المحترف … «جاك الصلب»!

كانت الشمس تنسحب من الوجود … وكان الشفقُ يصبغ السماءَ بلونٍ ذهبيٍّ يميلُ إلى الاحمرار، وتنعكسُ الظلالُ على الأشياء، فيبدو كلُّ شيءٍ وكأنه يستغرقُ في بحرٍ من الذهبِ. كان المنظرُ رائعًا تمامًا، حتى إن أحدًا من الشياطين لم ينطق بكلمة. كانوا جميعًا يقفون في الشرفة الواسعة في المقرِّ السريِّ يراقبون هذه اللحظة البديعة … فجأةً تردَّد صوتٌ جعلهم يتلفتون بسرعة، كان الصوتُ دعوةً من رقم «صفر» للاجتماع.

قالت «إلهام»: تمنيتُ أن أظلَّ هكذا، ويظل هذا المنظر لا يتغير!

علَّقَت «زبيدة»: من الضروري أن يتغيَّر المنظرُ … فبعد قليل تنسحب الألوان الجميلة ويبدأ الليل.

ابتسمَت «إلهام» وهي تقول: إنني أتمنى فقط!

قال «مصباح»: ليس هناك مجالٌ للأمنيات الآن … فقد دعانا رقم «صفر» للاجتماع … وإذا كانت هناك أمنية … فهي أن أنطلق الآن لمغامرة جديدة!

ضحك الشياطين، وعلَّق «أحمد»: هذه أمنية طيبة، ويمكن تحقيقُها؛ أما أمنية «إلهام» فهي مستحيلةُ التحقيق!

تردَّد الصوتُ مرة أخرى، فقال «بو عمير»: يبدو أن الاجتماع سوف يكون خطيرًا … فنادرًا ما يكرِّر رقم «صفر» النداء!

قالت «ريما» هذه حقيقة، وعلينا أن ننصرف بسرعة!

غير أن «أحمد» قال: إن دعوة رقم «صفر» معناها أن أمامنا ربعَ ساعة للاجتماع … فقد مرَّت ربعُ ساعة بين النداء الأول والثاني … إن أمامنا ربعَ ساعة أخرى!

قالت «ريما»: أُفضِّل أن أذهب للاجتماع مبكرًا!

أخذ الشياطين يتحرَّكون في نفس الوقت الذي كانت فيه الشرفة تُقفل أوتوماتيكيًّا في هدوء، بينما كانت الألوان في الوجود قد تغيَّرَت فعلًا، واحتلَّ لونٌ رماديٌّ مكانَ اللون الذهبيِّ. إن الليل يزحفُ على الكون الآن. ألقى «أحمد» نظرةً سريعة على الظلام الذي بدأ يُحيط بالمكان … كان ظلامًا هادئًا … لا يقطعه أيُّ صوت … قال في نفسه: إنها لحظة رائعة للتأمل.

كان الشياطين قد غادروا المكان، ولم يبقَ إلا «أحمد». فكَّر قليلًا ثم همس: الإنسان في حاجة إلى كثير من التأمل، وحتى يستطيعَ أن يرى حياته جيدًا.

ثم أخذ طريقه خلف الشياطين … كان الاجتماع في القاعة الصغرى، حيث كانت الأضواء تلمع بشدة، حتى إن «أحمد» شعر بالفارق بين لحظة الغروب وقاعة الاجتماع. كان الشياطين قد أخذوا أماكنهم في المقاعد التي تمثِّل شكلَ حدوة حصان؛ حيث يدور ثلاثة عشر مقعدًا تمثِّل عددَ الشياطين. لم يبقَ إلا مقعدٌ واحدٌ في أول الحدوة، حيث تعوَّد «أحمد» أن يجلس. أخذ مكانَه، ولم يكَدْ يجلس حتى كان «مصباح» يبتسم قائلًا: أظن أن «أحمد» يعرف موضوع الاجتماع!

ابتسم «أحمد»، وقال: إذا كنت أنت تعرف، فثِقْ أنني أعرف أيضًا.

قالت «إلهام»: في العادة تكون لديك بعضُ المعلومات!

ردَّ «أحمد»: لا أظن … ولم يحدث إلا نادرًا، أن أَطْلَعني رقم «صفر» على شيء قبل أن تعرفوه. إن بعض الاستنتاجات هي التي كانت تُصادف حقيقةً أية مغامرة!

ضحكَت «زبيدة» ولم تُعلِّق … فقال «أحمد»: إن ضحكتَكِ تعني أنني أُخفي شيئًا.

قالت «زبيدة»: فقط كنت أريد أن تستنتج شيئًا عن المغامرة القادمة!

ابتسم «أحمد» وردَّ: صدِّقيني ليس في ذهني أيُّ شيء عن المغامرة الجديدة، ومع ذلك فمَن أدراكم أنها مغامرة، قد يكون اجتماعًا عاديًّا.

فجأةً جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن المغامرة قادمة إليكم!

صمت لحظةً، فنظر الشياطين إلى بعضهم، فأضاف رقم «صفر»: إنها مغامرة خطيرة تمامًا؛ ذلك لأن عصابة «سادة العالم» تستهدف ثروتَنا القومية في منطقتنا العربية!

كان وقْعُ الكلماتِ حادًّا على أسماع الشياطين، فهذه واحدةٌ من المرات القليلة التي تكون فيها ثروتُنا القومية هي هدفَ العصابة. فجأةً … بدأت الأضواءُ تنسحب من القاعة حتى بدأَت تغرق في الظلام.

ابتسمَت «زبيدة» وهي تقول: إنها تُشبه لحظةَ الغروب تمامًا!

أُضيئَت الخريطة الإلكترونية فاتَّجهَت أبصارُ الشياطين إليها … تعلَّقوا بها … لكنَّ شيئًا لم يظهر مباشرةً … فجأةً ظهرَت خريطةٌ للعالم العربي كلِّه، ثم بدأَت نُقَطٌ حمراءُ تظهر، وتُحدِّد أماكنَ معينةً، كانت واضحةً جدًّا في السعودية والكويت، ثم دولة الإمارات، ثم العراق، ثم مصر. نظر الشياطين إلى بعضهم، وقالت «إلهام»: إن هذه مناطق استخراج البترول الهامة في المنطقة العربية.

ردَّ «أحمد»: وهذه نفسُها ثروتنا القومية.

غَرِق الشياطين في تفكيرهم … لكن فجأةً قطعَت «ريما» الصمتَ قائلة: هل يعني أن العصابة تريد السيطرة على هذه المناطق؟

ردَّ «عثمان»: ليس بالضرورة أن تكون المسألة مباشرةً … فقد تكون هناك ألاعيب أخرى!

فجأةً … اختفت الخريطة، ولم تمضِ دقيقة، حتى ظهرَت خريطةٌ لأمريكا … ثم تحدَّدَت في ولاية «تكساس»، ولم تستطع «إلهام» الصمت، فتساءلَت: ماذا يعني هذا؟

– ابتسم «أحمد»، وقال: إن الزعيم سوف يُخبرنا بعد قليل.

ولم يكَد ينتهي من كلامه حتى جاء صوت أقدام رقم «صفر» يتردَّد في فضاء الصالة … وكأنه يأتي من بعيد … وقبل أن تسكنَ خطواتُه جاء صوته يقول: إن عليكم أن تستعدوا للسفر فورًا … فالمغامرة لا تحتمل وقتًا طويلًا!

ظهر الاهتمامُ الشديد على وجوه الشياطين … إن هذه الكلمات تعني أن المغامرة خطيرة فعلًا. توقَّف صوتُ أقدام رقم «صفر» … ومرَّت لحظات قبل أن يقول: إن المغامرة تعني إنقاذ العالِم العربي «شريف عربي» من النهاية!

ظهرَت الدهشةُ على وجه «أحمد»؛ فهو منذ فترة قرأ دراسةً عن أبحاث «شريف عربي» عالِم البترول … وبدأ بسرعة يخمِّن ماذا سيقول رقم «صفر». جاء صوت الزعيم يقول: أنتم تعرفون أن البترول يمثِّل الثروة القومية في منطقتنا … ولهذا فهي مطمعٌ دائم … لكل القوى العظمى … ذلك أن العالمَ كلَّه يعتمد اعتمادًا كبيرًا على بترول المنطقة العربية … وهناك دراسات … أعتقد أنكم اطلعتم عليها … حول العمر الافتراضي لهذه الثروة، ومتى ستنتهي … البعض يقول إن عمر البترول العربي لن يزيدَ على ربع قرن … والبعض قال إنه أقل من ذلك، أي بين عشرين سنة، وخمس عشرة.

صمتَ رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: إن نهاية هذه الثروة تعتبر خسارةً كبيرة لنا، وإن كانت بلاد عربية كثيرة قد بدأَت في تحقيق برامج تصنيعية طموحة، لعل السعودية نموذجٌ عظيم لها … فهي تعمل على تصنيع نفسها … قبل أن ينتهيَ زمنُ البترول … وليست السعودية فقط هي التي تفعل ذلك … فكلُّ بلاد البترول العربية تفعل نفسَ الشيء.

مرة أخرى، صمتَ رقم «صفر»، كان الشياطين ينتظرون الوصول إلى النهاية … لكن «أحمد» كان قد توصَّل إلى نوع المغامرة تقريبًا … فقد ربط بين ما يقوله الزعيم، وبين ما قرأه عن العالِم «شريف عربي».

نظرَت «إلهام» إلى «أحمد» ثم ابتسمَت … فقد أيقنَت أن «أحمد» قد توصَّل إلى نوع المغامرة … وقطع نظرتَها قولُ رقم «صفر»: إنني متأكد أيضًا يا عزيزتي «إلهام» أن «أحمد» قد عرف المغامرة … لأنه دائبُ القراءة والبحث.

صمت لحظة، ثم أضاف: هذه هي حكاية النفط العربي، الذي ينتظرون نهايته … لكنْ هناك عالِمٌ عربيٌّ شابٌّ استطاع أن يَصِل إلى اكتشاف هائل، يُكذِّب كلَّ ما يفكر فيه الغرب أو الشرق … لقد توصَّل إلى اكتشافٍ لإطالة عمر حقول البترول العربية.

عرَف الشياطين، ما سوف يفعلون … إن عصابة «سادة العالم» تريد أن تقضيَ على «شريف عربي».

جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن عصابة «سادة العالم» تريد الخلاص من «شريف عربي» حتى تنفذَ مخططاتِها في المنطقة، وهي تستفيد كثيرًا إذا توقَّف البترول العربي … وحتى لا تنكشف … فقد اختارَت شخصًا محترفًا في الرماية، يستطيع أن يتخلص من «شريف عربي» دون ضجة.

نظر الشياطين إلى بعضهم في اهتمام شديد، وقال رقم «صفر»: إن هذا المحترف لا يعرفه أحد … فهو يقوم بمثل هذه المهمات الدنيئة في صمت!

سكت قليلًا، ثم أضاف: إن هذا المحترف يُدعَى «جاك الصلب»، وهو رجل في منتصف العمر، أي بين الأربعين والخمسين.

ثم سكت رقم «صفر»، بينما كان «أحمد» يفكر: إن المغامرة هي القضاء على «جاك الصلب» قبل أن يقضيَ على «شريف عربي». توقَّف عن التفكير قليلًا، ثم قال لنفسه: لو أننا نملك ملامحه وأوصافه، فإننا نستطيع القضاء عليه، وهذه مهمة ليست صعبةً!

جاء صوت الزعيم يقول: إن عملاءنا في الولايات المتحدة … قد أرسلوا لنا تقاريرَ عن «جاك الصلب»، وهذه التقارير سوف تجدونها قبل رحيلكم … لكن القضية الآن هي أن صورة «جاك الصلب» قد بُهتَت … فقبل أن تَصِل إلينا كانت ملامحه قد اختفَت تمامًا، وتحوَّلَت الصورة إلى مجرد كارت أبيض، وفي مركز الأبحاث جرَت دراساتٌ وأبحاث حول هذه الصورة لاستعادة تفاصيلها، ولم نَصِل بعدُ إلى نتيجة … لكن مركز الأبحاث لا يزال يعمل … وربما توصَّلنا إلى نتيجة، أن نُرسل إليكم الصورة الخاصة بالمدعو «جاك الصلب» صمت قليلًا، ثم أضاف: غير أننا نملك بعض أوصافه، وهذه سوف تُساعدكم في مهمتكم … إنه يبدو صلبًا فعلًا، كما جاء في التقارير.

فجأة تردَّد صوتٌ متقطع … فقال رقم «صفر»: سوف أغيب عنكم لحظات … فيبدو أن تقاريرَ جديدة في الطريق!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤