الزبير رحمة

من قبيلة الجميعاب (نسبة إلى جميع العباسي) وهي قبيلة مشهورة بالشجاعة عاهدت الأمير إسماعيل بن محمد علي يوم فتحه السودان، وثبتت على ولاء الأسرة العلوية، وقد كان للزبير شأن يذكر في تاريخ السودان، بدأ حياته بالتجارة ثم سافر مع ابن عمه إلى بحر الغزال في خدمة التاجر المصري علي أبي عموري من نجع حمادة سنة ١٨٥٦ وكان التجار المصريون هناك كثيرين وكل تاجر منهم يبني زريبة من الشوك يخزن فيها بضائعه، فهاجم الأهالي هذه الزرائب لنهب البضاعة، فدافع الزبير عن زريبة علي أبي عموري فهابه الأهالي وذاع أمره فانفرد بتجارته وربح، وزاد طمعه فأوغل بالبلاد إلى حيث لم يصل التجار، ثم قصد إلى بلاد النمانم حيث تزوج من بنت سلطانها فزادت تجارته، وابتاع من ملك النمانم ٥٠٠ شاب درَّبهم على حمل السلاح، وكان هؤلاء الشبان من المحكوم عليهم، وعادة أهل البلاد أن يذبحوهم ويأكلوا لحومهم، فخشي الملك حموه بطشه، فخرج الزبير إلى ملك آخر هو عدو حميه، فأرسل حموه رجاله للفتك به في الطريق فتغلب عليهم، ولما لجأ إلى الملك الثاني جهز حموه جيشًا لقتاله، ففرَّ هذا الملك من وجهه، واضطر الزبير أن يلجأ إلى بلاد قولو، وملكها يومئذٍ «عدوه شكو» الذي قتل أخًا للزبير، فقامت الحرب بينهما فقتل الملك وابنه، وصار الزبير ملكًا على تلك البلاد، وسمى عاصمة ملكه ديم الزبير. ثم عاهد عرب الزريقات، وفتح طريق التجارة بين بحر الغزال وكردفان، وفي سنة ١٨٦٩ وصل إلى بحر الغزال الحاج محمد السلامي المغربي ومعه ٢٠٠ جندي سوداني بقيادة محمد أفندي منيب و٤٠٠ من الباشبوزق و٦٠٠ من الخطرية فقاتلهم الزبير وانتصر عليهم، وكان والي السودان يومئذٍ جعفر باشا مظهر.

ولما رأى ملك النمانم اتِّسَاعَ مُلك الزبير أرسل إليه يُهَدِّدُهُ إن لم يترك الملك ويعود إلى التجارة فأَبَى، فقامت بينهما الحرب التي انتهت بانتصار الزبير فضم بلاد النمانم، وكان الزريقات قد نقضوا العهد وقطعوا الطريق فاستنجد عليهم سنة ١٨٧٣ بسلطان دارفور فلم ينجده فقاتلهم وكسرهم وأسر فقيههم عبد الله التعايشي فمنعه المشائخ من قتله، وعبد الله هذا هو الذي صار خليفة للمهدي وحاربه الجيش المصري وفَرَّ من أم درمان فأدركه الجيش المصري في مكان يسمى جديد في ٢٤ نوفمبر ١٨٩٩ وفتك بمن معه، أما هو وأصحابه فإنهم لما أيقنوا بالهلاك فرشوا فريهم وجلسوا ينتظرون الموت فلم يكن بعيدًا منهم بل جاءهم مسرعًا.

وبعد فتح كردوفان أرسل الزبير إلى إسماعيل باشا أيوب حكمدار السودان يطلب منه أن يرسل من يستلم البلاد التي فتحها، فجاءه الرد منه بأن سمو الخديوي أنعم عليه بالرتبة الثانية، وولَّاه تلك البلاد مقابل ١٥ ألف جنيه يدفعها كل سنة، ثم دارت الحرب بينه وبين سلطان دارفور، فأوتي النصر، وأرسل أولاد سلاطين دارفور إلى مصر، ثم حدث خلاف بين حكمدار السودان والزبير، فجاء الزبير مصر سنة ١٨٧٥، ورافق الجيش المصري في حرب روسيا، وفي أثناء ذلك ثار ابنه سليمان على الحكومة، فأرسل غوردون جسي بك لقتاله فقتل سليمان، وفي سنة ٨٣ انتدب لقتال عثمان دقنه في طوكر فبعد أن جمع ألايًا من السودانيين بمصر عدل؛ لأنه أبى أن يكون تحت إمرة باكر باشا، وفي سنة ٨٤ استدعاه غوردون لاستلام البلاد السودانية على ما مَرَّ فرفض؛ لأن الإنكليز أهانوه بوصفه أنه نخاس، وفي سنة ٨٥ نفي إلى جبل طارق بتهمة مراسلة المهدي فظل هناك ٣٠ شهرًا، ثم أُفْرِجَ عنه وعينت له الحكومة راتبًا شهريًّا قدره ٢٨٩ جنيهًا تناوله حتى وفاته، وكان يطالبها بمبلغ مليون جنيه، وبعد استعادة السودان أعيد إليه كثير من أملاكه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤