مقدمة المؤلف

لو استطاع الناس تنظيم شئون حياتهم وفقًا لخُطَّةٍ مرسومة، أو كان الحظُّ مؤاتيًا لهم على الدوام، لَما وقَعوا فريسةً للخُرافة، ولكنَّنا كثيرًا ما نراهم وقد وقَعوا في مأزقٍ يبلُغ من الحرَج حدًّا لا يستطيعون منه خلاصًا. ولَمَّا كانوا يتقلَّبون بلا هوادةٍ بين الخوف والرجاء لحِرصهم الشديد على النِّعم الزائلة التي يَجلبُها القدر، فإنهم يميلون دائمًا أشدَّ المَيل إلى التصديق الساذج، فإذا ساوَرَهم الشكُّ في شيءٍ حرَّكهم أقلُّ دافع إلى هذا الجانب أو ذاك، ولا سيما عندما يكون الدافع لهم الخوف أو الرجاء. أمَّا في لحظات الثقة بالنفس فيركَبُهم الزَّهْو والغرور، وهذا أمر لا يجهله أحد — فيما أظن — وإن كان مُعظم الناس لا يُطبِّقونه على أنفسهم، ولا يُوجَد شخصٌ واحد عاش بين الناس إلَّا لحظَ أنَّ مُعظمَهم، حتى أقلهم خِبرة، يُفيضون في أيام الرَّخاء حكمة، حتى إن مُجرَّد توجيه النُّصح لهم يُعدُّ إهانة، أمَّا في وقت الشدَّة فيتغيَّر كلُّ شيء إذ لا يعرفون مِمَّن يطلبون النُّصح وهم يَلتمِسونه من كلِّ من يُصادفهم، ويعملون بأشدِّ النصائح بُطلانًا وتناقُضًا وزيفًا، ومن ناحية أخرى، تكفي أقلُّ الدوافع شأنًا لتُثير فيهم الخوف أو الرجاء. ففي حالة الخوف مثلًا، إذا أثارت فيهم حادثة ما ذكرى سارَّة أو مُؤلِمة فإنهم يَرَون فيها علامة لنتيجةٍ سارَّة أو مُؤلِمة؛ ولهذا السبب فإنهم يتحدَّثون عن الفأل الحَسَن أو السَّيِّئ مع أنَّ التجربة قد كذَّبته مئات المرَّات، وإذا أثار منظرٌ غير مألوف دهشتَهم فإنهم يظنُّون أنهم شهدوا إحدى الخوارق١ التي تكشف عن غضَب الآلهة أو عن الإله الأعظم، ويظنُّون أنهم ابتعدوا عن التقوى إذا لم يتجنَّبوا وقوعها بالقرابين والنذور؛ لأنهم يؤمنون بالخُرافة ولا يعرفون حقيقة الدين، وهكذا يختلِقون عددًا من القصص الخُرافية يُفسِّرون بها الطبيعة ويرَون الخوارق شائعة فيها، وكأن الطبيعة تَهذي كما يهذون. في مِثل هذه الظروف يكون أشدُّ الناس اقتناعًا بمِثل هذه الخُرافات هم أكثر رغبةً في الحصول على النِّعم الزائلة، ولمَّا كانوا في وقت الخطَر لا يجدون من أنفسهم عونًا، فإنهم يَطلُبون العَون الإلهي بصلواتهم ودموعهم كما تفعل النساء ويُعلنون أنَّ العقل أعمى، (لأنه عاجز عن إرشادهم إلى وسيلة يقينية للحصول على النعم الزائلة التي يَتوقون إليها) ويرون أن الحكمة الإنسانية غرور، وهم في مُقابل ذلك يَعُدُّون هذَيان الخيال والأحلام وكلَّ بلاهةٍ صبيانية إجاباتٍ إلهيَّة، بل ويظنون أنَّ الله يبتعِد عن الحُكَماء، وأن الله لا يُودِع أوامره في أرواح البشر، بل في أحشاء الحيوانات المُستأنَسة أو أن البُلَهاء والمجانين والطيور هم الذين يُبلِّغوننا إيَّاها بالغريزة أو بروح إلهية،٢ وهكذا نرى إلى أيِّ حدٍّ من البَلَه يدفع الخوف البشر! فالخوف إذن هو السبب في وجود الخُرافة وفي الإبقاء عليها وتقويتها، فإذا ما طلَبَ مِنِّي أحدٌ أمثلةً مُحدَّدة تؤيد ما قُلتُه من قبل فسوف أذكر له مثل الإسكندر، فلم يبدأ الإسكندر في استشارة العرَّافين والاستسلام للخُرافة إلَّا بعد أن أصبح يخاف على مصيره وهو على أبواب سوس (انظر: كيونتوس كوريتوس، الكتاب الخامس، ٤)،٣ وبعد أن انتصر على داريوس لم يلتجئ إلى تكهُّنات العرَّافين حتى أتى اليوم الذي انتابه فيه جزَع شديد، إذ ترَكَه البكتريون وناوَشَه السكيثون وعجَزَ عن الحركة مُتأثِّرًا بجراحه «فعاد فريسةً للخُرافة» (وهذه هي عبارات كوينتوس كوريتوس نفسها، الكتاب السابع، ٧)، «هذا الوَهْم الذي ينتاب الرُّوح الإنسانية، وطلب من أرستاندر الذي كان مَوضِع تصديقه، أن يُقدِّم القرابين كي يَتنبَّأ بمجرى الحوادث في المُستقبل.» وهناك أمثلة كثيرة تُوضِّح هذا الشيء نفسه، وهو استسلام الناس للخُرافات ما دام الخَوف يَنتابُهم، ويتوجَّهون بعبادتهم التي لا طائل وراءها إلى أشباحٍ وإلى مَتاهاتٍ خيالية لنفسٍ حزينة خائفة. وأخيرًا، فإنَّ سُلطان العرافين لم يمتدَّ إلى الجمهور ولم يَخشَهُم الملوك إلَّا في أسوأ الظروف التي تمرُّ بها الدولة، ولكنِّي لن أُطيل في هذه الاعتبارات التي يعرفها الناس جميعًا.
ولمَّا كان الخوف سبب الخُرافة كما قررنا من قبل، وليس سببها كما يدَّعي البعض فكرة غامضة من الألوهية موجودة في أذهان البشر، فإننا نلحَظُ أن كلَّ الناس يميلون إليها بطبيعتهم، كما نلحظ أنها لا بُدَّ أن تكون مُتغيِّرة ومُتقلِّبة إلى أقصى حد، شأنها في ذلك شأن مُعظم أوهام النفس ودوافع الجنون الشديد. ونلحَظُ أخيرًا أنَّ الخُرافة لا تعتمد إلا على التمنِّي والحقد والغضب والخداع؛ لأنها لا تقوم على العقل بل تقوم على الانفعال وحدَه وعلى أقوى الانفعالات كلها؛ وعلى ذلك فكلَّما استسلمَ الناس بسهولة إلى جميع أنواع الخُرافات صعُب عليهم التمسُّك الدائم بواحدة منها. ولَمَّا كان عامَّة الناس أشقياء دائمًا فإنهم لا يَصِلون أبدًا إلى حالة رضاءٍ دائمة، ولا يجدون تخفيفًا لشقائهم إلَّا بأوهامٍ جديدة يَسعدون بها لأنها لم تخدعهم بعد، وقد كان هذا التقلُّب سببًا في اضطراباتٍ عديدة وحروب بشِعة. يَتَّضِح إذن مِمَّا سبَقَ وكما لحظ كوينتوس كوريتوس بدقَّةٍ أيضًا (الكتاب الرابع، الفصل العاشر) أنَّ «الخُرافة هي أكثر الوسائل فاعِليَّةً لحُكم العامَّة.» ولذلك كان من السهل باسم الدِّين دفْع العامَّة تارةً إلى عبادة الملوك كأنهم آلِهة ودفْعِهم تارةً أخرى إلى كراهيَّتِهم ومُعاملتِهم وكأنهم طامَّة كُبرى على الجنس البشري. وتجنُّبًا لهذا الشرِّ اتجَّهت العناية، بحِرصٍ شديد، إلى تجميل الدين — حقًّا كان أو باطلًا — بالشعائر والمراسم التي تزيد من أهميته وتضمن له احترامًا دائمًا بين المؤمنين. (ولم تنجَحْ هذه الإجراءات في أيِّ مكانٍ بقدر ما نجَحَت عند المُسلمين، حيث تُعدُّ المُناقشة اليسيرة كفرًا وحيث تطغى الأحكام السابقة على الحُكم الصحيح، وحيث لا يُمكن للعقل السليم أن يُدلي برأيٍ أو أن يُبدي مُجرَّد شكٍّ بسيط).٤
إنَّ السِّرَّ الكبير في النظام المَلَكي ومصلحته الحيوية هو خِداع الناس وإضفاء اسم الدين على الخَوف الذي تَتمُّ به السيطرة عليهم، بحيث يُناضلون من أجل عبوديتهم، وكأنَّ فيها خلاصَهم، ويعتقدون أنهم ينالون أسمى مراتِب الشرَف — لا أنهم يُلحِقون بأنفسهم العار — عندما يُريقون دماءهم ويُضحُّون بحياتهم إرضاءً لغرور فردٍ واحد. وعلى العكس من ذلك فلا يُمكننا في جمهورية حرَّة أن نتصوَّر أو أن نأخُذ على عاتِقنا شيئًا أشَرَّ من ذلك؛ لأنَّ الحرية العامة لا تسمح بأن يقوم الحُكم الفردي على الأحكام السابقة أو أن يخضع لأي قهر، أما الفتن التي تُثار باسم الدين فلا تحدُث إلَّا عند سنِّ قوانين مُتعلقة بموضوعات النظر والتأمُّل، فتُدان بعض الآراء على أنها جرائم ويقَع أصحابها تحت طائلة العقاب، ويَلقى أنصارها ودُعاتها حتفَهم لا من أجل مصلحة الدولة بل لكراهية أعدائهم لهم وقَسوتِهم عليهم. ولو كان القانون العام يقضي بأن «الأفعال وحدَها هي التي تخضع للقانون، أما الأقوال فلا تَخضع مُطلقًا للعقاب.» لَمَا أمكن لمِثل هذه الفِتَن أن تتمسَّح بالقانون، ولَمَا تحوَّلت الخلافات في الرأي أبدًا إلى فِتَن، ولَمَا كان قُدِّر لنا أن نَحظى بهذه السعادة النادرة، وهي أن نعيش في جمهورية يُمارس فيها كلُّ فردٍ حرَّية التعبير وعبادة الله كما يشاء، ويَعُدُّ الجميع الحُرِّيةَ أغلى النِّعم وأحلاها، فقد رأيتُ أنَّني لن أكون قد قُمتُ بعملٍ جاحدٍ أو عقيمٍ إذا ما بَيَّنتُ أنَّ هذه الحُرِّية لا تُمثِّل خطرًا على التقوى أو على سلامة الدولة، بل إنَّ القضاء عليها يُؤدِّي إلى ضياعهما معًا.٥ هذا هو الموضوع الرئيس الذي أردت البرهنة عليه في هذه الرسالة. ولكي أصِل إلى هذا الهدف كان عليَّ أن أُبيِّن أولًا أهم مظاهر التحيُّز في الدين، أي أن أُبَيِّن بقايا عبودية الرُّوح القديمة، كما كان عليَّ أيضًا أن أفحص مظاهر التحيُّز المُتعلِّقة بحقِّ السلطات العُليا في الدولة،٦ إذ يُحاول كثيرون مِمَّن لا حياء لهم أن يَسلُبوا هذه السلطات أهمَّ حقوقها وأن يُبعدوا عنها باسم الدين قلوبَ العامَّة٧ التي لم تتخلَّص بعدُ من خُرافات الوثنيِّين، مِمَّا يعود بنا مرَّة أخرى إلى الوقوع في العبودية الشاملة، وقبل أن أُبَيِّن تفاصيل خُطَّتي أبدأ الآن في شَرْح الأسباب التي دَفَعتْني إلى الكتابة.
لقد دُهشْتُ مرارًا من رؤية أُناسِ يَفتخِرون بإيمانهم بالدِّين المَسيحي أي يُؤمنون بالحبِّ والسعادة والسلام والعفَّة والإخلاص لجميع الناس، ويتنازعون مع ذلك بِخُبثٍ شديد ويُظهرون أشدَّ أنواع الحقد، بحيث يَظهر إيمانهم في عدائهم لا في مُمارستِهِم للفضيلة. ومنذ زمنٍ طويل وصلَتِ الأمور إلى حدِّ أنه أصبح من المُستحيل تقريبًا التعرُّف على نوع عقيدة الشخص، وهل هو مَسيحي أو يهودي أو مُسلم أو وثني، إلَّا من خلال مَظهره الخارجي ومن ملابسه أو من تَردُّده للعبادة على هذا المكان أو ذاك، أو من قبوله لهذه المُعتقدات أو تلك، أو من قَسَمِه بكلام هذا المُعلِّم الرُّوحي أو ذاك، وفيما عدا ذلك تَتشابَهُ حياتهم تمامًا. ولقد بحثتُ عن سبب هذا الشَّرِّ ووجدتُهُ دون عناءٍ في النظر إلى مَهامِّ تنظيم الكنيسة على أنها شرَف وإلى وظائف القائمين بالعبادة على أنها مصدَرٌ للدخل، فأصبح الدين عند العامي إسباغًا لمظاهر التكريم على رجال الدين. ومنذ أن شاع هذا الفساد داخل الكنيسة فقد استحوذَتْ رغبة جارِفة في دخول الكهنوت على قلوب أكثر الناس شرًّا، وانقلبَ الحماس لنشر الدِّين إلى شهوةٍ وطموح مُزرٍ، وتحوَّلت الكنائس إلى مسارح لا يَسمَع فيها الفرد علماء الدين بل خطباء الكنيسة الفُصَحاء الذين لا رغبةَ لدَيهم في تعليم الناس بل يَستهدِفون إثارة الإعجاب بهم، وينالون علنًا من المُنشقِّين عليهم، ويفرِضون تعاليم جديدة لم يتعوَّدها أحد لإثارة دهشة العوام. وقد أدَّى هذا الموقف بالضرورة إلى صراع مُرٍّ وإلى حَسَدٍ وحقد لم تستطع السنوات الطويلة التخفيف من حِدَّتِهما، فلا عجَبَ إن لم يبقَ من الدين الأصلي إلَّا العبادة الخارجية، وهي عند العامة أقرَبُ إلى التملُّق منها إلى عبادة الله، إذ لم يَعُد الإيمان إلَّا تصديقًا أعمى بأوهامٍ مُتعصِّبة وأيَّة أوهام متعصبة؟! إنها أوهام أولئك الذين يَحطُّون العقلاء إلى مستوى البهائم لأنها تمنع مُمارسة الحكم، وتَعوق التمييز بين الخطأ والصواب، وتبدو كأنها وُضِعت خاصَّةً لإطفاء نُور العقل. يا للعجب! لقد أصبحتِ التقوى وأصبح الدين أسرارًا مُمتنِعة، وأصبح أصحاب النور الإلهي لا يُعرَفون إلَّا بِشدَّة احتقارهم للعقل وبِحطِّهم من شأن الذِّهن ونفورهم منه وقولهم إنه فاسد بالطبع. والحقُّ أنهم لو كان لدَيهم قَبَسٌ طفيف فحسْب من هذا النور لَمَا تفاخروا بِبلاهَتِهم، ولتعلَّموا عبادة الله بطريقةٍ أحكم، ولكسَبوا الآخرين بالحب، لا بالحقد كما يفعلون الآن، ولَمَا ناصَبوا العداء من يُخالفونهم في الرأي بل لأشفَقوا عليهم، هذا لو كانوا حريصين على خلاص الآخرين، لا على حَظِّهم في هذه الحياة الدنيا. وفضلًا عن ذلك، فلو كان لدَيهم قبَسٌ من النور الإلهي لظهر هذا النور في تعاليمهم، وأنا أعترِف بأنَّ إعجابهم بأسرار الكتاب لا حدَّ له، ولكنِّي أرى أنهم لم يَعرِضوا أية نظرية سوى تأمُّلات أفلاطون وأرسطو، ووفَّقوا بينها وبين الكتاب المُقدَّس كي لا يَبدوا مُنحازين إلى الوثنية، فلم يَكفِهم أن يَضلُّوا مع اليونان بل أرادوا أن يَضِلَّ الأنبياء معهم، وهذا يدلُّ دلالةً واضحة على أنهم لم يُؤمنوا بالمصدر الإلهي للكتاب ولا حتى في المنام. وكلَّما زاد إعجابهم بالأسرار المُقدَّسة برهَنُوا على أنَّ الخضوع الأعمى للكتاب أفضل لديهم من الإيمان.٨ ويتَّضِح ذلك أيضًا من أن مُعظمهم يفترِض ابتداءً صحَّة الكتاب ومصدره الإلهي، مع أن هذا الفرض يَجِب أن يكون نتيجة فحْصٍ دقيق لا يترُك المجال لأي التباس، فهم يفترضون سلفًا، كقاعدةٍ للتفسير، ما تكشِفُه لنا الدراسة المُباشرة على نحوٍ أفضل دون الالتجاء إلى أيِّ وهمٍ إنساني.
هذه هي الآراء التي كانت تشغل ذهني، فالنُّور الفطري لم يُوضَع موضع الاحتقار فحسْب، بل إنه كثيرًا ما أُدين باعتباره مصدرًا للكفر، وأصبحت البِدَع الإنسانية تعاليمَ إلهية، وظنَّ الناس أن التصديق عن غفلةٍ هو الإيمان، وأثار الجدل داخل الكنيسة وفي الدولة انفعالاتٍ شديدةً نتَجَتْ عنها أحقاد قاسية ومُنازعات وفِتَن بين الناس، بالإضافة إلى شرور أخرى كثيرة لا يتَّسِع المقام هنا لذكرها؛ ولذلك عقدتُ العزم على أن أُعيد من جديدٍ فحصَ الكتاب المُقدَّس بلا ادِّعاءٍ وبحرية ذهنية كاملة، وألَّا أُثبِتَ شيئًا من تعاليمه أو أقبَلَه ما لم أتمكن من استخلاصِه بوضوحٍ تامٍّ منه؛ وعلى أساس هذه القاعدة الحَذِرة وضعتُ لنفسي منهجًا لتفسير الكُتُب المُقَّدسة.٩
وبعد أن وضعتُ هذا المنهج تساءلتُ أولًا: ما النبوَّة وبأيَّةِ طريقةٍ كشف الله عن نفسه للأنبياء، وما السَّبَب في اختيار الله لهم؟ هل اختارهم الله لتأمُّلاتهم السَّامية فيه وفي الطبيعة أم لتقواهم؟ وبعد أن أُجيب عن هذه الأسئلة استطعتُ أن أؤكد بسهولةٍ أنَّ أقوال الأنبياء لا يكون لها وزنُها إلَّا على مَسلك الناس في الحياة والفضائل الخلقية،١٠ وفيما عدا ذلك لا تُهِمُّنا مُعتقداتهم الخاصَّة. وبعد إثبات هذه القضية الأولى بحثتُ عن سبب تَسمية العبرانيين شعب الله المُختار ووجدتُه في غاية السهولة: لقد اختار الله لهم بُقعة مُعيَّنة يستطيعون أن يَعيشوا فيها في راحةٍ وأمان، وفهمتُ بناءً على ذلك أنَّ الشرائع التي أوصى الله بها إلى موسى لم تكن إلَّا قانون دولة العبرانيين، وبالتالي لا يُمكن فرضُها على أيِّ شعبٍ سواهم، بل إنَّ العبرانيين أنفسهم لم يخضعوا لها إلَّا في أثناء قيام دَولتِهم. ولكي أعرِف إنْ كان الكتاب المُقدَّس يسمح بتأييد الرأي القائل بأن العقل الإنساني فاسِد بالطبع فقد أردتُ بعد ذلك أن أبحث الدِّين الشامل،١١ أي القانون الإلهي الذي أوحي به إلى الجنس البشري كُلِّه بوساطة الأنبياء والحواريين، وهل يختلف هذا الدين الشامل عن الدين الذي يتعلَّمه الناس بالنُّور الفطري، وكذلك تساءلتُ عمَّا إذا كانت المُعجزات قد حدَثَت مُناقِضة لنظام الطبيعة وهل تُثبِت وجود الله وعنايته١٢ بيقينٍ ووضوحٍ يزيد عمَّا تُثبتها به مَعرفتُنا الواضحة والمُتميِّزة للأشياء من خلال عِلَلِها الأولى. ولم أجد فيما يُعلِنه الكتاب صراحةً شيئًا يُخالف العقل أو يُناقِضُه، ووجدتُ أن التعاليم التي أتى بها الأنبياء سهلة للغاية يسهُل على الجميع إدراكها، وكلُّ ما في الأمر أنَّ هذه التعاليم قد عُرِضت بأسلوبٍ شاعري واستندت إلى أقدَرِ الحُجَج على حضِّ عامَّة الناس على طاعة الله. وبناءً على ذلك، فقد اقتنعْتُ اقتناعًا جازمًا بأنَّ الكتاب يترُك للعقل حُريَّته الكاملة، وبأنه لا يَشترك مع الفلسفة في شيء، بل إن لكلٍّ منهما مَيدانه الخاص.
ولكي أُبرهِنَ على هذا الرأي بدِقَّة وأُوَضِّحه إيضاحًا تامًّا، أعرِض الآن المنهج الذي يَجِب اتِّباعه في تفسير الكتاب، وأُبيِّن بوجهٍ خاصٍّ أنه يَجِب استخلاص كلِّ التعاليم الخاصَّة بالجوانب الرُّوحية من الكتاب نفسه دون الالتجاء إلى ما نَعرِفه بالنور الفطري، ثُمَّ أنتقِل إلى تحليل الأحكام المُسبَقة الباطلة عند العامَّة (الذين ما زالوا أسرى الخُرافة والذين يُفضِّلون على الخلود نفسه بقايا الزَّمن الغابر) التي تجعله يعبُد أسفار الكتاب بدلًا من أن يُقدِّس كلامَ الله. بعد ذلك أُبيِّن أنَّ الكلام الذي أوحى به الله ليس عددًا مُعيَّنًا من الأسفار بل فكرة يَسيرة من الأفكار الإلهية أوحي بها للأنبياء، وأعني بها وجوب طاعة الله بروحٍ خالصة، وذلك بِمُمارسة العدل والإحسان، وسأُبَيِّن أن الكتاب يعلم هذه العقيدة على قدْر أفهام ومُعتقدات أولئك الذين اعتاد الأنبياء والحواريون تبشيرهم بكلام الله، وهو تَحوُّط كان ضروريًّا من أجل ضمان إيمان الناس جميعًا دُون مقاومة أو تحفُّظ. وبعد أن أقمتُ على هذا النحو أُسُسَ الإيمان، أُبيِّنُ أنَّ المعرفة المُوحى بها لا تتناوَلُ إلَّا جانب الطاعة، وبذلك تتميَّز تميُّزًا تامًّا عن المعرفة الطبيعية من حيث مَوضوعها ومن حيث مبادئها ووسائلها. ولَمَّا كانت هاتان المعرفتان لا تَشترِكان في شيء، فلِكُلٍّ منهما أن تعمل في مَيدانها دُون أدنى تَعارُضٍ ودون أن تخضع إحداهما للأخرى. ولَمَّا كان الناس مُختلِفين في تكوينهم الذِّهني فيؤمِنُ أحدُهم بمُعتقداتٍ لا يؤمِن بها الآخر، ويحترِم أحدُهم ما يُثير ضحك الآخر، فقد انتهيتُ بالضرورة إلى أنه ينبغي أن تتركَ لكلِّ فردٍ حُرية الحُكم وحقه في تفسير الإيمان كما يفهمه، وأن تكون الأعمال وحدَها مقياس إيمان كلِّ فردٍ باتِّفاقها أو اختلافها مع التقوى. وهكذا، يستطيع الجميع إطاعة الله بِحُرية ورِضًى ولا يحرصون جميعًا إلَّا على العدل والإحسان، وبعد أن بَيَّنتُ أن القانون الإلهي يمنح هذه الحرية لجميع الناس أنتقِل إلى الشقِّ الثاني من الموضوع، وهو أنه يمكن، بل يجِب، إعطاء الحرية لجميع الناس دون أن تتعرَّض سلامة الدولة ويَلحَق بها ضرَرٌ بالغ. وللبرهنة على ذلك أبدأ بالحقِّ الطبيعي١٣ للفرد. هذا الحق ليس له من حدٍّ سوى رغبة الفرد وقُدرته؛ فالحقُّ الطبيعي لا يُحتِّم على أيِّ شخصٍ أن يعيش على هوى الآخر، بل إنَّ كلَّ فردٍ هو الضامِن لحُريَّتِه الخاصَّة، كما أُبيِّن أنه لا يُمكن لأحدٍ أن يتخلَّى عن هذا الحق إلَّا من يُفوِّض لفردٍ آخَر قُدرته على الدفاع عن نفسه، بحيث يكون صاحِب الحقِّ الطبيعي المُطلَق هو بالضرورة من فوَّض إليه الجميع قُدرتهم على الدِّفاع عن أنفسهم وحقَّهم في أن يَحيَوا كما يَشاءون، وبذلك أُبرهِن على أنَّ لمُمثلي السُّلطة العُليا في الدولة الحقَّ في القيام بكلِّ ما تسمح به طاقتهم، وهم المَسئولون وحدَهم عن الحقِّ وعن الحرية، وعلى الآخرين تنفيذ أوامرهم. ولكنَّهُ لَمَّا كان كلُّ فردٍ لا يستطيع أن يتنازل عن قُدرته في الدفاع عن نفسه إلى الحدِّ الذي يُلغي فيه وجوده كإنسان، فإني أستدلُّ من ذلك على أنه لا يُمكن لأيِّ فردٍ أن يفقد حقَّه الطبيعي بأكمله، وعلى أنَّ الرعايا يحتفظون بحقوقٍ مُعيَّنة هي أشبَهُ ما تكون بامتيازاتٍ طبيعية لا يُمكن أن تُسلَب منهم إلا بتعريض الدولة لخطر شديد؛ وعلى ذلك فإمَّا أن يُسلَّم لهم بهذه الحقوق ضمنًا، أو باتِّفاقٍ صريح مع القائمين بالحكم. وبعد الانتهاء من هذه المسائل أنتقل إلى جمهورية العبرانيين فأتحدَّث عنهم بالتفصيل مُبيِّنًا لِمَ أخَذَ الدين فيها قوَّة القانون، ومَن هم الذين تمَّ على يديهم ذلك، وأذكر أيضًا تفصيلاتٍ أخرى تستحقُّ أن تُعرَف؛ وسأُبرهِن في النهاية على أن مُمثلي السُّلطة الحاكمة ليسوا هم الأُمَناء على القانون المدني١٤ ومُفسِّريه فحسب بل هم الأمناء أيضًا على القانون المُقدَّس ومُفسِّروه، ولهم وحدَهم الحق في التمييز بين العدل والظلم، وبين التقوى والفسوق، والنتيجة التي أنتهي إليها هي أنه، لكي تحتفظ الدولة بهذا الحق على أحسن وجهٍ وتضمَن سلامتها، يَجِب أن يكون كلُّ فردٍ حرًّا في أن يُفكِّر فيما يُريد وأن يُعبِّر عن تفكيره.

قارئي الفيلسوف! هذا هو الكتاب الذي أضعه بين يديك، وإنَّ أهمية موضوعه وفوائده العملية؛ سواء نُظِر إليه في مجموعه أم في كلِّ فصل من فصوله، لتَجعلُني على يقينٍ تامٍّ من أنه لن يَجِد لديك قبولًا سيئًا. وقد كنتُ أودُّ أن أُضيف أشياء أخرى، ولكنِّي لا أُريد أن تَطُول مُقدِّمتي وتُصبِح كتابًا، هذا فضلًا عن أنَّني أعتقِد أنَّ الفلاسفة يعرفون بالتفصيل أهمَّ ما في هذا الموضوع. أمَّا غَير الفلاسفة فإنِّي أنصَحُهم بألَّا يقرءوا رِسالتي هذه لأنِّي لا أرى سببًا يَجعلُني آمُل أن يَحظى الكتاب بقبولهم. والواقع أني أعلم مدى تشبُّع نفوسهم بالأحكام المُسبَقة التي يَعتنِقُها كثيرٌ من الناس باسم التقوى، كما أعلم أنه يستحيل تَخليص النفوس العامَّة مِن الخُرافة ومن الخَوف، فالعِناد شيمتُهم، إذ لا يَحكُمُهم العقل بل يُسيِّرُهم الانفعال في إصدار المدْح أو اللَّوم؛ لذلك، فإني لا أدعو العامَّة أو من يَسيرون على هوى انفعالاتهم إلى قراءة هذا الكتاب. وإنه لأفْضَل لي أن يتجاهلوه تمامًا، من أن يُؤوِّلوه تأويلًا خاطئًا كعادتهم دائمًا؛ ذلك لأنهم لن يَستفيدوا منه، بل سيجدون فيه وسيلةً لإيقاع الشَّرِّ وللإساءة إلى بعض الفلاسفة الأحرار الذين لا يَعتقدون بوجوب وضْع العقل في خدمة اللاهوت، فلهؤلاء الأخيرين وحدَهم أعتقِد أنَّ كتابي سيكون مُفيدًا.

ونظرًا إلى أنه ربما لا يكون لبعض قُرَّائي الوقت أو الرغبة في قراءة الكتاب كله، فإني أُعلِن في هذه المُقدِّمة — كما سأُعلن أيضًا في نهاية الرسالة — أني أضع عن طِيب خاطر كلَّ ما كَتبتُ أمام السُّلطات العُليا١٥ في وَطني لكي تفحصه وتُصدر حُكمها عليه، فإذا رأتْ أني قلتُ شيئًا مُناقضًا لقوانين وَطَني أو للمصلحة العامة فإني أسحَبُ ما قلتُه، وأنا أعلم تمامًا أني بَشَر وأني مُعرَّض للخطأ، ولكنِّي على الأقلِّ حاولتُ بكلِّ جُهدي ألَّا أقع في الخطأ، وألَّا أكتُب شيئًا لا يتَّفق اتفاقًا تامًّا مع قوانين وَطَني، ومع التقوى والأخلاق الحميدة.
١  يستعمل سبينوزا ثلاثة ألفاظ للدلالة على الشيء نفسه، وقد حاوَلْنا أيضًا إيجاد ثلاثة ألفاظ مُشابهة في اللغة العربية، هي: خارقة Prodige، آية Signe، معجزة Miracle.
٢  هي عادة الرُّومان التي كان يقوم بها الكهنة Aruspices وذلك بقراءة المُستقبل بعد فحص أحشاء الضحايا، وقد استعمل جيروم اللفظ السابق لترجمة الكلمة الكلدانية Gazerin التي تُشير إلى العرَّافين البابليِّين (دانيال)، (٢: ٢٧، ٤: ٤).
٣  الاسم اللاتيني Qunitus Curtius وهو مُؤرِّخ رُوماني عاش في القرن الأول، وألَّف كتابًا عن حياة الإسكندر ذا صِيغة رومانسية.
٤  أعطى الأتراك صورةً سيئة لأنفسهم وللدِّين باستعمارهم لِشِبه جزيرة البلقان وشرق أوروبا، وكانت صورتهم في أذهان الأوروبيين صورةَ المُتعصِّب الجاهل الذي يسعى وراء اللَّذات الحِسِّية والذي يقترِب دِينُه من الوثنية. ويُعطينا سبينوزا ثلاثَ خصالٍ لهم:
(١) القضاء على حُريَّة الفكر واعتبار أيِّ نظرٍ صحيح في الدين كفرًا.
(٢) سيادة الأحكام السابقة على فكرهم وبالتالي سيادة الخُرافات والأوهام.
(٣) تحريم النظر العقلي كليةً حتى استحال عليه الشكُّ في المَوروث أو إعمال العقل السليم، ومن المعروف أن كلمة «الأتراك» تعني في هذا السياق، وفي غيره، «المسلمين» لا الأتراك على التخصيص؛ إذ إنَّ الأتراك هم أقرب المسلمين إلى أوروبا جغرافيًّا، والجزء هنا ينوب عن الكل، ويُشير سبينوزا هنا إلى حال المُسلمين في عصر الجَهالة إبَّان الحكُم العثماني.
٥  أهدى سبينوزا رسالتَهُ إلى وطنه الذي يتشرَّف بالانتساب إليه، ويدعو لحُرِّية الفكر التي يتمتَّع بها المواطنون في هولندا ثُمَّ يُطالب به لكلِّ الشعوب. وتُعطي حرية الفكر في هولندا مثلًا على إمكانية تحقيقها في نظام سياسي دون أن تكون مُجرَّد مَثَلٍ أعلى عسير التحقيق.
٦  يستعمل سبينوزا هنا تعبير Summae Potestates الذي استعمله جروسيوس Grotius لأول مرة — فيما يبدو — سنة ١٦٤٨ بمعنى السُّلطات العُليا القائمة بالفعل، وقد ترجمناها في صيغة الجمع لأن السُّلطة العُليا في الدولة كما يتصوَّرُها سبينوزا تتجسَّد في جماعة.
٧  يُفيد لفظ Animus في الرسالة معنى القلب أو الشخصية وفي بعض الأحيان الرُّوح.
٨  يُفرِّق سبينوزا بين الاعتقاد والإيمان من ناحية، وبين التصديق والخضوع الأعمى من ناحية أخرى، فكلُّ اعتقادٍ حقيقي له ما يُبرِّره (الأخلاق، الكتاب الثاني، القضية ٣٥ وتذييلها)، ويكون أقرَبَ إلى فِعل النفس وبالتالي يتضمَّن نوعًا من الحُريَّة، أما الخضوع الأعمى فهو الخبَل وسيادة الانفعال والعبودية، وبالتالي لا يُمكن تبريره. يرفض سبينوزا في هذه الفقرة المُقدَّس Le sacré المعروف في تاريخ الأديان والذي يُفيد التابو Tabou أي ما يبعث على الخَوف والرَّهبة وما يَحرُم لمسُه أو الاقتراب منه، ومِثله تكون العبادات بمعنى الشعائر والطقوس التي لا يُمكن تبريرها عقلًا كما سَيُبيِّن ذلك في الفصل الخامس.
٩  يضع سبينوزا هذا المنهج في الفصل السابع. ويعني بتفسير الكتاب معرفة ماذا قال مُؤلِّفه، حتى ولو قصدوا أكثر الأشياء تناقُضًا، ولمعرفة ذلك يجِب تطبيق المنهج النقدي على حدِّ قَول المُحدَثين، وبذلك يُعدُّ سبينوزا من أوائل واضعي هذا المنهج الذي يَرمي إلى مُقارنة النصوص بعضها بالبعض الآخر ومعرفة ظروف تدوينها واللغة والتي كُتِبت بها، وبذلك يقوم منهج سبينوزا على الفحص التاريخي اللُّغوي لا على الفحص الفلسفي أو العلمي. ولا يَهتمُّ سبينوزا بإثبات النبوَّة أو بنَفْيِها، ولكنه يَهتمُّ بتحقيق النصوص وصحَّتِها أي إنه يدرُس النبوَّة في التاريخ دُون تعدِّي ذلك إلى دراسة صِلة النَّبي بمصدر نُبوَّته.
١٠  لا يدلُّ لفظ Virtus على الفضيلة Vertu فقط التي يدلُّ عليها أيضًا لفظ Pietas (الأخلاق، الكتاب الرابع، القضية العشرون وما بعدها)، بل تدلُّ على معنى عام وهو القوة Force أو القيمة Valeur، أي أن الفضيلة عند سبينوزا لها معنًى موضوعي وليس لها معنًى ذاتي فحسب (انظر أيضًا: الرسالة القصيرة، الجزء الثاني، الفصل السادس والعشرون).
١١  لا يقصد سبينوزا بلفظَي Religio Catholica الدين الكاثوليكي التاريخي المعروف بل الدين الشامل Religio Universalis وهو المعنى الاشتقاقي للفظ Catholica، فالدين الكاثوليكي التاريخي يقوم على العقائد ويُسمِّيه سبينوزا الدين البابوي ويَنقُده أمرَّ نقد.
١٢  لم يتصوَّر سبينوزا مُطلقًا العناية الإلهية كما تفعله المُشبِّهة أو المُجسِّمة (رسالة قصيرة، الجزء الأول، الفصل الخامس).
١٣  هناك التِباسٌ شديدٌ في ترجمة لفظ Jus، فالترجمة اللفظية هي «قانون» وبذلك يكون Jus naturel القانون الطبيعي، ولكن القانون الطبيعي هو حَقٌّ أيضًا، ومن ثَمَّ يُمكن ترجمة اللفظَين السابقَين «الحق الطبيعي» أو حق الطبيعة أي حقُّ كلِّ موجود في الإبقاء على وجوده أو قُدرة كل موجود في الإبقاء على نفسه، ويكون حقه هو التعبير عن طبيعته مهما كانت. والحق الطبيعي للفرد هو أن ينموَ حسْب طبيعته.
١٤  يمكن ترجمة Jus civile «القانون المدني» كما يفعل أبون أو «قانون وضعي» كما يفعل مزراحي وفرنسيس، والقانون الوضعي يشمل القانون المدني والقانون الخاص والقانون العام والقانون الدولي … إلخ. وهو ما يقصِد إليه سبينوزا بالفعل في مُقابل القانون المُقدَّس. ولكنَّنا فضَّلنا الإبقاء على «القانون المدني» أسوةً بأبون، ولأن سبينوزا يقتصِر في حديثه على القانون الاجتماعي الأقرب إلى القانون المدني.
١٥  يُعيد سبينوزا هذه الفقرة في آخر الرسالة والتي تدلُّ على مدى تأكيد سبينوزا لنفسه بِصفتِهِ مُواطنًا حرًّا في دولة حرة (انظر الفصل العشرين، الهامش رقم ٨).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤