاكم هذه العجالة معربة عن باقي الأخبار التي لم يصر درجها في الجرنالات العربية ولا غيرها، وهي أنه لما كانت الساعة ٣ بعد ظهر يوم الخميس أقبل القطار الخصوصي المقل لحضرة ذات العصمة عروس العزة والإقبال، وكانت المحطة مزدانة بأنواع الزينة في غاية الانتظام، والموسيقى الميري تصدح بألحانها المطربة مصحوبة بأورطة من العساكر المصرية السواري، وكان في انتظارها ثلاث وخمسون عربة من عربات الفاملية يجرها أربعة رءوس من جياد الخيل — وهي المختصة بركوب العروس — وراءها عربتان مجللتان بالأغطية الكشميرية، وعلى أطرافها السجافات الفضية، إحداهما لوالدة العريس، والثانية لوالدة العروس، وأمام كلٍّ منهما اثنان من السياس، وهكذا سار الموكب، وبجانبه فرقة من الخيالة البوليس، وكان أمام عربة العروس أربعة سياس، وأربعة من خدم الحرم — أغاوات — راكبين الخيل محاطين بالعربة، وحارسان واقفان من وراء العربة، والسائق وكل هؤلاء بملابس التشريفة المختصة بمثل هذا الموكب، ومخلقين بالكشامير، وقد هرع الناس رجالًا ونساءً إلى الشوارع المار بها الموكب، وقد اجتمعت العالم من محطة السكة الحديد إلى الحلمية، وهم مبتهجون متهللون بالفرح والسرور كأنه يوم عيدهم، والنساء من النوافذ يبتهلون بالدعاء لوالدة العريس أن يتم لها ذلك الفرح السعيد.

وذلك لِمَا لدولة ذلك الوزير من اليد البيضاء لدى الرعية وحبه لهم، ولم يزل الموكب سائرًا على هذا النظام إلى أن وصل بالعروس إلى دار الوزير؛ حيث كان هناك من زخارف الزينة والمصابيح الكهربائية، والنجف والمفروشات الباهرة ما يقصر عنه الوصف، وقد تركنا تفصيل ذلك؛ حيث إنه جاء في أكثر الجرائد.

وهنالك نزلت العروس، وقد وقفت أغوات الحريم ماسكين كشامير مظللين عليها من الجانبين من محل العربة إلى عند باب الحريم، وكان العريس واقفًا عن يمينها وشقيقها من جهة اليسار، فسنداها من الجانبين، وسارت إلى أن دخلت فسحة القصر حيث كان اجتماع السيدات، وحينما دخلت بذرت خلفها والدة العريس — وكذلك والدتها — النقود الذهبية، وزفتها العوالم بالدفوف والصنوج إلى أن أجلستها فوق الكوشة — المنصة — المعدة لها، وهناك رجع العريس وشقيقها بعد أن بذر أمامها النقود الذهبية أيضًا.

وبعد أن أخذت الراحة برهة أحضرت الخادمات الطعام، واصطفت الموائد وتهيأت على أحسن ما يكون من الانتظام، وبعد أن انتهيا من الطعام قامت السيدات إلى مراتبهن، وكانت نساء الإفرنج كما أخبرتكم مائتي سيدة، فجلسن ودارت عليهم القهوة، وكانت انتدبت صاحبة العصمة والدة العريس من بنات الذوات عشرين خريدة من عقيلة وآنسة، وكلهن من المهذبات أحسن تربية بحسن اللغات الأوروبية من فرنساوية وإنجليزية وتليانية وغير ذلك، ووقفن لاستقبال نساء الإفرنج ومؤانستهن؛ بحيث إن كل فريق يختص بالفريق الذي يعلم لغته، وبعد أن شربن القهوة، وأخذن راحتهن فقمن سيدات الإفرنج، ومعهن السيدات التشريفاتجية، ودخلن إلى محل العروس لينظرن إلى الجهاز، وهن معهن يترجمن لهن عبارات الترحاب الصادرة من والدة العريس وأهل العروس، وينقلن ما يلقين لهن من واجبات الشكر والممنونية على ما حصل لهن من السرور في تلك الليلة الزاهرة.

وبعد ذلك قامت طائفة العوالم ورقصن الرقص المصري بناءً على طلب نساء الإفرنج، فطربن من ذلك غاية الطرب، وكانت سيدة الفرح قد أمرت العوالم أن لا يقبلن النقوط المعتادات على أخذه من أحد؛ حيث إنها قد أرضتهن بما يكفيهن من النقود، وكانت العادة إذا رقصن العالمات تنزل عليهن النقود من المدعوات من ذهب وفضة وكشامير وما أشبه، فمنعت هذه السيدة كل ذلك ولم تقبل هدية أحد، وكانت العادة عند أهل العريس أن يهادوهن بالكشامير أيضًا كما يهادون العروس، فمنعت هذه العادة، وأرسلت لكل المدعوات وأخبرتهن بأنها لا تقبل هدية أحد، ولا من اللواتي لها عليهن سابق نقوط من قبل.

والحاصل قد كانت الليلة بغاية الانتظام، وكن كل الواقفات في الخدمة من بنات أكابر القطر يطفن بين الجموع، وبأيديهن السبات المصنوعة من الفضة للسجاير يحيون الضيوف بما رُبِّين عليه من التواضع وحسن الأخلاق حتى انصرفن، وكلٌّ منهن على غاية ما يرام من السرور شاكرات داعيات للعروسين بالرفاهية والبنين، ولوالديهما بدوام البقاء مدى الأيام والسنين.

وبعد انتهاء الفرح توجهت إلى قصر الوزير لمعاينة الجهاز؛ فقوبلت بغاية الأنس من قِبل ذاك النادي الرحب، وبعدما استقر بنا الجلوس أقبلت ذات العصمة شريفة هانم المومأ إليها ترفل بثياب العز والدلال، وسلمت بغاية اللطف والإنسانية، فنظرت إلى ملك سماوي حل بمثل ذلك الهيكل الإنساني الذي صاغه الله من معدن اللطف والرقة، وبعد أن تبادلنا التحية على حسب العادة، وتذاكرنا في بعض الأشياء، وكانت والدتها جالسة أيضًا، فإذا هي سيدة جليلة قد وهبها الله من العقل وحسن الإدارة والرقة والبشاشة ما صيَّرها بأن تكون جديرة لأن يدرج من بين يديها وتحت تربيتها من مثل هذه الغادة الهيفاء المهذبة، وعلى ما بلغني أن التي لها اليد الطولى في تثقيفها وتهذيبها هي والدة إحسان هانم زوجة والدها، وحينما طلبت بأن أنظر إلى الجهاز قامت والدة العروس، وأخذتني من يدي بكل لطف، وتمشينا مع جملة من سيدات القصر حتى دخلنا إلى محل العروس.

ولما دخلنا من الباب وجدنا فسحة بأربعة لواوين، وجميعها مفروشة بالقطيفة والحرير، وفي وسطها نجفة — ثريا — بثمانين شمعة، وفي كل ليوان مرآة متوسطة الحجم.

ثم دخلنا إحدى الغرف فوجدناها مفروشة كالأولى بالقطيفة والحرير والكرانيش المذهبة، والشمعدانات الفضية، والنجفات البلورية، وكنبات وكراسٍ مختلفة الشكل والجنس، والزهور الصناعية، وفيها رسم والد العريس ووالد العروس، ورسم شقيق العروس.

ثم انتقلنا بعد ذلك إلى غرفة الفضيات التي حدِّث عنها ولا حرج؛ ففيها ضمن دواليب من خشب الجوز المنقوش ثلاث صوانٍ، كلٌّ منها أكبر من الثانية دائرة، وعلى كل جنب منها ١٢ صحنًا بأغطيتها ومعها ملاحات، و٧٢ ملعقة، و٧٢ شوكة، و٧٢ سكينًا، و٣ كاسات للشوربة، و٤ طشوط، و٤ أباريق لغسيل اليدين، وصينية للمربى كاملة بأدواتها، وطاقم للشاي.

ورأينا فيها ٢٤ قطعة لأغطية القلل، و٢٤ قطعة منافض للسجاير، و٤ قطع على شكل سبت من خوص، و٤ مرايات من الفضة، و٣ أناجر كبار لوضع الخرفان، و٣ للحلوى، و٣ للسمك، ومنجرتين، وصنيتين للشربات على كلٍّ منهما ١٢ كباية بأغطيتها، و١٢ كباية للماء، ومنقدًا موضوعًا على صينية، وفوقه مكبة، وجميع ذلك من الفضة الخالصة.

ثم دخلنا إلى غرفة الطعام فوجدنا فيها مائدة مربعة الشكل وعليها كرسيان، وهي كاملة متممة بدواليبها، ومصابيحها ومفروشاتها، وستايرها.

ثم انتقلنا منها إلى غرفة الحمام، فرأينا كل ما يلزم للرجال والنساء من مرايات ومفروشات ومصابيح وقباقب فضة مذهبة، إلى غير ذلك مما لا يسعنا وصفه.

ومنها إلى غرفة الصيني فوجدنا ما يعجز القلم عن وصف ما فيها من الأواني الصينية والهندية والأوروبية الفاخرة، ومن أعظم ما رأيت بها طاقم صغير للطعام، وقد كان لحضرة شريفة هانم وهي صغيرة، وقد رتبته بيدها فحفظته تذكارًا لأيام طفوليتها.

ثم صعدنا إلى الدور الأول العلوي فوجدناه كأنه جنة فوق الأرض متممًا كاملًا بمفروشاته وأدواته، وتتضمن مفروشاته مخدتين مستديرتين — شغل الطارة — وهما شغل يد العروس؛ ولهذا لا أقدر أن أصف ما رأيته من المفروشات الثمينة والأواني العظيمة.

ثم دخلنا إلى الغرفة المختصة لجلوس العروس، فرأينا فيها ما يُذهل العقل ويخطف الأبصار، حتى يخال للداخل فيها أنه في جوف الشمس بما بها من بهارج الأواني الذهبية والفضية والجركاش والمصابيح المختلفة، والأزهار البديعة بشكلها وألوانها وصفاتها التي تستوقف الأبصار وتدهش الأفكار.

أما الغرفة ففيها سرير من المعدن الأبيض كأنه عرش بلقيس، وفوق سطح السرير كرنيش عريض كأنه التاج على رأس الحسناء، وعليه ناموسية من الحرير الأحمر مشغولة بالقصب الأبيض ذات سجف يتدلى بوشاح فضي جميعه كأنه سبيكة من ذهب، وفوق المرتبة ملاية مصنوعة من الزرد الفضي — شغل الإبرة — وهي من شغل يد العروس، وكل ما فيها يمثل ضوء القمر، كما أن غرفة الجلوس تمثل نور الشمس.

وفوق طاولة غسيل الوجه أربع فوط من الحرير الهندي مشغولة بالقصب الفضي يتخلل أطرافها اللؤلؤ المنظوم، وإلى جانب السرير طاولتان، على إحداهما الجواهر والحلي المختصة بالعروسين.

فالحلي التي أهدتها العروس للعريس موضوعة على صينية من الفضة، وهي طاقم زرار للقميص من ماس، ودبوس من الماس لرباط الرقبة، والعلبتان للسجائر مرصعتين بالحجارة الكريمة، وفم سيجارة من ماس، وأربعة منافض سيجاره من الذهب المرصع بالماس، وثلاثة أكياس لوضع الدراهم من ذهب وفضة، وكلها باللؤلؤ الكبير، وفرشة «سواك» للأسنان ملبسة ذهبًا، وقالب للطربوش فضة — صب — ومغطًّى بغطاء مشغول بالقصب واللؤلؤ، وثلاث بقج لؤلئية.

وأما حلي العروس وجواهرها، فهي من أبدع الحلي والجواهر موضوعة ضمن صينية من فضة، وعليها تاج بالزمرد والياقوت والماس كتاج إمبراطوري، وكردان الماس يملأ الصدر، وفي منتصفه حجر الماس قدر ربع ريال مصري، وحزام ذهب قفله الماس، وفيه حجر من الزمرد قدر ربع ريال، وأساور من الماس، وساعة، وسلسلة ذهبية ذات حجارة كريمة، وبروش الماس نظير الكردان، وبروش ثانٍ أصغر منه، ودبوس الماس على شكل زهرة الياسمين، وجوز حلق الماس كبير، وآخر زمرد، ومشط لشبك الشعر وهو على رسم التاج — من ذهب — وسلسلة ذهب بندقي وست وعشرون أسورة ذهب — غويشة — وثمانٍ أكبر منها — ذهب — محلاة باللؤلؤ، و٧ دبابيس في رأس كلٍّ منهم لؤلؤة، وبأسفلها ماسة على رسم اللوزة عارية عن شيء يمسكها، بل إنها مشبوكة بسلك رفيع، ومدلاة وهي تلمع بنورها كالنجم الساطع.

ثم دخلنا إلى غرفة ثالثة للنوم وهي أقل درجة من الأولى، ووجدت تحت السرير هذا «شبشب» مشغول باللؤلؤ، وعليه رسم الوردة من الماس، وهو غير الحذاء الذي ذكرته في الرسالة الأولى، ومنها دخلنا إلى الغرفة الرابعة فوجدناها على أتم نظام، وأحسن إتقان، وفيها من المفروشات والأواني الفضية كما وجدنا بالأولى، ومنها دخلنا إلى غرفة الفرش فوجدنا من صنف المراتب ٦٠ منهم ٤٠ بالقماش المختلف الألوان، و٢٠٠ لحاف من حرير وقصب، و٢٠٠ وسادة، و١٥ بقجة منها ثلاث مطرزات باللؤلؤ، و٣ محارم مشغولات باللؤلؤ أيضًا.

وفي يوم الخميس ٥ يناير خرجت العروس شريفة هانم أفندي لزيارة حرم والدها المصون، بعد أن قدمت واجب الشكر لصاحبة الدولة والعصمة والدة الجناب العالي العظيم.

ولا يخفى أن حضرة حرم حسن باشا راسم كان لها ابنة اسمها إحسان هانم خطيبة سعادة محمود باشا رياض، ولَمَّا توفاها الله برحمته طلبت والدة العريس حرم صاحب الدولة رياض باشا أن تلبس النيشان إلى شريفة هانم، وكانت إذ ذاك صغيرة السن؛ فامتنعت والدتها في بادئ الأمر إكرامًا لأم الفقيدة، فألحت والدة المرحومة إحسان هانم لإتمام زواج شريفة هانم إلى محمود باشا، وألبستها النيشان، ووهبتها كل ما كان عندها من جهاز ابنتها «إحسان هانم»، وعليه عندما توجهت لزيارتها — كما ذكرنا على حسب العادة — أهدتها هدية عظيمة، وهي أربع قطع من الحلي: ساعة الماس، وعقد لؤلؤ ذو أربعة فروع وفي وسط كل فرع زمردة قدر بيضة الحمام، وجوز أساور، وخاتم ياقوت ثمين يحتاط به البرلنت. ثم أهدت للعريس سابحة وسلسلتها مرصعة بالماس والياقوت، وكيس دراهم من سلك الذهب، وجميع ذلك غير الذي أهدى للعروس النيشان تاج مرصع بالماس وقيمته ١٥٠٠ جنيه غير التكاليف وما يتبعه من الملبوسات، وهذا التاج أصغر من تاجها الذي سلف ذكره.

وأما المهر الذي دفعه العريس فهو ٥٠٠ جنيه، والهدايا التي أهديت للعروس ليلة الحناء فمن دولة حميها عقد لؤلؤ، وفيه ثلاثة محاسب ياقوت مرصع حولها بالماس ثلاثة فروع، ومن والدة العروس دبوس موضوع فيه رسم للعريس من الماس، وهو غاية في الإتقان، ودبوس آخر ماسي على رسم الهلال يشبك في الصدر، ومن خالة العريس أمينة هانم دبوس ماسي رسم الهلال أيضًا، وقد فرش كلٌّ من المشار إليهم تحت أقدام العروس شالين من الكشمير الفرماش الأبيض. وأما هدايا ذوي العروس فمن شقيقها سعادة محمد بك راسم دبوس ماسي شبيه بالغزال يضيء كأنه النجم اللامع، ومن والدة المرحومة إحسان هانم ريشة مرصعة بالماس هو من أثمن ما يوجد في جواهرها، ومن شقيقتها بروش الماس، ومن شقيقها الأصغر جوز أساور الماس، ولم تقبل والدة العروس هدية من أحد، والذي أهدته والدة العروس ٢٠٠ بدلة، و٢٠٠ شال، و٥٠ قطعة من الأساور، وأقراط وساعات وسلاسل وخواتم، وغير ذلك للأتباع والخدم من رجال ونساء، وفي الصبحية أهدت للعريس خاتمًا من الماس على قدر البندقة الكبيرة.

وأما الذي وهبته والدة العريس ١٥٠ بدلة، و٧٠ شالًا توزعت على الأتباع والخدم من الجنسين، ولم تقبل من أحد هدية، وعملت — كما بلغني — لكلٍّ من المغنيات بدلة بقيمة خمسة وعشرين جنيهًا كلها بالقصب الفضي، وأعطتهن من النقود كفايتهن حتى لا يأخذن من نقوط على حسب العادة كما قدمنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤