الفصل الثاني والعشرون

بعد أن عدنا من المؤتمر النسائي الدولي الذي عقد في روما، كان علينا أن نلتقي مع أعضاء جمعية الاتحاد النسائي المصري، لنستعرض جهود مندوبات الجمعية في مؤتمر روما، ونتدارس مطالب المرأة المصرية، وقد انتهى هذا الاجتماع إلى تحديد هذه المطالب، واتخذنا فيه قرارًا بتقديمها للوزارة …

وفي يوم ٢ يوليو ١٩٢٣ ذهب وفد من أعضاء الجمعية لمقابلة دولة رئيس مجلس الوزراء … وكان هذا الوفد مكونًا من السيدات: شريفة رياض، إحسان أحمد، عزيزة فوزي، جميلة عطية، وغيرهن، وكانت الجمعية قد حددت مطلبين أساسيين:
  • أولهما: فتح باب التعليم الثانوي والعالي في وجه الفتيات.
  • ثانيهما: سن قانون يمنع زواج البنات قبل سن السادسة عشرة.
وكنت قد كتبت رسالة إلى دولة رئيس الوزراء، حملتها الزميلات إليه في هذا اللقاء … وكان نص هذه الرسالة كالتالي:

حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء

من أهم المسائل التي تناقشت فيها جمعية الاتحاد النسائي التي عقدت بدار الجامعة المصرية يوم الثلاثاء ٢٦ الجاري، موضوعان:
  • الأول: حالة التأخر الظاهر في التعليم العام للفتاة.
  • الثاني: إغفال الشروط الضرورية لمنع الحظر الصحي والعائلي عن زواج الفتاة.

وبعد المناقشة فيهما، رأت الجمعية في المسألة الأولى أن من أهم العقبات في طريق رقي الفتاة عدم السماح لها من وزارة المعارف في دخول الامتحانات العامة لنيل الشهادات الدراسية الثانوية والشهادات العالية.

إن تصرف الوزارة المشار إليه في هذا الباب مخالف للمصلحة العامة للرجال والنساء على السواء؛ حيث أصبح من القضايا المسلم بها أن رقي الأمة تابع لدرجة التعليم فيها، ولا يستقيم التعليم إلا إذا انتشر بين جميع الطبقات لا فرق بين الرجال والنساء؛ لأن قانون التضامن بين أبناء الأمة لا يظهر أثره إلا إذا كان كل فرد ذكرًا كان أو أنثى أهلًا للقيام بنصيبه المفروض عليه للهيئة الاجتماعية.

والأمة المصرية دخلت في مضمار الجهاد، وتريد أن تصل إلى منزلة من المجد والعز مثل تلكم التي وصلت إليها الأمم المتمدنة، فهل، وهذه رغبتنا جميعًا رجالًا ونساء، يمكن أن نصل في هذا الجهاد إلى أمنيتنا بمجهود الرجل وحده، مع أن الأمم التي نريد اللحاق بها تسير بمجهود الجنسين معًا؟!

وزارة المعارف يا دولة الرئيس من وضع هذه العقبات في طريق تعليم الفتاة، إن كان لها بعض العذر في الماضي، فلا شك في أن الظروف قد تغيرت اليوم … والوزارة بنفسها أخذت ترسل البعثات خاصة من الفتيات لإتمام تعليمهن العالي في أوروبا، وليس من حسن السياسة أن يجعل التعليم مقياسًا للفتاة، فإن كان في أوروبا أجزنا أن يكون واصلًا إلى التعليم العالي، وإن كان في مدارسنا في مصر وقفناه إلى ما دون ذلك؟

من أجل هذا يرى دولة الرئيس أن لنا الحق في أن نلتمس منه العمل على إزالة هذه العقبات، وإفساح الطريق أمام الفتاة حتى تنال من العلم ما شاءت لها مواهبها الفطرية.

ورأت الجمعية في المسألة الثانية أن المصلحة العائلية وخطورة الواجبات التي تلقى على الزوجة بعد زواجها سواء من جهة الواجبات المنزلية أو ما تتوقعه من الواجبات التي تعرض لها بصفة عامة، تقضي بوضع حد أدنى من السن يكون شرطًا لزواجها، وقد عرضنا في برنامج الجمعية هذا الحد الأدنى بسن ١٦ سنة، وراعينا في هذا التقدير أنه هو الحد الأدنى لتكوين الفتاة تكوينًا طبيعيًّا، والحد الأدنى لما يمكن أن تصل إليه الفتاة من التعليم الضروري.

وليلاحظ دولة الرئيس أن هذا الملتمس هو النتيجة الطبيعية لتنفيذ ما اشترطه الدستور من جعل التعليم الابتدائي تعليمًا إلزاميًّا؛ لأن الوصول في الغالب إلى إتمام الدراسة الابتدائية لا يتم إلا عند هذه السن.

إن انتشار التعليم بين الشبان من شأنه أن يضاعف مسئولية الزوجة أمام حاجة زوجها المتعلم، ومن المستبعد جدًّا إن لم يكن مستحيلًا أن تدرك الفتاة قبل سن السادسة عشرة وقبل أن تصل إلى درجة وافية من التعليم واجباتها المنزلية نحو هذا الزوج، لذلك يكون من مصلحة العائلة أن يمنع زواج الفتاة قبل بلوغ تلك السن.

كذلك يندر أن الفتاة إذا تزوجت قبل هذه السن ورزقت بأطفال، ألا تتعرض هي وأطفالها إلى أمراض خطيرة تعرض حياتهم دائمًا للشقاء.

لذلك رأت الجمعية أن تطلب من دولتكم معالجة هذه المسألة الاجتماعية المهمة، وأدنى علاج لها هو ما عرضناه من منع زواج الفتيات قبل وصولهن لسن السادسة عشرة.

ولي الشرف أن أكون لسان الجمعية في تبليغ دولتكم هذا القرار، ملتمسة العمل على تحقيق رغباتها في المسألتين المذكورتين.

انتظرنا وقتًا طويلًا أن يتحقق ما طالبنا به، أو على الأقل أن نلمس نوعًا من الاهتمام بهاتين القضيتين، دون جدوى، ولذلك لم أجد أمامي إلا أن أكتب مرة أخرى إلى دولة رئيس الوزراء مذكرة إياه بالرجاء العظيم الذي عادت به أعضاء اللجنة، وقد جاء في هذه الرسالة التي تحمل تاريخ نوفمبر ١٩٢٣ ما يلي:

انتظرنا دولة الرئيس نحو الخمسة أشهر، كانت فيما نظن كافية لدراسة ما عرضناه وتقرير وجه المصلحة فيه، ولكن علمنا ما كاد يبدد هذا الأمل؛ حيث قيل لنا: إن عريضتنا لم تفكر أي وزارة من وزارات الحكومة التي يعنيها النظر في مطالب الجمعية لتحقيق المطالب التي تضمنتها عريضتنا.

نعلم أن مشاغل الدولة كثيرة، ونعلم كثرة ما اهتمت به الوزارة من التشريع في المسائل التي رأتها محتاجة للحل السريع، ولكن يا دولة الرئيس اسمح لنا أن نلاحظ أننا نرى أيضًا أن إصلاح حال المرأة من الأمراض التي تعانيها وهي نصف مجموع الأمة، لا يقل أهمية عن المسائل التي عنيت الوزارة بحلها وإصدار القوانين.

قيل لنا أيضًا إنه يوجد في الوزارة ميل إلى ترك النظر في مطالبنا حتى يحلها البرلمان، ونحن وإن كنا نقبل بغاية الرضا تشريع نواب الأمة فيما يتعلق بحياة الأمة الاجتماعية التي منها مطالبنا، ولكن نستغرب أن الوزارة التي تأخذ على مسئوليتها حل معضلات كثيرة يرى كثير من الناس أن فيها بعض الإجحاف بحق الأمة، لا تقبل مسئولية تنظيم مسألة جوهرية لحياة المرأة لا تصادف اعتراضًا عليها من أحد.

لذلك نرجو أن تعيدوا دولتكم النظر في طلبات الجمعية … وتقبلوا مسئولية إصلاح حالة المرأة على أيدي وزارتكم، فهي ضرورة مستعجلة تدعو إليها حاجة الإصلاح والحرية والمساواة.

حقوق المرأة في الإسلام

ولقد كان ذهابنا إلى المؤتمر الدولي الذي عقد في روما، فرصة للحديث عن حقوق المرأة، وأصبحت هناك أقلام كثيرة تناقش هذه القضية، وكان من ذلك ما كتبه الشيخ عبد العزيز جاويش في جريدة الأخبار، وقد علقت على هذا المقال في العدد الصادر في ١٧ يونيو ١٩٢٣، بالخطاب التالي:

اطلعت بجريدتكم الغراء على كتاب الأستاذ الجليل الشيخ عبد العزيز جاويش تحت عنوان: «حقوق المرأة في الإسلام»، فشكرت له حسن عنايته وعظيم اهتمامه بالنهضة النسائية، ولكني مع هذا الشكر والإقرار بالجميل للأستاذ، ألاحظ أن ما تضمنته هذه الرسالة غير متفق مع الخدمات التي أديناها بمؤتمر روما.

لم نذهب إلى ذلك المؤتمر لنلجأ إليه بطلب إلغاء تعدد الزوجات أو تعديل نظام الخطبة أو تضييق دائرة الطلاق على الرجال كما ظن فضيلته.

وإنما الأغراض التي حملتنا إلى التوجه إلى هذا المؤتمر هي:
  • أولًا: ظهور المرأة المصرية بحقيقتها الثابتة أمام المرأة الغربية التي تجهل عنها كل شيء، أو تعرف عنها معلومات مشوهة قرأتها في كتب ذوي الأغراض الاستعمارية، وبيان أن المرأة المصرية الحديثة تكاد تساوي أختها الغربية في مدنيتها، وأن الدين الإسلامي منحها من الحقوق ما تود المرأة الغربية لو تناله.
  • ثانيًا: رأينا أن نلبي دعوة هذا المؤتمر رغبة منا في الإعلان عن المرأة المصرية الناهضة، وحبًّا في اكتساب عطف الأمم الراقية على مصر بالاختلاط بنسائهم في هذا المؤتمر والتحدث معهن في شئوننا العامة وما نئن منه ونتألم، وقد كانت نتيجة هذا أن أصلحنا معلومات عنا وأزلنا ما كان فيها من تشويه ومسخ، وكنا ندرك ذلك منهن بوضوح وجلاء.
  • ثالثًا: رأينا أن المرأة المصرية في أشد الحاجة إلى الاشتراك مع المرأة الغربية لتقتبس من أخلاقها وعادتها ومدنيتها ما لا يتنافر مع الدين وما يتفق مع النهضة العامة.

وقد كان لموقفنا في هذا المؤتمر أحسن أثر في نفوس المؤتمرات، ولذلك كنا موضع إجلال وإكبار منهن.

وإني أؤكد للأستاذ إننا لم نترك مطعنًا لطاعن أو منفذًا للتأويل المشوه الذي خشيه فضيلته في كتابه؛ حيث أثبتنا أن الدين الإسلامي منح المرأة حقوقًا كثيرة، إلا أن جهلها لانحطاط التعليم في مصر هو سبب استسلامها لهضم تلك الحقوق.

ولو أنها نالت من التعليم قسطها؛ لتمتعت بكل حقوقها ولأصبحت في رغد من العيش وطمأنينة من الحياة، كل ذلك وضحناه في المؤتمر بصوت عال ودللنا عليه بالحجج والبراهين.

ولا أظن فضيلة الأستاذ يصر بعد ذلك كله على إنكار السفر علينا إلى المؤتمر.

أما مواد البرنامج، فإننا لم نفكر في أخذ رأي المؤتمر فيها ولا في الاستعانة به في تنفيذها، اللهم إلا مادة واحدة هي مساواة المرأة للرجل في جميع أدوار التعليم بمصر. أما بقية المواد فسنتولى تحقيقها وتنفيذها بأنفسنا، وبمعونة عقلائنا من المفكرين أمثال فضيلة الأستاذ.

وفقنا الله جميعًا إلى ما فيه الخير للبلاد وإسعادها.

إن جمعية الاتحاد النسائي كانت قد عرفت طريقها وحددت مسارها، ولذلك حرصنا على أن نبذل في مختلف المجالات الاجتماعية.

ومن ذلك ما قمنا به في مجال محاربة المسكرات، فقد كان فضيلة شيخ الأزهر الشيخ محمد أبو الفضل قد تقدم بمذكرة إلى دولة رئيس الوزراء في هذا الشأن، وكان أن كتبت إليه باسم الجمعية الرسالة التالية في ٢٢ أكتوبر ١٩٢٣:

حضرة صاحب الفضيلة شيخ الجامع الأزهر

تقدم جمعية الاتحاد النسائي المصري التي تكونت بالقاهرة في شهر شعبان الماضي لفضيلتكم جزيل شكرها وعظيم امتنانها وسرورها للمذكرة التي قدمها فضيلتكم لصاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء بخصوص محاربة المسكرات، وترى الجمعية في قيام فضيلتكم بهذا الواجب أكبر عون على تقليل شر هذه الموبقة وتطهير البلاد من أثر أم الخبائث.

ومما يزيد الجمعية سرورًا أنها تجد في عمل فضيلتكم مساعدًا قويًّا لتحقيق المادة السابعة من قانونها الذي تسعى بكل قواها لتنفيذه نظرًا لمقام فضيلتكم الديني، وترجو الجمعية أن تكون هذه المذكرة أول حلقة من سلسلة مذكرات البلد في أشد الحاجة إليها … وترجو أن يكون نداؤكم هذا منبهًا للأفكار إلى ما حوته الشريعة الغراء من تقبيح شرب الخمر وخطر مضاره، كما ترجو أن يقتدي جمهور الأمة بهذا الإرشاد حتى يكون عضدًا لجمعية الاتحاد النسائي في تسهيل مهمتها لنشر الدعوة المحققة لما قصدته الشريعة الغراء، وهي ترجو من مقامكم استمرار العناية في حث رجال الحكومة على مؤازرة الفضيلة، وفي حملها على إصدار قانون يحرم استعمال هذه المسكرات.

والجمعية ترجو من فضيلتكم أن تضيفوا إلى ما يستحق عنايتكم لفت نظر الحكومة إلى محلات الفسق التي انتشرت في البلاد بشكل أصبح خطرًا على الأخلاق والفضيلة، ففي الاعتراف بها والتصريح بوجودها أكبر عار على حكومة إسلامية تنص في دستورها أن دين الدولة الإسلام.

وللجمعية كبير الأمل في تعضيد فضيلتكم لكل من يعمل بما يعود على البلاد بالخير والإصلاح، ونتشرف بأن نهدي لفضيلتكم نسخة من قانون الجمعية راجية أن ينال من فضيلتكم عطفًا وقبولًا.

هدى شعراوي
وفي ٣٠ أكتوبر، تلقيت خطابًا من فضيلة شيخ الأزهر ردًّا على خطابي إليه، وقد نشرته الصحف في اليوم التالي. وهذا نص الخطاب:

إلى صاحبة العصمة السيدة هدى شعراوي رئيسة جمعية الاتحاد النسائي المصري

تلقينا بمزيد من السرور كتاب عصمتك الكريم المؤرخ في ٢٢ أكتوبر سنة ١٩٢٣، الذي تفضلت فيه بإبلاغنا شكر الجمعية على المذكرة التي قدمناها لحضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء ببيان ما في المسكرات من الضرر العقلي والبدني والمالي، والتماسًا بلسان الشرع الشريف منع تعاطي المسكرات واقتنائها وإدخالها المملكة المصرية حفاظًا للأمة وعملًا بما يقتضيه الدين الحنيف.

ولقد علمنا من قدر هذه الجمعية الشريفة الأمور حق قدرها وسعيها في نشر الفضائل ومحاربة الرذائل. إن في مصر الآن من فضليات السيدات من لا تقل شأنًا عمن لهم أثر صالح من الرجال في الهيئة الاجتماعية … ونسأل الله جل شأنه أن يكثر من السيدات المتمسكات بالآداب الشرعية، الداعيات إليها، لتنال الأسرة المصرية سعادتها الكاملة.

ومما عنينا به ولا يزال نصب أعيننا ما أشارت إليه الجمعية من الكلام في تطهير البلاد المصرية من محلات الفسق التي هي خطر عظيم على الأخلاق الدينية.

وإنا لنثني على الجمعية الثناء المستطاب لتفكيرها في هذا الأمر أيضًا، ونشكر لها تفضلها بإرسالها إلينا نسخة من قانونها الذي سننظر فيه من الوجهة الشرعية.

ونسأل الله لها المعونة والتوفيق إلى ما فيه الخير، ولعصمتك وللجمعية منا التحية والسلام.

شيخ الأزهر
محمد أبو الفضل

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤