مصر هي النيل

خطب الموسيو برونت المهندس الفرنساوي الشهير الذي كان عضوًا فرنساويًّا في مجلس إدارة السكك الحديدية المصرية — قبل حل هذا المجلس باتفاق ١٩٠٤ — في المعهد العلمي المصري في ٢١ يناير ١٨٩٣ فقال:

إن إقامة خزان للمياه على مجرى النيل يعرض مصر لأشد الأخطار؛ بل للموت، ويكفي للقضاء على مصر أن يقام سد عند فوهة بحيرة نيانزا بأعلى الشلال المسمى ريبون؛ فإن هذه البحيرة التي تعادل ٥٠ مليار متر مكعب يرتفع مستوى الماء فيها ٣٠ سنتمترًا في السنة على الأكثر، فيلزم إذن أن تمر عشر سنين قبل أن تعلو المياه إلى قنة هذا السد، وعلى هذه الطريقة تحرم مصر في إبان الفيضان كمية قليلة من الماء وهي عشرة مليارات من الأمتار المكعبة، ومجموع ماء الفيضان في النيل ٧٥ مليارًا.

ولكن الضرر يظهر عند الانخفاض، فإن مصر تحرم ٢٥٠ مترًا مكعبًا في الثانية من ٤٥٥ مترًا مكعبًا، وهذا الماء محسوب على مقياس الخرطوم، ولكنه يضيع منه الكثير بالتبخير والرشح قبل أن يصل إلى القاهرة فمن ٤٥٥ مترًا مكعبًا من الماء في الخرطوم يصل إلى القاهرة ٢٠٠ متر مكعب. فإذا أنشئ السد يصل إلى القاهرة من الماء من ٨٠ إلى ١٠٠ متر مكعب بالثانية فقط ويكون من وراء ذلك الخراب.

وفي أول أكتوبر ١٨٩٥ قدم السير سكوت مونكريف الذي كان وكيلًا لوزارة الأشغال المصرية تقريرًا إلى المعهد العلمي الملكي الإنكليزي قال فيه:

إذا ملكت دولة متمدنة أعالي النيل أنشأت بلا شك المسارِبَ في بحيرة ڨيكتوريا نيانزا لتنظيم خروج المياه من ذلك البحر كما تنظم مانشستر تيرلمر.

وهذا العمل في نفسه سهل فإذا تَمَّ صارت تغذية النيل من تلك المسارب بيد الدولة المالكة هناك، وإذا دفع سوء الحظ مصر التعسة إلى أن تكون في حرب مع الدولة النازلة على شاطئ بحيرة ڨيكتوريا فإنها تكون عُرْضَةً إما للشَّرَق وإما للغَرَق كما يخطر لتلك العَدُوَّةِ.

وقال القومندان مونتيل في تقريره لوزارة خارجية فرنسا عن حملة فاشودة: «إن الإنكليز وضعوا نصب عيونهم منذ الساعة الأولى أن السودان الكبير الغنيَّ يجب أن يكون فدية مصر الصغيرة الفقيرة تُقَدِّمُهَا لإنكلترا.»

وجاء في تقرير السير جيرالد بورتال — مندوب إنكلترا في الأوغندا — سنة ١٨٩٤: «إذا نحن نظرنا إلى الأوغندا من الوجهة السياسية وجدنا أنها أقوى حكومة في أفريقيا الشرقية، وفي قبضة الأوغندا منابع النيل، فموقفنا في الأوغندا ومصر موقف واحد لا ينفصل أحدهما عن الآخر؛ لأن مَنْ ملك أعالي النيل يَتَصَرَّفُ بمصر على هواه ومشيئته، ويكون باستطاعته أن يقضي على مصر.»

وقال رياض باشا في مذكرته بتاريخ ٩ ديسمبر ١٨٨٨ إلى السير أفلن بارنغ: «من الواضح الجلي أن النيل حياة مصر، والنيل هو السودان، ولا يشك أحد بأن الروابط التي تربط مصر بالسودان لهي روابط وثيقة لا انفصام لها كما ترتبط الروح بالجسم.»

فيكفي المصري أن يراجع هذه الأقوال وأمثالها ليعرف منزلة السودان وقيمته، وليستسهل كما استسهل آباؤه وأجداده كل ضحية غالية في سبيله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤