الباب الثامن عشر: potential

شاع استخدام هذه الصفة المرادفة للاسم potentiality أي الطاقة الكامنة، وشاع جمعها بهذا المعنى، بحيث أصبحت تجمع بين المعنى المجرَّد الذي لا يُجمع (الطوق)، والمعنى المخصص الذي يُجمع (الإمكانات أو الإمكانيات). كما شاع استخدامها وصفًا لِما يمكن أن يحدث أو لِما يمكن أن يكون، فترجمها الكثيرون بكلمة «المحتمل» اختصارًا للجهد والوقت، فنشأ خلطٌ عجيب بين الممكن والمحتمل؛ ولهذا لزم تخصيص باب لها.
(١–١٨) المعنى الاشتقاقي يرجع إلى كلمةٍ باللاتينية الوسطى هي potentialis من potential (وأصلها potens (والمضاف إليه منها هو potentis)، وهي اسم الفاعل من الفعل posse؛ أي يستطيع أو يقدر)، والصفة هي potis بمعنى قادر، والصفة الإنجليزية المشتقة مباشرةً من الأصل هي potent بمعنى القوي القادر أو صاحب السلطة والنفوذ والجبروت. والجميع يعرفون أنها كثيرًا ما تُستخدم لوصف المشروب المُسكر، ويقول بعض العلماء إن وصف المشروب بأنه strong معناه وجود الكحول فيه (السبرتو spirit التي ترجمها بعضهم بالمشروبات الروحية!) وأمَّا وصف المشروب الكحولي بأنه potent فيعني أنه قوي التأثير، مثل وصف الدواء، ولعل التصاحب بين الكلمتَين يرجع إلى التشابه في الحروف الأولى؛ لأن كلمة potable التي أخذتها الإنجليزية عن الفرنسية تعني ما يُشرب، وأصلها اللاتيني potabilis المشتق من potus بمعنى المشروب، من الفعل potare، ثم تحوَّلت في اللاتينية العامية إلى معنى كأس الشراب، وأتت منها الكلمة الإنجليزية pot بمعنى القدح أو الإناء. ومن كلمة potent أتت كلمة potency؛ أي القوة أو الطاقة (وقد تكون كامنة أيضًا). فإذا تأمَّلنا المعنى الأصلي لكلمة potential وجدناه يتفق تمامًا مع جوهر المعاني الاشتقاقية، ولكن معناها الاصطلاحي يختلف اختلافًا بيِّنًا.
(٢–١٨) أمَّا المعاني الاصطلاحية للكلمة فيمكن إرجاعها إلى فكرةٍ واحدة هي كل ما يمكن أن يتحقَّق، وقد يكون طاقةً كامنة latent energy، أو نزوعًا فطريًّا (موهبةً talent)، أو مَيلًا طبيعيًّا (natural propensity, inclination)، أو موارد غير مستغلة unexploited resources أو غير ذلك، وسوف نضرب لكل منها مثالًا موجزًا.
(1) Atomic fission has shown that matter is potentially energy.

(١) أثبت انشطار (تفتيت) الذرة أن المادة طاقةٌ كامنة.

(١-أ) تبيَّن من تفتيت الذرَّة أن المادة يمكن أن تتحوَّل إلى طاقة.

(١-ب) اتَّضح من انشطار الذرة إمكان إطلاق الطاقة من المادة.

(2) Young men and women have potentials rarely recognized by the old.

(٢) يتمتَّع الشباب بطاقاتٍ كامنة يندر أن يعترف بها الشيوخ.

(٢-أ) لدى الشبان والشابات إمكانيات يندر أن يقرَّ الشيوخ بوجودها.

(٢-ب) يندر أن يدرك الشيوخ ما لدى الشباب من قدراتٍ دفينة.

أمَّا المعنى الثاني فنصادفه في:

(3) She is a potential artist: everyone who heard her sing realized she should receive the necessary training.

(٣) لديها طاقات فنيَّة كامنة، وكل من سمعها تُغنِّي أدرك ضرورة تلَقِّيها التدريب اللازم.

(٣-أ) إنها تتمتَّع بموهبةٍ فنية، وكل من سمعها …

(٣-ب) إنها فنانةٌ بالفطرة، وكل …

وهو يتداخل مع المعنى الثالث:

(4) Still a science college finalist, the boy is a potential politician: he is a leader of men and has “power of speech”; in fact some party cadres are already trying to recruit him.

(٤) إن ذلك الشاب الذي لا يزال في السنة النهائية بإحدى كليات العلوم، يتمتَّع بإمكانيات العمل بالسياسة؛ فهو قادرٌ على القيادة، وهو خطيبٌ مُفلِق، بل إن بعض أعضاء الحزب يحاولون حاليًّا أن يضمُّوه إلى الحزب.

(٤-أ) إن ذلك الشاب … لديه مَيلٌ طبيعي للعمل بالسياسة …

(٤-ب) إن ذلك الشاب … يتمتَّع بالقدرة على العمل بالسياسة …

(٤-ﺟ) إن ذلك الشاب … سياسيٌّ بالفطرة …

(٤-د) إن ذلك الشاب … تتجلَّى فيه المواهب السياسية …

أمَّا المعنى الرابع فهو ما نراه في هذه العبارة:

(5) There are immense potentials in the Toshka project: the ground water in Sharq Al–Uwaynat may be complemented by the Toshka spillover, and the virgin cultivable land is crying for reclamation.

(٥) إن الطاقات الكامنة في مشروع توشكى هائلة؛ فالمياه الجوفية في شرق العوينات يمكن استكمالها من مفيض توشكى، والأرض البكر الصالحة للزراعة تشتاق إلى الاستصلاح.

(٥-أ) إن إمكانيات مشروع توشكى هائلة …

(٥-ب) إن الموارد التي يمكن استغلالها في مشروع توشكى شاسعة …

(٥-ﺟ) هناك موارد ضخمة لم تُستثمر في مشروع توشكى …

وهكذا نرى أن المعاني التي تحملها كلمة potential تتلوَّن بتلوُّن السياق، وليس على المترجم حرج إن هو استعاض عن المعنى العام بمعنًى مخصص ولو بالتأويل، ولو أن المعنى العام لم يعد عسيرًا على الإدراك بالعربية المعاصرة.

(٣–١٨) أمَّا الكلمة التي لا بد من التصدي بحزمٍ لها فهي كلمة «المحتمل»، التي شاعت في ترجمات الأمم المتحدة وأصبحت مصدر خلط شديد.

(6) Three lawyers were detained on a charge of defending dissidents; they were potential prisoners of conscience.

(٦) اعتُقل ثلاثة من المحامين بتهمة الترافع عن بعض المنشقِّين، وقد يكونون من سجناء الرأي.

(١–٣–١٨) و«سجين الرأي» هو التعبير الذي استحدثه طه حسين ليصف به كل من يُسجن بسبب اختلافه في الرأي مع النظام الحاكم، ونشير عَرضًا هنا إلى عبقرية طه حسين في إخراج هذا المصطلح الذي شاع لدى المشتغلين في مجالات حقوق الإنسان؛ أي human rights؛ فهو لم يقف عند المعنى الشائع لكلمة conscience (الضمير) ولو فعل لضلَّل أجيالًا كثيرة. ولا بد لنا أن نضيف أن الاستعاضة عن المعنى الشائع قد تتضمَّن بعض الأخطار (is potentially dangerous)، خصوصًا حين يكون المترجم مبتدئًا، أو حين يفتقر إلى الدربة اللازمة، على نحو ما فعل المترجمون الأوائل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان حين ترجموا تعبير «حرية الضمير» بحرية «الوِجدان» بكسر الواو، وهو المصطلح المستحدث في الفلسفة للتعبير عن الإحساس باللذة أو الألم، أو عن الحالة النفسية المتأثِّرة باللذة أو الالم (في مقابل الحالات الأخرى المتأثِّرة بالإدراك والمعرفة)، وكان بوسع المترجم أن يقول «حرية الرأي» لولا أن حرية الرأي منصوصٌ عليها في المتن نفسه freedom of opinion، أو «حرية العقيدة»، لولا أنها منصوصٌ عليها أيضًا (belief)، ومن ثَم لجأ إلى الوجدان فهو عنصرٌ آخر من عناصر الضمير، والضمير أصلًا هو المضمر، أو ما تُضمره في نفسك ويصعب الوقوف عليه، ثم تحوَّل المعنى إلى ما نفهمه حاليًّا من الكلمة، وهكذا انتهى المترجم إلى العنصر غير المنصوص عليه، وهو المعنى المستحدث للوجدان، فأثبته وفق تأويله للمعنى الموحي به في التعبير الإنجليزي، ولكن ذلك التأويل لم يكن موفَّقًا؛ لأن واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كانوا يقصدون الضمير بمعناه الحديث؛ ولذلك أعادت الأمم المتحدة ترجمة الإعلان، وأصبحت الترجمة الحديثة تنصُّ على حرية الضمير لا على حرية الوجدان.
(٢–٣–١٨) ولكن الأمم المتحدة لا تزال تترجم potential بكلمة المحتمل، وهي تستند في ذلك إلى المعنى القديم الذي يورده المعجم الوسيط في تعبيرٍ حديث قائلًا: «واحتمل الأمر أن يكون كذا: جاز.» وهو معنًى كاد أن يصبح مقصورًا على استعمالاتٍ محدَّدة مثل قولك: «إن ذلك يحتمل الصواب والخطأ.» ومثل «احتمل الشيء والأمر: حمله وصابر عليه، ويقال: احتمل ما كان منه: أغضى عليه وعفا عنه» (الوسيط). ولا تورد المعاجم العربية المعنى الحديث للمحتمل بمعنى «المرجَّح»، وهو المعنى الحديث الذي يهمُّنا هنا؛ فنحن نقول ما هي احتمالات زيادة رأس المال؟ بمعنى ما هي التوقُّعات أو الفرص المتاحة لزيادته، ونقول إنه من المحتمل أن يصل غدًا؛ أي نتوقَّع أن يصل غدًا أو نرجِّح وصوله غدًا، ولا نعني أنه يجوز أو لا يجوز، ونحن نصف درجات الاحتمال، فإذا كان ضعيفًا قلنا إنه غير مرجَّح، وإن كان قويًّا رجَّحناه، وهذا كله يختلف عن الإمكان وعن القدرة، وهذا هو مربط الفرس في الكلمة التي نحن بصددها.
(7) Promoted to the rank of full colonel, a potential active duty commander, he was only given a desk job, as his superiors thought him unlikely to take part in any forthcoming combat.

(٧) رُقِّي الضابط إلى رتبة العقيد، وهي رتبةٌ تعني إسناد القيادة إليه في العمليات العسكرية، ولكن رؤساءه عيَّنوه في وظيفةٍ مكتبية؛ إذ رأوا أنه من غير المحتمل أن يشارك في أي عمليةٍ قتالية مقبلة.

والتعبير «تعني إسناد القيادة إليه» تُترجمها الأمم المتحدة بالكلمة التي نحن بصددها؛ أي «قائد محتمل» (في العمليات العسكرية)، وإذا كان «الاحتمال» بمعنى الإمكانية واردًا، فكلمة «المحتمل» تُفسد النص تمامًا؛ لأننا نقول إن ذلك «غير محتمل» intolerable/unbearable؛ أي لا يمكن تحمُّله، ونقول ذلك «محتمَل» إذا كُنَّا نصف الشيء الذي تتوقَّع حدوثه، وهو شخصٌ محتمَل؛ أي يمكن تحمُّل وجوده أو أفعاله أو كلامه!
(٣–٣–١٨) ولكن المحتمَل شيء والممكن شيءٌ آخر، فهل من المحتمَل أن أُقرِّر في هذه اللحظة وعند هذه النقطة انتهاء الكتاب، فأختتم بهذه العبارة الفصل والباب والكتاب؟ إنه أمرٌ مستبعد؛ أي غير محتمَل، وإن كان ممكنًا؛ فهو ليس مُحالًا، وهو قَطعًا في طَوق كل كاتب! وقد بدأ الخلط عندما وجد المترجمون أنفسهم في حاجةٍ إلى جمع احتمال (احتمالات)، ووضعوها في مقابل كلمة possibilities، وهي الكلمة التي تتضمَّن معنى الاحتمال إلى جانب الإمكان. وأول معنًى لكلمة possible هو الممكن؛ أي الذي في الطوق أداؤه (مثل إنهائي الكتاب هنا) أو من الممكن وقوعه.
(8) Frost is possible, though not probable, even at the end of May.

(٨) نزول الصقيع ممكن، وإن لم يكن محتمَلًا، حتى في آخر شهر مايو.

(٨-أ) ربما تكوَّن الصقيع، وإن لم يكن متوقَّعًا، حتى في آخر مايو.

(٨-ب) قد يتكوَّن الصقيع حتى في آخر مايو، وإن كان ذلك مُستبعدًا.

(9) Are you insured against all possible risks?

(٩) هل حصلتَ على بوليصة تأمين ضد جميع الأخطار الممكنة؟

والممكن هنا تعني المحتمَل وغير المحتمَل، فمن الأخطار غير المحتمَلة سقوط نيزك من السماء، بخلاف الأخطار المحتمَلة مثل الحريق والحوادث … إلخ. كما تعني كلمة possible في الإنجليزية المعاصرة كل ما هو «معقول» أو مُرض؛ فحين نواجه مشكلةً أو مسألة (حسابية) تستعصي على الحل، أو عندما يغيب الحل الأمثل عن أذهاننا فقد نقول:
(10) A possible answer is …
(10-a) A possible solution is …

(١٠) إحدى الإجابات المعقولة هي …

(١٠-أ) أحد الحلول المقبولة/المرضية هو …

ونحن نقول بالعامية «ممكن» بهذا المعنى، وأحيانًا نستخدمها في الفصحى المعاصرة، وبذلك نُحاكي المعنى الأجنبي الذي تسرَّب إلى العامية، وانظر إلى المثال التالي:

A. I can’t get him on the phone, but must give him the message!
B. You could possibly take it to him at home!
A. Now? at midnight? and in Nasr City?
(أ) موش قادر أكلمه بالتليفون، ولازم أبلغه الرسالة …
(ب) ممكن تروح له البيت.
(أ) دلوقت؟ في نص الليل؟ وفي مدينة نصر؟

أي إن الحل المقترح غير مقبولٍ أو غير مُرض، ممَّا يجعله غير محتمَل الوقوع! ولذلك فقد يستمر الحوار هكذا:

(ب) مش ممكن؟
(أ) ممكن بس صعب!
(B) Impossible
(A) Oh, quite possible but difficult!
وقد نجد الخلط أيضًا في استخدام كلمة possibilities بمعنى إمكانيات أو بمعنى احتمالات:
(11) I see great possibilities in this scheme.

(١١) أرى في هذا المشروع إمكانياتٍ كبيرةً (ومعناها فُرَص نجاح كبرى).

(12-A) I am worried: my wife should’ve arrived two hours ago.
(B) There’s the possibility that her train has been delayed.

(١٢-أ) يساورني القلق على زوجتي فقد كان المفروض أن تصل منذ ساعتَين.

(١٢-ب) ألَا يمكن أن يكون القطار قد تأخَّر؟

و«يمكن» هنا تشير إلى «احتمال» تأخُّر القِطار لا إلى أنه ممكن فقط، ومع ذلك فالدقة تقتضي مِنَّا عدم الخلط خصوصًا في الترجمة العلمية؛ لأن potential ليست مساويةً في استعمالاتها لكلمة possible في جميع الحالات، وإذا كانت possibilities قد تشير إلى الاحتمالات، فإن potentialities لا يمكن أن تحمل هذا المعنى، على نحو ما بَيَّنا.
(٤–١٨) وكان العلماء العرب يُشيرون إلى معنى potential بتعبير «القوة»، على نحو ما بيَّنا في كتاب «فن الترجمة» (الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة، ١٩٩٣م، ١٩٩٤م، ١٩٩٦م، ١٩٩٧م)، ويقصد به إخوان الصفاء مثلًا في رسائلهم ما هو كامنٌ من طاقة، والمغني الأكبر يُدرج المعنى وإن كان يُغيِّر حرف الجر إلى «في»، والفكر العلمي العربي يقابل بين ما هو موجود «بالقوة» وبين ما هو متحقِّق «بالفعل»، وهذا هو المعنى الذي تطوَّر لُغويًّا في العربية المعاصرة.

(٥–١٨) ويستخدم علماء اللغة الصفة في تحديد نوعٍ من الأساليب (لا يهمُّنا هنا)، كما يستخدمها علماء الفيزياء في الإشارة إلى الطاقة الكهرومغناطيسية، التي يستمدُّها جسمٌ ما من المجال الكهرومغناطيسي، وتُقاس بوحدة الفولت، وهي قَطعًا معنًى مُخصَّصٌ يخرج عن نِطاق اللغة الشائعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤