خاتمة
لا يمكننا أن نفهم تطور أي نوع، وبخاصة إذا كان اجتماعيًّا من الطراز العالي، إلَّا إذا درسنا سلوكه وتنظيمه الاجتماعي والتطور هو إحدى النظريات الأساسية للبيولوجيا؛ وأساسه هو التكيف، كما أن أحد أنواع التكيف الهامة هو السلوك، وقد رأينا في فصول هذا الكتاب مسائل البحث المتشعبة للتكيف السلوكي، وكيف أنها تتشعب إلى كلِّ ركن من أركان البيولوجيا، وإلى أركان بعض العلوم المتصلة بها كعلم النفس وعلم الاجتماع، وحتى العلوم الطبيعية يحتاج إليها الباحث في السلوك ليشرح بها فسيولوجيته، والرياضيات ليدرس بها العشائر الحيوانيَّة.
ولقد استطعنا أن نشتق قواعد أساسية من الحقائق الخاصة بسلوك الحيوان، ثم وُضِعَت هذه القواعد في صورة نظريات وافتراضات تشرح تنظيم وسلوك الجماعات الاجتماعية، على أن النتائج مهما صدقت آثارها فإن الحاجة إلى بحوث أكثر فأكثر ملحة أكثر من ذي قبل، ذلك أنه لم يدرس سوى عدد قليل جدًّا من الأنواع البرية بالنسبة للسلوك، وحتى مع هذه لن نجرُؤ على القول بأننا فهمنا كلَّ طراز من طرزها الأساسية فهمًا جيدًا، حتى في نوع واحد منها، لم تدرس الطريقة الأساسية للتعلم، ولا فسيولوجية السلوك إلا بالنسبة لطرز قليلة من السلوك وفي عدد قليل من الأنواع، أما عن طريقة فعل الوراثة في إنتاج اختلافات فردية في داخل النوع فموضوع لا يزال في حاجة إلى تفهُّم أكبر … فنحن أحوج ما نكون إلى دفع مشاهداتنا وتجاربنا إلى عدد أكبر من الأنواع، وبذلك نستطيع أن نقرِّر القوانين ونضع النظريات العامة بتأكيد أقوى، وأن نستخدمها كأساس حقٍّ للمعرفة البشرية، ويجري التقدُّم في الوقت الحاضر في اتجاهات مختلفة، أخصها وراثة السلوك وتنظيمه التكيفي في الجهاز العصبي المركزي، وتنظيم الجماعات عن طريق الاتصال أو الإعلام، كما أن أكبر قسط من التقدُّم يأتي من دراسة سلوك الحيوان بالنسبة للتنظيم الاجتماعي، على أن هذا العلم، علم سلوك الحيوان، على الرغم من التقدُّم فيه والذي أشرنا إليه، وعلى الرغم من النظريات والافتراضات التي وُضِعت فيه، فما زال على عتبة الباب وينتظر تقدُّمًا واسعًا مطردًا يفتح له الآفاق، جميع الآفاق.