الصيدلة الحديثة

(١) في القرن الثامن عشر

بدأت في ذلك العصر شوكة الصيادلة في الازدياد وتواردت عليهم الأرباح، ولم يكتفوا بأثمان التذاكر وتحضيرها، بل اخترعوا الأدوية المختلفة للكثير من الأمراض، وبلغ دخل بعض الأشخاص ما يقرب من ١٥٠ إلى ٣٠٠ جنيه شهريًّا، واشتد النزاع بين الأطباء والصيادلة في إنجلترا لطغيان الطائفة الثانية على الأولى، وقُدِّمت شكوى ضد صيدلي يُدعَى «وليم روز» بأنه وصف دواء لجزار مريض، وعُرِضت هذه القضية في مجلس اللوردات وأخذت دورًا هامًّا من المناقشات الحادة، وأخيرًا صدر الحكم في جانب الصيادلة، واعتُرِف بهم رسميًّا أنهم من العائلة الطبية Medical Practioners. وقد سبقت ألمانيا جميع دول أوروبا في هذا الباب، وكانت صيدلياتهم في غاية الأناقة والترتيب وحسن الذوق. وصدر في ذلك القرن عدد من الدساتير الطبية يبلغ عددها ٤٣ دستورًا، صدر أولها عام ١٧٠١ وآخِرها عام ١٧٩٩م.

(٢) في القرن التاسع عشر

وهو عصر جميع النهضات العلمية، وصلت فيه الصيدلة أوج عظمتها، ويمتاز هذا القرن بثالوثه المقدس الذي أحدث التطور الهائل في علوم الصيدلة والكيمياء الحديثة والطب والعلاج وكشف الجرائم، وغيرها:
  • أولًا: اكتشاف أشباه القلويات Alkalolds في الثلث الأول من القرن التاسع عشر.
  • ثانيًا: اكتشاف المنومات والمخدرات Anaesthetics في الثلث الثاني.
  • ثالثًا: اكتشاف كثير من المواد الكيماوية العضوية الصناعية Synthetic organie compounds في الثلث الأخير.

ويمكن أن نشير إلى هذا الثالوث بالرسم الآتي:

أشباه القلويات
المخدرات والمنومات الصيدلة المواد العضوية المركبة كيميائيًّا

(٢-١) أشباه القلويات

ومن دواعي الفخر لهذه المهنة الشريفة أن يكون جل المكتشفين لأشباه القلويات من الصيادلة النابهين؛ فقد كانت أبحاث الثلاثة صيادلة S. Seguin, S. Serturner, Desorne في الثلث الأول من هذا القرن عن الأفيون ومواده الفعالة فاتحةً طيبة لاكتشاف هذه الفصيلة من المواد الكيماوية.
وكان Desone صيدليًّا فرنسيًّا أجرى الكثير من الأبحاث عن الأفيون، حتى ظن عام ١٨٠٣م أنه توصَّل إلى اكتشاف مادته الفعالة التي ثبت فيما بعدُ أنها الناركوتين، ولذلك سُمِّيت Desone’s salt. وكان Seguin صيدليًّا، وقد كان ماهرًا أجرى أبحاثه عن الأفيون من عام ١٨٠٤ حتى ١٨١٤، وأجرى أبحاثًا أخرى كثيرة عن خشب الكينا، ولكنه وقع في خطأ عظيم إذ قال إن مادته الفعالة هي هيجيلاتينية. وكان يعاصر هذين الفرنسيين صيدليٌّ آخَر يُدعَى: Fredrich Welhelm adam Serturner، طبع نبذة صغيرة في عام ١٨٠٦ أذاع فيها اكتشافه حمضًا عضويًّا، سُمِّي فيما بعدُ حمضَ الميكونيك، ثم طبع نبذة أخيرة عام ١٨١٥ فيها اكتشاف المادة الفعالة للأفيون، وسماها في ذلك الحين Morphium، وكافأه المجمع العلمي الفرنسي بمبلغ ٢٠٠٠ فرنك؛ لأنه فتح بابًا جديدًا للاكتشاف الطبي باستخلاصه المورفين ومعرفة خواصه. وكان Joseph Pelletier أنبغ صيدليٍّ بحَّاثة ظهَرَ في هذا القرن بعد Scheelc، وهو ابن صيدليٍّ باريسيٍّ أجرى أبحاثه مع صيدليٍّ آخَر هو Geventou، واكتشف مادة الكينين عام ١٨٢٠، وكافأه المجمع العلمي الفرنسي بمبلغ ١٠٠٠٠ فرنك، وفي عام ١٨١٢ استخلص Vauqeelin مادة الدفنين، وفي عام ١٨١٨ اكتشف Gavenuatou & Pelleteir مادة الأستركنين والبروسين. وفي عام ١٨٢١ اكتشف Robiquet الكوديين. وفي عام ١٨٣٣ اكتشف Winckler الكينيدين.

وتتابع منذ ذلك الوقت اكتشاف أشباه القلويات ودراستها وطُرُق استخلاصها وتقديرها، وتغلغلت في أعماق الطب حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هذه المهنة، وفرعًا هامًّا من أفرع الكيمياء الحديثة.

(٢-٢) المخدرات والمنومات

وتاريخها قديمٌ جدًّا، فقد ذكر هوميروس المفعولَ المخدر لنباتٍ مصريٍّ قديمٍ سمَّاه Nepenthe، ويظن أنه نبات الخشخاش، ووصف خواصه العلاجية لشفاء بعض الآلام وتسكينها، وقد ذكر هيرودوتس استعمال أبخرة نوع من القنب للتخدير، وفي القرن الثالث أعطى Hoa Thoa العالمُ الصيني أحدَ مرضاه مستحضرًا قنبيًّا فخدَّره، وأجرى له عملية جراحية.

وقد استعمل الهنود والصينيون الأفيونَ منذ قديم الزمان بتدخينه، واستعمله قدماء المصريين بتعاطيه بالفم، وذكره ابن سينا وابن البيطار. وفي عام ١٨٠٠ اكتشف سير همفري ديفي الكيماوي فِعْلَ أكسيد الأزوتوز أو الغاز المضحك، ووصف فعله المخدر على نفسه نتيجة استنشاقه في أثناء تجاربه الكيماوية، وقرَّر إمكان استعماله في الطب.

وفي عام ١٨١٨ أثبت فراداي الكيماوي أن مفعول الأثير هو كمفعول أكسيد الأزوتوز، وبقيت نتائج أبحاث فراداي نظرية فقط يلقيها الأساتذة لطلبتهم في الجامعات، وفي ١٨٤٧ كان فتح جديد في عالم الطب إذ استعمل جيمس سمبسون الأثيرَ كمخدرٍ عامٍّ في حالات الولادة، ووجد أن آلام الوضع تخف دون تأثير على انقباضات الرحم أو ضرر بالجنين، وفي العام نفسه استعمل الكلوروفورم بدل الأثير بناءً على نصيحة الكيماوي والدي Waldi.

(٢-٣) المواد العضوية المركبة كيماويًّا

وكان أول مَن ميَّزَ بين المواد الكيماوية والعضوية وغير العضوية هو لافوازييه، الكيماوي الذي أجهد نفسه كثيرًا في هذا الباب.

وكان Scheele أول مَن صنع مادة عضوية محاكية النبات والحيوان في ذلك العام (١٧٨٦)، فقد صنع حمض الأكساليك بتفاعل السكر مع حمض الأزوتيك، وفي عام ١٨٢٢ حضَّر Dobereiner حمض النمليك بأكسدة حمض الطرطريك، وفي عام ١٨٢٨ حضر Wohler أستاذ الكيمياء في برلين سيانات النوشادر وسيانات الفضة، ووجد أن خواص هذه المادة الجديدة تخالف أملاح النوشادر الأخرى، وتشبه كثيرًا المواد العضوية، وقد انضمَّ إليه Leibig في أبحاثه، وتمكَّنَا فيما بعدُ من اكتشاف C7H5O Benzoil Radical، وعرف مركباته وأملاحه مع الكلورين واليرومين واليود.
وُلِد وهيلر في فرانكفورت عام ١٨٠٠ ومات عام ١٨٨٢، ومن أهم أبحاثه هو تحضير البولينا صناعيًّا. وفي عام ١٨٥٠ اكتشف C. F. Gerhardt أحد تلاميذ Leibig طريقةَ تقسيم المواد العضوية إلى فصائل متشابهة سُمِّيت Homologous Series، ولا يزال القرن العشرون يُذكَر بكثير من المواد العضوية التي تُظهِرها أبحاث العلماء، ومحاولة تقليد النبات والحيوان في عناصره وعمله الطبيعي، وليس غريبًا أن يكون بين ما تستعمله الفارماكوبيات المختلفة ما لا يقل عن ٢٠٠ مادة عضوية صناعية، وقد قمتُ بنفسي بإحصائها، وأهمها ما يقرب من عشرين حامضًا عضويًّا مثل: الجاويك والكافوريك والنووايك وغيرها، واليرميدون والأنتيبيرين وأملاحه، وأملاح الفضة كالإرجيرول والبروتارجول، وبعض أملاح البزموت والبروميورال والبروموفورم، وبعض أملاح الجير وأهمها الجليسروفوسفات والبنين وأملاحه والكريوزوت والهرويين والبيبازيزين والسلفارسان ٦٠٦، والنيوسلفرسان ٩١٤، والجليكول وأملاحه واليودوفورم والمثيلين الأزرق، وغيرها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤