الفصل الثامن عشر

منذ تشكلت لجنة الوفد المركزية للسيدات، بدأنا مرحلة من الجهاد المنظم والمنتظم، وكانت اللجنة تنعقد باستمرار للنظر في مجريات الأحداث التي تمر بها البلاد، وكانت أعضاء اللجنة حريصات على بذل الجهود المضنية في سبيل الوطن، وإنني أذكر بهذه المناسبة أنه ما من طارئ حل إلا واشتركت اللجنة في بحثه وعلاجه.

وقد انعقدت الجلسة الأولى للجنة يوم ١٦ يناير ١٩٢٠ وكان الغرض من هذا الاجتماع هو انتخاب الرئيسة والوكيلة وأمينة الصندوق والسكرتيرة بطريقة الاقتراع السري، وقد عقد هذا الاجتماع بسراي المرحوم عمر باشا سلطان، ولم أحضره نظرًا لوجودي بالأقصر في ذلك الوقت. وتقرر في هذا الاجتماع تعيين كل من السيدات: هدى شعراوي رئيسة، أستر فهمي ويصا وكيلة، روجينة خياط أمينة صندوق، الآنسة فكرية حسني سكرتيرة.

وقد قررت عضوات لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات أن يعلن احتجاجهن الآتي إلى الأمة المصرية وجميع العالم المتمدين:
  • أولًا: نحتج بشدة على بلاغ اللورد ملنر الأخير المبني على الغموض والإبهام، مع أن مطلب مصر الوحيد لا يحتمل أي شك أو غموض، فالأمة المصرية رجالًا ونساء لا تطلب إلا الاستقلال التام، ولا تقبل في تفسير هذا المطلب الصريح إلا الصراحة والحق، وإذا كانت هناك مناقشة، فمع الوفد وعلى مبدأ الاستقلال التام.
  • ثانيًا: نحتج بكل قوانا على المعاملة الخالية من الذوق والكياسة التي تعامل بها السيدات في مظاهراتهن الوطنية.
  • ثالثًا: نحتج بكل قوانا على الأعمال الاستبدادية الأخيرة كنفي رجال مصر العاملين إلى قراهم، ونفي قرياقص ميخائيل أفندي ومعاملته السيئة التي لا تتفق مع مبادئ الحرية والعدالة، ونطلب وضع حد لهذه الطرق الاستبدادية التي لا تتفق مع مدنية أمة حرة.
  • رابعًا: نطلب وسنطالب باستقلال بلادنا التام، ولن نرضى غيره بديلًا، «فلتحيا» مصر حرة، و«ليحيا» الاستقلال التام.

هذا وقد اعترضت «بهيرة هانم فتحي» على جملة «وإذا كانت هناك مناقشة فمع الوفد»، قائلة: نحن لا نريد ولا نقبل المفاوضة معهم بأي شكل كان، ولا نريد سوى الاستقلال دون قيد ولا شرط. وأرسلت نسخة منه للورد وأخرى للجنة الوفد المركزية للرجال.

وكان سعد زغلول باشا رئيس الوفد المصري قد أرسل برقية من باريس بتاريخ ٢٦ يناير ١٩٢٠، أعلن فيها أن الوفد المصري بعد بلاغ اللورد ملنر، وأكد فيها أنه لا يمكن فتح باب المفاوضة إلا بعد الاعتراف باستقلالنا التام، فهناك وهناك فقط، يمكن أن يتفاوض الوفد في دائرة واحدة هي طريق المحافظة على مصالح الأجانب وعلى حرية الملاحة في قناة السويس طبقًا لبرنامج الوفد …

وقد عقدت لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات جلستها الثالثة في ٣٠ يناير ١٩٢٠، وتناولت المسائل التالية:
  • (١)

    عرض إرسال شكر لمعالي سعد باشا ردًّا على رسالته البرقية، فوافق الجميع.

  • (٢)

    اقتراح بجعل حرم سعد باشا رئيسة شرف وممثلة للجنة في باريس وإفادتها بذلك مع شكرها على برقيتها، فصدق على ذلك بإجماع الآراء.

  • (٣)

    عرض عمل احتجاج على فظائع طنطا، فوافق الجميع على ذلك، وعهد إلى إحداهن بكتابته. وتقرر انعقاد جلسة فوق العادة يوم ٣١ منه بذهبية فهمي بك ويصا الساعة الخامسة مساء للتوقيع على الاحتجاج المذكور بعد الإطلاع عليه.

  • (٤)

    اقترح أن يكون الاجتماع أسبوعيًّا لضرورة ذلك، فتقرر قبول ذلك بعد المناقشة، وجعل الاجتماع كل يوم جمعة من كل أسبوع الساعة العاشرة والنصف صباحًا.

  • (٥)

    عرضت استقالة السيدات: بهيرة فتحي، وصديقة محمود عزت، وبتسي تقلا، فتقرر قبولها وتبليغهن ذلك.

  • (٦)

    تُلي الرد على رسالة السير فالنتين شيرول فأقرها الجميع ووقعن عليها وتقرر إرسالها إلى الصحف ولسعد باشا.

وقد أرسلت صفية هانم زغلول برقية من باريس بتاريخ ٢٨ يناير ١٩٢٠، تقول فيها:

معكم قلبيًّا، تأثرت تأثرًا عميقًا، أرجو أن تعدوني ضمن الشقيقات المصريات اللاتي أعطينكن التفويض للتكلم باسمهن، كانت ساعة مباركة تلك التي وجدتنا مستعدات للمطالبة باستقلال بلادنا رغم كل المخاطر التي تحيط بها، ما كنا لنستطيع أن نعيش في مصر وهي محتلة بعدما ضحى أولادنا الأبرياء بأرواحهم لأجل أن تكون حرة إلى الأبد.

وأرسلت برقية مني ردًّا على هذه البرقية بتاريخ ٣٠ يناير ١٩٢٠، هذا هو نصها:

مدام زغلول باشا …

٤٢ شارع جورج الخامس. باريس

إننا فخورات بانضمامك إلى لجنتنا، ونرجوك قبول قرار انتخابك رئيسة شرف وبفضلك ستكون مجهوداتنا أكثر توفيقًا، واثقات من النجاح النهائي.

كانت الجلسة الرابعة هي الجلسة فوق العادة، وقد انعقدت في موعدها يوم ٣١ يناير ١٩٢٠، وتم في هذا الاجتماع تلاوة الاحتجاج التالي، فوافق الجميع عليه ووقعن على ثلاث نسخ منه لإرسال واحدة لرئيس الوزراء، وواحدة للجنة الوفد المركزية للرجال، وتقرر إبلاغ الاحتجاج إلى الصحف كلها وكان نص الاحتجاج هو:

تتتابع الحوادث المحزنة في مصر بشكل مروع، فلا يكاد يمر يوم دون أن يقع شيء منها.

وهذه حوادث طنطا قد أزعجت النفوس وأكمدت الأفئدة؛ لذلك فلجنة الوفد المركزية للسيدات لا ترى بدًّا من رفع صوتها بالاحتجاج عليها وعلى استمرار الاعتداء على أرواحنا وحريتنا فهي:
  • أولًا: تحتج على إطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل من كل سلاح وقتل الأبرياء وجرحهم.
  • ثانيًا: تحتج على مهاجمة القوة المسلحة لقوم هادئين ساكنين في أحد الملاهي بغير مسوغ وإلحاق الأذى الشديد بهم.
  • ثالثًا: تحتج على تشديد الأحكام العرفية في طنطا، في الوقت الذي تنادي فيه كل الأمة بإلغاء هذه الأحكام إلغاء تامًّا.
  • رابعًا: تحتج على استمرار حوادث الاعتداء من الجنود على الأهالي، وعلى مهاجمة الناس في دورهم ولا سيما مهاجمة منزل فضيلة شيخ الجامع الأحمدي.
  • خامسًا: نطلب إجراء تحقيق رسمي عن هذه الحوادث والمبادرة بإلغاء الأحكام العرفية وسحب الجنود من طنطا.

واللجنة تنتهز هذه الفرصة لتعلن أن سياسة الشدة التي دأبت السلطات الإنجليزية على استعمالها، ليس من شأنها أن تحمل الأمة على العدول عن المطالبة بحقوقها المقدسة، بل على النقيض من ذلك تزيدنا تمسكًا بحقوقنا الحقة وتشبثًا بحريتنا العزيزة واستقلالنا التام.

أما الجلسة السادسة، فقد عقدت في ١٣ فبراير ١٩٢٠ وقد عرض فيها الاحتجاج التالي فصدق عليه بإجماع الآراء. وتقرر إرسال نسخ منه لرئيس الوزراء ولمعالي سعد باشا وللجنة الوفد المركزية وللصحف وهذا نصه:

تحتج لجنة الوفد المصري للسيدات باسم مصر على بقاء الأحكام العرفية واستمرار اعتقال أبناء مصر البررة الذين لا ذنب لهم إلا المطالبة باستقلال بلادهم، كما تحتج على ما يلاقونه من سوء المعاملة.

لا يزال سيف الأحكام العرفية على الرقاب في هذه البلاد الآمنة بعد انقضاء مدة الحرب بنحو أربعة عشر شهرًا، في حين أن البلاد لا تطلب استقلالها إلا بالوسائل السلمية المشروعة، ولا تزال الأحكام العرفية تتخذ ذريعة لإيجاد القلق في أنحاء البلاد وبث الجنود الإنجليز في كثير من حياتها للتضييق على الناس في حياتهم اليومية تضييقًا لا يرعى حرمة حتى لمنازل كبرائهم وأئمة دينهم.

فهذه مدينة طنطا أصاب أهلها الأبرياء ما أصابهم من قتل وجرح وسلب وغير ذلك من صنوف الاعتداء، وكان العدل يقضي بالقصاص من المعتدين عليهم، فانقلبت آية ذلك العدل واعتبر البريء جانيًا والجاني بريئًا، وبدلًا من أن يجري تحقيق حتى لا تزر وازرة وزر أخرى، وقع القصاص على الأهالي الأبرياء، وأصبحوا يعاملون معاملة المدن المحاربة التي يفتحها العدو في خلال الحرب الطاحنة.

وهؤلاء كثير من أبناء مصر صودروا في حريتهم الشخصية، وشردوا وأوذوا واعتقلوا بغير جريرة وبلا محاكمة ولا سؤال، بل كان قيامهم بواجبهم الوطني سببًا لإيقاع هذا الأذى بهم، مع أنهم لم ينفردوا بهذا فالأمة مشتركة معهم فيما يعزونه إليهم من الإثم إن كانت محبة الوطن إثمًا والمطالبة بالاستقلال وزرًا يستوجب التعذيب.

ومن الغريب أن ترتفع أصوات العدالة من جميع أنحاء العالم، فلا تصادف ملبيًا من أولئك المسيطرين على مصر بالرغم من إرادتها، فهم يصمون آذانهم كلما سمعوا نداء منبعثًا من القلوب المجروحة المتألمة وكأنهم آلوا على أنفسهم أن يقفوا جامدين حيال كل مطالب بحقوقه.

وليت الأمر لم يتعد هذا النوع من التعذيب لغير ذنب، فإن أنباء المعتقلين تدل على أنهم يعاملون معاملة سيئة، وكيف تطيب هذه المعاملة وسواء هم مبعدون في الصحاري ومحرومون من كل ما يقيهم أذى البرد الشديد الذي يفري أجسامهم ويعرض للخطر حياتهم. وقد أخذت الأمطار الشديدة تهطل عليهم، والرياح العاصفة تهب على خيامهم فتقتلعها تاركة سكانها يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء.

لقد بحت الأصوات وحفيت الأقدام واهتزت الأسلاك البرقية بالمطالبة بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين، فالإصرار على هذا الاعتقال بعد ذلك يعد استخفافًا بشعور الأمة ومنافيًا لأبسط قواعد المدنية والعدل.

فنحن باسم هذه المدنية نطالب بوضع حد لهذه السياسة الغاشمة، وباسم الحق والعدل نلح في ضرورة الإفراج عن كل معتقل سياسي.

وفي الاجتماع السابع الذي عقد في السادس والعشرين من فبراير ١٩٢٠ برئاستي، كان هذا الاحتجاج الذي صدق عليه بإجماع الآراء، والذي تم توجيهه إلى رئيس الوزراء:

إن الفظائع التي يرتكبها يوميًّا الجنود البريطانيون بمصر، والمراوغة التي يستعملها رجال الحكومة الإنجليزية لاغتصاب حقوقنا الشرعية، لمن الأمور التي تستفز الأنفس على حلمها، وتهدد الأمن العام وتنافي الإنسانية، فباسم العدالة وبحق الواجب الذي فرضتم على أنفسكم القيام به نحو وطنكم وأمتكم يوم اعتناقكم منصب الوزارة المصرية، والذي يحتم عليكم المدافعة عن حياة الأمة والمطالبة بحقوق الوطن المقدس، نستحلفكم أن تقوموا بما تمليه عليكم الإنسانية عن لسان الشعب المظلوم، وهو الاحتجاج بشدة على الفظائع المذكورة ومحاكمة الضباط والجنود الذين تعدوا على طلبة المدرسة الإعدادية لعدم تكرار مثل ذلك مرة أخرى.

وفي الاجتماع نفسه، اتخذنا قرارًا بالاحتجاج على مشروع ري السودان للأسباب التالية:
  • أولًا: لأن الإنجليز هم الذين وضعوه باعتبارهم أصحاب الشأن في السودان، مع أن مركز إنجلترا هناك غير شرعي ولا يختلف عن مركزها في مصر، فإن كليهما قطر واحد لا يقبل التجزئة وحقهما في الاستقلال لا يمكن إنكاره.
  • ثانيًا: لأن هذا المشروع ثبت ضرره بدليل ما نشره المختصون من كبار المهندسين مصريين وإنجليز.

وعلى ذلك فإننا نضم صوتنا إلى صوت الأمة في ضرورة وقف المشروع وقفًا تامًّا حتى يفصل في مسألتنا السياسية العامة؛ لأن البت فيه يجب أن يكون من اختصاص المجلس النيابي الذي يمثل مصر والسودان بعد أن ترد حقوقهما إليهما.

وإننا نطالب الوزارة بأن تنضم إلى الأمة في رأيها وتمنع تنفيذ هذا المشروع بجميع الطرق التي لديها، فإذا لم تستطع ذلك، فعليها أن تتخلى عن منصبها حتى لا تتحمل تبعة هذا العمل الخطير.

احتجاج مارس

وفي يوم ٢٠ مارس ١٩٢٠، عقدت لجنة الوفد المركزية للسيدات اجتماعًا، أقرت فيه هذا الاحتجاج:

اجتمع أعضاء الجمعية التشريعية (على الرغم من سيف الأحكام العرفية المسلط فوق الرءوس ولم تكترث للأمر القاضي بتعطيلها)، اجتمعت فنادت بالاستقلال التام وبطلان الحماية، واحتجت على ما لحق البلاد وأبناءها على يد حماتها القهريين من صنوف الاعتداء على الأرواح والأموال والحرية، وعلى تعطيل الدستور ووضع القوانين والأنظمة المختلفة من غير عرضها على الأمة، وجاهرت بوجوب وقف مشروعات الري إلى أن تبت الأمة المصرية المستقلة في أمرها، ونادت بأن الأمة وحدها صاحبة الشأن في تقرير أمورها الحاضرة والمستقبلة.

وأثنت على ما قام به الوفد المصري من الجهاد في سبيل الاستقلال فمحضته الشكر بلسان الأمة.

أصدرت الجمعية هذا القرار بالإجماع في جلسة تاريخية عقدتها في ٩ مارس ١٩٢٠ في منزل سعد زغلول باشا وكيلها المنتخب ورئيس الوفد المصري، فكان عملها هذا خير تاج توجت به الوحدة القومية المقدسة التي تجلت في إجماع الأمة المصرية على التمسك بالاستقلال التام، وأسمى مظهر للروح الدستورية المتأصلة في صدر أمة عقدت نيتها على ألا تساد، وأجمعت كلمتها على أن تتولى هي جميع أمورها، كما كان أجل مثال للجرأة السياسية المنبعثة عن عقيدة وطنية ثابتة لا تحفل بتهديد القوة ولا تطأطئ الرأس للباطل مهما ارتدى ثياب البأس والجبروت.

كان هذا العمل الجليل خليقًا بألا يروق للإنجليز الذين لا يروموننا إلا على الذل والاستكانة لحكمهم، فأثار سخطهم وحملهم على الاجتراء مرة أخرى على حريتنا بنوع جديد من العدوان، وهو جعل اجتماع الهيئات النيابية المصرية أو أعضائها جريمة تستوجب محاكمة أولئك الأعضاء أمام المحاكم العسكرية الإنجليزية، وذلك ليسكتوا صوت النواب وهو أحق الأصوات بالسماع؛ لأنه من صوت الشعب وصوت الشعب من صوت الله، فكان هذا الاعتداء حلقة جديدة اقترفها الإنجليز في سبيل حمايتنا رغم أنوفنا، وبرهانًا آخر على أن إنجلترا لا تحترم الحرية، فإن تغنت بذكرها فما ذلك إلا للتغرير بالعالم وذر الرماد في عيون الشعوب.

وها هي جميع تصرفاتها إزاء الحركة المصرية السليمة من بدايتها إلى الآن لا تنطوي إلا على حكم القهر والإرهاب والاعتداء على حرية الكتابة والعدل والاجتماع وهي أركان الحياة الحرة.

فالمظاهرات السلمية من جانب شبيبة الأمة وطلبتها تقابل برصاص البنادق والمدافع الرشاشة. ومظاهرات السيدات تقاوم بأسنة السيوف، وضروب العنف والامتهان. ومجرد النداء بحياة الوطن والاستقلال يلقي بصاحبه في أعماق السجون، بل يؤدي به إلى الأشغال الشاقة، والجهر بالحق في صحيفة يستنزل عليها الحكم بالتعطيل وعلى مطبعتها بالإقفال. والاجتماعات تمنع بالقوة القهرية.

والمدائن الكبرى تعاقب على المظاهرة التي تقوم بها بحرمان جميع السكان من حرية الرواح والمجيء وإرغامهم على لزوم منازلهم بعد غروب الشمس.

أما القرى فإن القصاص الذي ينزل بأهلها تشيب لهوله الولدان.

فهم يرغموننا على الاستعباد بدعوى أنهم يريدون أن يؤهلونا للحرية، وقد تناسوا حكمة مؤرخهم «ماكولي»؛ حيث قال: إذا انتظر الناس الحرية إلى أن يكتسبوا الحكمة والصلاح وهم في ظل حكم الاستبداد، فبشرهم أنهم سينتظرون أبدًا!

تلك وسائل التضييق والعنف والإرهاب التي يلجأ إليها خصومنا لإطفاء جذوة وطنيتنا وتحويلنا ولو قيد شعرة عن موقفنا الشريف ومطلبنا المقدس فلا تعود عليهم إلا بالخزي ولا تزيد باطلهم إلا وضوحًا، في حين أن حقنا يزداد تأييدًا يومًا فيومًا في نظر جميع شعوب العالم، وصفوفنا تزداد تساندًا في جهادها السلمي ضد هذا الخصم المغتصب فبالأمس كانوا يدعون أن حركتنا الوطنية مقصورة على بعض المهيجين السياسيين والطلبة. أما اليوم فلا سبيل لهم إلى هذه المغالطة بعد أن أعلنت جميع طبقات الأمة إرادتها إعلانًا لا يقبل التأويل، فنادى بالاستقلال أعيان الأمة وعمالها، موظفوها وفلاحوها، علماؤها وأمراؤها، مسلموها وأقباطها، رجالها ونساؤها، ورددوا ذلك النداء في كل الظروف وأيدوه بالمقاطعة التامة لتلك اللجنة التي جاءت لتأكيد الحماية الباطلة وإغراء المصريين على التخلي عن استقلالهم.

فلجنة الوفد للسيدات تحتج اليوم على هذا الاعتداء الجديد الذي اقترفه الإنجليز على حرية النواب المصريين وتسجله عليهم سيئة من أفظع سيئاتهم ضد الشعب المصري.

ولقد حقت عليهم كلمة «جرون» الكاتب الفرنسي الكبير؛ حيث قال: إن الذي لا يريد لخصومه ما يريده لنفسه من الحرية، غير جدير بالحرية.

عن لجنة الوفد المركزية للسيدات
هدى شعراوي

خطابان متبادلان …

كان هناك بعض الظروف والملابسات التي دفعتني إلى أن أكتب رسالة إلى سعد زغلول باشا رئيس الوفد المصري بشأن هذه الأحداث، وقد تلقيت منه رسالة فيها الكثير من التقدير لجهاد المرأة المصرية والتأييد لموقفها، وهذا هو نص الرسالتين المتبادلتين.

حضرة صاحب المعالي سعد زغلول باشا رئيس الوفد المصري

مرسل لمعالكيم برفقة هذا نسخة من قرار لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات يتضمن نظرياتها في مشروع الاتفاق، وهي تكرر لمعاليكم بنوع خاص، مع عبارات خالص الشكر والثناء على ما قمتم به نحو الأمة المصرية والوطن المحبوب من أجل الخدمات، تمسكها بتلك التحفظات التي بدونها نكون قد أيدنا على أنفسنا شروط الحماية المقنعة وفقدنا كل حق في المطالبة باستقلال مصر التام وفيه حياتنا، وإنا لنرجو أن ننال على أيديكم غايتنا المنشودة.

ثم نلفت نظر معاليكم إلى الاحتجاج الذي اضطررنا لتقديمه وذلك لأن مندوبي الوفد فضلًا عن كونهم قد تساهوا أولًا عن دعوتنا كباقي الهيئات لإبداء آرائنا في المشروع، قد أظهروا الضجر وعدم الرغبة في أخذ آرائنا عندما قدمنا لهم طلبًا بذلك، مصرحين بأنه لا يجوز للنساء التدخل في الأمور السياسية، ولولا إلحاح مندوبنا الشديد، لما تنازلوا بإجابة طلبنا، وإننا لفي غاية الاندهاش والاستياء من معاملتهم هذه لنا التي تنافي الخطة التي اتبعتموها معنا للآن، وتخالف المعاملة التي عودتمونا عليها بتعضيدكم لنا في مشاركتنا لكم في الحركة الوطنية، وتحبيذكم لعملنا وقت تشكيل لجنتنا بتلغرافاتكم المظللة بأسمى عبارات التهاني والأماني … والذي يزيد من استيائنا هو أن يثبت الوفد بعمله هذا ظن الهيئات الأجنبية بمصر اللاتي أولن نهضتنا بخلاف الحقيقة؛ حيث قالت: إن اشتراك النساء في الحركة المصرية لم يتم بدافع الوطنية، بل بإيعاز فئة من الوطنيين لاستعمالهن كآلة مؤقتة لإيهام الأمم المتحدة، ولتعتقد هذه بنضوج الأمة المصرية في الرقي وكفاءتها لحكم نفسها بنفسها، وتعضدها في نوال هذه الأمنية ونهضتها كما تعلمون بريئة من مثل هذه التهم، فضلًا عن كونها كسبت ميزة لم تنلها مثيلاتها، والآن وقد قربت القضية المصرية من حل مرض، فلا يليق بالوفد المصري الذي يطالب بحقوق مصر ويعمل لنوال استقلالها أن ينكر على نصف الأمة حقها فيه، وجئنا نطرح أمام عدالتكم مسألتنا هذه كي نقف على رأي معاليكم فيها، متسائلين عما سيكون مركز مصر والمرأة المصرية في المستقبل ولنا في صائب حكمكم عظيم شفيع.

وقد رد سعد باشا زغلول على هذه الرسالة برسالته المؤرخة في ٢٧ أكتوبر ١٩٢٠، والتي يقول نصها:

حضرات صاحبات العصمة، رئيسة الوفد النسائي، وأعضائه المصونات، تشرفت بمكتوبكن الكريم ثم تلغرافكن المفيد، وأتأسف شديد الأسف لعدم تشرف حضرات مندوبي الوفد بعرض المشروع عليكن، كما عرضوه على غيركن، ولكني أؤكد لحضراتكن أنهم لم يفعلوا ذلك استخفافًا بكن أو إهمالًا لشأنكن، بل لظروف أجنبية عن هذا المعنى، ولو كنت فيهم لامتنع تأثير هذه الظروف، وتعين عليَّ أن أقوم بشخصي بعرض المشروع عليكن وتوضيح معانيه ومراميه؛ رغبة في الاستنارة بآرائكن التي لها المقام الأول من الاعتبار عندي وعند زملائي، ويسرني جدًّا أنكن مع ذلك فهمتن المشروع حق الفهم، وأبديتن فيه تحفظات أراها غاية في الأهمية، وأرى التشبث بها من أخص أحبائي، وإني أول من يرى أنه لا يمكن أن تتقدم هيئة اجتماعية بدون أن يشترك حسكم اللطيف فيها، وأرجو أن تتفضلوا مع هذه الكلمات بقبول أطيب تحياتي وأوفر احتراماتي.

سعد زغلول

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤