الفصل الثامن

أصبحت صبيحة صديقة حميمة لتفيدة البرشومي وزبيدة الكرماوي زوجتَي متولي. وقد تعجب أن تتفق ضَرَّتان على صداقة واحدة، ولكن إذا علمت أنهما ضَرَّتان على غير خلاف، وهو أمر نادر الحدوث ولكنه حدث، وهكذا لا عجب هناك. وكذلك لا عجب أن الضَّرَّتين عاونتا صبيحة عندما ولدت ابنتها التي أسماها بموافقة أمها «مبروكة»، تفاؤلا بنقلتهم إلى القاهرة. ومر عام آخر وجاءت صبيحة بأخ لمبروكة أسمياه «فتحي» آملين أن يكون فاتحة خير.

وبعد الولادة بأيام قال توفيق لزوجته: الحمد لله أصبح عندنا الولد والبنت.

– أنا فاهمة قصدك.

– ما رأيك؟

– الأمر أمرك.

– علينا أن نفكر في المصاريف التي سننفقها عليهما.

– أنا طبعًا أعرف طبعك ولن أحمل بعد هذا، إنما لي عليك شرط.

– منذ متى يكون لك عليَّ شروط؟

– هذه المرة فقط، وبعد ذلك لن تسمع مني هذه الكلمة أبدًا.

– قولي.

– يتعلم الاثنان حتى يأخذا الشهادة العالية.

– الاثنان؟

– أنا خرجت من المدرسة صغيرة، ولهذا تجدني لا أفهم شيئًا من أعمالك مطلقًا ولا أريد لمبروكة أن تصبح مثلي.

– وإذا جاءها العريس؟

– ينتظر حتى تتم تعليمها.

– نحن نتكلم عن أشياء يفصل بيننا وبينها سنوات طوال.

– أعرف، ولكن أريد أن أطمئن.

– توكلي على الله.

– كله على الله. ولكني أريد أن أسمع منك وعد رجل.

– أعدك وأمري إلى الله.

•••

انفرد توفيق بمتولي في الوكالة وقال متولي: أنت تأخرت عليَّ في موضوع مدبولي.

– العمال عندك لا يصلحون للعملية التي أريد القيام بها. نأتي بعمال معهم.

– تنزل البلد وتأتي لي بكم رجل من أولاد الليل الذين يفوتون في الحديد.

– ما أكثرهم عندنا. ولماذا لم تقل لي هذا من زمان؟

– لا شأن لك. كنت أحتاج إلى وقت لأدرس العملية.

– أنزل بكرة البلد.

– توكلنا على الله.

– كم رجلًا تريد؟

– يكفيني اثنان يقومان بالعملية ويعودان.

– ولماذا يعودان؟ سيبقيان في الوكالة.

– يبقيان في الوكالة؟! ولماذا ندفع لهما مرتبًا.

– لا تخف، أمثال هذين مكسب. وإن كنت لا تريدهما أعطيهما المرتب من نصيبي في الوكالة.

– لا. سأشترك معك فعلًا، وجود مثلهما مكسب.

•••

ازداد مكسب الشريكين، وبعد أن كانت الأرباح تعد بالآلاف دخلت ميدان الملايين. وكان كلاهما لا يقنع بما يكسب وإنما كلاهما يطلب المزيد. وطبعًا اتسعت تجارة توفيق في الإقراض بالربا الفاحش، وقد ارتفعت الأرقام إلى مبالغ كبرى ولم يعد يقبل من المدين إيصال أمانة بل حل مكانه الشيك. والعجيب أن هذه الأموال الضخام لم تمنع توفيقًا أن يفكر لتدبير عملية مدبولي ليزداد هو وشريكه بها ثراءً.

•••

أحضر متولي معه سرحان النمر وبكري الشماع، وكان كلاهما من القتلة المحترفين. وحين عرف توفيق تاريخ حياتهما راح أربعتهم يضع تفاصيل الخطة التي فكر فيها توفيق.

•••

كان التدبير يوم السبت، وتم الاتفاق على التنفيذ يوم الإثنين.

وفي مساء يوم الإثنين خرج سرحان النمر وبكري الشماع ومعهما صميدة الضبع أحد عمال متولي القدامى، ويمت بصلة قرابة لبكري الشماع. خرج ثلاثتهم في بهيم الليل ومع كل منهم مسدس سريع الطلقات، وكان صميدة يحمل في يده صفيحة من البنزين وكان الثلاثة يحمل كل منهم عصا غليظة. وكانت الأوامر التي صدرت إليهم ألا يقتلوا أحدًا من الخفراء إلا إذا اضطروا لذلك ضرورة حتمية، كما كانت الأوامر تقضي بأن يبتعدوا مع إشعال النار عن السور الذي يفصل وكالة متولي عن وكالة مدبولي.

كان على باب وكالة مدبولي خفير مسلح، فاجأه سرحان بضربة عنيفة على رأسه أفقدته الوعي. وكان ثلاثتهم يعلمون أن بالوكالة ثلاثة خفراء، ووجد المهاجمون الخفراء الثلاثة يدخنون الجوزة حول نارٍ أوقدوها.

وضع صميدة صفيحة البنزين على الأرض، وتهامس ثلاثتهم وعرف كل منهم الشخص الموكول به أن يضربه. وتم ما اتفقوا عليه دون أن يلاقوا من الخفراء الثلاثة أية مقاومة. وراح صميدة يصب البنزين على البضاعة الموجودة بالوكالة جميعها، مبتعدًا عن السور الفاصل بين الوكالتين، وخرج المهاجمون الثلاثة سالمين وتم الحريق.

•••

عرف مدبولي الفاعل، ونصحه محاميه عاطف الزيني أن يقدم بلاغًا إلى النيابة يتهم فيه متولي بالحريق. وقال مدبولي: لا شك أنه هو ولكن أين الدليل؟

– نقول في التحقيق إنك ليس لك أعداء إلا هو.

– أنت تريد أن تعمل قضية من الهواء. هل هذا يصلح دليلًا؟ وأرتج على عاطف وسلم أمره إلى الله.

•••

ذهب مدبولي إلى متولي في الوكالة وكان توفيق جالسًا معه: عملتها يا متولي؟

– ما هي التي عملتها؟

– لا فائدة من الكلام، طبعًا لن تعترف.

– إن كنت عملت حاجة أعترف.

– أنا قلت لك لا فائدة من الكلام. طلباتك؟

– أنا ليس لي طلبات.

– معنى هذا أنك لن تسكت عني.

– أنا فعلًا ساكت عنك.

– قل طلباتك.

– إن كان على طلباتي فأنت تعرفها.

– أعرفها، ولكن أحب أن أسمعها منك.

وهنا قال توفيق: كلاكما يعرف ما يريد من الآخر، فما الداعي لإضاعة الوقت؟

وقال مدبولي: وهو كذلك يا سي توفيق. أنا أعلم أن متولي لا يريدني أن أبيع أرخص منه.

– أليس هذا عدلًا؟

– لا شأن لنا بالعدل. لك عليَّ أن نتفق على السعر كل شهر.

– وهو كذلك.

– وطبعًا لن تبيع بسعر أقل من سعري.

– توكلنا على الله.

•••

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤