خاتمة

يعتمد العمل الجماعي من أجل الابتكار — كما أوضحتْ أمثلةٌ كثيرة في هذا الكتاب — على وجود التزام تجاه خلق عالَم أفضل بدرجة صغيرة أو كبيرة. يتوقف حجم الإسهام على نوع العمل الذي تضطلع به، ونوع المؤسسة التي تعمل لديها، لكن بغضِّ النظر عن المكان الذي تعمل فيه، البدءُ في الابتكار يُعَدُّ نوعًا من الأمل.

وآمل أن يساعدك هذا الكتاب القصير على النجاح في سعيك للابتكار؛ ولبلوغ هذه الغاية، تلخِّص هذه الخاتمةُ الأفكارَ الرئيسية والتوصيات التي تساند كلَّ جانب من جوانب رحلة العمل الجماعي من أجل الابتكار، وتَعرِض بعضَ التأملات في السمات اللازم توافرها في القادة الذين يساهمون في تحقيق الابتكار.

(١) نصائح مهمة لرحلةِ ابتكارٍ ناجحةٍ

(١-١) التطلُّع إلى هدف طموح

تطلَّعْ لتغيير شيء ما: تطلَّعْ لهدفٍ طموح ذي مغزًى؛ هدفٍ يرتبط بطريقةٍ ما بجعل العالَم مكانًا أفضل، سواء أكان من خلال توفير منتجات وخدمات مهمة تحسِّن حياةَ العملاء، أم من خلال تقديم حلول لمشكلات مزعجة.
أَشْرِكِ القلوبَ والعقولَ: تروق أكثر الأهداف تحفيزًا للابتكار للعقل والشعور؛ فهي تكون مهمة للمؤسسة، وتلقى صدًى عاطفيًّا لدى الأفراد الذين سيجتهدون لتحقيقها.
اسعَ وراء هدف طموح: إن الأهداف الجديرة بالعناء من أجل تحقيقها محفوفةٌ بالتحديات، لكنها ليست مستحيلة؛ فإذا بَدَا أن الهدف مستحيل تمامًا، يكون الأشخاص أقلَّ تحمُّسًا، وغالبًا أقلَّ مقدرةً على التعبير بصراحةٍ عمَّا يدور بخلدهم بهذا الصدد. على الجانب الآخَر، إن لم يكن الهدف طموحًا بدرجة كافية، فقد لا يكون الابتكارُ مطلوبًا لتحقيقه.
اخلُقْ مناخًا آمنًا: عند تحديد هدف للابتكار، تأكَّدْ أنه من الواضح أنك تريد أن تسمع آراء الآخرين؛ لذا فإن الحوارَ المفتوحَ ضروريٌّ لزيادة إيمان الموظفين بالهدف وتحمُّسهم لتحقيقه؛ والمناخَ المفعمَ بالأمان النفسي لمناقشة المشكلات وإثارة الأفكار ضروريٌّ لدفع الموظفين للاصطفاف وراء هدف مشترك.
استفسِرْ: الجَأْ إلى الاستفسار لدعوة الآخرين إلى المساهمة في تطوير هدف مشترك وزيادة تحمُّسهم لتحقيقه.

(١-٢) تشكيل فريق العمل

احرِصْ على التنوُّع: اسْعَ إلى جمع أفراد من وظائف أو مِهَن أو مواقع أو مجموعات مؤسسية أخرى مختلفة معًا؛ فالابتكارُ ينتج عن توليفات جديدة من الأفكار والمهارات.
تجاوَزِ الحدودَ: لا يمكن أن يُستَغَل التنوع جيدًا، إلا إذا تجاوَزَ الأفرادُ الحدودَ لاكتشاف ما يوجد على الجانب الآخَر منها. ينبغي أن يتم تشجيعُ الأفراد على تجاوُز حدود التخصُّص والمسافة والمكانة الوظيفية.
غذِّ الفضول: نَمِّ وعزِّزْ ذلك النوع من الفضول الذي يدفع الأفرادَ المتجاوزين حدودَ التخصُّصات إلى الانخراط في عملية التعلُّم المتبادَل.
اخلُقْ مناخًا آمنًا: يلعب الأمان النفسي دورًا محوريًّا طوال رحلة الابتكار. لا يمكن أن يتم تشكيلُ فريقِ العمل بنحوٍ كامل وفعَّال، إلا إذا شعر الأشخاص بالأمانِ الكافي للانفتاح، ومشاركةِ أفكارهم وآمالهم ومخاوفهم.
ضَعْ توجيهات عامة للعملية: يسير العمل الجماعي جيدًا حين يتَّبِع الأفراد نظامًا للعملية لتذكير أنفسهم بالتواصل بعضهم مع بعض، مجتازين معًا مراحلَ الاستماع والتعلُّم والمشاركة والتعاطف والإبداع.
أحسِنِ استغلالَ الخلاف: الأفكارُ المتعارضة مهمةٌ جدًّا للابتكار، لكنَّ الخلافَ يمكن أن يثير انفعالاتٍ قويةً وسمات شخصية سلبية. أَدِرِ الخلافَ بحرص من خلال ثلاث ممارسات تتمثَّل في: إدارة الذات، وإدارة الحوارات بعناية، وبناء علاقات مَرِنة.

(١-٣) الإخفاق بذكاء

أوقِفْ لعبةَ إلقاء اللوم: تتراوح أسباب الإخفاق بين حالاتِ الإخلال العمدية والتجاربِ المدروسة التي تأتي بنتائج غير متوقَّعة. في المؤسسات، نادرًا ما تقع الإخفاقاتُ الناتجة حقًّا عن أفعال جديرة باللوم، لكنَّ الاستجابةَ التلقائية الشائعة هي التعامُل مع الإخفاقات كما لو أنه يجب أن يُلقَى باللوم على شخصٍ ما. ويمثِّل سدُّ هذه الفجوة مفتاحًا لبناء ثقافة الابتكار.
ميِّزْ بين أنواع الإخفاق الثلاثة: ليست كل الإخفاقات متساويةً؛ فبعضها يمكن تجنُّبه، وبعضها مرتبط بالتعقيد، وبعضها ذكيٌّ.
حفِّزْ على الإخفاقات الذكية: إن كثرة الإخفاق الذكي هي مفتاح الابتكار السريع.
أَخفِقْ على نطاق مناسب: يجب ألَّا تراهِن الشركةُ على فكرة جديدة غير مؤكدة وتُطبِّقها على نطاق واسع؛ عليها أولًا اختبار الفكرة على نطاق محدود، والتعلم بسرعة من الجوانب الناجحة ومن الجوانب غير الناجحة؛ وهذا هو الأهم.
اخلُقْ مناخًا آمنًا: تتميَّز المؤسسات المبتكرة بمناخ ملموسٍ قوامُه الأمانُ النفسي الذي يكافئ الإخفاقَ الذكي.

(١-٤) التعلُّم بسرعة

تأنَّ في خطوات عملية التعلُّم الأربع: التشخيص والتصميم والتنفيذ والتأمُّل.
كنْ واعيًا بعوائق كل خطوة: يمكن التغلب على عوائق التشخيص والتصميم والتنفيذ والتأمل، من خلال انتباه القادة إلى العملية، وإلى ما يحاول الأشخاصُ تعلُّمَه بسرعةٍ في الخطوات المختلفة للعملية.
اعتبِرِ العملَ عمليةَ تعلُّمٍ: يعتبر معظمُ الأشخاص الإطارَ المركز على التنفيذ لإنجاز العمل أمرًا مسلَّمًا به؛ لذلك فإن اعتبار العمل عمليةَ تعلُّمٍ يُعَدُّ دافعًا أساسيًّا للابتكار.

(١-٥) تكرار العملية

استمِرَّ: عزِّزِ التزامَك الشغوفَ تجاه الابتكار والتعلُّم، داعِمًا إياه بالسمات الأساسية للقيادة.

(٢) القادة المبتكرون

تستحق بعضُ الصفات، التي تفيد القادةَ كثيرًا في رحلة الابتكار، أن نُعِيرها اهتمامًا خاصًّا، وهذه الصفات هي: الخيال والفضول والشجاعة والمرونة والنظام والمثابرة.

الخيال: بدايةً، التطلُّع إلى هدف طموح عمليةُ تخيُّلٍ. يحتاج التوصُّل إلى احتمالات جديدة — بطبيعته — إلى التخيُّل، أو الأفضل أن نقول القدرة على تنميته في الآخرين. لقد كنَّا جميعًا في طفولتنا واسعي الخيال، والآنَ حان الوقتُ لإعادة استخدام هذه السمة الفطرية وتعزيزها.
الفضول: حتى يبتكر الأفراد، يجب أن يكونوا شديدي الاهتمام بما لدى الآخرين ليقدِّموه، بغض النظر عن رتبتهم أو منصبهم الرسمي في الهيكل الوظيفي للمؤسسة. إن التعرف بسرعة على أشخاصٍ من خلفيات وتخصصات مختلفة — أشخاصٍ يتحدثون لغاتٍ مختلفةً (من الناحية الثقافية ومن الناحية المهنية) — يعني الاستماعَ إلى وجهات نظرهم، ومراجعةَ المرء لفهمه، ودمْجَ معلومات جديدة فيما نراه ونفعله. بالطبع يتطلَّب هذا إجراءَ تَقَصٍّ بارع كذلك، لكنْ يبقى الفضولُ القوةَ الدافعة وراء كلٍّ من العمل الجماعي والابتكار؛ فحين تكون فضوليًّا، يكون التقصِّي فعلًا طبيعيًّا وتلقائيًّا. والتقصِّي العبقري هديةٌ تقدِّمُها للآخرين.
الشجاعة: الابتكارُ عمل محفوف بالمخاطر، والمخاطَرَة تتطلَّب شجاعةً. يتعيَّن عليك أن تكون قادرًا على التعبير عمَّا يدور في عقلك، وأن تُغيِّرَ رأيك، وأن تقوم بالتجريب؛ ولذلك من المهم أن تبني ثقافةً تقوم على الأمان النفسي. وحتى عندما تفعل ذلك، ستحتاج إلى الشجاعة خلال تصميم وتنفيذ التجارب التي تمكِّنك من الابتكار، عالِمًا تمامَ العلم أن كثيرًا من هذه التجارب سيبوء بالفشل.
المرونة: الابتكار عمليةٌ كثيرةُ التغيُّرات، رحلةٌ يكتنفها عدم اليقين؛ فأنت دائمًا تجهل مقدَّمًا ما هو المتوقَّع منك؛ لذا فالمرونةُ — تلك القدرة على تغييرِ المسار، واعتناقِ أفكار جديدة، والاعترافِ بالفشل، وتجربةِ شيءٍ آخَر — سمةٌ أساسية ومهمة.
النظام: للابتكار بفعالية، يتعيَّن أن يتم التعلم بسرعة، ولا يقتصر سببُ ذلك على أن المنافسين يحاولون الابتكارَ كذلك؛ بل لأن مواردك ليست غير متناهية. إن التعلُّمَ السريع تعلُّمٌ منظَّم؛ قد يبدو فوضويًّا، لكن التعلُّم الذي يحدث في أكثر الشركات ابتكارًا يكون منهجيًّا ومنظَّمًا.

ثمة صفة أخرى تنتمي إلى هذه القائمة من الصفات؛ أَلَا وهي: «المثابرة» لبدء كل ذلك من جديد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤