الإهداء
بنفسي لأستاذي الدكتور طه حسين ذكريات قديمة، كلما عاودتني أثارت اعترافًا بالجميل لا أستطيع نسيانه، فهو الذي وجهني إلى الأدب، مع أنني كنت منصرفًا في بَدء حياتي إلى القانون بكل رغباتي. وبالرغم من أنني قد انتهيت من دراسة الحقوق إلا أن توجيه هذا الأستاذ الكبير هو الذي غلب في حياتي العملية.
وبمجرد انتهائي من الدراسة في مصر تحمَّس لإرسالي إلى أوروبا، ولقد حدث أن عجزت عن النجاح في كشف النظر الطبي. وكنت قد قدمت بحثًا عن ذي الرُّمَّة ليقوم مقام الامتحان التحريري في مادة من ليسانس آداب اللغة العربية، فأخذ أستاذي هذا البحث وذهب إلى وزير التربية والتعليم إذ ذاك ليقرأ عليه فقرات منه فيكسبه إلى جانبي، وبذلك يضمن استصدار قرار من مجلس الوزراء بإعفائي من هذا الكشف الطبي العويص، وهذا ما كان.
وسافرت إلى أوروبا؛ حيث وضعت لنفسي خططي الخاصة في الدرس والتحصيل، وكان في تلك الخطط ما لا يتمشى مع الخطط الرسمية، ولاقيت من ذلك بعض العنت، ولكنني كنت أجد دائمًا إلى جواري هذا الأستاذ الكريم.
ولقد أخذت عنه شيئين كبيرين؛ هما: الشجاعة في إبداء الرأي، ثم الإيمان بالثقافة الغربية، وبخاصة الإغريقية والفرنسية؛ مما حملني دائمًا على الإحساس بأنه قريب إلى نفسي، على الرغم مما قد نختلف فيه من تفاصيل.
وها أنا ذا اليوم أرجو أن يجد في إهدائي له هذا الكتاب اعترافًا مني بالفضل الذي حباني به وأنا في أول الشباب والنفس بالغة الحساسية.