طريق عين كفاع

صاحب الفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية المعظم١
سيدي

لا أرمي من وراء ما أقوله لك إلى استنهاضك للعطف علينا، فأنا من رأي الشاعر القائل:

ذهب الذين تهزُّهم مُدَّاحُهم
… … … … …

لكنها مقدمة أحوجتنا إليها النتيجة، فأنت أعلم الناس بالمقدمة، وقد لا تكون جاهلًا النتيجة؛ لأنك ابن لبنان في كل عصر، وصاحب البيت أدرى بما فيه، وأشد الناس غيرة عليه.

نذكر المقدمة لأمرين؛ أولًا: لنعلم أننا عارفون للجميل وذاكرون، وثانيًا: لنصل إلى ما نرمي إليه.

يا سيدي

هذه البلاد — بلاد جبيل — بقممها وأوديتها وكنائسها وأديارها ومدافنها، تتحدث بأعمال جدك العظيم — رحمه الله — وتذكر أياديه البيضاء على الشعب، وخصوصًا عليها في هذه البقعة التي اختصها بعطفه وحنانه؛ فقد كانت في ذلك الزمان مشمولة بعناية سعد الخوري، المثلث الرحمات والسعيد الذكر، فأسعدها في عهد الشقاء، وأقرها في زمن الاضطراب، فما كان أشد ارتياحها حين تلقت بشرى رئاسة حفيده العظيم! فعلَّلت النفس بانبعاث ذلك العهد الطيب؛ لأنها لا تخطر لحكام هذا الزمان ببال.

إلا أنه منذ أعوام قليلة نظرت — ونكران الجميل عيب — إدارة النافعة إلى هذه البقعة فأحدثت فيها طرقًا جمة أحدقت بنا من كل الجهات، فمن الشمال طريق دير مار يوسف جربتا. وهذه صنعت لبعض راهبات متعبدات نفعنا الله بصلواتهن، ولم ينفق مال لهذه الطريق إلا لأنها ستتصل بنا فتربط بلاد جبيل بالبترون، ومن الشرق طريق بجه، ومن القبلة طريق غلبون، ومن الغرب طريق معاد. ولكي لا يخفى على فخامتكم موقعنا، أتبعت كتابي هذا بخطوط تقريبية؛ لأنني لست بالمهندس ولا بمَن يحسن الرسم، فعذرًا.

ولما اتصلت الطرق بهذه القرى المعلومة وقف دولاب العمل؛ لأننا لم نلح على أرباب الحل، ولم نلجأ إلى مَن يؤثرون عليهم، بل لا نريد أن نلتجئ.

وطريقنا مقررة في الدور الفائت من «المنافع العامة»، والغاية من هذا القرار إيصالها إلى من يهمهم أمرهم، فكان ذلك وأُهملنا نحن؛ فالرئيس العام يهمه ديره، والمطران بيته. أما نحن فحسبنا رضى الاثنين.

طريقنا، يا فخامة الرئيس، مقررة ومسجلة بالنافعة تحت رقم ٢١١٦، بتاريخ ٢٢ آيار سنة ١٩٣٢، وقد ذكَّرنا سلفكم الدباس بها، فما نفعت الذكرى! في حين أننا لم نطلب غير حق صُراح، ولم نطلب إلا شيئًا زهيدًا؛ فالمسافة كلها من غلبون إلى عين كفاع ثلاثة كيلومترات معظمها سهل، وأقلها هين لا يحتاج شقها إلى ألفين ليرة سورية.

ولا أزيد مولانا علمًا بمنافع هذا الخط؛ فهو بمطاوي بلاده، فهذا الخط وسط يبتدئ من جبيل فعمشيت، فدير مار يوسف جربتا، فمار يوحنا مارون، ومن هناك إلى الديمان فالأرز، ولم يبق لوصله غير ستة كيلومترات فقط؛ ثلاثة من غلبون إلى عين كفاع، وثلاثة أخرى من عين كفاع لدير مار يوسف، وبهذه الكيلومترات الثلاثة تنفتح أقرب طريق للأرز صالحة للسير، صيفًا شتاءً، في جو معتدل.

فهل لفخامة الرئيس المعظم أن يعير هذه الرسالة انتباهًا؛ فقد مللنا العرائض الرسمية حتى اعتمد عليَّ بعرض القضية على فخامتكم أبناء قريتي عين كفاع ومزرعتي غبالين، وصليب غلبون وبيت الأشقر.

إننا يا سيدي الرئيس منقطعون عن البلاد، حاصلاتنا كلها لا تباع، وإن بيعت فبأبخس ثمن، ومرضانا لا يصل إليهم الطبيب إلا في دور النزع و… و…

فهل تسجلون في هذه البقعة أثرًا جديدًا لبيت «السعد»؟ فكلنا نذكر ونرى الوادي العظيم — وادي القطين — الذي كان يجيئه جدكم للصيد مع أمير البلاد.

فهناك، يا سيدي، في ذلك الوادي الذي ستخترقه الطريق، سنجل ونسجل اسم «حبيب باشا السعد» على أمثل الصخور ذكرى لفتح هذه الطريق؛ لتقرأ الأجيال اسم ابن لبنان الوفي، نصير الضعفاء الذين لم يستصرخوه ولم يتقدموا إليه بواسطةٍ غير عدلِه.

وتقبل، يا سيدي العظيم، طارفًا وتالدًا، فائق احترامي، وأحر أدعيتي وأدعية مئات ببقائك طويلًا.

عين كفاع
٣٠ تموز ١٩٣٤

سعادة مدير النافعة الأفخم
سيدي

ما أحببت أن أثقل عليك برسالة طويلة؛ ولذلك أوجزت.

تذكر سعادتك أنك كنت مرشدي إلى المرجع الذي يقرر لنا الطريق، وتذكر أن ذلك المرجع الذي نذكره بالخير قرر لنا الطريق، وسعادتك وعدتني بالشروع بشقها في أول آذار. إنني واثق كل الثقة بكلمتك تلك، ولكنني قرأت اليوم أن معالي أمين سر الدولة قابلك مع مستشارك وبحثت ما يجب إحداثه من طرق في هذا العام؛ فعسى ألا تكون نسيت طريقنا — طريق غلبون عين كفاع — فكل آمال عين كفاع والقرى المجاورة لها معلقة عليك. أما إذا كان هناك من مانع جديد، فأرجو أن ترشدني مرة أخرى فتكسب أجر سبع قرى.

وختامًا، تفضل، يا سيدي المدير، بقبول فائق اعتباري واحترامي.

عاليه
٧ شباط ١٩٣٦

صاحب المعالي الأفخم

يتشرف مارون عبود، مدير الجامعة الوطنية في عاليه وأستاذ الأدب العربي فيها، بالأصالة عن نفسه، وبالوكالة عن أهالي قريته عين كفاع في بلاد جبيل، بعرض ما يأتي:

لقد ظلمتنا الأقدار بأن أوجدتنا في بلاد جبيل المحرومة من وسائل العمران، وظلمتنا الحكومة طيلة سبعين سنة بعدم اهتمامها بنا حتى بإصلاح طريق الحافر غير الصالحة للمرور عليها، بل غير الموجودة تقريبًا.

بقينا مدة ستين سنة نطلب من الحكومة ونتوسل ونرجو ونسترحم، حتى اعتبرت طريقنا منذ سنوات من المنافع العامة وقررت شقَّها، وعدنا بعد ذلك نتوسل مدة سنوات حتى أمر فخامة رئيس الجمهورية السابق في العام الماضي سنة ١٩٣٥ بشقِّها، ووعد حضرة مدير النافعة بمباشرة العمل في هذا الشهر قائلًا: قد انتهت والحمد لله.

وكل ما نطلبه نحن هو شق الطريق من قرية غلبون إلى أول خراج قريتنا عين كفاع، ونحن نشق ما بقي على نفقتنا. وهذا الذي نطلبه من الحكومة الجليلة لا تتجاوز مسافته كيلومترًا واحدًا، ولا تبلغ نفقته الألف ليرة سورية لبنانية. وهذه القيمة، يا سيدي، أقل من كلفة كوع، أقل من كلفة عمار «شلقة». ومن هذه الطريق تنتفع سبع قرى تدفع ضرائب الطرق منذ سبعين سنة، ولا تنفق الحكومة على طريقها غرشًا سوريًّا، مع أنها تعمل للقرى الطرقات الواسعة وتزفتها، فتكلف مئات ألوف الليرات.

يظهر أننا نحن متساوون مع غيرنا بالضرائب فقط؛ ذلك لأن ليس لنا نواب يهتمون بشئوننا، ولا متوظف منا.

راجعنا اليوم حضرة مدير النافعة بقضية مباشرة شق الطريق، فأجاب أنه عرضها على معاليكم يطلب موافقتكم عليها. كل هذا يصير اليوم بعد قوله: انتهت والحمد لله.

إننا نحمد الله مرة أخرى على أن هذه الموافقة تطلب من شخص هو في اعتقاد الجميع خير ضمانة للعدالة والإنصاف ورفع الظلم، تأبى نفسه الكبيرة أن يبقى شعب مثلنا مظلومًا طول سبعين سنة؛ لأن لا واسطة له غير حقه الصريح، وطلبه مساواته بغيره من الرعايا اللبنانية.

فمن شخصكم الكريم ألتمس الموافقة على شق هذه الطريق — طريق عين كفاع — التي لا يستطاع المرور عليها.

وتفضلوا بقبول فائق احترامي واعتباري وشكري.

عاليه
١٦ / ٢ / ١٩٣٦

صاحب الفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية المعظم
سيدي

يتشرف مارون عبود، مدير الجامعة الوطنية بعاليه، من قرية عين كفاع في بلاد جبيل، بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن أهالي قريته عين كفاع وجوارها، بعرض ما يلي:

إن قريتنا عين كفاع مع ست قرى حواليها لا طريق لها سوى طريق حافر مخربة غير صالحة حتى لمرور البهائم، ومنذ سبعين سنة؛ أي منذ نشأة المتصرفية إلى اليوم، ونحن ندفع بدل طرقات ونطلب إصلاح طريقنا هذه الوحيدة. ولم يكن من يسمع ولا من مجيب ولا من رحيم؛ لأنه لا نائب ولا متوظف من ناحيتنا.

وبعد سعي ومراجعات لا تُحصى، قررت الحكومة اللبنانية اعتبار طريقنا من المنافع العامة ووجوب عملها، وذلك سنة ١٩٣٢ في ٢٢ أيار تحت رقم ٢١١٦، مديرية النافعة.

ثم بعد مراجعات وتوسلات واسترحام سنوات، صدر أخيرًا أمر فخامة رئيس الجمهورية السابق حبيب باشا السعد — حفظه الله — بشقِّها، وذلك في ١٧ تشرين الثاني سنة ١٩٣٥ تحت رقم ١٠٠٧، على أن تؤخذ نفقاتها من فضلات ميزانية سنة ١٩٣٥، أو توضع في ميزانية ١٩٣٦.

ومضت سنة ١٩٣٥ وجاءت سنة ١٩٣٦، فما أخذوا لها شيئًا من الميزانية الأولى، ولا وضعوها في الميزانية الثانية، وبقينا حيث كنا نرجو ونسترحم ونراجع، حتى طلب حضرة مدير النافعة من أمانة سر الدولة، بتاريخ ٢٤ شباط سنة ١٩٣٦، تحت نومرو ١٠٧٣، الموافقة على صرف ألف ليرة سورية لشقها من قرية غلبون إلى أول خراج عين كفاع، ومن أول الخراج حتى الضيعة؛ نشتغل نحن بأيدينا ونوصلها إلى قريتنا، فوافق معالي أمين السر الدكتور أيوب ثابت، ورفعت الأوراق إلى مقام فخامتكم لتصديقها. ولنكد طالعنا، رأيتم فخامتكم أن تُؤجَّل إلى آخر السنة ليؤخذ لها هذا المبلغ من فضلات الميزانية إذا فضل شيء حينئذٍ.

سيدي الرئيس

أقسم لك أن هذه الطريق لا يحتمل تأجيلها، وهي ضرورية لحياتنا وسلامتنا، فالمرضى منا يموتون ولا يصل إليهم طبيب، وحاصلاتنا تذهب ضياعًا، ولا نتمكن من نقلها إلى الأسواق.

إن كل ما نطلبه، يا مولاي، هو صرف ألف ليرة سورية لا غير. وهذه القيمة أقل من كلفة عمار «شلقة» وتقويم كوع! وهل يجوز أن نبقى نحن بلا طريق حافر، على الأقل، صالحة للمرور، ونموت بلا طبيب، وتبقى حاصلاتنا في بيوتنا، وكلها من الأثمار التي لا تنقل بسهولة؛ كالتين والعنب والإجاص وغيره، بينما القرى الأخرى يصرف المال الكثير على توسيع طرقاتها واختصارها؛ لتقريب المسافة وتزفيتها لتسهيل المرور؟

هذا وكلنا متساوون بالضرائب، وقد نؤديها نحن المساكين قبل غيرنا!

لا أظن مولاي الرئيس يرضى بذلك، وهو المشهور بضميره الحي، وحبه للعدل والإنصاف.

وتفضلوا، يا فخامة الرئيس، بقبول دعائنا جميعًا وشكرنا واحترامنا.

٨ آذار سنة ١٩٣٦

حضرة السيد مارون عبود المحترم، مدير الجامعة الوطنية، عاليه

جوابًا على استدعائكم المقدم إلى فخامة رئيس الجمهورية، أتشرف بإبلاغكم أن مهندس الدائرة الفنية يقوم حاليًّا بتخطيط طريق عين كفاع والقرى المجاورة لها.

وتفضلوا بقبول احترامي.

مدير غرفة الرئاسة
جورج حيمري

معالي وزير الأشغال العامة في الجمهورية اللبنانية الأفخم
سيدي الوزير

يتشرف مارون عبود من قرية عين كفاع، جبيل — مدير الجامعة الوطنية بعاليه — بالأصالة عن نفسه، وبالوكالة عن أهالي قريته، بعرض ما يأتي:

بعد مراجعات وتوسلات مدة ثلاثين سنة، بشق طريق لقريتنا عين كفاع المحرومة حتى من طريق حافر صالحة للسير، تقرر أخيرًا إنشاء هذه الطريق من غلبون إلى عين كفاع، وأدخلت في ميزانية هذه السنة ١٩٣٧. ولما كان خططها المهندس السيد وديع البعقليني، بناء على أمر فخامة رئيس الجمهورية المعظم، وقدم خريطة ذات خطين؛ الأول: طويل يصعد إلى أعلى غلبون ثم ينزل إلى محلة الصليب فعين كفاع، والثاني يمتد من أسفل غلبون إلى الصليب فعين كفاع، وهو أقصر جدًّا من الخط الأول، ولا يدري حضرة رئيس المكتب الفني أي الخطين تفضِّل الحكومة الجليلة ليلزم الطريق؛ لذلك جئت ألتمس من سعادتكم الاطلاع على الخريطة وصدور أمركم الكريم بالخط الموافق؛ ليباشر بتلزيم هذه الطريق قبل فوات الأوان.

وتفضلوا، في الختام، بقبول فائق احترامي ومزيد شكري.

عاليه
١٤ / ٢ / ١٩٣٧

سيدي الوزير الجليل٢

بعد جهاد متواصل عشرات السنين، أمر فخامة الرئيس السابق بشق طريق لعين كفاع اليتيمة البائسة، وذاك في سنة ١٩٣٥، فأُجِّل إلى سنة ١٩٣٦، ثم إلى هذه السنة، فأدخلت في الميزانية وصدر مرسوم جمهوري باعتبارها من المنافع العامة ولزوم شقها، فراجعنا من يعنيهم الأمر كمعالي الوزير السابق إبراهيم بك حيدر، فأصغى إلينا، ولكن «التعديل» حال دون ذلك.

ومنذ أسابيع، راجعت مديرية النافعة وأقلامها وحتى الآن لم أفز بشيء. صدقني يا معالي الوزير الشريف إن قلت لك: إن ما قدمته من العرائض الرسمية حتى الآن لا يقل عن المائة، والغريب أنني ما زلت حيث كنت؛ كمَن يسعى في حلمٍ ويظل في فراشه.

فهل يتنازل معالي الوزير ويأمر بشق طريق عين كفاع أمرًا جازمًا يغنينا عن التوسلات والمراجعات التي لا نهاية لها؛ فقد حان — كما قالت أم الزبير — لهذا الفارس أن يترجل؟

فها أنا أكتب إليكم، كما يكتب مظلوم إلى مَن ينصفه، متوسلًا إليكم بحرمة أجدادكم، وبالهواء الذي تنشقه كلانا، والماء الذي نرده، وبالاختصار برابطة البقعة التي لا نصير لها غيركم، وهي تفتخر بوزارة أحد أبنائها، وهو سيد في ميلاده وجهاده.

والسلام على سيدي ورحمة الله وبركاته.

٩ نيسان ١٩٣٧

أخي٣

فتحُ طريق عين كفاع دخل في موزانة السنة الجديدة، رغم قلة المال، والمشاريع الكثيرة، والنقليات والتقلبات المعدة، والضربات السياسية الساخنة …

وقد عرف الأستاذ كسيب هذا الخبر الطيب من فخامة الرئيس.

الحمد لله. اكتب إلى حبيب بالنبأ الخطير، وادع للسلطان بالنصر.

أصافحك بولاء.

سيدي٤

تحية واحترام، وبعد: فما نسيت حسن استقبالكم واهتمامكم؛ ولهذا جئت شاكرًا ومُذكِّرًا، فعسى أن تكون جرت الرياح بما تشتهي السفن، وتقرر نهائيًّا «تلزيم» طريق عين كفاع في ٧ أيلول كما أمر معالي الوزير، وأمرتم بكتابة الإعلان.

لم نقرأ شيئًا عن ذلك في الصحف؛ ولذلك جئت مستعلمًا من جنابكم، ورجائي كبير أنكم تتلطفون بكلمة تروي الغليل؛ فقد حان لهذا العليل أن يشفى أو يفارق.

حفظكم الله وأبقاكم.

عين كفاع
٢٨ / ٨ / ١٩٣٧

سيدي، صاحب الفخامة المعظم

بعد تقديم أسمى الاحترام، أعرض:

عشرون قرية أو أكثر من وسوط بلاد جبيل وساحله الشمالي تشكو العطش، ولا تجد للسقيا غير ماء الشتاء الملوث غالبًا. تسمع قرانا بمشاريع الري، وتدفق اعتماداتها هنا وهنالك، وهي محرومة حتى من إرواء الغليل؛ ففي كسروان مشروع نبع العسل، وفي بلاد البترون مشروع نهر الجوز، وشطنا البحري له مياه نهر إبراهيم، إلا هذه البقعة المسكينة التي نعيش كما عاش جدودكم فيها، فإنها تشكو العطش وليس من يرحمها، فحالها كما قال الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول!

أجل، هذه هي حالنا؛ فجردنا ريَّان، وساحلنا عطشان! وكان لنا أمل بنبع يخرج من أسفل جبل ميفوق يسمى نبع قطرة، وقرانا: بجة، الخاربة، عين كفاع، غبالين، معاد، غرزوز، بخعاز، شيخان، المنصف، الحلوة، البربارة، كفر كدة، شموت، جدايل، الريحانة، حصرايل، كور الهدى، الرومية، غلبون، شامات، حصارات، حبالين، الكفر، كفون، غرفين، عمشيت، تنتظر جرَّ مياهه إليها لتشرب.

قد طالبنا بذلك، في عهود مضت، فكان الجواب المثل المشهور: «أسقيك بالوعد يا كمون.» ومنذ أيام — إن صح ما شاع — تحطم هذا الأمل الذي عشنا به زمنًا؛ إذ سمعنا أن الرهبانية اللبنانية تدَّعي ملكية نبع قطرة؛ لأنه انبثق منذ بضعة عشر عامًا من كعب أرضها.

ليس، يا سيدي، للرهبان أقل حق في هذا النبع لتدَّعي ملكيته وتتصرف به تصرف المالك، وتعزم على جر مياهه إلى دير كفيفان. إنها إذا قدرت — ولا تقدر ما دام في الدنيا عدل — تخالف كثيرًا من النواميس الطبيعية والعرفية:
  • (١)

    إخراج ماء من منطقة هي في حاجة قصوى إليه.

  • (٢)

    من نواميس المياه أن تذهب نزولًا، فآباؤنا الرهبان — هداهم الله — يريدون أخذها بالورب وطلوعًا؛ ليرضوا مآربهم وعنادهم المشهور.

  • (٣)

    المياه ملك الدولة، وهم يريدون إن استطاعوا أن يتصرفوا بها تصرف المالك بملكه، مدعين أنهم يجرونها إلى دير لهم هناك، مع أن لهم عندنا ديرًا مثله هو دير معاد.

يظهر أن المحبة خصائص، كما يقولون؛ ولهذا يفضلون ديرًا على دير؛ ليغتصبوا ماءً هو ملكنا، وليس لهم فيه أقل حق مكتسب.

يقولون: «الماء لا يمر على عطشان.» ولكن هذا لا يفهمه الراهب، ويتجاهلون كل ذلك لينفقوا من مال أوقافنا أضعاف الأضعاف، ولا يبالون بنا مع أنهم يعلمون أن مال وقف عين كفاع مثلًا لا يسوغ لأحد، مهما كبرت سلطته الدينية، أن يأمر بإنفاقه في قرية أخرى إذا لم ترض القرية صاحبة الوقف، فكيف يحق للرهبان إذن أن ينقلوا مال وقف من مقاطعة إلى مقاطعة، وهذه المقاطعة مضطرة إليه ولا تحيا بدونه.

إذا أرادوا أن يسقوا دير كفيفان، فعندهم ينابيع عديدة يتنعمون بها؛ مثل: نبع حريش ونبع المغارة وغيرهما، وهي أقل تكاليف، وأغزر منافع، وهل يحق لهم أن يجودوا بمالنا على غيرنا؟

فإلى مقامكم الأسمى أشكو جور الذين يعيشون بأرزاق الأجداد، ويعطشون الأولاد والأحفاد، ولا يسقونهم كأس ماء بارد باسم من ترهبوا حبًّا به، ونذروا العفة والطاعة والفقر، وحبًّا به أيضًا وقف المؤمنون من أجدادنا أرزاقهم، وحبسوها على الرهبان الأتقياء في ذلك الزمان.

وبناءً على كل ما تقدم عرضه لفخامتكم، ألتمس إحالة عريضتي هذه، التي تدعمها عرائض القرى الآنفة الذكر؛ لأنني بلسانها أتكلم وألتمس ما ألتمس، آملين جميعًا أن نشرب في عهدكم، وإذا لم يُصغَ إلى صوتنا عشْنا عطاشًا إلى الأبد، أو تركنا قرانا خاوية على عروشها.

فتفضلوا بأمر من يعنيهم الأمر أن يدرسوا قضيتنا الخطيرة بتروٍّ وإمعان، وإذ ذاك نروي ظمأنا ونشرب كغيرنا من أبناء لبنان وهنيئًا لمن شرب.

أيَّد الله فخامتكم وأمدكم بعونه؛ لتقوموا بالأعباء العظمى الملقاة على عاتقكم، سيدي.

١٩ / ٧ / ١٩٤٥

صاحب الدولة رئيس الحكومة الأفخم
سيدي
احترامات فائقة

وبعد، فأعرض لدولتكم أن بقعتنا محرومة من جميع المنافع، وليس لها من يعتني بها؛ لأننا كما يقول المثل: كلٌّ يغني على ليلاه، وليلانا نحن مسكينة ليس لها من يغني عليها، فارتأت القرى المحرومة من المنافع أن تستغيث بدولتكم وتستجير بكم؛ فطريق عين كفاع — دير مار يوسف ذات منافع عامة لبلادي جبيل والبترون، وهي أقرب الطرق العمومية لوصل المحافظتين، وهي أوجز خط يصل جنوبي لبنان بشماليه. إن هذا الخط حياة لبلادي جبيل والبترون.

إن هذه الطريق قد خططت تخطيطًا نهائيًّا يوم كان حضرة النائب أمين بك السعد، وزير الأشغال العامة، وهي زهاء ستة كيلومترات، فألتمس من دولتكم باسم القرى التي ليس لها نصير تخصيص اعتماد لهذه الطريق الهامة جدًّا في ميزانية عام ١٩٤٦، رافعًا لمقامكم، برفق عريضتي هذه، بضع عشرة عريضة مُوقَّعة من أهالي القرى، ومصدقة من مختاريها، ولا يزال هناك بضع عشرة عريضة قيد التوقيع، وسنرفعها قريبًا لمقامكم الرفيع.

دُمتم سندًا لمن لا سند لهم، وبقيتم للبلاد جمعاء خير محب وغيور على مصالحها العامة.

عين كفاع
١١ / ٨ / ١٩٤٥
١  الرئيس حبيب باشا السعد.
٢  معالي الوزير السيد أحمد الحسيني.
٣  البحاثة يوسف إبراهيم يزبك.
٤  المقدم بهيج مزهر، مهندس المنطقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤