الخوف من التكنولوجيا

يسمونه «التكنوفوبيا»، أو «رهاب التكنولوجيا». ظهر لأول مرة خلال الثورة الصناعية، ويصيب مَن يخافون التقدُّم التقني؛ لذا يُحجمون عن التعامل معه. قد يكون هذا منطقيًّا مع بعض الذين آثروا الابتعاد عن كل ما أنتجته يدُ الإنسان، وفضَّلوا النأي بأنفسهم، مستخدمين ما أنتجته الطبيعة فقط، لكن ماذا عندما يصيب هذا «الرهاب» أحد «آلهة» التقدم؟ هل يدفعنا هذا للقلق مثله على مستقبل البشرية؟

«ستيفن هوكينج» هو أحد أشهر علماء البشرية، صاحب نظرية إمكانية «السفر عبر الزمن»، له أبحاث نظرية في علم الكون والعَلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، كما أن كتابه الأشهر «تاريخ موجز للزمن» باع ملايين النسخ، فضلًا عن تخصُّصه في الفيزياء النظرية. هو لمن لا يعرفه لا ينطق ولا يتحرك، لكنه يستخدم كرسيًّا متحركًا ويتكلم مستعينًا بجهاز كمبيوتر بصوت صناعي بات مُمَيِّزًا له، هوكينج يَدِين بحياته للتكنولوجيا، لكنه رغم ذلك يرى أنها السبب في قرب فناء الجنس البشري، وربما لهذا السبب يجب أن نستمع له.

في مقابلة أخيرة له مع بي بي سي، حذَّر ستيفن هوكينج من أنَّ تطور التقنيات الذكية قد يكون مؤشرًا على قرب فناء الجنس البشري، ورأى أن هذا النوع من التقنيات يمكن أن يتطوَّر بشكل سريع وأن يتجاوز طاقات البشر، في سيناريو يحاكي أفلام الخيال العلمي. وقال: «إن الأشكال البدائية للذكاء الاصطناعي التي بِتْنَا نملِكها أظهرت فائدتها الكبيرة، لكني أعتقد أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل من شأنه أن ينهي وجود الجنس البشري.»

قد يرى البعض هذا الكلام مكرَّرًا، قد يكون مثاليًّا لمن حذروا من امتلاك القنابل الذرية قبل أكثر من سبعين عامًا، وقد يسعد الذين يرفضون تناول الأغذية المعدَّلة وراثيًّا؛ لأنهم يرون أن الإنسان خرَّبَ الطبيعة، لكن ربما إذا وضعنا ما قاله هوكينج إلى جوار ما كتبه «ماركوس فيلدنج» — وهو ضابط كبير في الجيش الأسترالي وخبير مختص في الدراسات الدفاعية — في مقال له قبل أسبوع في مجلة «ذي ناشونال إنترست» عن استخدام الروبوتات في الحروب؛ يبدو الأمر مختلفًا.

الضابط الأسترالي يرى أنه لا مفر من ذلك في الصراعات مستقبلًا، وأن ذلك سيؤدِّي إلى نقلة نوعية في طبائع الحروب، ومنبِّهًا إلى أن النقاش قد بدأ بالفعل حول كيفية تطوير وتطبيق هذه الإمكانات؛ فالروبوتات أصغر وأذكى وأقل تكلِفة وأكثر انتشارًا، والروبوتات القاتلة باتت أكثر فتكًا وأكثر قدرة على التمييز، كما أن درجة الاستقلال ستكون عاملًا أساسيًّا في دور الروبوت في الصراعات، مرجحًا أن تتطور الروبوتات في ثلاثة أجيال: الجيل شبه المستقل، والمستقل المقيَّد، وأخيرًا الجيل المستقل بالكامل.

الجيل شبه المستقل موجود بالفعل، وربما تكون الطائرات من دون طيار أحد تجلياته، لكن جيل الروبوتات المستقل بالكامل، يُشَبِّهه فيلدنج بفيلم «المُدمِّر  Terminator»، إنتاج ١٩٨٤، لكن في الواقع سيتخذ الروبوت القاتل المستقل بالكامل شكلًا وظيفيًّا بدلًا من ذاك الشكل البشري المتخيَّل في الفيلم.

العالم البريطاني يبدو خائفًا، والجنرال الأسترالي يبدو سعيدًا. وهذا هو الصراع الحقيقي الذي سنراه في المستقبل، بين العلم والسلطة، خاصة إذا وضعنا في حسباننا ما أشار إليه عالم الاتصال الكندي «مارشال مكلوهان» من أن «التكنولوجيا الرقمية هي القوة الحقيقية.»

ربما ما ينقص مشهدَ الرعب الذي ذكرناه فيما مضى، المجنونُ الذي يريد السيطرة على العالم، ربما يكون هذا المجنون دولة، أو إرهابيًّا، أو حتى مجرد «هاكرز»، مثل القراصنة الذين نقرأ بانتظام عن الحملات التي يشنُّونها على مؤسسات كبرى أو عن استيلائهم على محتوى بيانات تخص الكثيرين، مثلما حدث مع «آي كلاود» في الفترة الأخيرة، وهو ما يدفعنا دائمًا للتساؤل: ماذا لو سيطر مجنون على الإنترنت؟ ماذا لو قرَّرَ هذا المجنون إيقافه، ويجعلنا نُعِيد التفكير في الشركات التي تسيطر على كل بياناتنا الشخصية — «أندرويد»، و«آبل» — وتَعْرِف عاداتنا وعَلاقاتنا الشخصية، وتتجسس علينا؟ ماذا يعني أن هناك مليار مُشْتَرِك على فيس بوك؟ ماذا يعني أن تملك شركةٌ واحدةٌ بياناتٍ تخص عادات وأفكار مليار بشري؟ هذا القلق انتاب البرلمان الأوروبي أيضًا من قبلُ عندما حذَّر من أن محرك البحث «جوجل» يسيطر على ٩٠٪ من عمليات البحث في أوروبا؛ مما يجعله مهيمنًا على الاتحاد.

إذا مدَدْنا الخيوط السابقة على طولها، وإذا وضعنا شكل هوكينج، وصوته المميز، وتحذيره في الحسبان، إذا استعنا بالفيلم الذي ذكره الجنرال الأسترالي في مقاله؛ فلربما وجدنا أننا في فيلم خيال علمي أمريكي جديد، لكنه واقعي هذه المرة. هذا الفيلم سينتهي بإحدى نهايتين؛ إما بنهاية كوكب الأرض وسيطرة الآلات والروبوتات الذكية التي بدأت تنتشر في كل الوظائف على مصير البشرية — وهو ما قدَّمَتْه السينما بالفعل في أفلام كثيرة — أو بتدمير الكوكب تمامًا على يد أحد المجانين الذين سيطروا على كل معلوماتها، وهنا يتحقق قول «فيكتور هوجو»: «الخوف ليس أن تموت، الخوف هو ألَّا تعيش حياتك.»

لا ريب أن التكنولوجيا المتقدمة تُعِيد صياغة مفهوم القوة، ومشهد سيطرة الآلات أو الكمبيوترات على الأرض الذي كان يمكنك أن تراه وأنت جالس مطمئن في قاعة السينما، مستمتع بمشاهدته، وبأن شاشة السينما تفصلك عن العالم الذي يدور فيه، يبدو أنه اقترب من الواقع وحطَّم حاجز الإيهام؛ لأنه بحسب قول ستيفن هوكينج: «تمكَّن البشر من تطوير ذكاء اصطناعي قائم بذاته، قد يتطوَّر مستقلًّا عنهم وبشكل متسارع، ولن يكون البشر المحكومون بقواعد التطور البيولوجية البطيئة قادرين على مجاراته.»

هل أنا مصاب بالتكنوفوبيا؟ ربما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤