شركة الذئب والحمل

كيف يُحْكَمُ السودان على عهد الشركة

اللورد كرزون والوفد السوداني ١٩١٩

عرفنا من اتفاق ١٨٩٩ أن المادة الثالثة تنص على «تفويض الرياسة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظف واحد يُلقب بحاكم السودان العام، ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديوي بناء على طلب حكومة جلالة الملكة ولا يُفْصَلُ عن وظيفته إلا بأمر عالٍ خديوي يصدر برضاء الحكومة البريطانية.»

فكل ما لمصر من الشركة في تعيين الحاكم العام توقيع الأمر العالي، وأما ترشيح الحاكم وتعيينه وعزله فمن اختصاص حكومة إنكلترا، وحكومة إنكلترا لا تعين حاكمًا مصريًّا وهذا الحاكم الإنكليزي قد خول بالمادة الرابعة من الاتفاق المشار إليه سن القوانين وإلغاءها فكل منشور من الحاكم العام هو قانون مسنون، ولقد سئل أحد كبار الإنكليز عن السبب الذي دعاهم يوم إبرام الاتفاق مع مصر إلى استثناء سواكن وترك العلم المصري وحده يخفق فوقها، فأجاب «إن سواكن من السودان هي المحل المعرض للهجوم، فقد تركناها يوم وضع الاتفاق على حالها كما يترك الجريح في ثغرة السور فيحترم المهاجم جراحه وآلامه، أو كما يوضع مستشفى الصليب الأحمر في نقطة ضعيفة من ميدان القتال» … تلك كانت حجتهم قبل ضم سواكن وإنشاء بورسودان.

ففي يوم توقيع الاتفاق عين اللورد كتشنر حاكمًا عامًّا للسودان فأعلن فتح السودان للتجارة في ١٢ ديسمبر ١٨٩٩، وخلفه في حكم السودان في ٢٢ ديسمبر ١٨٩٩ ونجت باشا فأصدر للسودانيين منشورًا يعدهم فيه بالإصلاح ويهددهم بالعقاب إذا هم خالفوا القوانين، ثم ألف الحكومة المركزية وجعل كل رجالها من الإنكليز، وعين لكل مديرية مديرًا عسكريًّا إنكليزيًّا، وعين المصريين مأمورين؛ فظهرت الحكومة السودانية بمظهرها الصحيح أي إنها حكومة إنكليزية بحتة، ولمَّا تعلَّم بعض السودانيين أنزلوهم في وظائف المأمورية منزلة المصريين وأحلُّوهم محلهم، وبذلك صحت كلمة اللورد سالسبوري الذي سأله اللورد كمبرلي زعيم المعارضين في جلسة ٦ فبراير ١٨٩٩ «هل السودان صار بالفعل شطرًا من الإمبراطورية البريطانية؟» فأجابه: «لقد ينقضي بعض الزمن قبل أن يصير السودان هادئًا آمنًا كحي بيكاويلي أو بلمول، وأذكِّر اللورد السائل برجل اشتهر بتاريخ إنكلترا وهو غليوم الفاتح فإنهم لقبوه بالفاتح قبل أن يفتح جميع أقاليم إنكلترا وبلاد الغال.»

كذلك كانت إنكلترا مالكة السودان، وكذلك كان السودان شطرًا من الإمبراطورية البريطانية قبل أن يكون لإنكلترا يد عليه وقبل أن تخادع إنكلترا مصر بشأنه.

فقد انفرد الحاكم العام بالحكم فاختار رؤساء الحكومة السودانية جميعًا من الإنكليز، وضنوا على المصريين شركائهم بالسودان بمنصب واحد من المناصب العليا، وفي سنة ١٩١٠ رأوا أن يؤلفوا للحاكم مجلسًا عامًّا أو مجلس شورى يعاونه بالحكم لاتساع المصالح والأعمال في تلك البلاد، فألفوا هذا المجلس من الإنكليز وحدهم، وإليك نص النظام الذي وضعوه لذلك.

«حيث إن الوفاق المعقود في ١٩ يناير ١٨٩٩ بين حكومة جلالة المرحومة ملكة الإنكليز وحكومة سمو الجناب العالي الخديوي قد فوض إلى الحاكم العام الرياسة العليا العسكرية والملكية في السودان ومنحه الاختصاصات المبينة فيه، وحيث إنه بمصادقة الحكومتين المشار إليهما قد استصوب إيجاد مجلس يشترك مع الحاكم العام في إجراء ما له من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية؛ فقد صدر الأمر بما هو آتٍ:
  • (١)

    يسمى هذا القانون قانون مجلس الحاكم العام سنة ١٩١٠.

  • (٢)

    ينشأ مجلس يعرف بمجلس الحاكم العام يؤلَّف من أعضاء قانونيين هم المفتش العام والسكرتير المالي والسكرتير القضائي والسكرتير الملكي، ومن أعضاء إضافيين لا ينقص عددهم عن اثنين ولا يزيد عن أربعة يعينهم الحاكم العام.

    يكون تعيين الأعضاء الإضافيين لمدة ثلاث سنين، وتجوز إعادة تعيينهم، وإذا غاب أحد الأعضاء القانونيين بالإجازة أو تَعَذَّرَ عليه الحضور للمرض ناب عنه في المجلس الموظف الذي يقوم مقامه في وظيفته بحكم القانون أو من طريق التناوب.

    وإذا غاب أحد الأعضاء الإضافيين أو تعذَّر عليه الحضور كذلك فللحاكم العام أن يعيِّن بدله مؤقتًا.

  • (٣)

    يرأس الحاكم العام جلسات المجلس، وفي حالة غيابه تكون الرياسة لأقدم عضو بين الحاضرين مع مراعاة أحكام المادة ١٣.

  • (٤)

    للمجلس جميع السلطة المخوَّلة له بمقتضى هذا القانون في نظر كافة المواد التي يجب إجراؤها بمعرفة الحاكم العام في المجلس بناء على نصوص هذا القانون أو أي قانون آخر. أما غير ذلك من المواد الأخرى التي قد تعرض عليه فإنه ينظر فيها بصفة مجلس استشاري للحاكم العام.

  • (٥)

    جميع القوانين واللوائح التي للحاكم العام إصدارها بمقتضى المادة الرابعة من وفاق ١٩ يناير ١٨٩٩ يصير إصدارها بمعرفة الحاكم العام في مجلسه، ولا يسرى هذا النص على ما للحاكم العام وحده إصداره من اللوائح بمقتضى السلطة الممنوحة له بنص معمول به.

  • (٦)

    يقرر الحاكم العام في مجلسه الميزانية السنوية، ويمنح جميع الاعتمادات الإضافية سواء كانت من الاحتياطي أو من الإيرادات العادية.

  • (٧)

    يجري الحاكم العام في مجلسه جميع المواد التي يجب إجراؤها فيه بمقتضى أي قانون معمول به، أو على القواعد التي يقررها الحاكم العام في مجلسه.

  • (٨)

    تتقرر المسائل التي يجريها الحاكم العام في مجلسه بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين مع مراعاة ما هو مدوَّن في المادتين ٩ و١٠ فإذا تساوت الأصوات كان الترجيح لجانب الرئيس، وتدوَّن قرارات المجلس في سجل محاضره مع بيان رأي كل عضو على انفراده، ولكل عضو خالف الأغلبية أن يطلب إثبات أسباب مخالفته في المحضر.

  • (٩)

    للحاكم العام سواء حضر الجلسة أو لم يحضرها أن يخالف ما أَقَرَّتْهُ الأغلبية لأسباب تُدَوَّنُ في محاضر المجلس، ويعتبر قراره هذا في هذه الحالة من جميع الوجوه كأنه قرار المجلس.

  • (١٠)

    للحاكم العام سواء حضر الجلسة أو لم يحضرها أن يوقف تنفيذ أي قرار من قرارات المجلس حتى يرفعه إلى السلطة المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من وفاق ١٩ يناير ١٨٩٩.

  • (١١)

    للحاكم العام في مجلسه أن يسن قواعد لا تخالف هذا القانون تختص بضبط أعمال المجلس، وبيان محل اجتماعاته، وتعيين موظفيه، وتقرير واجباتهم.

  • (١٢)

    إذا غاب الحاكم العام بالإجازة، أو تَعَذَّرَ عليه القيام بأداء وظيفته لمرض، وكذلك إذا خلت وظيفته، تنتقل سلطته كلها إلى مجلس الحاكم العام إذا لم يكن هو قد عَيَّنَ نائبًا عنه في وظيفته.

  • (١٣)

    للحاكم العام كلما كان بعيدًا عن مجلسه أن يعين موظفًا ينوب عنه في رياسته وفي ما له من السلطة كلها أو بعضها المتعلقة بالمجلس بمقتضى المواد السابقة.

  • (١٤)

    للحاكم العام كلما كان بعيدًا عن مجلسه أن يباشر وحده ما للحاكم العام في مجلسه من السلطة كلها أو بعضها إذا أجيز ذلك بقرار من المجلس.

  • (١٥)

    لا يجوز تفسير أي نص من نصوص هذا القانون بما يفيد تخويل الحاكم في مجلسه سلطةً لو كانت له وحده لجاءت مخالفة لنصوص اتفاق ١٩ يناير ١٨٩٩ أو لأي اتفاق معقود حتى الآن بين حكومتي مصر والسودان ا.ﻫ.

ذلك هو نص القانون الصادر بإنشاء مجلس يساعد الحاكم العام.

أما هذا المجلس فقد صدر قانون آخر بأن يكون مؤلَّفًا من السكرتير المالي والسكرتير القضائي والسكرتير الملكي، وهم الأعضاء القانونيون، وللحاكم العام أن يعين أعضاء إضافيين لا يقلُّون عن اثنين ولا يزيدون على خمسة.

وإذا بحثت عن المصري في هذا المجلس وسواه فإنك لا تجده؛ لأن المصري موكَّل بالخدمة، ومسخر للقيام بالأعمال الشاقة، وليس له رأي، وليس له إرادة في تلك البلاد التي تولى الإنكليز أمرها وصرفوا همهم لفصلها عن أمها مصر.

ولقد هَنَّأَ اللورد كرزون نفسه وأمته بأن السودان لم يَحْذُ سنة ١٩١٩ حذو مصر، وأن السودانيين أرسلوا إلى إنكلترا وفدًا يقدم ولاءه لجلالة الملك، وفات اللورد أن يقول لهم: ما هي الوسائل الشديدة التي تَذَرَّعُوا بها لإظهار السودانيين بهذا المظهر، ومن هو هذا الوفد؟ وكيف ألَّفُوه؟ وكيف أرسلوه إلى لندره محجورًا عليه حتى إنهم لم يدعوه يقيم يومًا واحدًا بالقاهرة أو يختلط بأحد من المصريين؟

وهذه كلمة اللورد كرزون ألقاها في مجلس اللوردات في شهر ديسمبر ١٩١٩ أجمل فيها الكلام عن الخطة التي تتبعها الحكومة الإنكليزية في مصر، حتى إذا ما وصل إلى السودان قال:

ولا أرى بدًّا من الإشارة إلى الصورة المشجعة والمضادة لهذه الصورة (يعني صورة مصر) وهي صورة السودان، فإن أهل تلك البلاد لا يزالون محافظين على النظام التام بحسن إدارة السر لي ستاك حاكمها العام، وقد قدموا برهانًا واضحًا على ولائهم لبريطانيا العظمى بزيارة وفد من أعيانهم لهذه البلاد في يوليو الماضي، فاستقبلهم جلالة الملك، فأعربوا له أولًا ولي ثانيًا عن حسن تقديرهم للعمل الذي قامت به بريطانيا العظمى لإحياء بلادهم وتنصلهم من الحوادث التي جرت في مصر، وقالوا: إن همهم الوحيد هو أن يبقوا في الإمبراطورية ولا يفصلوا عنها، وهذا الدليل السارُّ على الولاء سببه جله أو كله العمل العجيب الذي تَمَّ على يد السر رجنلد ونجت الحاكم العام السابق؛ فإنه وقف مقدرته العالية سنين كثيرة مع زيادة خير السودان وعلى وضع أساس حكومة جاءت الأيام مصدِّقة لطرائق الحكم البريطاني فيها كل التصديق ا.ﻫ.

(١) وثائق رسمية بشأن السودان

(١-١) مذكرة الوفد المصري

لما كان الوفد المصري في باريز وَجَّهَ إلى إنكلترا وإلى الدول مذكرةً بشأن السودان، وضرورة إرجاعه إلى أُمِّهِ مصر، هذا نصها:

إذا كان المصريون يطلبون إرجاع السودان إليهم فليسوا مدفوعين لذلك بحب التوسع والاستعمار، وإنما هم يطلبونه باسم الحق واحتفاظًا بكيانهم الوطني.

لقد كان السودان منذ الأزمنة الغابرة جزءًا متممًا لمصر.

وإذا كان قد فصل عنها في وقت من الأوقات فإن مصر وهي مستقلة استقلالًا إداريًّا جعلت في مقدمة واجباتها وأعمالها إعادته إلى حظيرة الوطن الأكبر.

على أن المسألة ليست مسألة قانون أو مسألة تاريخية فقط؛ بل إن مصالح مصر والسودان مرتبطة بحكم الطبيعة ارتباطًا يجعل كلًّا من البلدين متممًا للآخر، وكلًّا منهما في حاجة إلى الثاني؛ ليستطيع الحياة والتقدم والرقي، فإذا تَسَلَّطَتْ دولة أجنبية على السودان كانت مصر التي لا تعيش إلا من النيل عُرْضَةً لأفدح الأخطار.

ولقد أشار إلى ذلك المستشارُ المالي الإنجليزي لدى الحكومة المصرية في تقريره الصادر يوم ١٤ ديسمبر سنة ١٩١٤ بقوله: «إن الأرض التي يرويها النيل من جبال الحبشة والبحيرات الكبرى إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط مهما كان الاسم الذي يطلق عليها هي كل لا يقبل التجزئة … ونظرًا لتقدم فن الهندسة ذلك التقدم الذي بلغ الأوج فإن الدولة التي تبسط حكمها على منطقة أعالي النيل تملك مراقبة المياه في مصر، وعلى ذلك فالسودان ضروري لمصر؛ بل هو أَلْزَمُ لها من مدينة الإسكندرية.

على أن أهالي السودان من جهة أخرى ينتفعون كثيرًا من اتصالهم بالمدينة المصرية التي لا يوافقهم سواها، فهم يعتبرون مصر بمثابة أختهم الكبرى التي يتكلمون لغتها ويرتاحون لنظاماتها وأخلاقها.

وهذا الميل المتبادل، وذلك الاتحاد في الأخلاق والأفكار، هما نتيجة طبيعية لذلك الحادث التاريخي، وهو أن العرب الذين جاءوا إلى مصر والعرب الذين توزعوا وانتشروا في السودان يرجعون لأصل واحد، ولا يخفى أن سلالة هؤلاء هم اليوم الأعظم شأنًا والأكثر استنارة بين سكان السودان.

وإننا بطلبنا إرجاع السودان إلى مصر نريد أن نجعله شريكًا لنا، له ما لنا وعليه ما علينا.

إخلاء السودان واستعادته

ليس هنا محل الخوض في الظروف التي أَدَّتْ إلى إخلاء السودان في عام ١٨٨٤، وإنما نكتفي بالإشارة إلى أن الوزارة الشريفية عارضت في هذا الإخلاء، وعندما أرغمت عليه استقالت مصرِّحة بأن «مصر لم يكن يحق لها الموافقة على إخلاء السودان، وأن قبول نصائح إنجلترا بدون مناقشتها يعد منافيًا لدستور ٢٨ أغسطس سنة ١٨٧٨ الذي يقضي بأن الخديوي يحكم بالاشتراك مع وزرائه.»

ولما أعيد فتح السودان أُرْغِمَتْ مصر أيضًا على قبول اتفاقية ١٩ يناير سنة ١٨٩٩ التي جعلت السودان تحت حكم إنجلترا ومصر معًا بعد أن كان إيالة مصرية، وهذه الاتفاقية التي لم تجعل لمصر إلا مركزًا سلبيًّا بحتًا واسميًّا محضًا قد أدت في الحقيقة إلى ضم السودان إلى الإمبراطورية الإنجليزية ضمًّا فعليًّا.

لكن ما هي قيمة الاتفاقية المذكورة قانونًا؟

إنها اتفاقية باطلة ولا محل لأي شك في ذلك؛ فقد تمت تحت تأثير الإكراه الذي جعل وجودها فاسدًا.

وفوق ذلك فإن من البديهي أن مصر بمقتضى أحكام المعاهدات الدولية والفرمانات التي تحرم عليها التنازل عن أي جزء من أراضيها لم تكُن لها أية صفة في عقد مثل هذه الاتفاقية، ومِمَّا يزيدنا اشتدادًا في الاحتجاج على هذه الاتفاقية أن مصالح المصريين وإحساساتهم قد ديست فيها وتعسر على العقل أن يفهم كيف تعقد شركة يختص أحد الفريقين فيها بكل الحقوق ويُلزم الآخر بكل الواجبات.

بينما إنجلترا تسود وتحكم بمفردها تلك الأقطار الواسعة فإن مصر هي التي تدفع من أموالها ما يسد العجز الفاحش في ميزانيتها، فضلًا عن الإنفاق على الأعمال الكبرى التي تلزم لإصلاح الأراضي، ولقد دفعت ٣٥٠٠٠٠٠ج.م لمد الخطوط الحديدية، ومليون جنيه لميناء بورسودان.١

ومن عجائب الأمور أن مصر بإنشائها ميناء بورسودان من أموالها الخاصة أوجدت لتجارة السودان مخرجًا جديدًا من شأنه أن يقلِّل مقدار المنفعة التي كانت تعود على مصر من تجارتها مع السودان!

وزيادة على ذلك، فإن الجيش المصري المعسكِر جلُّه في السودان هو الذي يُستخدم لإخضاع الأراضي الخارجة عن الطاعة ولفتح بقاع جديدة لمصلحة النظام المشترك، ومصر وحدها هي التي تتحمل بطبيعة الحال النفقات الجسيمة اللازمة لذلك.

وليت شعري ما هي الفوائد التي تجنيها من وراء تلك الضحايا؟ إذا تساءلنا فلا من مجيب.

ليس هذا فقط، بل إن الموظفين المصريين يختفون شيئًا فشيئًا؛ ليُفسحوا المكان للموظفين الإنجليز في المناصب الكبرى على الخصوص، وليس بعيدًا ذلك اليوم الذي يخلو فيه السودان من أي موظف مصري ما عدا الحاميات العسكرية التي تدفع مصر نفقاتها.

فلهذه الأسباب كلها نُلِحُّ في المطالبة بإرجاع السودان إلى حظيرة الوطن الأكبر «مصر» وفاقًا للحق والعدل.» ا.ﻫ.

(١-٢) في تقرير اللورد ملنر

لما قدم اللورد ملنر مذكرته إلى الوفد المصري في ٨ أغسطس ١٩٢٠ أهمل في هذه المذكرة ذكر السودان فأبدى له — كما جاء في التقرير — عدلي باشا ملاحظته على هذه المذكرة، وأفهم اللورد ملنر أنها خالية من ذِكْرِ السودان، وأن مسألة السودان مسألة حيوية لمصر، فأرسل اللورد ملنر إلى عدلي باشا الخطاب الآتي:

عزيزي الباشا

بخصوص الحديث الذي جرى بيننا أمس، أعود فأقول مرة أخرى إنه ليس بين أجزاء المذكرة التي أنا مرسلُها إليك الآن جزء يقصد تطبيقه على السودان كما هو ظاهر من المذكرة نفسها، ولكني أرى اجتنابًا لكل خطأ وسوء فهم في المستقبل أنه يحسن بنا أن ندوِّن رأي اللجنة، وهو أن موضوع السودان — الذي لم نتناقش فيه قَطُّ نحن وزغلول باشا وأصحابه — خارج بالكلية عن دائرة الاتفاق المقصود لمصر فإن البلدين يختلفان اختلافًا عظيمًا في أحوالهما، ونحن نرى أن البحث في كل منهما يجب أن يكون على وجه مختلف عن وجه البحث في الآخر.

إن السودان تقدَّم تقدمًا عظيمًا تحت إدارته الحالية المؤسَّسة على مواد اتفاق ١٨٩٩ فيجب والحالة هذه ألا يسمح لأي تغيير يحصل في حالة مصر السياسية أن يوقع الاضطراب في توسيع نطاق تقدم السودان وتَرَقِّيهِ على نظام أنتج مثل هذه النتائج الحسنة.

على أننا ندرك من الجهة الأخرى أن لمصر مصلحة حيوية في إيراد الماء الذي يصل إليها مارًّا في السودان، ونحن عازمون على أن نقترح اقتراحات من شأنها أن تُزِيلَ هَمَّ مصر وقلقها من جهة كفاية ذلك الإيراد لحاجاتها الحالية والمستقبلة» ا.ﻫ.

ملنر

ولما عرض مشروع اللورد ملنر على الهيئات النيابية في مصر قدمت الجمعية التشريعية تحفُّظًا بشأن السودان «بأنه جزء من مصر، وبأنه لا مندوحة عن إدخاله في الاتفاق.»

ولما قدم سعد باشا التحفظات إلى اللورد ملنر كان هذا التحفُّظ منها، ولما اجتمع اللورد ملنر بالوفد المصري الاجتماع الأخير وطلب تأجيل البحث في التحفظات وفي غير ذلك إلى المفاوضات الرسمية، فختم سعد باشا الكلام معه بقوله:

إن مجهوداته لا تأتي بنتيجة ما لم يطمئن أهل القطر المصري على ما جاء بالتحفظات، ويتأكدوا أن بريطانيا العظمى ألغت الحماية فعلًا.

(١-٣) في مشروع اللورد كرزون

في ١٠ نوفمبر ١٩٢١ قدم اللورد كرزون إلى الوفد الرسمي المصري برئاسة عدلي باشا مشروع اتِّفَاق بين بريطانيا العظمى ومصر، وقد جاء في هذا المشروع عن السودان ما نصه:

المادة ١٧

حيث إنَّ رقي السودان السلمي هو من الضروريات لأمن مصر ولدوام موارد المياه لها تتعهَّد مصر بأن تستمر في أن تُقَدِّمَ لحكومة السودان نفس المساعدات الحربية التي كانت تقوم بها في الماضي أو أن تقدم بدلًا من ذلك لحكومة السودان إعانة مالية تحدد قيمتها بالاتفاق بين الحكومتين، وتكون القوات المصرية في السودان تحت أمر الحاكم العام، وغير ذلك تتعهد بريطانيا العظمى بأن تضمن لمصر نصيبها العادل من مياه النيل، ولهذا الغرض قد تقرَّر ألا تُقَامَ أعمال ري جديدة على النيل أو روافده جنوبي وادي حلفا بدون موافقة لجنة مؤلَّفة من ثلاثة أمناء؛ يمثل أحدهم مصر، والثاني السودان، والثالث أوغندا. ا.ﻫ.

(١-٤) ردُّ الوفد المصري

قال الوفد الرسمي في رده على مشروع اللورد كرزون أن هذا المشروع تضمن المبادئ التي عرضت علينا منذ أربعة أشهر ورفضناها.

«أما مسألة السودان التي لم يكن قد تناولها البحث فلا بد لنا فيها من توجيه النظر إلى أن النصوص الخاصة بها لا يمكن التسليم بها من جانبنا فإن هذه النصوص لا تكفل لمصرَ التمتُّع بما لها على تلك البلاد من حقوق السيادة التي لا نزاع فيها مع حق السيطرة على مياه النيل.»

(١-٥) في مشروع الدستور

ولما رفع دولة يحيى باشا مشروع الدستور إلى جلالة الملك في ١٩ أبريل ١٩٢٣ قال في كتابه إلى جلالته: «وقد وضع النَّصَّانِ المختصَّان بالسودان بالصورة التي وردت بالدستور بناءً على ما أبداه فخامة المندوب السامي من التأكيد بأن حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى ليس من قصدها مطلقًا أن تنازع في حقوق مصر في السودان ولا في حقوقها في مياه النيل.»

وجاء في المادة ١٥٩ من الدستور ما نَصُّهُ: «تجري إحكام هذا الدستور على المملكة المصرية بدون أن يُخِلَّ ذلك مطلقًا بما لمصر من الحقوق في السودان.»

وكان الأصل «أن السودان وإن كان جزءًا من مصر لا يُجَزَّأُ إلا أنه يدار بنظام خاص.»

وجاء في المادة ١٦٠: «يعين اللقب الذي يكون لملك مصر بعد أن يقرر المندوبون المفوضون نظام الحكم النهائي للسودان.»

وكان الأصل «أن ملك مصر يلقب بملك مصر والسودان.»

هوامش

(١) إن المبالغ المقدمة من مصر تتجاوز اليوم ١١ مليون جنيه مصري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤