مفتاح النجاح

قصة تمثيلية في فصل واحد

(وزير في إحدى الوزارات … جالس إلى مكتبه … وأمامه وكيل الوزارة المساعد، يَعرِضُ عليه أوراقًا يستخرجها من أضابير وملفات.)

الوزير : كلِّمني بصراحة يا زكي بك … أنا لستُ من أولئك الرؤساء الذين يُحِبُّون من مرءوسيهم الموافقة التامة على كل ما يقولون … والتأمين المُطلَق على كل ما يفعلون … دأبي الصراحة والشجاعة … أُحِبُّ الموظف الذي يُناقشني ويُعارضني … وأُرحِّب بالمرءوس الذي يُبدي رأيه ويُخطِّئُ رأيي!
الوكيل المساعد : وهل رأيتَ معاليك منِّي ما يُخالف هذه القاعدة الذهبية، أو يَتنافى مع هذه النصائح الثمينة؟!
الوزير : مشروع الحركة إذَن كما رأيتُه أنا ليس عليه غبار؟
الوكيل المساعد : غبار؟! … أستغفر الله! هذا مشروع لم يسبق أنْ شاهدتُ له مثيلًا في الدِّقة والحِكمة والمتانة.
الوزير : والعدالة؟
الوكيل المساعد : والعدالة … والإنصاف … والرحمة.
الوزير : راجع الملفات مرَّة أخرى … لنستوثق من أننا لم نظلم أحدًا.
الوكيل المساعد : إني واثق أن عدل معاليك قد شمل الجميع.
الوزير : لا أريد أن ينكشف الأمر بعد ذلك عن وجود مظلوم واحد.
الوكيل المساعد : معاليك أوصيتَنا بالصراحة والشجاعة … وعملًا بهذه النصيحة الغالية اسمح لي أن أتكلَّم.
الوزير : تكلَّم … تكلم.
الوكيل المساعد : ولو أن في كلامي مُعارَضة لرأي معاليك …
الوزير : عارِض … عارض.
الوكيل المساعد : يوجد مظلوم تخطَّيتَه معاليك في هذه الحركة!
الوزير : مظلوم؟! مَن هو؟
الوكيل المساعد : الأستاذ فهمي عبد الودود.
الوزير : فهمي عبد الودود ابن عمتي؟!
الوكيل المساعد : ليس لأنه ابن عمة معاليك … بل لأنه يستحق الترقية.
الوزير : ولكنه رُقِّي إلى درجة أعلى منذ شهرين!
الوكيل المساعد : هذا لا يمنع من أن هذه الحركة يجب أن تشمله أُسوةً بغيره … هذا هو العدل.
الوزير : وأين هي الدرجة التي تضعه فيها؟
الوكيل المساعد : عليَّ أنا تدبير هذه الدرجة.
الوزير : هذه الدرجة خالية؟
الوكيل المساعد : نُخْلِيها إذا لزم الأمر … ولكني أعتقد أنه توجد درجة مدير إدارة يمكن أن نربطه عليها.
الوزير : اربط وحلَّ كما تشاء … الأمر متروك لك … ثقتي فيك لم تَكُن عبثًا … إنك دائمًا خيرُ حلَّالٍ للعُقَد ومُدبِّر للأمور.
الوكيل المساعد : بفضل تشجيع معاليك!
الوزير : بل بفضل جهودك أنت … وتفانيك في الخدمة وإخلاصك للعمل … ومع ذلك يتهامس حُسَّادُك بأنك وصلتَ بسرعة، وسبقتَ زملاءك إلى المناصب الكبيرة … وفاتَهُم أنَّ مَرَدَّ ذلك هو إلى الكفاءة والاجتهاد.
الوكيل المساعد : أرجو أن أكون دائمًا حائزًا لهذا العطف والتقدير.
الوزير : هل عرضتَ الحركة على عمر بك؟
الوكيل المساعد : سأعرضها عليه بعد موافقة معاليك.
الوزير : بالضرورة … لا بد أن يطَّلِع عليها وكيل الوزارة!
الوكيل المساعد : حالًا … سأذهب بها إليه بعد قليل.
الوزير : خذ موافقته عليها حالةً حالة!
الوكيل المساعد : أسأل الله أن يكون في عوني … معاليك تعلم الصعوبات التي يُثيرها الوكيل دائمًا أمام اقتراحاتنا؟!
الوزير : تجلَّد واصبر.
الوكيل المساعد : إني أستمد من معاليك الصبر والجَلَد.
الوزير : الصبر من عند الله!
الوكيل المساعد (يحمل ملفاته للانصراف) : أستأذن معاليك.
الوزير : تفضل!
الوكيل المساعد : نسيت أسأل معاليك عن صحة الست؟ كيف حالها الآن؟ زوجتي أخبرتني أمس بالتليفون أنها ستبقى يومًا أو يومين إلى جانبها تسهر عليها وتُسليها وتُروِّح عنها … فقلت لها ابقي يومين أو ثلاثة أو أكثر … المهم عندنا صحة الست!
الوزير : صحتها الآن بخير ولله الحمد … والحق أن لساننا عاجز عن شكر سميرة هانم … فهي لم تتركها في الليل ولا في النهار … بينما لم تستطع ابنتي نبيلة مقاومة النعاس بعد الساعة الحادية عشرة!
الوكيل المساعد : أخبرتني سميرة الآن في التليفون أنها خرجت مع الآنسة نبيلة إلى بعض الدكاكين في شارع فؤاد؛ لتساعدها في شراء أقمشة … وسيذهبان بعدئذٍ إلى الخيَّاطة!
الوزير : وكلمتني نبيلة بالتليفون منذ قليل أنها قادمة إليَّ في مسألة هامة مستعجلة، لا شك عندي الآن في أنها ستطلب نقودًا لتُعطيها للخيَّاطة!
الوكيل المساعد (باسمًا) : إني موافق على طلبها يا معالي الوزير … وأرجو اعتماده.
الوزير (باسمًا) : هكذا مُقدَّمًا؟ قبل أن تفحص الموضوع أو تعرف المطلوب؟!
الوكيل المساعد : الموضوع مقبول … والطلب عادل!
الوزير : أراك تُسرِفُ قليلًا هذه المَرَّة في فكرة العدالة!
الوكيل المساعد : وحيدة معاليك … يجب أن تُجاب إلى كل مطالبها … وإلا فإني سأعارض مُعارَضةً شديدة!
الوزير : تعارضني؟
الوكيل المساعد : لإنصاف الآنسة نبيلة … نعم … سأعارض معاليك … وبكل صراحة.
الوزير : لا أقدر على مُعارَضتك وصراحتك … سأُنفِّذُ وأمري إلى الله! لأثبت لك مرَّة أخرى أني لستُ ممَّن يَغضبون على مَن يُعارضهم في الرأي!
الوكيل المساعد (وهو منصرف) : هذا ليس موضع شك يا معالي الوزير!

(يخرج من أحد الأبواب … ويظهر السكرتير الخاص من باب آخَر … ويقف على العتبة متردِّدًا.)

الوزير (يلتفت إلى السكرتير) : نعم؟
السكرتير : وفدٌ من الموظفين يطلب مقابلة معاليك.
الوزير : لماذا؟
السكرتير : لبسط ظلامة خاصة بالحركة.
الوزير : الحركة؟ وهل ظهرت؟ إنها لا تزال في نِطَاق الإعداد والتحضير!
السكرتير : يقول بعضُهم إن هناك إشاعة سَرَت في الديوان عما ستتَّجِه إليه الحركة … ويلتمسون عَرْض مخاوفهم!
الوزير : ما هذا الهراء؟! أعند الوزير مُتَّسَع من الوقت لسماع الإشاعات وتبديد المخاوف؟ قُل لهؤلاء الموظفين أن يتركوا هذه الخُرافات والوساوس، وينصرفوا إلى أعمالهم!
السكرتير : أمر معالي الوزير! (يخرج.)

(يُفتح باب في الصدر … وتدخل الآنسة نبيلة باندفاع، وخلفها سميرة هانم.)

نبيلة : خفنا أن تكون عندك لجنة يا بابا … أو أن تكون ذاهبًا إلى مجلس الوزراء … فاقترحتُ على «تانت» سميرة أن نسرع إليك … ونحن وبختنا!
سميرة : الحمد لله طلع بختنا من السماء!
الوزير : وبختي أنا … أَلَا يُفكِّر أحدٌ فيه؟
سميرة : بختك يا باشا أسعد بخت!
الوزير : هذا يتوقف على مقدار المطلوب مني!
نبيلة : مبلغ زهيد جدًّا!
الوزير (وهو يخرج محفظته من جيبه) : كم؟
نبيلة (ملتفتة إلى زميلتها) : متر الكريب جورجيت وجدناه بكم يا «تانت» سميرة؟
سميرة : أي نوع تقصدين؟ أي لون؟ البوادي روز؟
نبيلة : نعم … البوادي روز.
سميرة : المتر قطع جنيهين!
نبيلة : ويلزمني على الأقل خمسة أمتار.
سميرة : لماذا خمسة أمتار يا نبيلة؟
نبيلة : لا تنسي «الكلوش»!
سميرة : آه … سيكون هناك «كلوش»!
نبيلة : ضروري … أليس هذا من رأيك؟
سميرة : طبعًا … و«الكول» مفتوح؟
نبيلة : ما رأيك أنتِ؟
سميرة : هذا يتوقَّفُ على الكلفة … ما قولك في شريط «ساتان» أحمر طرابيشي؟
نبيلة : حول «الكول»؟!
سميرة : الكول والأكمام.
نبيلة : أنسيتِ يا «تانت» سميرة أن الأكمام ستكون جابونيز؟!
سميرة : آه … جابونيز! (تُفكِّر) إذَن اجعلي الكلفة «دانتلا».
نبيلة : ما رأيكِ لو كانت «تفتاه»؟
سميرة : «تفتاه»؟
نبيلة : نعم … أخضر زرعي … أو مشجَّر على «موف»!
سميرة : أنا مصرة يا نبيلة على الأحمر الطرابيشي!
نبيلة (تشير إلى طربوش أبيها) : ها هو أمامك … تَصوَّري هذا اللون على الكريب جورجيت البوادي روز؟!
سميرة : لائق جدًّا!
نبيلة : نعرض الموضوع على بابا … ما رأيكَ أنت يا بابا! بكل صراحة!
الوزير (الذي كان يتابع مناقشتهما دون أن يفقه منها شيئًا) : بكل صراحة؟
نبيلة : نعم … أنت تعرف أني أحبُّ الرأي الجريء الصريح.
الوزير : أنتِ أيضًا …
نبيلة : نعم … تكلَّم!
الوزير : هذا هو الذي كان ينقصني … أن أُبدي رأيي في الكريب جورجيت والساتان الموف!
نبيلة (مُصحِّحة) : الكلفة التي على الأكمام الجابونيز تكون دانتلا أو «تفتاه»؟ واللون المناسب للكريب جورجيت البوادي روز يكون أحمر أو أخضر أو «موف»؟! هذه هي المسألة!
الوزير : حقًّا … هذه هي المسألة؟!
سميرة : أتريدين يا نبيلة أن تشغلي والدك الباشا بإبداء الرأي في هذه المسائل؟!
الوزير : قولي لها يا سميرة هانم … قولي لها …
نبيلة : ولِمَ لا؟ أهي مسألة هيِّنة؟!
الوزير : مسألة فنية … لا أفهم فيها.
نبيلة : أهذه أول مسألة فنية لا تفهم فيها … ومع ذلك يُطلَب منك أن تُبدي فيها الرأي؟!
الوزير : ماذا تقصدين؟
نبيلة : أأنتَ تفهم كل شيء في وزارتك هذه؟!
الوزير : دخلنا في السياسة!
سميرة : نبيلة … لقد خرجنا عن موضوعنا … أجئنا لهذا الكلام؟!
الوزير : أحسنتِ يا سميرة هانم … أنقذيني منها!
نبيلة : هات يا بابا النقود، ونحن نذهب عنك بسلام!
الوزير : كم؟
نبيلة : هات أربعين جنيهًا تحت الحساب!
الوزير : أربعين جنيهًا؟!
نبيلة : نعم … يدخل فيها طبعًا أجرة الخيَّاطة ماري … إنها تتقاضى عن الثوب الواحد عشرين جنيهًا أجرة يدها فقط، واسأل «تانت» سميرة!
الوزير (وهو يُعطيها المبلغ) : خُذي … وأمري إلى الله!
نبيلة : متشكرة جدًّا يا بابا!
سميرة : اصبر يا باشا اصبر … سأعرف كيف أنقذك منها!
الوزير : متى؟
سميرة : عندما أظفر لها بالعريس الذي يَليق بها.
الوزير : أتُفكِّرين لها في هذا؟
سميرة : هذا مشروع بيني وبين الست والدتها.
الوزير : أفي الأفق شيء؟!
سميرة : أشياء … ولكني لن أرضى لمثل نبيلة إلا بمَن في فكري!
الوزير : وهل في فكرك أحدٌ بالذات؟
سميرة : دكتور يكسب من عيادته لا أقل من خمسمائة جنيه في الشهر … وقد بنى أخيرًا عمارة فخمة في الزمالك … لكن يا خسارة!
الوزير : ماذا جرى له؟
سميرة : سَل يا باشا نبيلة!
نبيلة : ثقيل الروح!
الوزير : أهذا هو المانع؟
سميرة : لا مانع غيره!
الوزير : وهل هو ثقيل حقًّا يا سميرة هانم؟
سميرة : في نظري أنا لا … ولكن هذه مسألة شخصية.
الوزير : وأين رأيتِه يا نبيلة؟
نبيلة : عندنا في البيت … جاء مرة منذ أسبوع يفحص والدتي … أتت به «تانت» سميرة لأنها تثق بكفاءته!
الوزير : ثقيل الروح! أهذا عذر مقبول يا نبيلة؟!
سميرة (لنبيلة) : قد يكون في نظرك ثقيل الروح … ولكن لا تنسي أنه ثقيل المحفظة!
نبيلة : أريد أن يكون زوجي خفيف الروح!
سميرة : وخفيف المحفظة؟
الوزير : اختاري يا نبيلة … أيهما تختارين؟
نبيلة : أختار الثقيل المحفظة الخفيف الروح!
الوزير : وهل من السهل أن يجتمع هذا الثقل المطلوب مع هذه الخفة المُحبَّبة؟!
سميرة : اجتمعتا يا باشا في شخص!
الوزير : مَن هو؟
سميرة : شاب متعلِّم تعليمًا عاليًا … وارثٌ عن أبيه ستمائة فدان، من أجوَد الأطيان … لكن يا خسارة!
الوزير : ماذا أيضًا؟
سميرة : من أسرة عصامية!
الوزير : وما الضرر في ذلك؟
نبيلة : أتزوَّجُ ابن جزَّار؟!
الوزير : إنه ليس ابن جزار … إنه ابن كذا ألف جنيه … وابن كذا مائة فدان! النقود في هذا الزمن يا بنتي هي التي تشتري الأصل … وتشتري المركز! وتشتري الاعتبار!
سميرة : قلت لها هذا يا باشا بالحرف!
الوزير : يدهشني هذا من جيلك يا نبيلة … أفهم أن نفكِّر نحن هكذا … أنا ووالدتك … أيامنا كان الأصل شيئًا … وكان المال شيئًا آخَر … كان الاعتبار والقيمة شيئًا … وكانت النقود شيئًا آخَر … كانت القيم لا تُباع ولا تُشترى … وكان المال لا يَشتري ولا يَبيع القيم … كان الشخص بفضله لا بجيبه، ولكن اليوم … اليوم يكفي أن يُقال عن شخص: هذا يملك كذا ألف … فلا يسأل أحدٌ عن الباقي … لأن الباقي لم يعُد يهمُّ أحدًا.
نبيلة : وهل ماما قبلت؟
الوزير : أهي لم تقبل؟!
سميرة : تحادثنا في ذلك … لم تتحمَّس للنسب … ولكنها لم ترفض … ولم تقبل … تركت الأمر للباشا ولنبيلة!
الوزير : وما رأيكِ أنتِ يا سميرة هانم؟!
سميرة : رأيي بصراحة؟
الوزير : نعم … تكلَّمي بكل صراحة.
سميرة : رأيي أن تكون نبيلة راضية عن عريسها كل الرضا من كافة الوجوه … وعلينا نحن أن نتعب قليلًا في سبيل أن نُدبِّرَ لها ما تريد بالضبط!
الوزير : ولكنها ليست سهلة … كما ترين … إنها تُصعِّب لكِ الأمور.
سميرة : سأعرف في النهاية كيف أحلُّ لها الموضوع، بالشكل الذي يعجبها ويسرُّها ويُسعدها!
الوزير : لا شك عندي في قدرتكِ … إنكِ مثل زوجكِ … حلَّالة العُقَد!
نبيلة (تنظر في ساعة معصمها) : «تانت» سميرة … الوقت سيفوت … هلُمِّي بنا قبل أن تغلق الدكاكين.
سميرة : نعم … فلنسرع يا نبيلة … «أرفوار» يا باشا!
الوزير : إلى اللقاء يا سميرة هانم … أكرِّر شكري على عنايتك.
سميرة (وهي خارجة) : العفو يا باشا!
نبيلة (وهي خارجة بسرعة) : «مِرسي يا بابا» على النقود!

(تخرجان من الباب الذي دخلتا منه … ولا يكاد الوزير يعود إلى ملفاته ليفتحها وينظر فيها … حتى يُفتَح الباب الذي ظَهَر منه السكرتير منذ قليل … ويدخل منه وكيل الوزارة.)

الوكيل : جئتُ إلى معاليك منذ لحظة، فوجدت النور الأحمر على الباب!
الوزير : كان عندي زوَّار … في موضوع هام!
الوكيل : أردتُ أن أحادث معاليك في موضوع الحركة!
الوزير : عَرَضَها عليك الوكيل المساعد؟
الوكيل : نعم.
الوزير : وهل وافقتَ عليها؟
الوكيل : لا أستطيع أن أوافق عليها بهذه الصورة!
الوزير : لماذا؟
الوكيل : تسمح لي معاليك أن أتكلَّم بكل حرية وصراحة؟!
الوزير : طبعًا … طبعًا … أنت تعلم أني أحبُّ الصراحة وأرحِّب بالحرية … تفضل … تفضل يا عمر بك تكلَّم … ماذا وجدتَ في هذه الحركة؟
الوكيل : وجدتُ أنها موضوعة على غير أساس … ولا قاعدة … فلا هي مُراعًى فيها الكفاءة … ولا هي مُراعًى فيها الأقدمية!
الوزير : مثال ذلك؟
الوكيل : أُعطي معاليك مثلًا تعرفه جيدًا … وتعرف حالته وظروفه، الأستاذ فهمي عبد الودود، أولًا ملفه مملوء بالتقارير التي تشهد كلها بعدم كفاءته وسوء خُلقه، واستهتاره وغروره وانقطاع الأمل في الاعتماد عليه في العمل … وفضلًا عن كل هذا، فقد رُقِّي ترقية استثنائية منذ شهرين … فعلى أي أساس يقفز اليوم إلى درجة مدير إدارة؟!
الوزير : قيل لي إن هذه الدرجة خالية … وإنه لا ضَرَر من ربطه عليها.
الوكيل : بالعكس يا معالي الوزير … هذه الدرجة يستحقها موظَّف آخَر تُرشِّحُه كفاءته الممتازة وأقدميته المُطلَقة … وهو القائم فعلًا الآن بتصريف أعمال هذه الإدارة على الوجه الأكمل.
الوزير : هذا الموظف الذي تشهد له هذه الشهادة القيِّمة لا بد أنك تعرفه تمام المعرفة؟!
الوكيل : أعرفه من عمله … ومن التقارير الطيبة الموجودة في ملف خدمته … وليس لي به معرفة أخرى غير ذلك … ولا يربطني به أي نوع من الصلة الخاصة.
الوزير : ماذا تعني يا عمر بك؟!
الوكيل : أعني أن رأيي … والرأي الأعلى طبعًا لمعاليك … أن تكون الترقية على أساس عمل الموظف وملف خدمته، ثم أقدميته على قدر الإمكان!
الوزير : وهل تعتقد أنك وحدك صاحب هذا الرأي؟!
الوكيل : لم أقصد …
الوزير : بل تقصد أن تقول إننا نحن نضع الترقية على أساس الصلة الخاصة.
الوكيل : أأنا قلتُ ذلك؟!
الوزير : لم تَقُل ذلك … ولكنك أشرتَ إليه من طرفٍ خفي!
الوكيل : حاشا لله! إني لستُ في حاجةٍ إلى الإشارة … لأني صريح بطبعي، وبحُكم واجبي … إن إخلاصي الحقيقي لعملي ولوزيري لا يتجلى إلا في مواجهته بالحقائق … حتى وإنْ أغضبَتْه.
الوزير : إني لم أغضب يا عمر بك!
الوكيل : لا أعتقد أن معاليك تغضب للصراحة … وأنت الذي تُطالِبُنا بها دائمًا.
الوزير : أليس كذلك؟
الوكيل : حقًّا … غير أن الصراحة الحقَّة النافعة ليست هي التي تُرضي وتفضح … ولكنها تلك التي لا تسرُّ ولكنها تستر!
الوزير : ماذا تعني؟
الوكيل : أعني أني أقدِّر مرءوسي الذي يُؤْثِرُ إغضابي مع ستر أعمالي … أكثر من مرءوسي الذي يُؤْثِرُ مرضاتي مع فضح تصرُّفاتي!
الوزير : مَن تقصد بهذا الكلام؟
الوكيل : لستُ أقصد أحدًا بالذات … ولكنه مبدأ عام أدين به.
الوزير : إذا كانت ترقية ابن عمتي جديرة أن تُثير هذه المناقشة، وأن تمسَّ المبادئ التي تدين بها، فإني أرجو منك أن تطرحها نهائيًّا … وأن تَصرِفَ عنها النظر.
الوكيل : شكرًا لمعاليك … إني كنت واثقًا من أنك ستفعل ذلك من أجل المصلحة العامة!
الوزير : المصلحة العامة؟!
الوكيل : بدون شك … معاليك لا بد قد سمعتَ ما يُقال، في المجتمع الحاضر … في بيئة الشباب والجيل الجديد والعاملين النابغين، من أن الجهد والكد والنبوغ والإخلاص والاجتهاد … أشياء لم تَعُد هي دَرَج الوصول ولا مفاتيح النجاح.
الوزير : وما هو إذَن مفتاح النجاح؟!
الوكيل : في نظر الناس اليوم هو أسلوب مُعيَّن في الحياة من الخطر أن يقر أثره طويلًا في النفوس … لأن عاقبته الانهيار العام في قدرة البلد على الإنتاج الصحيح.
الوزير : ما كل هذا التشاؤم يا عمر بك؟!
الوكيل : أرجو أن أكون مُبالِغًا!
الوزير : اطرح عنك هذا المنظار الأسود الذي تنظر به إلى الأشياء … البلد بخير … والناس راضون مُستبشِرون … وكل شيء سائر بإذن الله من حَسَنٍ إلى أحسن!
الوكيل : أتمنى ذلك!
الوزير : أنا الذي أتمنى أن تكون الحركة الآن في نظرك لا غبار عليها … بعد أن استبعدنا منها تلك الحالة الفاضحة!
الوكيل : لا أحبُّ أن تفهم معاليك أن الأستاذ فهمي عبد الودود هو وحده المقصود!
الوزير : أيوجد غيره عندك؟!
الوكيل : معاليك تريد بدون شك أن تكون الحركة مبنية على العدالة …
الوزير : العدالة! طبعًا العدالة.
الوكيل : الحركة كلها إذَن في حاجةٍ إلى أن يُعاد عليها النظر!
الوزير : غرضك إذَن يا عمر بك أن تهدم كل ما بنيناه!
الوكيل : غرضي هو أن تبني معاليك على أسس صحيحة … حتى تلهج بشكرك بعدئذٍ الألسنة!
الوزير : في هذه الحركة إذَن ظُلم؟!
الوكيل : نعم … ظُلم واقع على عدد كبير من الموظفين العاملين!
الوزير : تتهمني بالظلم يا عمر بك؟!
الوكيل : حاشا أن أتهمك يا معالي الوزير … ولكني قصدتُ أن هناك حالات كثيرة تستوجب البحث!
الوزير : قصدك دائمًا مفهوم!
الوكيل : أخشى أن يكون مفهومًا على غير حقيقته … لأن الحظ لم يُسعدني بإرضاء معاليك!
الوزير : لا تُلقِ المسئولية على الحظ!
الوكيل : ثِق يا معالي الوزير أني آسف كثيرًا عندما أُضطَرُّ إلى مخالفتك في الرأي … ولكني أعتقد أن واجبي هو أن أكون لك بمثابة «الفرامل» للسيارة … تستخدمني للتهدئة عند المزالق!
الوزير : هذا حقًّا تشبيه مُنطبِق عليك يا عمر بك … أنت حقًّا معي بمثابة «الفرامل» التي توقف المشروعات … وتُعطِّل سير الأمور.
الوكيل : أليس هذا أسلم من أن تندفع الأمور في طريق خطر؟!
الوزير : خطر في ذهنك أنت فقط!
الوكيل : لا أدعي أن ذهني معصوم من الخطأ … ولكن العِبرة بحُسن القصد.
الوزير : عندما يسعى القصد في أكثر الأحوال إلى المخالفة والعرقلة … ويتجه إلى التعقيد وإظهار الخطأ … فإن من الصعب على النفس أن تصفه بالحسن!
الوكيل : نعم … ليس أصعب على النفس من أنْ ترضى حقًّا عمَّن يقف في طريق رغباتها … لكنه واجبي يا معالي الوزير!
الوزير : واجبك؟! لا … لا أظن واجبك أن تُفهِمني في كل لحظة أن عملي خاطئ … وأن تصرفاتي مغرضة!
الوكيل : وهل واجبي أن أقول لمعاليك في كل لحظة: آمين؟!
الوزير : كفى يا عمر بك … إني لا أطلب إليك أن تقول لي آمين … ولكني أريد فقط أن تتعاون معي بإخلاص!
الوكيل : وكيف يكون هذا الإخلاص؟!
الوزير : لست أنا المُكلَّف أن يعطيك في الإخلاص دروسًا!
الوكيل : لا … لستَ أنت معاليك … ولكن هنا في حجرة قريبة مَن يستطيع أن يُعطيني هذا الدرس … ولكن ثِق يا معالي الوزير أني لو تعلَّمتُه لَمَا نفَعْتُك كما أنفعُك الآن!
الوزير (ينظر في ساعته) : متشكر! نُتِمُّ الحديث الشائق في فرصة أخرى!
الوكيل (وهو منصرف) : إلى اللقاء يا معالي الباشا!

(يخرج الوكيل … ويبقى الوزير ويُسرع إلى الجرس … فيدخل السكرتير.)

الوزير (للسكرتير) : الوكيل المساعد … بسرعة!

(يخرج السكرتير سريعًا … ويأخذ الوزير في مراجعة بعض الأوراق التي أمامه … إلى أنْ يدخل الوكيل المساعد مُهرولًا.)

الوكيل المساعد : معاليك طلبتني؟
الوزير : نعم … اجلس!
الوكيل المساعد : خيرًا؟
الوزير : هل عرضتَ الحركة على الوكيل؟
الوكيل المساعد : طبعًا … منذ قليل.
الوزير : ورفضها؟
الوكيل المساعد : رفضها … جملة وتفصيلًا.
الوزير : هذا ما فعله أمامي أيضًا الآن بكل جرأة.
الوكيل المساعد : روق نفسك يا معالي الباشا … هذا هو المُنتظَر منه.
الوزير : ماذا قال لك في شأنها؟
الوكيل المساعد : لا داعي.
الوزير : بل قُل … أريد أن أعرف.
الوكيل المساعد : كاد يقذف بالورق في وجهي … وصاح قائلًا: «هذه فوضى … هذا عَبَث … لو كنت ناظر زراعة في عزبة معاليه لما حُقَّ لي أن أُرَقِّي الأنفار بهذه الطريقة!»
الوزير : قال ذلك؟
الوكيل المساعد : قال كلامًا كثيرًا … كثيرًا جدًّا … لا يبيح لي أدبي ولا إخلاصي أن أوذي به سَمْع معاليك!
الوزير : لا بد أن يكون قد أصابك أنت أيضًا من هذا الكلام رذاذ!
الوكيل المساعد : بالطبع … كان يقول لي ويُكرِّر ويعيد: «انقل لوزيرك هذا … بلِّغ وزيرك الذي تُخلِصُ له كلامي هذا … لا أخشى أن تُعلِمَ وزيرك رأيي فيه وفي تصرفاته …»
الوزير : «وزيرك!»
الوكيل المساعد : هذه كلمته التي يُخاطبني بها دائمًا!
الوزير : كفاية …
الوكيل المساعد : أرجو أن تُهدِّئ نفسك يا باشا … وألَّا تُلقي بالًا إلى هذا الكلام الذي لا يرتفع إلى أكثر من نعل حذائك … صحتك عندنا أغلى وأهم وأثمن من كل شيء!
الوزير : إني هادئ النَّفْس … خُذ ورقة يا زكي بك واكتب ما أُملِيه عليك.
الوكيل المساعد (يتناول ورقة وقلمًا من فوق المكتب) : أفندم!
الوزير : صورة مُذكِّرة … سرية طبعًا … أرجو أن تُشرِف بنفسك على كتابتها على الآلة الكاتبة؛ لتُعرَض على مجلس الوزراء في جلسته القادمة.
الوكيل المساعد (متأهبًا للكتابة) : أفندم!
الوزير (يُملي) : بعد الديباجة … «بما أنه قد تبيَّنَ لنا أن التعاون بيننا وبين وكيل الوزارة «عمر بك عبد التواب» قد أصبح في حُكم المستحيل؛ فقد دأب حضرته على مناوأة سياسة الوزارة … وانتهج خطة سافرة العداء تَرمي إلى عرقلة أعمالنا وتسفيه رأينا؛ مما يجعل بقاءه في منصبه ضارًّا بمصلحة العمل … لذلك نطلب من المجلس النظر في أمر إحالته إلى المعاش!»
الوكيل المساعد : إحالته إلى المعاش؟!
الوزير : أفي هذا إجراء تعسُّفي؟!
الوكيل المساعد : أبدًا يا معالي الوزير … هذا إجراء حازم … إنك تضع الاعتبار العام فوق الأشخاص والمناصب!
الوزير : قد يكون في هذا الإجراء بعض الشدة … ولكن المصلحة العامة تُملي علينا أحيانًا ما لا ترضاه عواطفنا الخاصة!
الوكيل المساعد : هذا ما يُعرَف دائمًا عن معاليك.
الوزير (مُتأهِّبًا للإملاء) : اكتب بقية المُذكِّرة!
الوكيل المساعد (مُتأهِّبًا للكتابة) : أفندم!
الوزير (يُملي) : «كما نطلب إلى مجلس الوزراء الموافقة على شغل منصب وكيل الوزارة الشاغر … وتعيين الوكيل المساعد زكي بك عبد الله وكيلًا للوزارة!»
الوكيل المساعد (صائحًا بفرح) : أنا؟ وكيل الوزراء؟!
الوزير : في دورك … ليس في هذا أي محاباة.
الوكيل المساعد (ينهض) : تسمح لي؟
الوزير : ماذا؟
الوكيل المساعد (ينحني ويخطف يد الوزير) : أُقبِّل يد معاليك الفياضة بالخير والعدل والإنصاف.

(ينهال على يد الوزير لثمًا وتقبيلًا.)

(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥