الفصل السادس والعشرون

بعد أن شاركت المرأة المصرية مشاركة فعالة في ثورة ١٩١٩، وبعد أن عبرت عن نفسها وصوتها في كل الأحداث الوطنية الكبرى، وبعد أن استطاعت أن ترفع صوتها في المحافل الدولية، وأن تنال تقدير المرأة الأوروبية في مؤتمر روما، وبعد أن دعت إلى رفع الحد الأدنى لسن الزواج إلى ستة عشر عامًا بالنسبة للفتاة، وطالبت بضرورة حصولها على كل فرص التعليم، وبأن تفتح أمامها أبواب المدارس العليا … بعد كل هذا، فقد كنا نتصور أن يكون هناك اعتراف بأن المرأة تمثل نصف الأمة، وأن يتبلور هذا الاعتراف بتكريمها في المناسبات الوطنية المختلفة.

ولكن الحقيقة جاءت مختلفة عن ذلك تمامًا؛ فقد فوجئنا أن المرأة المصرية لم يقبل طلبها لحضور حفل افتتاح البرلمان، في الوقت الذي دعيت فيه سيدات أجنبيات لحضور هذا الحفل، وكان أن أصدرنا في ١٦ مارس ١٩٢٤ بيان احتجاج على النحو التالي:

لجنة الوفد المركزية للسيدات تحتج بشدة بصفتها هيئة تمثل الأمة التي اشتركت في الجهاد والتضحية لاستقلال بلادها، على رفض طلبها لحضور حفلة افتتاح البرلمان، وترى في إغفال وزارة الشعب دعوتها في وقت دعت فيه سيدات أجنبيات عملًا لا يليق بالكرامة.

وفي يوم الجمعة ٣١ مارس ١٩٢٤، اجتمعت لجنة الوفد المركزية للسيدات بدار جمعية المرأة الجديدة، وقررت بالإجماع توجيه ما يأتي لمجلس النواب والشيوخ بمناسبة خطاب العرش.

مع ثقة أعضاء اللجنة بالوزارة، ترى أن خطبة العرش غير وافية، وفيها من الغموض ما يمكن أن يؤوله الخصم في مصلحته؛ لذلك تعتمد اللجنة على حضرات النواب أن يتداركوا بحكمتهم إدخال التعديلات الآتية على خطبة العرش:
  • (١)

    النص على تعديل الدستور حتى يكون طبق الدساتير الحديثة، وأن تذكر فيه حدود الدولة المصرية مع النص على أن السودان جزء منها لا يتجزأ.

  • (٢)

    النص على إصلاح القوانين الخاصة بحرية الاجتماعات والصحافة.

  • (٣)

    النص على تعديل مواد الدستور الخاصة بالمسئولية الوزارية تعديلًا يجعل الأمة صاحبة الحق في حكم البلاد.

  • (٤)

    النص على تقوية الجيش المصري والقوى الحربية الأخرى ما يكفل المحافظة على سلامة الدولة.

توقيعات: هدى شعراوي، نعيمة أبو إصبع، روجينة خياط، نعمت حجازي، أستر ويصا، فايقة رفيق، ألفت راتب، عزيزة فوزي، إحسان أحمد، فكرية حسني.

وكما قلت من قبل، فإننا في الوقت الذي كنا نشارك فيه ونتابع الأحداث السياسية وتطوراتها، كنا أيضًا وبالحماسة نفسها، نبذل في ميدان الخدمة الاجتماعية، وهكذا فإنه في شهر أبريل ١٩٢٤، أعلنت جمعية الاتحاد النسائي المصري الجمهور أنها فتحت أبواب دار التعاون الإصلاحي التي أنشأتها بشارع يحيى بن زيد رقم ٤٥ بالبغالة لمعالجة الفقيرات وأطفالهن، وصرف الدواء لهن مجانًا، وتعليمهن بعض الأعمال اليدوية ومبادئ الدين والمبادئ الصحية ومحاربة الخرافات، وأكدت أنها قد باشرت مهمتها منذ أول فبراير الماضي كل يوم صباحًا بمساعدة حضرات الأطباء الغيورين المتطوعين لهذا الغرض الشريف حسب النظام الآتي:
  • يوم السبت: الدكتور عبد العزيز نظمي لمعالجة أمراض الأطفال والعيون.
  • يوم الأحد: الدكتور محجوب ثابت لمعالجة الأمراض الباطنية.
  • يوم الاثنين: الدكتور عبد الحميد وفا لمعالجة أمراض النساء والجراحة.
  • يوم الثلاثاء: الدكتور سامي كمال لمعالجة الأمراض الباطنية والأطفال.
  • يوم الأربعاء: الدكتور عبد الحميد وفا لمعالجة أمراض النساء والجراحة.

هذا؛ ولما كان القيام بهذا المشروع يتطلب الكثير من النفقات، فالجمعية ترجو المعونة المالية من أهل الخير مساعدة لها على القيام بمهمتها الجليلة التي لها أكبر أثر في تحسين حالة الفقيرات الصحية والأخلاقية بما يتمناه كل وطني صادق.

كذلك يسر الجمعية لو تطوع بعض المعلمات أو المعلمين ساعة في اليوم للتعليم في دار الجمعية.

إلى الشعب المصري

كان صاحب الدولة سعد باشا زغلول على رأس الوزارة التي تألفت في شهر مارس ١٩٢٤، وكنا قد نبهنا الأذهان إلى ضرورة النص على أن السودان جزء لا يتجزأ من الدولة المصرية، وقد حدث في يوم ٢٤ مايو ١٩٢٤ أن جرت مناقشة في مجلس النواب بين سعد باشا زغلول وبعض النواب بشأن الأعمال الجارية في السودان، وكان موقف سعد باشا من هذه المناقشة يدعو إلى أن نعبر عن رأينا، وكان هذا البيان الذي وجهناه إلى الشعب المصري رجالًا ونساء:

هالنا ما جاء في مناقشة صاحب الدولة سعد زغلول باشا بمجلس النواب، بشأن الأعمال الجارية في السودان بجلسة السبت ٢٤ مايو ١٩٢٤.

هالنا أن يوجه دولته إلى حضرة النائب المحترم عبد الرحمن بك الرافعي، العبارة الآتية (نريد أن نعرف الطريقة التي نملك بها السودان والمشروعات ونحن ليس في إمكاننا منع ما هو حاصل).

تقبلنا البرنامج الذي وضعه دولته عند تشكيل وزارته بالرضا، واعتبرناه عهدًا وميثاقًا على وزارته أمام الأمة، فلم يكن أحد يشك في أنه أعد مع من اختارهم من زملائه الوسائل والطرق التي توصله لتحقيق مطالب الأمة (في الاستقلال الحقيقي لمصر والسودان)، خصوصًا عندما رأيناه راغبًا كل الرغبة في تبوء منصة الحكم رغم نداء طبقة كبيرة من الأمة على رأسها صاحب السمو الأمير عمر طوسون بعدم قبولها. انتظرنا من عهد توليته الحكم أن يعمل على تحقيق برنامجه، وقد مرت عدة حوادث كان من شأنها أن توجب الريبة والشكوى من تصرف الوزارة مثل تنفيذ قانوني التعويضات والتضمينات، ومثل رفضها إجراء أي تعديل وتوضيح لخطبة العرش.

فاحتطنا هذه التصرفات كلها انتظارًا لما عسى أن تؤديه وزارة الأمة من تحقيق مطالبها الحيوية الخاصة بمصر والسودان. فإذا بدولة سعد باشا رئيس الوزارة ورئيس الوفد وواضع ذلك البرنامج ينادي في جلسة مجلس النواب بأنه في حاجة لمن يرشده إلى الطريقة العملية التي تنال بها مصر حقها في السودان، وإذا به كذلك يقول أيضًا مخاطبًا نواب الأمة (إذا كان في إمكانكم عمل تجريدة أو عندكم قوة لمنع الإنجليز وأخذ السودان من أيديهم، فتفضلوا ودلوني عليها).

إلا أن وضع هذا السؤال بهذه الكيفية — وسعد باشا يعلم كما يعلم غيره أن مصر لا طاقة لها على تعبئة تجريدة عسكرية تقوى على إخراج إنجلترا من السودان — هو اعتراف بالعجز وتصريح لا يقبل الإيهام بأن دولته لم يعد يعتمد على ذلك السلاح الذي كان يعتمد عليه قبل توليته الحكم، أي وهو سلاح الحق الذي تستمد منه الأمة قوتها ثقة أنه أعظم أثرًا من القوة المادية التي يملكها خصمها.

في هذه الحالة، يعلن الشعب المصري الكريم رجالًا ونساء أنه لا يوجد خطر على القضية المصرية أكبر من أن يتولى المفاوضات مع إنجلترا رجل يعترف علانية أمام هيئة رسمية نيابية، بأنه عاجز عن تنفيذ ما عاهد به الأمة قبل وعند توليه الحكم، ولعل سعد باشا يكون أول من شعر بعظم المسئولية ويهيئ لأمته مخرجًا من هذا الضيق.

هدى شعراوي

استقالة شريفة هانم رياض

كانت السيدة شريفة هانم رياض من أبرز الشخصيات في لجنة الوفد المركزية للسيدات وأكثرهن نشاطًا، وقد شاركتني في كثير من المواقف منذ بدأنا التفكير في إنشاء لجنة السيدات إثر اندلاع ثورة ١٩١٩.

وخلال الفترة الأخيرة، كانت قد اعتكفت بسبب ظروف الحداد، ولذلك فإنها لم توقع معنا على البيان الذي أصدرناه بمناسبة خطبة العرش في ٢١ مارس ١٩٢٤، ولقد كانت الموافقة على هذا البيان بالإجماع، ولكن إزاء تطور الأحداث والمواقف، وقعت بعض الخلافات نتيجة اختلاف وجهات النظر، وفي الوقت الذي كنت أترقب فيه عودة شريفة هانم رياض لممارسة دورها في اللجنة، وصلني منها خطاب استقالة بتاريخ ١٨ يونيو ١٩٢٤. وهذا هو نص الخطاب:

حضرة السيدة المحترمة رئيسة لجنة الوفد المركزية للسيدات

لقد حال حدادي دون الاشتراك مع الجمعية في عملها، ولما رأيت أثناء اعتزالي القهري وقع الخلاف في الرأي بين حضرات العاملات بالجمعية، سعيت جهدي للتوفيق بين حضراتهن فلم أوفق؛ ولذا أراني آسفة لاضطراري الاعتزال من العمل بالجمعية، على أني لا أدخر وسعًا في العمل لما فيه صالح البلد عامة والمرأة خاصة متى استطعت لذلك سبيلًا.

وتفضلي بقبول احتراماتي.

شريفة رياض
وفي اليوم التالي مباشرة، أي في يوم يونيو ١٩٢٤، كتبت ردي على الاستقالة، الذي نشرته جريدة الأخبار، وكان نصه كالتالي:

حضرة صاحبة العصمة هانم رياض

تسلمت كتاب استقالتك من عضوية لجنة الوفد المركزية للسيدات، فكان له وقع شديد على نفسي، وأسفت غاية الأسف لاعتزالك العمل في هذا الوقت الذي هو أشد الأوقات حاجة لمن يعمل لمصلحة الوطن بنزاهة وإخلاص.

وإني مع تقديري للظروف التي اضطرتك لذلك، ما زلت عظيمة الرجاء في أن تكون هذه الاستقالة مؤقتة، وأنك ستعودين قريبًا لاستئناف العمل معنا لما فيه المصلحة العامة.

وأرجو أن تتقبلي مع تكرار عبارات خالص التحية والاحترام.

هدى شعراوي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤