السفر إلى باناما

فأما أنا الحقير فقصدتُ مرافقة هؤلاء التجار للبيروه، فاستكريتُ ثلاثة بغال بتسعين غرشًا، أما الحاكم فما أراد يخليني أن أروح وحدي لسبب الجبال التي يوجد فيها نوع من الحشيش يشبه الخيزران الرفيع، فلما يمر عليه رجل أبيض عابر الطريق يرتفع من الأرض مثل عود السهام ويدقر «يمس» الإنسان، ولا يشفى المصاب بهذه الدقرة إلى الموت، لكنَّهُ لا يدقر الهنود العبيد ولا يضرهم. فلما حكى لي الحاكم بهذا الشيء قلتُ له: لا أصدق إن لم أرَ بعيني. فقام أرسل معي خادمه — وهو أحمر — حتى يريني ذلك الحشيش، فلما وصلنا إلى الموضع الذي يوجد فيه هذا الحشيش جاء الخادم إلى جانب فرسي واختفى، فما رأيت هذا الحشيش وهو بعيد عشرة أذرع عن الدرب إلا وارتفع وامتد أن يجيء يلدغني فخرج الأحمر وصاح عليه «دونك يا كلب»، فلما صاح عليه وقع على الأرض، وأنا شاهدتُ ذلك بعيني،١ وأيضًا في هذا الجبل رأيت أغصانًا ساوية معدلة من غير ورق، وفي كل غصن ثلاثة جوزات مثل القطن، فإذا انفتح جانب الجوزة رأيت داخلها حمامة بيضاء بجناحها كاملة ورجليها ومنقارها أحمر وعيونها سود، فهذه يسمونها زهرة الروح القدس، وكثير من حكام السبنيولية أرادوا أن يحضروا منها ويزرعوها في إسبانية فما قدروا،٢ فمن بعد خروجنا من بورتو بلو عبرنا في نهر صغير قليل الماء لكنه محجر، فمشينا فيه ثلاث ساعات،٣ ومن بعد ذلك صعدنا إلى رأس جبل لنرقد تلك الليلة. وهذا المنزل يسمى بوركارفون، وثاني يوم سافرنا ورقدنا في منزل آخر يسمى جاكري. ومن ذلك المنزل دخلنا إلى البلدة التي تسمى باناما الجديدة؛ لأن من سابق عام كان قد احترقت باناما القديمة،٤ ولما وصلتُ إلى البلد رأيت كل البيوت معمرة من خشب. وثاني يوم نزلت عند أسقف هذه البلدة، فرأيته رجلًا قديسًا، فصار لي معه صداقة عظيمة حتى تخاوينا مع بعضنا بعضًا، فهو أعطاني خاتمهُ، وأنا أيضًا أعطيته خاتمي. وهذا الأسقف الشريف كان اسمهُ دون أنطونيو ده ليون، وأعطاني عكازته الصغيرة التي كان يمسكها في يده، وبقيتُ في هذه البلدة مقدار شهر.
١  نستغرب هذا الوصف، فقد طالعنا رحلات المعاصرين ونقرنا في كتب العلم فلم نرَ إثباتًا لما ادعى صاحبنا أنه رآه مرأى العين، وقد يكون هناك خزعبلة أراد بها الحاكم أن يمنع السائح عن السفر، اللهمَّ إن لم نأوِّل كلامه فنعزوه إلى وصف الثمرة المعروفة باسم Hura crepitans التي إذا ما نضجت تفرقعت بدويٍّ كدويِّ إطلاق بارودة.
٢  لعلَّها الزهرة المسمَّاة Polygala مع المبالغة في وصفها.
٣  هو نهر شاغر Chagre.
٤  أغار القراصينُ الإنكليز بقيادة زعيمهم مورغان Morgan سنة ١٦٧٠ على باناما فنهبوها وأحرقوها فأعاد الإسبانيون عمارها قبل وصول سائحنا بمدة قصيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤