الفصل السادس والثلاثون

توطدت الصلة بين جمعية الاتحاد النسائي المصري وبين الجامعة الأمريكية في القاهرة بعد عودتي من رحلتي إلى أمريكا وأوروبا، وكان من دوافع ذلك أن دور الاتحاد في الحياة العامة قد أصبح بارزًا ومفهومًا، وبخاصة لدى المرأة الأمريكية والأوروبية، وكان من الطبيعي أن يحدث هذا التعاطف الذي يدل على التقدير المتبادل.

وكنت بعد عودتي من هذه الرحلة، قد دعيت لإلقاء محاضرة عن الحركة النسائية المصرية في الجامعة الأمريكية، وقد شاءت الظروف أن يتأخر موعد هذا اللقاء فترة من الوقت بسبب انشغالي ببعض القضايا الاجتماعية والنسائية، إلى أن أتيحت الفرصة وألقيت محاضرتي، وقد لقيت من الاهتمام والتقدير ما دفع الجامعة الأمريكية إلى تكرار هذه اللقاءات، تحقيقًا للفائدة المرجوة من وراء إبراز دور الحركة النسائية في مصر، وقد رأيت أن تكون المحاضرة التالية للسيدة إحسان القوصي سكرتيرة الجمعية، وقد ألقيت المحاضرة في ١٤ أبريل ١٩٢٨؛ حيث تحدثت إلى جماهير الحاضرين عن أعمال الاتحاد والنهضة النسائية وجهود جمعيتنا، وقد رأيت أن أسجل هذه المحاضرة للتاريخ.

أيها السادة …

ليس بين نابهي المصريين من يجهل اسم أهم جمعية نسائية مصرية. ليس بينهم من لا يعرف شيئًا عما قامت وتقوم به جمعية الاتحاد النسوي من جليل الأعمال، غير أن الذين يعلمون حق العلم حقيقة غايتها قليلون، وأرى المصريين تجاه هذه الجمعية ثلاثة أقسام: فريق العامة، وهؤلاء لا يعرفون عنها شيئًا، اللهم إلا آلافًا منهم نالهم من بر الجمعية ومساعداتها المادية والأدبية ما جعلهم يشعرون بوجودها وعظيم فائدتها.

وفريق الخاصة العاملين منهم والمتتبعين للحركة الفكرية والمهتمين بالنهضة العامة في جميع أنحائها، وهؤلاء أعرف الناس بها.

أما الفريق الثالث فقد عرف عن الجمعية شيئًا وغابت عنه أشياء، ولذلك نرى منه العاطفين عليها والمحايدين وغير المرتاحين للفكرة لإساءتهم فهم غايتها وجهلهم حقائق لو علموها، لكانوا في طليعة المشجعين لنا.

عرف أعضاء الجمعية ذلك، فشعروا بوجوب إيقاف الجمهور على حقيقة أمرها، طلبًا للإنصاف وتعضيدًا للغاية السامية النبيلة التي تسعى إليها؛ لذلك أحدثكم الآن عن جمعيتنا … حديثًا يقف بكم على حقيقة غايتها وما قامت به داخل البلاد وخارجها وما تواصل السعي لتحقيقه، وغرضي من ذلك أمران؛ الأول: إزالة ما علق بأذهان البعض خطأ عن غايات الجمعية، والثاني: الحصول على المعونة الأدبية والفعلية من كل وطني يغار حقًّا ويسعى فعلًا لنهضة بلاده واستقلالها.

أيها السادة …

لقد كان من يمن مصر ودلائل نضوج نهضتنا النسوية المباركة، أن اجتمع لفيف من السيدات المصريات في السادس عشر من شهر مارس ١٩٢٣ بمنزل السيدة الجليلة هدى هانم شعراوي وقررن تأسيس جمعية الاتحاد النسائي المصري التي يتلخص برنامجها الواسع في الأمور الآتية:
  • (١)

    ترقية مدارك المرأة عقليًّا وأدبيًّا لتحصل على حقها في الحياتين الاجتماعية والسياسية ولتساوي الرجل أمام العرف والقانون.

  • (٢)

    المطالبة بمساواة النساء للرجال في التعليم العالي لمن أرادت.

  • (٣)

    تنظيم أسلوب الخطبة بحيث يكون الرجل على علم تام بامرأته قبل العقد، كما تكون هي كذلك.

  • (٤)

    السعي لإصلاح القوانين العملية للعلاقة الزوجية وجعلها منطبقة على ما أرادته الشريعة، وصيانة المرأة منا للظلم الواقع عليها بتعدد الزوجات بدون مبرر والإسراع في الطلاق بدون سبب جوهري.

  • (٥)

    المطالبة بسن قانون يمنع زواج البنت قبل السادسة عشرة من عمرها.

  • (٦)

    السعي بمختلف الوسائل لتحسين حالة الشعب الصحية.

  • (٧)

    السعي لنشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة.

  • (٨)

    محاربة البدع والخرافات التي تتعارض مع العلم الصحيح.

  • (٩)

    نشر الدعوة بكل الوسائل المشروعة.

وهنا أيها السادة يجدر بي أن أقول كلمة موجزة عن كل مادة من المواد السابقة وما استطعنا الوصول إلى تحقيقه … تطلب الجمعية في المادة الأولى حق الانتخاب والمساواة مع الرجل اجتماعيًّا وسياسيًّا وأمام العرف والقانون، وما أظن منصفًا حتى ولو كان من غلاة الرجعيين ينكر أن المرأة تدفع الضرائب كالرجل سواء بسواء، وأنها مسئولة مثله أمام الشريعة والقانون، وأن الوطن وطنها كما هو وطن الرجل ويهمها من أمره ما يهمه … فبأي حق يمنعها الرجل من الاهتمام بشئونه ومشاركته في العمل لخيره؟ وبأي حق وهي تدفع من ثروتها ما ينفق على مختلف المرافق العامة تبعد عن الاشتراك في تقرير وجوه صرفه؟ وبأي حق تخضع لتشريع وتتحمل آثاره وليس لها صوت في وضعه؟

هذه الأسباب أيها السادة مضافًا إليها شعور المرأة بشخصيتها وكرامتها، هي التي حدت بنا للاحتجاج على الحكومة سنة ١٩٢٢ لإغفالنا عند وضع الدستور وعدم إعطائنا حق الانتخاب، ذلك الحق الذي يتمتع به الأمي الجاهل ويملكه الخالي من الملك ولا تملكه المرأة ولو كانت متعلمة وتدفع الضرائب.

أما المادة الثانية فتطالب بمساواة النساء للرجال في التعليم العالي لمن أرادت، وهو طلب عادل يقضي به المنطق للأسباب الآتية:
  • أولًا: نعرف أنه كلما زاد تعليم المرأة أحسنت القيام بالواجب عليها زوجة وأمًّا بيدها صوغ رجال المستقبل.
  • ثانيًا: تسهيلًا لمن تبغي من ورائه الكسب الشريف.
  • ثالثًا: مساعدة لمن تمتاز بمواهبها على ظهور نبوغها والانتفاع به.
  • رابعًا: رفعًا لمستوى العقلية العامة في البلاد.
  • خامسًا: لأن التفاهم أساس السعادة العائلية ولا يكون على أتمه بين زوج متعلم وامرأة لم تنل التعليم إلا يسيرًا.

حقائق لم تغب عن ولاة الأمور، وبذلك أجاب سعادة زكي باشا أبو السعود وزير المعارف في ذلك الوقت بأنه سيدرس الموضوع ووعد بتحقيقه قريبًا، ويسرنا أن قد تحققت المساواة في التعليم في أوائل سنة ١٩٢٤.

أما المادة الثالثة فتقول بتنظيم أسلوب الخطبة؛ بحيث يكون الزوجان بعضهما على علم ببعض قبل العقد؛ ابتغاء للسعادة العائلية؛ وتجنبًا لما عساه أن يحدث من عدم الوفاق لاختلاف الأذواق والمشارب بين الأفراد، والجمعية في ذلك غرضها تحقيق ما تقول به الشريعة وتتطلب المصلحة، ولا تريد بذلك التوسع في مقدمات الزواج كما هو في البلاد الغربية.

أما المادة الرابعة التي تنص على السعي لإصلاح القوانين العملية للعلاقة الزوجية وجعلها منطبقة على ما أرادته الشريعة، وصيانة المرأة من الواقع عليها بتعدد الزوجات بدون مبرر والطلاق بدون سبب جوهري؛ فتحتاج إلى عناية كل فرد واهتمام أولي الأمر؛ لأنها تتناول مسائل حيوية يتوقف عليها هناء العائلة وسلامتها.

لذلك رأت الجمعية مطالبة أولي الأمر بإصلاح هذه الحال ليزول الإجحاف ويحقق العدل والسلام، فرفعت تقريرًا في ٢١ نوفمبر ١٩٢٦ إلى أصحاب الدولة والمعالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الحقانية ورئيسي مجلس الشيوخ والنواب، تطلب فيه إصلاح القوانين العملية للعلاقة الزوجية وصيانة المرأة من الظلم الواقع عليها:
  • أولًا: من تعدد الزوجات.
  • ثانيًا: من الإسراع في الطلاق بدون سبب جوهري.
  • ثالثًا: من الظلم والإرهاق الذي يقع عليها فيما يدعى دار الطاعة.
  • رابعًا: من أخذ أولادها في حالة افتراق الزوجين في سن هم فيها في أشد الحاجة لعنايتها وحنانها.

أمور أربعة أردت بها رفع الحيف وإحكام الرابطة العائلية وسيادة الهناء فيها: أمران هما ولا شك من أهم أغراض الشارع، ولو أن كل رجل اتقى الله وأحسن استعمال حقه عند الضرورات التي شرع لها لما كان هناك محل لشكوانا، لكن كم من نساء يطلقن لأوهى الأسباب، وكم من نساء يتزوج أزواجهن لغير ما سبب إلا أنانية الرجل وهواه.

أما مسألة إكراه الزوجة على الذهاب إلى ما يدعى دار الطاعة، فمسألة من الأهمية بمكان؛ لأنها أصبحت سلاحًا يستعمله الرجل حينما تخرج زوجته من داره لسوء معاملته أو تعذر العيش معه بهناء وراحة. تخرج فيتركها لأي وقت شاءت وقد يجد سعادة في هذا الفراق، فإن حدثتها نفسها بطلب الإنفاق عليها، وقد يكون الباعث لها على ذلك رغبتها في الطلاق منه، فإنك تراه يطلب من القاضي الشرعي الحكم عليها بالدخول في طاعته، لا رغبة في معاشرتها وإنما يريد إكراهها على إعطائه مبلغًا من المال نظير الطلاق إن كانت موسرة، أو إبراء ذمته من النفقة ومؤخر الصداق إن كانت معسرة.

بقيت المسألة الرابعة، ألا وهي رعاية الطفل وتقرير من له حق الولاية عليه عند اختلاف الأبوين أو موت أحدهما، وهي تستدعي النظر في إصلاحها لأننا نرى أن الجاري عليه العمل في القضاء الشرعي ليس وافيًا دائمًا بوضع الطفل تحت مراقبة صحية ويد باردة تُعنَى بتربيته.

المادة الخامسة: رأت الجمعية أن السواد الأعظم من البنات يتزوجن في سن لا تكون فيها أعضاؤهن قد تم نموها، فيتسبب عن ذلك كثير من العلل التناسلية وضعف النسل والعقم … إلخ، على أنه لصغر سنهن لا يحسن القيام بوظيفة الأمومة؛ لجهلهن بتربية الأطفال وسبل وقايتهم الصحية، فيتسبب عن ذلك موت الأطفال أو على الأقل اعتلالهم، وقد قدمنا طلباتنا في عهد وزارة يحيى باشا إبراهيم سنة ١٩٢٣ فأعارها الاهتمام واقتنع بصحتها، وصدر القانون القاضي بمنع زواج البنت قبل السادسة عشرة. غير أن الوزارة سنة ١٩٢٤ أصدرت منشورًا يفسر هذا القانون تفسيرًا لا يتفق مع الغاية التشريعية التي صدر من أجلها، إذ يجيز لمأذون العقود أن يقبل شهادة الأبوين أو أحد الأولياء بأن البنت بلغت السادسة عشرة، دون أن يقدموا ما يؤيد شهادتهم بوثيقة رسمية، فكأنه بذلك اعتبر الخصم حكمًا، وأضاع المصلحة بتفسيره، وساعد الأولياء على تأدية شهادة قد لا تكون في كثير من الأحيان متفقة مع الواقع، لذلك طالبنا أولي الأمر، ولنا كبير الأمل، أن يصدروا ما يعيد للقانون الأول قوته ويحقق الغاية من إصداره.

المادة السادسة: السعي بمختلف الوسائل لتحسين حالة الشعب الصحية، فقد عملت له الجمعية أولًا بأن ضمنت مطالبها التي قدمتها لنواب الأمة وصحافتها سنة ١٩٢٤ متحدة مع لجنة الوفد المركزية للسيدات الأمور الآتية:
  • أولًا: إدخال القواعد الأولية من علم الصحة في برنامج التعليم.
  • ثانيًا: إصدار القوانين اللازمة لمحاربة المخدرات والمسكرات صيانة للأخلاق وحفظًا للنسل.
  • ثالثًا: العمل على تعميم المستشفيات في جميع مراكز القطر لا سيما مستشفيات الأمراض المعدية والسرية وأمراض البلهارسيا والانكلستوما.
  • رابعًا: إنشاء مصحات لأطفال الفقراء يقصدها الضعفاء والناقهون لاسترداد قواهم.
  • خامسًا: إنشاء بساتين داخل المدن مع إيجاد ملاحظات لمراقبة أطفال الفقيرات اللاتي يذهبن للتكسب ويتركن أطفالهن يلعبون في هذه الحدائق الصحية النظيفة.

المادة السابعة: السعي لنشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، رغبة في تحقيق ذلك الغرض الشريف، وإيمانًا بأن الأخلاق هي الأساس المتين الذي تقوم عليه عظمة الأمم، تقوم الجمعية بتهذيب الفقيرات وتعليمهن ما يساعدهن على الكسب الشريف ويقيهن شر مخاطر الحاجة، كما طلبت إدخال التعليم الديني والخلقي في عموم المدارس، ومحاربة المخدرات والمسكرات والبغاء.

المادة الثامنة: محاربة البدع والخرافات التي تتعارض مع العلم الصحيح، ولتحقيق ذلك طلبت الجمعية من الحكومة أن تضرب على أيدي الدجالين وألا تعطي رخصة لإقامة الزار.

المادة التاسعة: وهي تتناول نشر الدعوة بكل الوسائل المشروعة، وفي الداخل كانت أعمال الجمعية كفيلة بتعريف الناس بها ونشر الدعوة لها … أما في الخارج فكان الفضل الأكبر في نشر دعوة الجمعية ودعوة مصر لرئيسة الجمعية الفاضلة السيدة هدى هانم شعراوي مع اعترافي بما لكل عضو في الجمعية من فضل.

هذه كلمتي، أرجو أن تجد أذنًا مصغية وهمة عالية، وقبل أختم كلمتي، أرجو أن يتأكد الرجال أننا لا نطلب حق المساواة لنزاحمهم وننافسهم، وإنما نطلبه لنتعاون وإياهم على ما فيه خيرنا جميعًا وخير مستقبل بلادنا، فما الوطن إلا عائلة كبرى في حاجة لتعاون كل فرد فيها. ولا يتم التعاون الحقيقي إلا إذا ساد حسن التفاهم المؤسس على الحق والعدل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤