مقدمة

فصول الكتاب، لا فصول العام ولا فصول العمر ليس بينها من صلة إلا بقدر ما تتواصل الفصول؛ إذ يتولد أحدها من آخر، أو يتلاشى بعضها في بعض، والشتاء هنا صيف هنالك، وهي — بعد — كليالي أبي الطيب «شكول».

إذا أراد سمح الخاطر أن يجد غير هذا أيضًا فهو وشأنه. وأنا مؤمن بالذي يقرأ، كمثل إيماني بالذي يؤلف. بدا لي ذات يوم أن أتصور الكمال في مؤلف وقارئه — حبذا لو اجتمعا! — فتمثل لنا في صورة رفيقيْ سفر على راحلة واحدة، لا بدَّ أن يترادفا، فهما عن طيب نفس يترادفان، إلى حيث لا غاية.

أو لا، فعدوه اسمًا كسائر الأسماء التي يدمغون بها جباه الخلق، ويلصقونها بأقفية النحل والأوثان والأوضاع والأهواء، كصنوف البضاعة، وقلَّ لمسمى من اسمه نصيب. وما يدريك؟ لعل خديعة العناوين والألقاب والكنى والأنساب، أعظم ما في حياتنا، بل في هذا الوجود: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ (سورة: النجم) لنقل إذن على التعميم: خديعة العبارة أو «البيان» في مختلف رموزه وإشاراته، وأصواته ولهجاته، وذرائعه وأدواته، يخالونها طريق الحقيقة أو «اليقين». وقديمًا سولت لمسيلمة نفسه الطماحة أن يرفع الكذب إلى مقام النبوة، وما كان البيان قط سوى مداورة لفظ في مخاتلة معنى، قصارانا أن نتصيد به من الوجود سرابه.

على أنه لم يك من همِّ الكاتب، أو في وهمه، إلا أن ينجو بكلمتَي «الدعاء» و«الختام» من مدار الفصول، عسى أن تسلما له على الأيام إلى حين.

كانون الثاني ١٩٤١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤